كتابات مختارة - 7
بل نحن نموت رعبًا من مشروعاتكم
جريدة التحرير 21-11-2015
محمد الخولي
لا أعرف شخصيًّا، لماذا أصبح إنشاء مفاعل نووي "حلمًا"؟ لكن طالما يقول الجميع إنه حلم فأهلاً وسهلاً بعصر تحقيق الأحلام، بتوفير الطاقة وتحلية المياه، بل وتحرير القرار السياسي المصري، وجعل مصر دولة في مصاف الدول الكبرى التي تستخدم تلك الآليات، لكن!
وبعد لكن يأتي الاستدراك بالنفي إن كان السابق مثبتًا أو بالإثبات إن كان السابق منفيًّا، كما هو معروف لغةً.
لكن في هذه الحالة، تأتي لتثبت قلقنا مما سبقها، هذا السيناريو المرعب ليس على مستقبلنا فقط، بل على مستقبل أجيال لا تعرف الآن من الحياة سوى اللعب، والجري، ويقولون على السكر "أوكر".
رعبنا يأتي من أفعالكم، فكيف نثق في إدارة دولة تترك مؤسسة كبيرة بها تقول هراء من نوعية "إلقاء القبض على تنظيم «المواسير» الإرهابي في الإسكندرية" هذا بيان رسمي لوزارة سيادية بنص الدستور، الحالي، فما بالنا بالوزارات الأخرى غير الدستورية؟
الداخلية في بيانها وجهت اتهامات "للعناصر الإرهابية" بـ"سد المصارف ومواسير الصرف الصحي بإلقاء خلطة أسمنتية بداخلها لعدم تصريف المياه، وحرق وإتلاف محولات الكهرباء وصناديق القمامة لإحداث أزمات بالمحافظة، وبث حالة من السخط الجماهيري ضد النظام القائم".
هكذا تتعامل الدولة مع أزمات كبيرة مثل انقطاعات التيار الكهربائي، وانتشار القمامة في الشوارع، وغرق مدينة ساحلية معروف مواعيد النوات البحرية بها، ومتوقع سقوط أمطار بها.
ومن أقوالكم أيضًا نموت رعبًا، فحديث خبرائكم عن أن كل الدراسات تؤكد أن هذا مشروع عظيم وسيأتي بما لم يستطع أن يأتي به غيره، وتهويل جرائدكم بما تم وسيتم في هذا المشروع، يذكرنا فقط بما سمعناه منهم ومنكم عن مشروع توسعة مجرى قناة السويس، والخير الذي سيعم البلاد، وعدد السفن التى ستعبر، والهدية التي أهدتها أم الدنيا لكل الدنيا، هذا حديثكم، لكن ومنذ افتتاح تلك التفريعة في أغسطس الماضي وبيانات القناة نفسها تؤكد تراجع إيراداتها، وفي بيان القناة الذي نشر منذ أيام، جاء أن الإيرادات بلغت في شهر أكتوبر الماضي 449.2 مليون دولار، بتراجع بنسبة 6.7%، قياسًا مع إيرادات الشهر نفسه من العام الماضي، والتي بلغت 482.3 مليون دولار.
لكن خبراءنا، ما زالوا يتعاملون بمبدأ أن الورق ورقنا والدفاتر دفاترنا، فقارنوا بين إيرادات شهري أكتوبر وأغسطس، فقالوا إن الإيرادات زادت، وهي بهذا القياس فعلا زادت، فوصلت في أكتوبر إلى 449.2 مليون دولار بينما كانت في سبتمبر 448.8 مليون دولار، لكن!! وبالمناسبة هذا الإيراد أيضًا عن شهر سبتمبر سجل تراجعًا بنسبة 4.6%، قياسًا مع إيرادات الشهر نفسه من العام الماضي، والتي بلغت 469.7 مليون دولار.
كيف نثق في نظام لا يزال يدار بمنطق "كله تمام يافندم"، و"شلوت سيادتك دفعة للأمام"، بينما نحن نرجع للخلف بشكل أذهل أشد المتشائمين؟
كيف نصدق دولة تقول إنها ستعمل على تأمين مفاعل نووي ونحن نراها لا تستطيع تأمين محطة مترو أنفاق وتغلقها إذا قررت جماعة سياسية التظاهر في الميدان الذي تقع فيه تلك المحطة.
نحن دولة تعرف التأمين بالغلق، فتغلق محطات المترو، والشوارع، والجامعات، والنوادي، والنوافذ التي سيمر من أمامها موكب مسئول كبير.
نحن دولة تضع حواجز أمنية في كل الشوارع المحيطة والمؤدية إلى أقسام الشرطة، والسفارات، والوزارات، فهل سنضع تلك الحواجز حول المحافظة التي سيقام فيها المفاعل؟
نحن دولة اخترق "حمار" مطارها الرئيسي، ووصلت قنبلة لطائرة كانت في أهم مطاراتها السياحية.
نحن نقلق من إدارة لا تعمل على محاسبة المخطئين بها، فكيف نثق في نظام لم يحاسب رجلًا ادعى أنه اخترع جهازًا سيحل مشكلات الملايين من مرضى فيروس سي، رغم أن كل المؤشرات وقتها كانت تؤكد نصبه، وادعاءه، وحتى هذه اللحظة لم يظهر الجهاز، بل لم يظهر الرجل نفسه ليُحاكَم على وهمه وكذبه.
إقامة مفاعل نووي، أمر عظيم، لكن كيف لنا أن نفرح به ونحن دولة تغيب عنها شفافية المعلومات، وحرية الاطلاع، هل نعرف ما الذي حدث في قتل السياح المكسيكيين، في شهر سبتمبر الماضي، هل قالوا لنا أصلا ما الذي حدث، سوى هذا البيان الهزلي الذي أصدرته وزارة الداخلية وقالت إنها قتلت السياح عن طريق الخطأ ظنا منها أنهم إرهابيون.
هل نعرف شيئًا رسميًّا عن قضية فساد وزارة الزراعة؟ هل نعرف من قتل شهداء الثورة؟ نحن حتى هذه اللحظة لا نعرف من قنص الشباب في ميدان التحرير في الـ18 يومًا الأولى لثورة يناير، أو حتى ما الذي حدث في القصر الرئاسي وقتها، وكيف اتخذ مبارك قرار التنحي؟ ولماذا كلف المجلس العسكري وقتها بإدارة البلاد؟ وكيف يكلفه بعد التنحي أساسًا؟
من حقنا أن نموت رعبًا كل لحظة لأننا ببساطة، نعرف أن الفساد طال كل المؤسسات، وهذا حديث رسمي وليس افتراءً منا، فما الذي يمنعه من أن يصل إلى هذا المفاعل؟ وحتى لو افترضنا أنه لا مكان لفاسد في هذا المشروع القومي العملاق، فنحن أيضًا نعرف طريق تفكير وأسلوب عمل الموظف المصري، هذا الأسلوب القائم على قاعدة "خد بالك من المكنة يا حسين على ما أشرب سيجارة" وتلك السيجارة طبعًا، يسبقها غداء، ويتبعها صلاة الظهر. ما العمل وقتها؟
الخوف، شعور طبيعي للبشر، فما بالنا إن كنا بشرًا نعيش في دولة تعوض ضحايا إهمالها بـ5000 جنيه، أو أكثر قليلا في الحوادث الأكثر بشاعة، ويبقى أن التعويضات تصرف في الغالب للحوادث التي تشغل الرأي العام، أما تلك التي تحدث في الخفاء فلا يسمع عنها أحد، ولا يصرف لهم من الدولة شيء.
من حقنا أن نموت كل يوم رعبًا على مستقبل أطفالنا، وبلدنا، فلا يخرج علينا من يطمئننا ويقول حديثًا مقنعًا لعقولنا، غير هذا الحديث الشعبوي، العاطفي الذي اختفى تقريبًا من كل بلاد الدنيا.
كل ما سبق يكشف شكل إدارة الدولة، التي تجعلنا نموت رعبًا من الإعلان عن تلك المشروعات الضخمة في إنشائها ونتائجها وكوارثها أيضًا.
لكن في هذه الحالة، تأتي لتثبت قلقنا مما سبقها، هذا السيناريو المرعب ليس على مستقبلنا فقط، بل على مستقبل أجيال لا تعرف الآن من الحياة سوى اللعب، والجري، ويقولون على السكر "أوكر".
رعبنا يأتي من أفعالكم، فكيف نثق في إدارة دولة تترك مؤسسة كبيرة بها تقول هراء من نوعية "إلقاء القبض على تنظيم «المواسير» الإرهابي في الإسكندرية" هذا بيان رسمي لوزارة سيادية بنص الدستور، الحالي، فما بالنا بالوزارات الأخرى غير الدستورية؟
الداخلية في بيانها وجهت اتهامات "للعناصر الإرهابية" بـ"سد المصارف ومواسير الصرف الصحي بإلقاء خلطة أسمنتية بداخلها لعدم تصريف المياه، وحرق وإتلاف محولات الكهرباء وصناديق القمامة لإحداث أزمات بالمحافظة، وبث حالة من السخط الجماهيري ضد النظام القائم".
هكذا تتعامل الدولة مع أزمات كبيرة مثل انقطاعات التيار الكهربائي، وانتشار القمامة في الشوارع، وغرق مدينة ساحلية معروف مواعيد النوات البحرية بها، ومتوقع سقوط أمطار بها.
ومن أقوالكم أيضًا نموت رعبًا، فحديث خبرائكم عن أن كل الدراسات تؤكد أن هذا مشروع عظيم وسيأتي بما لم يستطع أن يأتي به غيره، وتهويل جرائدكم بما تم وسيتم في هذا المشروع، يذكرنا فقط بما سمعناه منهم ومنكم عن مشروع توسعة مجرى قناة السويس، والخير الذي سيعم البلاد، وعدد السفن التى ستعبر، والهدية التي أهدتها أم الدنيا لكل الدنيا، هذا حديثكم، لكن ومنذ افتتاح تلك التفريعة في أغسطس الماضي وبيانات القناة نفسها تؤكد تراجع إيراداتها، وفي بيان القناة الذي نشر منذ أيام، جاء أن الإيرادات بلغت في شهر أكتوبر الماضي 449.2 مليون دولار، بتراجع بنسبة 6.7%، قياسًا مع إيرادات الشهر نفسه من العام الماضي، والتي بلغت 482.3 مليون دولار.
لكن خبراءنا، ما زالوا يتعاملون بمبدأ أن الورق ورقنا والدفاتر دفاترنا، فقارنوا بين إيرادات شهري أكتوبر وأغسطس، فقالوا إن الإيرادات زادت، وهي بهذا القياس فعلا زادت، فوصلت في أكتوبر إلى 449.2 مليون دولار بينما كانت في سبتمبر 448.8 مليون دولار، لكن!! وبالمناسبة هذا الإيراد أيضًا عن شهر سبتمبر سجل تراجعًا بنسبة 4.6%، قياسًا مع إيرادات الشهر نفسه من العام الماضي، والتي بلغت 469.7 مليون دولار.
كيف نثق في نظام لا يزال يدار بمنطق "كله تمام يافندم"، و"شلوت سيادتك دفعة للأمام"، بينما نحن نرجع للخلف بشكل أذهل أشد المتشائمين؟
كيف نصدق دولة تقول إنها ستعمل على تأمين مفاعل نووي ونحن نراها لا تستطيع تأمين محطة مترو أنفاق وتغلقها إذا قررت جماعة سياسية التظاهر في الميدان الذي تقع فيه تلك المحطة.
نحن دولة تعرف التأمين بالغلق، فتغلق محطات المترو، والشوارع، والجامعات، والنوادي، والنوافذ التي سيمر من أمامها موكب مسئول كبير.
نحن دولة تضع حواجز أمنية في كل الشوارع المحيطة والمؤدية إلى أقسام الشرطة، والسفارات، والوزارات، فهل سنضع تلك الحواجز حول المحافظة التي سيقام فيها المفاعل؟
نحن دولة اخترق "حمار" مطارها الرئيسي، ووصلت قنبلة لطائرة كانت في أهم مطاراتها السياحية.
نحن نقلق من إدارة لا تعمل على محاسبة المخطئين بها، فكيف نثق في نظام لم يحاسب رجلًا ادعى أنه اخترع جهازًا سيحل مشكلات الملايين من مرضى فيروس سي، رغم أن كل المؤشرات وقتها كانت تؤكد نصبه، وادعاءه، وحتى هذه اللحظة لم يظهر الجهاز، بل لم يظهر الرجل نفسه ليُحاكَم على وهمه وكذبه.
إقامة مفاعل نووي، أمر عظيم، لكن كيف لنا أن نفرح به ونحن دولة تغيب عنها شفافية المعلومات، وحرية الاطلاع، هل نعرف ما الذي حدث في قتل السياح المكسيكيين، في شهر سبتمبر الماضي، هل قالوا لنا أصلا ما الذي حدث، سوى هذا البيان الهزلي الذي أصدرته وزارة الداخلية وقالت إنها قتلت السياح عن طريق الخطأ ظنا منها أنهم إرهابيون.
هل نعرف شيئًا رسميًّا عن قضية فساد وزارة الزراعة؟ هل نعرف من قتل شهداء الثورة؟ نحن حتى هذه اللحظة لا نعرف من قنص الشباب في ميدان التحرير في الـ18 يومًا الأولى لثورة يناير، أو حتى ما الذي حدث في القصر الرئاسي وقتها، وكيف اتخذ مبارك قرار التنحي؟ ولماذا كلف المجلس العسكري وقتها بإدارة البلاد؟ وكيف يكلفه بعد التنحي أساسًا؟
من حقنا أن نموت رعبًا كل لحظة لأننا ببساطة، نعرف أن الفساد طال كل المؤسسات، وهذا حديث رسمي وليس افتراءً منا، فما الذي يمنعه من أن يصل إلى هذا المفاعل؟ وحتى لو افترضنا أنه لا مكان لفاسد في هذا المشروع القومي العملاق، فنحن أيضًا نعرف طريق تفكير وأسلوب عمل الموظف المصري، هذا الأسلوب القائم على قاعدة "خد بالك من المكنة يا حسين على ما أشرب سيجارة" وتلك السيجارة طبعًا، يسبقها غداء، ويتبعها صلاة الظهر. ما العمل وقتها؟
الخوف، شعور طبيعي للبشر، فما بالنا إن كنا بشرًا نعيش في دولة تعوض ضحايا إهمالها بـ5000 جنيه، أو أكثر قليلا في الحوادث الأكثر بشاعة، ويبقى أن التعويضات تصرف في الغالب للحوادث التي تشغل الرأي العام، أما تلك التي تحدث في الخفاء فلا يسمع عنها أحد، ولا يصرف لهم من الدولة شيء.
من حقنا أن نموت كل يوم رعبًا على مستقبل أطفالنا، وبلدنا، فلا يخرج علينا من يطمئننا ويقول حديثًا مقنعًا لعقولنا، غير هذا الحديث الشعبوي، العاطفي الذي اختفى تقريبًا من كل بلاد الدنيا.
كل ما سبق يكشف شكل إدارة الدولة، التي تجعلنا نموت رعبًا من الإعلان عن تلك المشروعات الضخمة في إنشائها ونتائجها وكوارثها أيضًا.
تعليقات
إرسال تعليق