السيد درويش البحر ( 17 مارس 1892 10 سبتمبر 1923) باعث النهضة الموسيقية وأبو المسرح الغنائى في مصر والمنطقة العربية. ولد بحى كوم الدكة في الإسكندرية، وبدأ ينشد مع أصدقائه ألحان الشيخ سلامة حجازي والشيخ حسن الأزهري. التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية عام 1905 ثم عمل في الغناء في المقاهي. تزوج سيد درويش وهو في السادسة عشرة من العمر، وصار مسؤولا عن عائلة، فاشتغل مع الفرق الموسيقية، لكنه لم يوفق، فاضطر أن يشتغل عامل بناء، وكان خلال العمل يرفع صوته بالغناء، مثيرا إعجاب العمال وأصحاب العمل، وتصادف وجود الأخوين أمين وسليم عطا الله، وهما من الشوام المشتغلين بالفن ، في مقهى قريب من الموقع الذي كان يعمل به الشيخ سيد ، فاسترعى انتباههما ما في صوت هذا العامل من قدرة وجمال، واتفقا معه على أن يرافقهما في رحلة فنية إلى الشام في نهاية عام 1908. عاد إلى الشام مرة أخرى في عام 1912 وبقي هناك حتى عام 1914 حيث أتقن أصول العزف على العود وكتابة النوتة الموسيقية، فبدأت موهبته الموسيقية تتفجر، ولحن أول أدواره يا فؤادي ليه بتعشق. وسافر مع فرقة سليم عطا الله مرة أخرى إلى الشام، إذ تتلمذ في حلب على يد الشيخ عثمان الموصلي العراقي. وسافر مرةأخرى إلى بلاد الشام مع فرقة جورج أبيض. وكان لهذه الرحلات أثر كبير في اكتسابه أصول الموسيقى من أساتذة الموسيقى هناك وما افتقر إليه من ألوان المعرفة. حين عاد إلى القاهرة في هذه المرة رسم لنفسه خطة جديدة في ميدانه الغنائي والمسرحي فلحن معظم أدواره وموشحاته الخالدة التي عرفت الناس بمدرسته الإبداعية الجديدة. اشتهر اسم سيد درويش وذاعت أغانيه حتى وصل إلى سمع رائد المسرح الغنائي المصري سلامة حجازي الذي حرص على زيارته في الإسكندرية والإستماع إليه شخصيا، وأبدى إعجابه بأسلوب سيد درويش في التلحين وتنبأ له بمستقبل كبير، ثم عرض عليه الانتقال إلى القاهرة للعمل معه، وفعلا ترك الإسكندرية، ولكن جمهور القاهرة الذى استمع اليه مطربا بين الفصول المسرحية، استقبله استقبالا فاترا فقرر أن ينهى المهمة ويعود في اليوم التالي إلى مدينته. في عام 1917، يعاود سيد درويش دخول القاهرة ملحنا رواية كاملة لفرقة جورج أبييض هي فيروز شاه. أول حفلة أقامها الشيخ سيد في القاهرة كانت في مقهى الكونكورديا وحضرها أكثر فناني القاهرة شهرة وفي هذه الحفلة قدم سيد دوره الخالد، الذي أعده خصيصا لها “الحبيب للهجر مايل” وفيه خرج عن الطريقة القديمة المألوفة في تلحين الأدوار وكانت غريبة على السمع المألوف ولذا انسحب أكثر الحاضرين لأنهم اعتقدوا أن هذه الموسيقى كافرة وأجنبية وان خطر الفن الجديد أخذ يهدد الفن العربي الأصيل، ولكن فئة الفنانين المستمعين لم ينسحبوا لأنهم أدركوا عظمة الفن الجديد. ومن يومها اشترك الشيخ سيد مع الفرق التمثيلية ممثلا ومغنيا، وعنها انتبه الجمهور، وكذلك الفرق الأخرى إلى أن فنا جديدا قد أتى وأن الألحان أثمن من الرواية نفسها، وحرصت معظم الفرق على اجتذاب سيد درويش لتلحين رواياتها ثم أصبح في سنوات معدودة الملحن الأول في مصر متفوقا بذلك على الملحنين المخضرمين مثل كامل الخلعي وداود حسني وغيرهم، وسطع نجمه فقام بالتلحين لكافة الفرق المسرحية أمثال فرقة نجيب الريحاني، جورج أبيض وعلي الكسار، و أولاد عكاشة، حتى قامت ثورة 1919 فغنى قوم يا مصري. أدخل سيد درويش في الموسيقى للمرة الأولى في مصر الغناء البوليفونى polyphony المتعدد الألحان، فلكل صوت مهما بلغ عدد الأصوات لحن خاص به، والبوليفونية هي التي تعطي الموسيقى بعد أوبراليا يميزها عن جميع أنواع الموسيقى الشعبية البسيطة التى كانت سائدة فى المنطقة فى ذلك الوقت. وعرفت لأول مرة فى الموسيقى العربية، في أوبريتات العشرة الطيبة و شهرزاد والبروكة. بلغ إنتاجه في حياته القصيرة من القوالب المختلفة، عشرات من الأدوار وأربعين موشحا ومائة طقطوقة. ولحن 10مسرحيات و20أوبريت ، وإذا اعتبرنا أن في كل أوبريت عشرة ألحان فيكون مجموع ألحان الشيخ سيد في أوبرتاته العشرين مائتا لحن. هذا بالإضافة إلى الأناشيد الوطنية والمونولوجات وغيرها من الألحان والأهازيج التي قدمها الشيخ سيد للموسيقى العربية. وغنى لمختلف فئات الشعب: الأفندية – الموظفين – العربجية – السياس – الجرسونات – التحفجية –البائعين – بائعين اللبن – باعة الورد – الحواة – البوابين – الشيطاين – المجانين – الحشاشين –المنزولجيه ” المدمنين” – الاعجام ” الأجانب” –الأتراك – الرشايدة – الصعايدة. انه ماكان يخرج النغمة إلى الوجود، الا ويسحر بجمالها الألباب ويرقص النفوس ويرددها أفراد الشعب والعوالم اللاتي يقمن الأفراح والمسارح الغنائية وموسيقات الجيش والموسيقات الأهلية. وكان يرى أن الموسيقى لغة عالمية فيقول: “نحن نخطئ عندما نحاول أن نصبغها بصبغة محلية يجب أن يستمع الرجل اليوناني و الفرنسي والرجل الذي يعيش في غابات أواسط أفريقيا إلى أي موسيقى عالمية فيفهم الموضوع الموسيقي ويتصور معانيه ويدرك ألغازه لذلك فقد قررت أن ألحن موسيقى يفهمها العالم كله”. لقد كان هدف الموسيقى المصرية قبل سيد درويش الطرب فقط ولكنه جعل منها رسالة أكبر وهي استخدام هذا الفن العظيم كلغة تفاهم بين كافة البشر وفي الجهاد الوطني والإصلاح الاجتماعي. انتهت حياة هذا الفنان الخالد يوم 10 سبتمبر من عام 1923 وله من العمر إحدى وثلاثون سنة “وقيل أن سبب وفاته المفاجئة هو تسمم مدبر من الإنجليز أو الملك فؤاد، وفى قول آخر أنها جرعة زائدة من مخدر الكوكايين”. عندما ولد سيد درويش كانت الموسيقى والغناء فنا للخاصة وعندما مات كانت موسيقاه وألحانه تتردد في أنحاء البلاد ملكا للعامة من أبناء الشعب كله. ما أقصره من عمر وما أعمقه من تأثير. فقبل سيد درويش كانت الموسيقى المصرية لا تعرف غير الشجن والوجد والهيام..وبعد سيد درويش كانت الموسيقى تغني للوطنية وتعبر عن طوائف العمال وتوحي بجو الريف وتسخر من الحكام الطغاة وما زال النشيد الوطني بلادي بلادي الذي لحنه في مطلع القرن العشرين هو النشيد القومي لمصر ومبعث فخرالمصريين. وموسيقاه في حياتنا اليوم محاطة بموقف متناقض.. فهي حاضرة وغائبة في آن واحد..حاضرة معنا تفرض نفسها في كثير من مناسبات حياتنا “كما حدث في تفرد نشيد بلادي بلادي وحضوره وحده في أحلك الظروف” وانتشار أغاني “طلعت يامحلا نورها” و”زوروني كل سنة مرة” وغيرها من ألحان أصبحت متداولة على الصعيد الشعبي، وموسيقى غائبة عن حياتنا بحكم عودة مدرسة الشجن والوجد والهيام.. وسيطرتها على الساحة . نقلاً عن : الحوار المتمدن 2015 / 7 / 17 دنجي دنجي - لحن سيد درويش
تعليقات
إرسال تعليق