من الارشيف - الكتاب الثلجي

                                        الكتاب الثلجي 
                       هل تسقط حضارة غزو الفضاء ؟!!!

صلاح الدين محسن

الحوار المتمدن  2005 / 12 / 16
                         
الفصل الأول :
هل تسقط حضارة غزو الفضاء ؟!! 
سؤال مفزع حقا ، اذا طرحه أحد أمامنا ..! هل يمكن أن تسقط حضارة عصرناالحديث ..؟ حضارة غزو الفضاء ، والطائرة والغواصة والقطار والسيارة والمولد الكهربائي ، والمطبعة والكومبيوتر ، والميكروسكوب ، و ،، , و الخ ، دعونا نسميها ، وكما يجب أن تسمي : " الحضارة الغربية " ... لأن دول الغرب هي التي قدمت للعالم تلك الحضارة .. ، فهل حقا يمكن أن تسقط تلك الحضارة الجبارة ؟؟!! التي هي قمة كفاح الانسان طوال عمره علي الكرة الأرضية للأرتقاء ، وتطوير وسائل العيش لأجل حياة أطيب وأنعم وأكرم ...
هناك من يبشرون بذلك ..! من غربان البشر ، التي تهوي النعيب الشؤم ..، والبوم الآدمي ..! ، الذي يفضل الخرائب والنعيق في أطلالها ..!!
نعم هناك من الناس من يصلون صبح مساء لأجل سقوط الحضارة الغربية ، وتهفو أنفسهم ،وتتطلع قلوبهم لمجيء ذاك اليوم !
..وفي نفس الوقت الذي ينعمون فيه بثمارها ، ويحتسون حلو شرابها .. فلا يقدر أحدهم علي أن تنقطع الكهرباء عن منزله ولو لساعة واحدة ..، ولا يحتمل توقف حرارة تليفونه لأقل من يوم واحد ..! ، وتلك بعض قليل من ثمار الحضارة الغرببة بل ان ساعة يده ، ونظارته الطبية والشمسية أيضا ، والماكينة التي نسجت ملابسه التي يلبسها ، والماكينة التي تخيط حذاءه اذا انقطع ، وماكينة حلاقته ، وربما معجون أسنانه ، ، و،، وأشياء أخري لاحصر لها تقوم عليها حياته ، هي من ثمار الحضارة الغربية ..، بل ان أحد الأنظمة التي انت تحلم وتخطط لدمار الحضارة الغربية ، بصناعة أسلحة دمار شامل بالشرق ، عندما فرض حصار دولي عل بلاده ..، كان يبكي ، ويشكو لطوب الأرض من شيء بسيط للغاية ، ولكن بلده في أمس الحاجة اليه ، وممنوع عليها بسبب الحصار وهذا الشيء من صنع الحضارة الغربية التي يحلم هو وآخرون بتدميرها أو خرابها ، وهذا الشيء البسيط هو : لبن الأطفال ..!! ، الذي تستورده بلاده من حضارة الغرب ..!! أي أن تلك الأنظمة والعقول المنكوب بها شرقنا ، تكدح لافامة أسلحة دمار شامل ، من قبل أن تقيم ولو مصنع لصناعة لبن الأطفال الذي تستورده من الدول التي تسعي لدمارها! ..! ، كمن يسعي لتدمير المعبد ليس علي أعدائه وحدهم ، كلا وانما علي رأسه هو أيضا (!) ، هناك أكثر من دولة بشرقنا تفعل ذلك..

ذ لك أو في طريقها لذلك !! ، هكذا أحلام من لا يعقلون ولا يفهمون ، ويعيشون بيننا ، بعضهم ممسك بالسلطة والبعض الآخر يسعي للوصول اليها لنفس الغرض ..(!) 
وقد كان في أحداث الدمار في 11 سبتمبر 2001 ، بأمريكا ، مدعاة لابتهاج هؤلاء (!) ، وبشارة .. بروفة ، تدعو لتفاؤلهم من امكانية تحقيق حلمهم في تدمير الغرب وحضارة الغرب تلك التي تصنع لهم حتي لبن الأطفال ..(!) 
فتري : هل يمكن أن تسقط فعلا حضارةغزو الفضاء والصواريخ العابرة للقارات ، وأجهزة الاستشعار عن بعد ، و ، ,و ؟! .
في البداية نقول :
ان الحضارة ، أية حضارة مثلها مثل أي كائن حي .. لها متوسط عمر ، لها دورة حياة : طفولة ، صبا ، شباب ، رجولة ، شيخوخة ، ثم ممات ..
كحضارات : مصر القديمة التي شيدت الأهرامات – أعجب عجائب الدنيا ، والتي رغم مضي 5000 سنةعلي بنائها فالقادم من بلاد ناطحات السحاب يقف أمامها مشدوها مذهولا .. وحضارة العراق وعجيبة الدنيا التي أقامتها – حدائق بابل المعلقة – وان لم يعد موجودا منها الآن سوي بقايا سور .. كل ذلك انتهي لم يعد سوي مجرد آثار مباني . ، وحضارة الصين ، وسور الصين العظيم ، وحضارة الهند القديمة، وما خلفته من عجائب وكلها حضارات شرقية ، وكذلك حضارة اليونان القديمة .. كل تلك الحضارات الجبارة العملاقة ، أين ذهبت ؟ الجواب : الي حيث ذهب القادة العظماء، - البشر – الذين أقاموها .. ذهبت تلك الحضارات الي الموت مثلما ذهب صناعها -خوفو وخفرع ومنقرع وزمسيس الثاني وتوت عنخ آمون في مصر ، ونبوخند ، وحمورابي – في العراق - ، - وقورش ، وكسري آنوشروان - في ايران - ، والاسكندر الأكبر – في اليونان - وغيرهم.... ، انها شواهد ومباني وآثار وأسماء وأسرار كلها ضمها الموت ..
ولكن في مسألة اختلاف أعمار الناس هنا فرق - وكذلك أعمار الحضارات - بين انسان يتبع أسلوب الغذاء الحديث ، ويتبع التعليمات الصحية ، ويمتع نفسه بوسائل العلاج والوقاية الحديثة ، ويمارس الرياضة ، ويتبع قواعد العبور في الطريق وقواعد التعامل مع الأجهزة المزلية – والمصنعية ، والمعملية– الحديثة .. فيعيش أعلي معدل عمر – ما يقرب من 80 سنة - ..، وبين انسان آخر لاينعم أو يلتزم أو يتبع تلك الأشياء ، أو انها غير متاحة له ، فينقصف عمره مبكرا ...
وهكذا الحال بالنسبة لأية حضارة اذا اتخذت احتياطات الأمان والأمن ، وفهمت كيفية تأجيل الشيخوخةالحضارية ، بعد رصد مسبيات تلك الشيخوخة ، واستوعبت دورة التاريخ ورصدتها بدقة ، وعرفت كيفية اطالة أمدها لأطول فترة ممكنة : طال عمرها ...، وبالطبع هناك فرق بين أن تعيش حضارة ما عشرات قليلة من السنين - أقل من مائة عام - مثل حضارة النظام الشيوعي في روسيا - ان صح اعتبارها حضارة ، لكونها جزء من الحضارة الغربية - ، وأن تعيش حضارة كالحضارة المصرية القديمة بضعة آلاف من السنين ، أو تعيش الحضارة الاغريقية بضع مئات فقط ، بالطبع هناك فرق بين العمر الحضاري الذي يقدر بالعشرات وآخر بالمئات ، والعمر الذي يقد بالآ لاف من السنين .. 
فكم يا تري سوف تعيش الحضارة الغربية المعاصرة التي نستظل بها الان ، نحن كافة البشر الذين نحيا في أوائل القرن الواحد والعشرين الميلادي ؟!..، والذين ننعم كلنا – شرق وغرب – بثمارها : من الطائرة الي السيارة الي القطار الي الدراجة ، والتليفون والتليفزيون ، الي الغذاء المستورد ، أو المعونة التي تصلنا منها نحن أهل الشرق ، الي السلاح الذي نستورده من الغرب لكي ندافع به عن بلادنا أو لنحارب به بعضنا البعض ، أو لنقتل به السياح من أهل الغرب (ّ!) ، أو لنغتال به أعضاء بعثات الاغاثة والأعمال الانسانية الغربية (!) ، وحتي الأجهزة والمعدات التي نستخرج بها بترول بلدنا ولولاها لما عرفنا كيف نستخرجه ، ولولا معدات الحضارة الغربية وخبراؤها لبقي بترولنا الشرقي حبيسا بباطن الأرض ، ولولا أنهم يشترونه لما استطعنا أن نشربه لأنه لا يشرب ، ونقول انهم لصوص ، ولا هم لهم سوي سرقة بترولنا الحبيب - الذي لا نعرف كيف نستخرجه فنحن لا نعرف كيف تصنع المعدات العملاقة اللازمة لاستخراجه ، ولا دراية لنا بصناعة المصانع الجبارة اللازمة لتكريره ، ولا علم لنا بكيفية تشييد الناقلات الضخمة اللازمة لنقله عبر البحار والمحيطات - أي نجهل كل ما يتعلق به من الألف الي الياء - .. (!) 
وحضارة الغرب : أهلها خبراؤها علماؤها هم الذين يحضرون في بعثات لاستخراج آثارنا ، وفك شفرات لغات بلادنا القديمة واحيائها ، وعمل متاحف لحفظها بشكل لائق ومحترم ، ونصفهم بأنهم جواسيس يتخفون في ستار التنقيب عن الآثار ...!!!
وأغلي وأرفع شهادات ودرجات الكتوراه في آداب لغة من لغاتنا الشرقية التي يحصل عليها أحد أبنائنا نحن الشرقيين ليست تلك التي تمنحها احدي جامعاتنا الشرقية ، كالدكتوراه في آداب اللغة العربية – مثلا - ليست أفخرها ولا أغلاها التي تمنحها جامعة القاهرة ، أو جامعة دمشق ، ولا جامعة بغداد ولا أية جامعة  بالسعودية .. كلا ، وانما جامعة " السوربون " بباريس " ، أو احدي الجامعات الغربية الأخري ..(!) ، وفي المقابل نلعن أهل الغرب صبح مساء ، ونصفهم بالكفرة الفجرة .. .. (!)

هذا فيما يتعلق بأمور : الجد والعمل والعلم ، ومدي اعتمادنا عل حضارة الغرب وأهل الغرب في تلك الأمور ... أما فيما يتعلق باللعب والمرح : فان فرق لعبة " كرة القدم " في الشرق تحتاج الي مدرب من دول الغرب ليدربها ويعلما أصول اللعب !..، ...! ، وأمهر فناني الرسم والنحت والموسيقي عندنا في الشرق هم : اؤلئك الذين درسوا تلك الفنون بمعاهد الغرب ..!!
وأروع راقصي وراقصات الباليه وممثلي ومخرجي السينما والمسرح هم : أولئك الذين تعلموا وتدربوا وحصلوا علي شهاداتهم من الأكاديميات الغربية ..! ، وفي المقابل نسخر من عادات وتقاليد أهل الغرب ونكرههم ، ونشيد بعاداتنا ونصفها ب " الحميدة ! " ، ونعتز بتقاليدنا ، وننعتها ب : " المجيدة " .. وبدون أن نستغل – الحميدة والمجيدة - !! في رفع شأننا واصلاح أمورنا والنهوض لنتقدم علي أهل الغرب أو نساويهم علما وفنا -علي الأقل - ، ان كانت للحميدة أ والمجيدة .. ثمة فائدة يمكن الاستفادة منها..!!
ثم نعود لنسأل : هل ستسقط حضارة الغرب ؟ ، وسيكون ذلك قريبا ، كما تتكهن الغربان البشرية ، والبوم الآد مي ؟!!.. 
لعل الاجابة هي : ان أسباب وعوامل سقوط الحضارات عديدة ... اذن فلنسرد ما نراه منها ، وننظر ما الذي يمكن تجنبه ، وما الذي يمكن ابعاده ، وما الذي يمكن تأجيله ، وما هو القهري العارض الذي لا سبيل الي تجنبه .. ..                                                           ----  ما سبق هو : فصل من كتاب ل : صلاح الدين محسن - عام 2005

تعليقات