مقتطفات من آراء وكتابات

 

إعداد : صلاح الدين محسن

31-1-2021

مقتطف من مقال سامي لبيب 

منشور بالحوار المتمدن . يوم 30-1-2021 . بعنوان " 

((  .. - لن أكون مغالياً عندما أقول أن سر إفتقادنا لمفهوم الحرية وعدم إدراكنا إياها وضياع أى حرص عليها يأتى من تسلل مفهوم آية سورة آل عمران " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ" ليضاف لها حديث محمد "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " لتشكل هذه الآية مع الحديث حجر الزاوية الذى يتأسس عليه منظومة إنتهاك حريتنا وكرامتنا .

لا يكون تقييمي لفعل الآية والحديث نتاج حالة فكرية تناهض الموروث الديني , فمن الغباء عداء تاريخ وفكر إنسان قديم أبدع وأخلص لفكرة تحمل تطلعاته ورؤيته ومعارفه ومصالحه ومنها صاغ مجتمعه ونظامه , ولكن تأتى إدانتنا من إسقاط الموقف التاريخي والحالة الفكرية والنفسية والسلوكية لإنسان هذا الزمان على واقعنا كثقافة حاضرة تسقط بظلالها الكثيفة على واقع مغاير فتصبغه بنفس صبغة القديم بسلوكه ونهجه ورؤيته الحادة .

- تعالوا نتأمل الآية والحديث التى تجد إعتزاز لدى المسلم ككلام يدعو للحث على الفضيلة والبعد عن المنكرات , فالقراءة المُتسرعة العمياء ستصدر معنى الفضيلة والأخلاق ولكن القراءة المتأنية وتأثيرها على الواقع ستدمر الحرية والسلوك الحر فى شخصية الإنسان لتسمح للآخرين بإختراقه فى أموره الحياتية وفرض منظومتهم عليه .

- لاحظ قول " تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ " التى نرددها كثيرا ونستحسنها ونعتبرها من الآيات الثريا في الدين بينما هى تنتهك إنسانيتنا وتصفع أى إنسان يمتلك قسط بسيط من الحرية والكرامة , فمن يفطن هذا فى ظل مجتمعات أُنتهكت وأدمنت الإنتهاك .. انظر لكلمة "تأمرون بالمعروف" فالمعروف يأتي هنا بالأمر وما تحمله كلمة أمر من معاني تعنى الهيمنة والفرض والسطوة , فالآمر يَفرض أوامره بدون جدال ويمتلك السطوة لتجعل كلامه "أمراً" فلا يرده أحد ..فهل يقترب هذا من أي إحترام لحرية وعقل الإنسان أم ينتهكه , الغريب إنصراف مُبدع النص عن صيغ تعبيرية أقل حدة كقول الدعوة للمعروف أو الحث إليه ليعتنى بالأمر فأنت ستفعل المعروف مأموراً رغماً عن أنفك .

- لن تجد من يقف مستنكراً قائلا لا أقبل أن تأمرني بعمل المعروف فليس هذا من شأنك , فالمؤسف عدم وجود أى إحساس بما تحمل كلمة " تأمرون "من مهانه وانتهاك , فهل هذا يرجع لأن جلودنا سميكة أم حجم تاريخ إنتهاكنا كبير ,فإستحساننا لكلمة "تأمرون" تعنى أن هناك خلل فى تركيبتنا الشخصية والنفسيةّ !
تأتى كلمة "تنهون" فى نفس السياق الفارض فلا يكون طلب الإبتعاد عن المنكر بالموعظة والنصح بل بالنهى وما تحمله الكلمة من معنى قاهر , ليأتي الحديث النبوي محدداً الصورة بشكل جلى وفج :"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " فالمُنكر يتغير بالقوة والقهر كأقوى مرتبة من مراتب الإيمان , ثم يأتي فى المرتبة الثانية اللسان والذى يعنى الزجر والتوبيخ وإغلاظ القول لينتهى الحال بالقلب أى يحمل المرء ضغينة وإستياءه من صاحب المنكر .

- إن التلصص على حريات وسلوك الآخرين والتدخل صار شائعاً ليصل لحد الهوس الجمعي ,وليزداد تفحلاً بإستخدام وسائل التواصل الإحتماعي كالفيسبوك لتجد لذة فى حشر الأنوف فى حريات الآخرين ولا مانع من إدانتها والتشهير بها , فمثلا تتناول السوشيا ميديا هذه الأيام مشهد لحفل خاص هزلي لبعض السيدات بنادي الجزيرة وهم يتناولون حلويات وجاتوهات على شكل أعضاء جنسية , فيصير شاغل المجتمع وإستنكاره بالرغم أن الحفل شديد الخصوصية ولم يتم دعوة غريب عنهم ولتستغرب من تفاهة هذا المجتمع وتجذر التلصص والفضول وحشر الأنوف .

- ماذا تعنى هذه الصور.. تعنى أن من حق المسلم أن يخترق حرية الآخر بفعل "تأمرون" و"تنهون" و" تغيرون" فلا تسأل عن حرية شخصية تأبى أن يخترقها أو يتطفل عليها أحد ,فالكل معنيون بإختراقك وفرض رؤيتهم عليك ولعل هذا الفيديو الذى شاهدته يعطى رؤية فى كيفية تأويل الأمور عندما تتفعل "تأمرون" بالمعروف و"تنهون" عن المنكر باليد فى الواقع .
- مشهد الفيديو الذي إستمعنا له يعطى صورة قاتمة وفجة لواقعنا المُخزي نجد حضوره القوى فى مملكة التصحر ومؤسسته الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ولدى أصحاب التيارات الإسلامية السلفية والجهادية والتكفيرية التى تتشوق لهفةً لتطبيق شرع الله , والمؤسف أن هذا يتواجد فى كل الشعوب الإسلامية بدرجة أو بأخرى فلا ينعدم كون ثقافة " تأمرون ,وتنهون ,وتغيرون المنكر" مُتجذرة حاضرة فى الوعى والفكر الإسلامي لتنتج لنا بشر متسلطون ومهترئون لا يجرؤ أحد أن يقول " إنت مال أهلك " فى وجه من يخترق حريته وإنسانيته , فالكل يسمح للآخرين بإختراقه وفرض تطفلهم ودس أنوفهم فى حياته ليفرضوا رؤيتهم فلا تكون الصلاة والصوم حرية شخصية بل سامحة لكل متطفل أن يدس أنفه في حرية وسلوك الآخر .

- هذا الإقتحام والسطوة التى تنتهك حرية الإنسان بكل صلافة تخلق خوف يتغلغل بين الضلوع , لأتذكر مشهد من الفترة الجامعية حينما كان يأتي أصدقائي المسلمون يأكلون ويشربون الشاى ويدخنون السجائر فى بيتى بشهر رمضان لتندهش أمى وتقول : هوا إِنت معندكش اصحاب مسلمون يصومون رمضان أبدا ! .. فى الحقيقة كان أكثر من نصفهم شيوعيين وبغض النظر عن كونهم شيوعيون أم غير شيوعيين فكلهم كانوا حريصون كل الحرص على إبداء أنهم صائمون أمام ذويهم بل ينكرون بشدة إفطارهم لأستغرب هذا السلوك , فأنا لا أصوم الأصوام المقدسة ولا أخجل من إعلان هذا أمام أحد .

- هذا الخوف المتغلغل فى الضلوع من سطوة الآخرين على حريتنا جاءت من رخصة " تأمرون , وتنهون ,وتغيرون المنكر" المتغلغلة فى الأعماق سامحة لكل من هب ودب أن يخترق حريتنا وكرامتنا فلا نقول له "إنت مال أهلك" بل نعمل حساب دس أنفه . .. )) .
------------------------------ 

تعليقات