ذكري عبد الرحمن الخميسي - نجوم في جسد واحد

النجم الفنان الشامل " عبد الرحمن الخميسي "
                                                   
مقال في ذكراه . كتبه ولده . الناقد والأديب الأستاذ / أحمد الخميسي .

في ذكرى ميلاد والدي - مقال أحمد الخميسي بالدستور  


في 13 نوفمبر تحل ذكرى ميلاد والدي عبد الرحمن الخميسي الخامسة والتسعون، وفيها أنفرد بنفسي لحظات لأقول له:" كل سنة وأنت طيب". وأظن أننا جميعا نقوم بذلك مع آبائنا الراحلين، بغض النظر عما إن كانوا قد تركوا أثرا كبيرا في الثقافة والمجتمع أم لا، ذلك أن الأثر العظيم لكل أب أنه كان في حياة أبنائه الوالد الذي لا يتكرر. ويحق لي أن أقول إن والدي كان نسيجا فريدا في حياة مصر، بحياته التي اتسعت للسجن، والهجرة، والتشرد، والشعر، والحب، والإبداع، وخلال ذلك كانت " كل الفنون ملعبه " على حد قول أحمد بهجت. بدأ شاعرا في الأربعينات، ثم أصبح من أبرز كتاب القصة القصيرة، ثم مذيعا ذا صوت عميق لافت، وممثلا مسرحيا وسينمائيا، ومخرجا، ومؤلف موسيقي، وصحفيا، ومترجما، بعد أن عركته الحياة منذ أن ترك المنصورة إلي القاهرة عام 1937 فاشتغل مدرسا وعاملا في محل بقالة ومحصل بطاقات في الترام ومصححا في مطبعة ومؤلف أغنيات بأسماء الآخرين ينام على كراسي المقاهي أو على أرائك حديقة الأزبكية من دون أسرة أو عائل أو دعم. وتندرج حياة الخميسي في دفتر كبير يضم صفحات من حياة الفلاحين المصريين الذين جاءوا من عتمة القرى البعيدة إلي أنوار العاصمة ليشعلوا مصباحا آخر في الثقافة والفنون، هكذا كانت سيرة حياة رفاعة الطهطاوي، وطه حسين، وعلى مبارك، وغيرهم، وترك الخميسي لنا سبع مجموعات قصصية ، ونصوص فرقته المسرحية التي ألفها وجاب بها المحافظات، وثلاثة أفلام سينمائية من إخراجه، و عرب أوبريت"الأرملة الطروب " بحيث تتطابق كلماته العربية مع النص واللحن الأصليين، وكتب ثلاثة أوبريتات ، وترجم مجموعات من القصص والقصائد، ووضع عدة مقطوعات موسيقية ، وعشرات التمثيليات والأغنيات، وعدة دواوين من الشعر العذب. وعلى حد قول الكاتب أحمد هاشم الشريف فإن حياة الخميسي هي" قصة عبقرية الفلاح المصري التي نضجت على نار الحرمان والمعاناة ، وقصة العاصفة التي هبت من الريف. وحينما رحل الخميسي ترك لنا الأوراق محتفظا بالقلم اللاهب الذي كان يشيع الدفء في الأكواخ ويضرم النار في القصور". وقد عاش والدي وتوفي من دون أن يشغل منصبا رسميا واحدا في الدولة، وقد لاحظ الشاعر الكبير أحمد حجازي أن الخميسي قبل الثورة لم يهد كتابا من كتبه لأحد الوزراء أو المسئولين ، وكانت تلك عادة منتشرة بين كبار الكتاب حينذاك، أما بعد الثورة فقد كانت له قصة رواها الكاتب صلاح عيسى حين أراد شعراوي جمعة وزير الداخلية حينذاك أن يقنعه بالانضمام للتنظيم الطليعي الذي أنشأته الحكومة فاعتذر الخميسي ضاحكا بقوله:" لكن هذا تنظيم سري، وأنا لا أطيق كتمان الأسرار، وقد تفلت مني كلمة هنا أو هناك تؤدي لاعتقال أعضاء التنظيم"! ثم هاجر من مصر مع موجة هجرة المثقفين بعد اتفاقية كمب ديفيد، وظل يردد عبارته التي سجلها الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين: " لقد دافعت عن قيثارتي فلم أعزف ألحاني". وعلى كثرة ما كتب وأبدع لم أر له أبدا مكتبا يجلس إليه، فقد كانت له طبيعة الطائر الذي يعرف أن الاستقرار على غصن يجعله عرضة للموت. كل سنة وأنت طيب ياطائر الشعر والقلق الجميل. مازال صوتك العميق يغرد في الضمير.   
***
جريدة الدستور المصرية – الخميس 12 نوفمبر 2015
-------------------- 
من التعليقات بموقع التواصل الاجتماعي :

Mohamed Farrag
 كل ماقيل عن الراحل الكبير عبد الرحمن الخميسى حق ﻻ مراء فيه..لكننى أعتقد أن أعظم جوانب عبقرية الخميسى كانت شخصيته الفريدة شديدة العمق والثراء ،التى تندمج فيها صفات رائعة قد تبدو للنظرة السطحية العجلى متناقضة أحيانا،لكنها تندمج بصورة متناغمة فى شخصيته النادرة..فهو الشخص الرقيق الرهيف الذى يتدفق رقة وحنانا على من يحب وعطفا على الضعيف..وهو اﻹعصار الغاضب على من يظلم أو يغتر بقوته أو سلطته..وهو المتواضع البسيط إلى أقصى حد مع أصدقائه ومن يحبونه ويحبهم ومع بسطاء الناس..لكنه المعتز بنفسه المحافظ على كبريائه إلى أقصى حد فى مواجهة أصحاب النفوذ والسلطان..وهو العاشق للحياة ومباهجها المتذوق المرهف لملذاتها..لكنه قادر على اﻻستغناء عن كل شيء والعيش على الكفاف إذا اقتضى اﻷمر..متعفف عن الصغائر ، مترفع عن السعى للمغانم..وهو الصديق المقرب لرؤساء دول وزعماء سياسيين ومسئولين كبار..وﻷبسط الناس وأفقرهم فى الوقت نفسه..وهو الطيب الودود المضياف مع أصدقائه ورفاق كفاحه..المستعد ااذهاب إلى أبعد مدى فى الصدام مع السلطة وأذنابها واظالمين واﻷشرار ومن يخونون مبادئهم..وهو واحد من ظرفاء مصر الكبار اامعروفين..بينما تنطوى روحه المرهفة على شجن بﻻ حدود..صارع الحياة طويﻻ وخبر أقسي تجاربها واستخلص خبرات شديدة الثراء..لكن نفسه لم تتلوث بالمرارة ، وظل حتى أيامه اﻷخيرة قادرا على أن يضحك بصفاء وبراءة طفل ..وأن يطلق النكات وتجلجل ضحكته فتعدى المحيطين بالمرح والبهجة..روح كبيرة ثرية معطاءة..ودوحة وارفة استظل بظلها كل من عرفه..والواقع أن هذا المبدع الكبير متعدد المواهب ،العلم فى كل مجال طرقه ،والمناضل الوطنى الكبير ،تظل عبقرية شخصيته الرائعة عﻻمة فريدة ﻻ مثيل لها فى حياتنا الثقافية والفنية واﻻجتماعية ..وقد أسعدنى الحظ بأن أكون قريبا منه خﻻل سنوات حياته اﻷخيرة فى موسكو ،وكان بيته واحة دفء ومحبة لى فى صقيع الغربة..وتعلمت منه الكثير..وكان رحيله صدعا كبيرا فى القلب..رحم الله "القديس"-كما كان يسميه أبناؤه و أصدقاؤه و محبوه-عبد الرحمن الخميسى ، وأسكنه فسيح جناته..ولصديقى العزيز أحمد الخميسى ،وﻹخوته..أصدقائى اﻷعزاء كلهم أقول :تعيشوا وتفتكروا.. واللى خلف ماماتش..فما بالكم إذا كان قد أنجب أبناء مبدعين محترمين مثلكم..وهذه أيضا إحدى هدايا الخميسى الكبيرة إلى الوطن الذى أحبه حب عبادة ،وحمله فى قلبه فى حله وترحاله.. ألف رحمة ونور عليك يا قديس..

رد : 
Ahmad Alkhamisi
 أخي العزيز محمد فراج .. هذه هي الكلمة التي توجز كل مواهب القديس وتناقضاته واللوحة المتشابكة النابضة بالانسانية .. سلم قلمك وشعورك وعقلك .. ودمت بكل خير أيها العزيز المبدع.. ولقد وضعت كلمتك في صفحة الوالد هنا على فيس بوك ، بعد إذنك طبعا .. تحياتي ومحبتي
========================

تعليقات