كتابات مختارة - ركلني بقدمه من عالم إلى عالم
ركلني بقدمه من عالم إلى عالم
مشعل السديري - كاتب وصحفي سعودي -
عن جريدة الشرق الأوسط - لندن - 16-12-2018
في حياة أي إنسان نقطة تحول غير متوقعة، تغير مجرى حياته، إما للأفضل وإما للأسوأ. وهناك نماذج كثيرة من الشخصيات الناجحة، تعرضوا للصعوبات والصدمات، غير أنهم تجاوزوها على مبدأ: «رُبَّ ضارة نافعة».
ونظراً لضيق المساحة، سوف أختار نموذجاً واحداً لنرى كيف وجَّهته الأقدار، وهو الممثل الكوميدي الأميركي إدي كانتور، الذي يقول في مذكراته:
«اضطرتني حالة الأسرة المالية إلى الالتحاق بأحد المكاتب التجارية قبل أن أبلغ العشرين من عمري. وكنت ساعي المكتب. ولا أذكر أني كنت سعيداً، وليس لي إلا حلم واحد، هو أن يأتي يوم أصبح فيه مثل مدير المكتب. وفي أحد الأيام انصرف المدير من المكتب باكراً، ولا أدري ماذا جعلني أخطف معطف إحدى الفتيات فأرتديه، وأقف على طاولة الاجتماعات، وأشرع في الرقص والغناء بطريقة مضحكة مبالغ فيها.
وانفجر موظفو المكتب بالضحك والهتاف وتركوا أعمالهم، وشجعني ذلك على أن أرفع صوتي وأرقص بسرعة أكثر، وتفاجأت بأن الجميع صمتوا من حولي، وسمعت هرولة أقدام مسرعة، وقبل أن أدرك ما حدث صك أذني صوت مألوف يدوِّي: أنت مطرود.
لقد عاد المدير ليأخذ حقيبته التي نسيها، وهبطت من الطاولة محاولاً أن أشرح له ما حدث، ولكنه رفض في حدة أن يستمع إليَّ وظل يصيح: اخرج من هنا... اخرج من هنا.
وأردت أن أبحث عن قبعتي، ولكن نظرات المدير أخافتني، فتركتها وخرجت مسرعاً إلى الطريق، وكنت خائفاً ثائراً، لا لفقد الوظيفة ولا لضياع قبعتي، ولكن للطريقة المهينة التي طُردتُ بها.
وأقسمتُ أن أنتقم من المدير، وبدا لي أن يوم الانتقام سيكون بعيداً جداً، فالعمل الوحيد الذي وجدته هو وظيفة خادم ومغنٍّ في مقهى بجزيرة «كوني» في نيويورك، وسرعان ما انضممت إلى عالم المغنين والممثلين، ونسيت كل شيء عن عالم التجارة والمال.
ومضت سنوات، وفي شهر يونيو (حزيران) من عام 1917، كانت ليلة الافتتاح لأول مرة أظهر فيها على مسرح «زيجفيلد» العظيم، وجاءني بواب المسرح ببطاقة عليها اسم مدير المكتب الذي كنت ساعياً فيه، وتصور شعوري في ذلك الوقت، أن المدير اضطر إلى أن يدفع ثمن تذكرة تساوي مرتبي في شهر عندما كنت أعمل عنده، وذلك كي يشاهدني.
ودخل مديري السابق غرفتي في المسرح، وقبل أن يفتح فمه بكلمة، أعطاني قبعة حريرية جديدة وضحكنا معاً، وهو يقول: هذه بدل القبعة التي تركتها في المكتب.
وعلى الرغم من مضي نصف قرن، فإنني ما زلتُ مديناً بالشكر لهذا المدير، الذي ركلني بقدمه من عالم المال إلى عالم الفن».
===========
مشعل السديري - كاتب وصحفي سعودي -
عن جريدة الشرق الأوسط - لندن - 16-12-2018
في حياة أي إنسان نقطة تحول غير متوقعة، تغير مجرى حياته، إما للأفضل وإما للأسوأ. وهناك نماذج كثيرة من الشخصيات الناجحة، تعرضوا للصعوبات والصدمات، غير أنهم تجاوزوها على مبدأ: «رُبَّ ضارة نافعة».
ونظراً لضيق المساحة، سوف أختار نموذجاً واحداً لنرى كيف وجَّهته الأقدار، وهو الممثل الكوميدي الأميركي إدي كانتور، الذي يقول في مذكراته:
«اضطرتني حالة الأسرة المالية إلى الالتحاق بأحد المكاتب التجارية قبل أن أبلغ العشرين من عمري. وكنت ساعي المكتب. ولا أذكر أني كنت سعيداً، وليس لي إلا حلم واحد، هو أن يأتي يوم أصبح فيه مثل مدير المكتب. وفي أحد الأيام انصرف المدير من المكتب باكراً، ولا أدري ماذا جعلني أخطف معطف إحدى الفتيات فأرتديه، وأقف على طاولة الاجتماعات، وأشرع في الرقص والغناء بطريقة مضحكة مبالغ فيها.
وانفجر موظفو المكتب بالضحك والهتاف وتركوا أعمالهم، وشجعني ذلك على أن أرفع صوتي وأرقص بسرعة أكثر، وتفاجأت بأن الجميع صمتوا من حولي، وسمعت هرولة أقدام مسرعة، وقبل أن أدرك ما حدث صك أذني صوت مألوف يدوِّي: أنت مطرود.
لقد عاد المدير ليأخذ حقيبته التي نسيها، وهبطت من الطاولة محاولاً أن أشرح له ما حدث، ولكنه رفض في حدة أن يستمع إليَّ وظل يصيح: اخرج من هنا... اخرج من هنا.
وأردت أن أبحث عن قبعتي، ولكن نظرات المدير أخافتني، فتركتها وخرجت مسرعاً إلى الطريق، وكنت خائفاً ثائراً، لا لفقد الوظيفة ولا لضياع قبعتي، ولكن للطريقة المهينة التي طُردتُ بها.
وأقسمتُ أن أنتقم من المدير، وبدا لي أن يوم الانتقام سيكون بعيداً جداً، فالعمل الوحيد الذي وجدته هو وظيفة خادم ومغنٍّ في مقهى بجزيرة «كوني» في نيويورك، وسرعان ما انضممت إلى عالم المغنين والممثلين، ونسيت كل شيء عن عالم التجارة والمال.
ومضت سنوات، وفي شهر يونيو (حزيران) من عام 1917، كانت ليلة الافتتاح لأول مرة أظهر فيها على مسرح «زيجفيلد» العظيم، وجاءني بواب المسرح ببطاقة عليها اسم مدير المكتب الذي كنت ساعياً فيه، وتصور شعوري في ذلك الوقت، أن المدير اضطر إلى أن يدفع ثمن تذكرة تساوي مرتبي في شهر عندما كنت أعمل عنده، وذلك كي يشاهدني.
ودخل مديري السابق غرفتي في المسرح، وقبل أن يفتح فمه بكلمة، أعطاني قبعة حريرية جديدة وضحكنا معاً، وهو يقول: هذه بدل القبعة التي تركتها في المكتب.
وعلى الرغم من مضي نصف قرن، فإنني ما زلتُ مديناً بالشكر لهذا المدير، الذي ركلني بقدمه من عالم المال إلى عالم الفن».
===========
تعليقات
إرسال تعليق