مقالات مختارة - متى سيخرج العالم الثالث من معركة الصراع الفكري؟
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
متى سيخرج العالم الثالث من معركة الصراع الفكري؟
متى سيخرج العالم الثالث من معركة الصراع الفكري؟
في كتاب " الصراع الفكري في البلاد المستعمرة " تطرق المؤلف مالك بن نبي إلى العديد من القضايا التي تعمد الإستعمار إلى توظيفه في البلاد المستعمرة، عن طريق الصحافة والكتب والبعثات الدينية والعلمية، كما تكرر الحديث كثيرا عن قضايا الإستعمار في الجزائر وباكستان والهند، وتحدث عن الشخصيات التي كافحت الإستعمار كغاندي مثلا.
يرى مالك بن نبي أن الإستعمار قد بدأ هجومه فعلا ضد فكرة الإصلاح في البلاد المستعمرة، ولا عحب أن يصدر هجومه على أعمدة الصحافة التي تكتسي طابع الوطنية والجهاد، وبحكم وجود السياسة التي تتطورت إلى فكرة مجردة تعانق بحكم الضرورة الضمير الشعبي، إلا أنها تلتزم بالمبادئ والقواعد والمقاييس التي يتحكم فيها الإستعمار.
ويظهر أن قضية البلاد المستعمرة كما في عرف الساسات هي قضية هضم تنتج أفكارا مختلفة بشرط ألا يعطل هذا الجهاز الهضمي، وهي عملية تركيب أراد الإستعمار تركيبه بدقة مثل صانع الساعات العبقري، الذي يكون لها جهازا صالحا لتحويل أي فكرة ظهرت في البلاد المستعمرة إلى فكرة متجسدة، وبالتالي تكون هاته العملية كجهاز يعمل طبقا لأليات نفسية التي تعبر في النهاية عن رؤية الإستعمار الى ردود افعال.
غير أن الاستعمار يستغل كل شيء لصالحه تبعا للإستعدادات التي يريدها، ويقارن أسبابها النفسية بخطط تربوية مناسبة في البلاد المستعمرة، ليصل به الحال إلى وضع هاته الإستعدادات في سياسة عاطفية، شهوانية تتفق مع مصالحه فهو يضعها حينما يريط عواطف الشعب الطيبة بشهوات مركب أفراد معين، وهو في كل الأحوال شيطان بليدا أبلد من مثل وزراء الخارجية الذين تقدم لهم كلمة الشكر عن طريق الإذاعات أو الصحافة.
الإستعمار بهذا المعنى، يظهر على طريقة تطبيق بعض الألعاب الإسبانية، ثم إن الساسة في البلاد المستعمرة يلوحون بقطعة قماش أحمر أمام ثور هائج في حلبة الصراع، فيزداد هيجانه بدلا من أن يهجم على المصارع ويستمر في الهجوم على المنديل الأحمر.
البلاد المستعمرة إذن لا تعرف على العموم ماهو الصراع الفكري وإنما تسجل تلقائيا نتائجه السلبية في حياتها، فحينما ترسل الى الخارج بعثات من الطلاب للدراسة العليا، تقوم كذلك بعمل يتصل بالصراع الفكري ولكنها لا تعلم مقتضياته وأسلوبه ووسائله، وذلك لأن أفرادها يعودون إلى بلدانهم بخفي حنين لأن التوجيهات الاستعمارية المحكمة حطمتها في الطريق، والبعض الآخر لا يريد العودة لأنه حينما لاحظ الإستعمار امتيازاتهم في العلوم مثلا لم يرى من مصلحته ان يتركهم للعودة.
إن الغموض الذي يريد الاستعمار أن يحيط به الصراع الفكري لا تبدده الاعتبارات العامة، إن لم تستمد برهانا من تفاصيل واقعية التي تنطلق من مبدأ الغموض ومبدأ الفعالية، بحيث لا يسمح الإستعمار بكشف النقاب عن وجهه كما فى المبدأ الأول، ومحاولته تحطيم فكرة أو كفها حتى لا تشمل الطاقة الإجتماعية في البلاد المستعمرة كما في المبدأ الثاني.
فحينما تكون الأحداث والظروف كوحدة شاملة ضد الإستعمار، يعمد هذا الأخير إلى خلق وحدات أخرى متجزئة، لكي ينشر الخلاف والتنافس بين القوى الشعبية التي تقاومه، ثم تنحرف هاته القوى إلى صراع بعضها البعض كما وقع ذلك في كوريا والصين والهند بعد التقسيم، وهذا ما يبين أن أكبر لحظات التاريخ هي دوما لحظات تكون فيها وحدة كفاح شاملة ضد الطبيعة وضد البشر، وتكون بذلك المعركة في حالة تدهور وانحطاط ايديولوجي بمجرد ما تحتل فيها وحدات كفاح جزئية مكان وحدة كفاح شاملة، وقد يكون الإستعمار مخطط لفكرة شاملة وهادفة إلى فصم وإجهاض الوحدة الشعبية الشاملة.
ليس من الطبيعي أن يعمد الإستعمار إلى خنق فكرة شعبية شاملة أو الدفع بجهاز الشرطة والقضاء في المعركة إلا في بعض الظروف عندما يتأكد أن خططه المدبرة قد تؤدي بالفرد الذي يجد نفسه في هذه الظروف إلى حافة الإنتحار، وتودي هاته الخطط أيضا إلى اغتيال شنيع وتعذيب أفضع يبقى سرا في خفايا النفوس المحطمة وفي أوضاع أدبية ومادية أضر بالكاتب وبأسرته من الشنق والإحراق. وهو في كل هاته الظروف مضطر إلى من يسلمه مفاتيح القلعة عندما يلجأ إليها المكافحة ليتحصن فيها خلال معركة عنيفة شرسة.
يتساءل بن نبي لماذا يوجد الشر؟ الشيطان؟ ليجد أن هناك صورة مختلفة لا تجدي صورة منها، وهي صورة استعمارية لا تؤدي إلى موقف سليم وفعال تجاه المشكلة التي تعاني منها البلاد المستعمرة(1)، بحيث يعدو الإستعمار شيطان يرى عورته كرجل مرة وإمرأة مرة ثانية، ويحاول بذل كل ما في وسعه أن يلبث روح الجدال حتى تنصرف الطاقة العقلية في العالم الإسلامي إلى هذا الجدال العقيم الذي يؤدي إلى مشاجرة بين الخصمين(2).
إن مشكلة الفرد المسلم بالنسبة للصراع الفكري، تكمن في سلوكه الذي يصبح في حكم الفعل الشرطي، كما يظل الفرد عاجز عن توجيه فكره وعلمه باختياره طبقا لمقاييس يحددها عقله ويعيها ضميره، وعند ذلك أصبح المجتمع يعاني في قيادته من أزمة أخلاقية وفكرية تجعله بصفة عامة لا يحقق للأفكار شرط إن كانت معرضة للدسائس والضعف الأخلاقي والفكري معا، ذلك أن هذا الضعف هو أحد أقوى وأسلحة الإستعمار تأييدا له في جبهة الصراع الفكرية(3).
لقد عد القول أن الجانب الفكري هو أساس المشكلة التي تعانيها البلاد المستعمرة، بحيث لا تتمتع الأفكار في المجتمع الاسلامي بقيمة ذاتية أو قوة أساسية تنظم وتوجه قوى التاريخ كلها، وحينما يكون المجتمع فإن الصراع الفكري لا يزال يغشاه الظلام الذي يغشى الحقائق(4).
فإذا كان حبل الإستعمار يهدد الأفكار التي تشوبها شائبة اليقضة، فإن المكافح سوف يضطر للإسراع إلى تحطيم الدائرة الإستعمارية التي خططها، لكي ينتزع منها الأداة التي يمضي بها قدما القيام بعملية خنق الأفكار، وهذا ما يتصوره أفلاطون عن حالة الأسطورة بطريقة رمزية وغريبة التي يكون عليها بعض الناس حينما يصورون الواقع حسبما يصور لهم لا طبقا لحقيقته، ولا يرون في ذلك سوى الأشباح المتحركة عليه(5).
الهوامش
1- مالك بن نبي " الصراع الفكري في البلاد المستعمرة "، منشور دار الوطن للنشر والتوزيع، طبعة 2016، ص 66.
2- نفسه، ص 67
3- نفسه، ص83
4- نفسه، ص 85
5- نفسه، ص 100
في كتاب " الصراع الفكري في البلاد المستعمرة " تطرق المؤلف مالك بن نبي إلى العديد من القضايا التي تعمد الإستعمار إلى توظيفه في البلاد المستعمرة، عن طريق الصحافة والكتب والبعثات الدينية والعلمية، كما تكرر الحديث كثيرا عن قضايا الإستعمار في الجزائر وباكستان والهند، وتحدث عن الشخصيات التي كافحت الإستعمار كغاندي مثلا.
يرى مالك بن نبي أن الإستعمار قد بدأ هجومه فعلا ضد فكرة الإصلاح في البلاد المستعمرة، ولا عحب أن يصدر هجومه على أعمدة الصحافة التي تكتسي طابع الوطنية والجهاد، وبحكم وجود السياسة التي تتطورت إلى فكرة مجردة تعانق بحكم الضرورة الضمير الشعبي، إلا أنها تلتزم بالمبادئ والقواعد والمقاييس التي يتحكم فيها الإستعمار.
ويظهر أن قضية البلاد المستعمرة كما في عرف الساسات هي قضية هضم تنتج أفكارا مختلفة بشرط ألا يعطل هذا الجهاز الهضمي، وهي عملية تركيب أراد الإستعمار تركيبه بدقة مثل صانع الساعات العبقري، الذي يكون لها جهازا صالحا لتحويل أي فكرة ظهرت في البلاد المستعمرة إلى فكرة متجسدة، وبالتالي تكون هاته العملية كجهاز يعمل طبقا لأليات نفسية التي تعبر في النهاية عن رؤية الإستعمار الى ردود افعال.
غير أن الاستعمار يستغل كل شيء لصالحه تبعا للإستعدادات التي يريدها، ويقارن أسبابها النفسية بخطط تربوية مناسبة في البلاد المستعمرة، ليصل به الحال إلى وضع هاته الإستعدادات في سياسة عاطفية، شهوانية تتفق مع مصالحه فهو يضعها حينما يريط عواطف الشعب الطيبة بشهوات مركب أفراد معين، وهو في كل الأحوال شيطان بليدا أبلد من مثل وزراء الخارجية الذين تقدم لهم كلمة الشكر عن طريق الإذاعات أو الصحافة.
الإستعمار بهذا المعنى، يظهر على طريقة تطبيق بعض الألعاب الإسبانية، ثم إن الساسة في البلاد المستعمرة يلوحون بقطعة قماش أحمر أمام ثور هائج في حلبة الصراع، فيزداد هيجانه بدلا من أن يهجم على المصارع ويستمر في الهجوم على المنديل الأحمر.
البلاد المستعمرة إذن لا تعرف على العموم ماهو الصراع الفكري وإنما تسجل تلقائيا نتائجه السلبية في حياتها، فحينما ترسل الى الخارج بعثات من الطلاب للدراسة العليا، تقوم كذلك بعمل يتصل بالصراع الفكري ولكنها لا تعلم مقتضياته وأسلوبه ووسائله، وذلك لأن أفرادها يعودون إلى بلدانهم بخفي حنين لأن التوجيهات الاستعمارية المحكمة حطمتها في الطريق، والبعض الآخر لا يريد العودة لأنه حينما لاحظ الإستعمار امتيازاتهم في العلوم مثلا لم يرى من مصلحته ان يتركهم للعودة.
إن الغموض الذي يريد الاستعمار أن يحيط به الصراع الفكري لا تبدده الاعتبارات العامة، إن لم تستمد برهانا من تفاصيل واقعية التي تنطلق من مبدأ الغموض ومبدأ الفعالية، بحيث لا يسمح الإستعمار بكشف النقاب عن وجهه كما فى المبدأ الأول، ومحاولته تحطيم فكرة أو كفها حتى لا تشمل الطاقة الإجتماعية في البلاد المستعمرة كما في المبدأ الثاني.
فحينما تكون الأحداث والظروف كوحدة شاملة ضد الإستعمار، يعمد هذا الأخير إلى خلق وحدات أخرى متجزئة، لكي ينشر الخلاف والتنافس بين القوى الشعبية التي تقاومه، ثم تنحرف هاته القوى إلى صراع بعضها البعض كما وقع ذلك في كوريا والصين والهند بعد التقسيم، وهذا ما يبين أن أكبر لحظات التاريخ هي دوما لحظات تكون فيها وحدة كفاح شاملة ضد الطبيعة وضد البشر، وتكون بذلك المعركة في حالة تدهور وانحطاط ايديولوجي بمجرد ما تحتل فيها وحدات كفاح جزئية مكان وحدة كفاح شاملة، وقد يكون الإستعمار مخطط لفكرة شاملة وهادفة إلى فصم وإجهاض الوحدة الشعبية الشاملة.
ليس من الطبيعي أن يعمد الإستعمار إلى خنق فكرة شعبية شاملة أو الدفع بجهاز الشرطة والقضاء في المعركة إلا في بعض الظروف عندما يتأكد أن خططه المدبرة قد تؤدي بالفرد الذي يجد نفسه في هذه الظروف إلى حافة الإنتحار، وتودي هاته الخطط أيضا إلى اغتيال شنيع وتعذيب أفضع يبقى سرا في خفايا النفوس المحطمة وفي أوضاع أدبية ومادية أضر بالكاتب وبأسرته من الشنق والإحراق. وهو في كل هاته الظروف مضطر إلى من يسلمه مفاتيح القلعة عندما يلجأ إليها المكافحة ليتحصن فيها خلال معركة عنيفة شرسة.
يتساءل بن نبي لماذا يوجد الشر؟ الشيطان؟ ليجد أن هناك صورة مختلفة لا تجدي صورة منها، وهي صورة استعمارية لا تؤدي إلى موقف سليم وفعال تجاه المشكلة التي تعاني منها البلاد المستعمرة(1)، بحيث يعدو الإستعمار شيطان يرى عورته كرجل مرة وإمرأة مرة ثانية، ويحاول بذل كل ما في وسعه أن يلبث روح الجدال حتى تنصرف الطاقة العقلية في العالم الإسلامي إلى هذا الجدال العقيم الذي يؤدي إلى مشاجرة بين الخصمين(2).
إن مشكلة الفرد المسلم بالنسبة للصراع الفكري، تكمن في سلوكه الذي يصبح في حكم الفعل الشرطي، كما يظل الفرد عاجز عن توجيه فكره وعلمه باختياره طبقا لمقاييس يحددها عقله ويعيها ضميره، وعند ذلك أصبح المجتمع يعاني في قيادته من أزمة أخلاقية وفكرية تجعله بصفة عامة لا يحقق للأفكار شرط إن كانت معرضة للدسائس والضعف الأخلاقي والفكري معا، ذلك أن هذا الضعف هو أحد أقوى وأسلحة الإستعمار تأييدا له في جبهة الصراع الفكرية(3).
لقد عد القول أن الجانب الفكري هو أساس المشكلة التي تعانيها البلاد المستعمرة، بحيث لا تتمتع الأفكار في المجتمع الاسلامي بقيمة ذاتية أو قوة أساسية تنظم وتوجه قوى التاريخ كلها، وحينما يكون المجتمع فإن الصراع الفكري لا يزال يغشاه الظلام الذي يغشى الحقائق(4).
فإذا كان حبل الإستعمار يهدد الأفكار التي تشوبها شائبة اليقضة، فإن المكافح سوف يضطر للإسراع إلى تحطيم الدائرة الإستعمارية التي خططها، لكي ينتزع منها الأداة التي يمضي بها قدما القيام بعملية خنق الأفكار، وهذا ما يتصوره أفلاطون عن حالة الأسطورة بطريقة رمزية وغريبة التي يكون عليها بعض الناس حينما يصورون الواقع حسبما يصور لهم لا طبقا لحقيقته، ولا يرون في ذلك سوى الأشباح المتحركة عليه(5).
الهوامش
1- مالك بن نبي " الصراع الفكري في البلاد المستعمرة "، منشور دار الوطن للنشر والتوزيع، طبعة 2016، ص 66.
2- نفسه، ص 67
3- نفسه، ص83
4- نفسه، ص 85
5- نفسه، ص 100
=====
تعليقات
إرسال تعليق