كتابات مختارة - رحيل آخر الماركسيين الشُرفاء / د. شريف حتاتة

تقديم  صلاح الدين محسن : فكرت أن أقدم المقال بالقول " اقتطفنا من المقال " لأستبعد عبارات تقليدية أعتقد أن كل الأطراف - الذين ذُكِروا بالمقال - , لا تعنيهم تلك التعابير بشيء - من حيث ثقافتهم وقناعاتهم الفكرية - بمن فيهم كاتب المقال .
وذلك بأن أكتب " انتقل لأحضان أمنا الطبيعة دكتور .. " بدلا من انتقل الي رحمة الله - في رثاء شيوعي هو مثقف كبير ! - .
وكذلك أكتب - ختاماً للمقال - : طاب مثوي الفقيد الراحل , وطابت ذكراه " .. بدلاً من القول " فلا حول ولا قوة إلا بالله، ورحم الله .. " .
 و: أضيف في نهاية المقال " طالت أعماركم , وعزاؤنا لأهل الراحل الكريم ولأحبابه " .. بدلاً مما جاء : " فلا حول ولا قوة إلا بالله، ورحم الله . وعلي الله قصد السبيل " ..
هذا ما فكرت في أن أكتبه .. لكنني فضلت تسجيل رأيي ورؤيتي . وتقديم المقال كما نشره صاحبه : عالم الاجتماع والشخصية المعروفة : دكتور سعد الدين ابراهيم  . الي نص المقال :

د. شريف حتاتة آخر الماركسيين الشُرفاء 

سعد الدين ابراهيم 
المصري اليوم   02-06-2017 

انتقل إلى رحمة الله يوم 21/5/2017، الدكتور طبيب شريف حتاتة، فى أحد مستشفيات ألمانيا، وكان فى التسعين من عُمره. – 94 عاماً –
ولابد للأجيال الجديدة أن تُدرك وتتعلم عن أجيال سابقة من أبناء مصر الأوفياء لعقيدتهم ولوطنهم، أعطوا بغير حساب، ولابد للأجيال الجديدة أن تُدرك وتتعلم عن أجيال سابقة من أبناء مصر الأوفياء لعقيدتهم ولوطنهم، أعطوا بغير حساب، وضحوا تضحيات جسيمة سنوات طويلة، إما فى السجون والمُعتقلات، داخل مصر، أو فى المهجر خارج مصر، دون جزاء مادى أو معنوى من متاع الدُنيا. 
كان من أبناء ذلك الجيل الذين استهوتهم الأيديولوجية الماركسية، مثل شريف حتاتة، إسماعيل صبرى عبدالله، ود. فؤاد مُرسى، والمُحامى الأشهر نبيل الهلالى. والطريف أن الأسماء المذكورة أعلاه، وغيرها مما لا تُسعفنى الذاكرة بأسمائهم، كانوا من أبناء الطبقة الميسورة، من باشوات وبكوات مصر الملكية، الذين كانوا يُطلق عليهم تجاوزاً، طبقة الإقطاعيين من أصحاب آلاف الأفدنة فى الريف، أو الفئة البرجوازية التى كانت تملك العقارات والمتاجر والشركات والمصانع فى المُدن.
أى أن أولئك الأبناء الذين اعتنقوا الأيديولوجية الماركسية، لم يكونوا محرومين مادياً بالمرة، بل ولدوا وفى أفواههم ملاعق من ذهب وفضة، ومع ذلك تصدوا لطبقة الآباء انتصاراً للطبقة المحرومة من العُمّال والفلاحين فى قاع المجتمع. وكان أحد هؤلاء، هو الطبيب الدكتور شريف حتاتة، الذى وافته المنية فى أحد مستشفيات ألمانيا.
وُلد شريف حتاته لأب من الطبقة الحاكمة الثرية فى العهد الملكى، خلال زمن الملك فؤاد، ولكنه عاش طفولته وصباه وشبابه فى عهد الملك فاروق، وكهولته فى عهد الرئيسين جمال عبدالناصر وأنور السادات .  .
وتم اعتقال وسجن شريف حتاتة، لما ناهز عشرين عاماً فى ظل تلك الأنظمة الحاكمة، ملكية كانت أو جمهورية، رأسمالية كانت أو شعبوية اشتراكية.
وطبقاً لرفيقة مشوار شريف حتاتة، الكاتبة الطبيبة د. نوال السعداوى، فإن صاحبة التأثير الأكبر على شخصية زوجها الراحل كانت أمه الإنجليزية، التى التقاها والد شريف، أثناء دراسته فى بريطانيا، فى عشرينيات القرن العشرين. ويبدو أن تلك الأم الإنجليزية الصارمة، ذات الميول الليبرالية، كانت الأكثر تأثيراً فى تنشئة شريف وإخوته، على قيم الإنجاز دراسياً، ومهنياً، وعلى قيم الإنصاف والعدالة سياسياً واجتماعياً. فتفوق فى دراسته بالمرحلة الثانوية، التى أهّلته لدخول كُلية الطب بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة فيما بعد)، فتفوق فيها أيضاً، ولكن انضمامه إلى التنظيمات اليسارية الماركسية، أدى إلى اعتقاله وسجنه عدة مرات. ولكن تلك المسيرة نفسها هى التى أكسبته سُمعة المُناضل الشريف، كما كان يُطلق عليه ابن نفس الجيل ونفس الطبقة، نبيل الهلالى، والذى كان والده رئيساً لوزراء مصر فى العهد الملكى، قديس اليسار. فقد أنفق كلاهما الثروة الطائلة التى ورثاها عن آبائهما، على قضايا اليسار. أى أنهما كانا الأكثر اتساقاً وإخلاصاً ونُبلاً لمبادئهما. وكان ذلك، طبقاً لنوال السعداوى، أحد أسباب إعجابها، ثم حُبها، وزواجها من شريف حتاتة. وهو الزواج الذى أنجب ابنهما عاطف حتاتة، صاحب قصة الفيلم الشهير الأبواب المُغلقة.
ولأن الزوجة الطبيبة نوال السعداوى كانت فى نفس الوقت أديبة روائية، فقد اكتشفت بسُرعة أن قرينها، شريف حتاتة، يملك نفس المواهب الأدبية الروائية، فشجّعته وألهمته أن يخوض تجربة الإبداع الأدبى. ولأن شريف حتاتة بتأثير والدته ونشأته المُبكرة فى بريطانيا، كان يُجيد اللغة الإنجليزية، ويعرف لُغات أوروبية أخرى، فإنه كان مُنفتحاً على آداب تلك الُلغات. وهو ما أضاف إلى موهبته الأدبية آفاقاً إضافية. وتعمّقت تجارب شريف حتاتة فى السجون المصرية، خلال ثلاثة عهود مُتتالية من العهد الملكى فى الأربعينيات وبداية الخمسينيات إلى العهد الناصرى فى الخمسينيات والستينيات، إلى عهد أنور السادات فى السبعينيات وبداية الثمانينات.
والذين عرفوا شريف حتاتة وشريكة حياته عن قُرب، كانوا يعجبون فى البداية للاختلاف الشاسع فى شخصيتهما. فبقدر ما كانت نوال انفعالية وصِدامية صاخبة، كان شريف حتاتة غاية فى الهدوء والرزانة ودماثة الأخلاق. وتقول نوال نفسها إن ما كان يبدو تناقضاً فى مظهرهما، كان فى الواقع هو سر انجذابهما إلى بعضهما وتكاملهما، ونجاح زواجهما لما يقرب من نصف قرن، إلى أن استهوته إحدى حواريات نوال نفسها، فانفصل عن نوال انفصالاً مُهذباً، ولكنه كان جارحاً، ليتزوج تلك الحوارية الشابة.
فلا حول ولا قوة إلا بالله، ورحم الله الأديب الطبيب شريف حتاتة.
وعلى الله قصد السبيل.
semibrahim@gmail.com
 =====







تعليقات