كتابات مختارة - بماذا ننصح أينشتاين؟
توفيق السيف - كاتب ومفكر سعودي
الشرق الأوسط - لندن - 15-7-2020
ما وصل إلينا من علوم المسلمين الأوائل، كان في الأصل ميراثاً وصلهم من أمم أخرى سبقتهم. ثم تعلَّم الأوروبيون من علوم العرب وطوَّروها. حتى وصل الدور إلينا، فتعلمنا بعض ما أنتج الأوروبيون من معارف.
هذه طبيعة المعرفة. يتفاعل البشر من خلال الترجمة والسفر والعمل المشترك والنقاش والتعاون في تطوير الأفكار والمشروعات، بل كل عمل ينطوي على تفاعل بين فكرتين، فينتج فكرة ثالثة جديدة.
سمعت الأفكار السابقة في نقاش حول الدور المحتمل للطلبة المبتعثين، في نقل «روح الحضارة» من المجتمعات التي درسوا فيها، إلى مجتمعنا. بعض المتحاورين أبدى تفاؤلاً، ومال آخرون إلى التشاؤم. لكنّي وجدت النقاش بذاته مثيراً للاهتمام، لأنَّ المشاركين فيه كانوا جميعاً من الطلبة المبتعثين، ويتضح من نقاشهم إدراك تام للفارق بين دراسة علم ما واكتشاف روح العلم أو روح الحضارة.
نعلم أن مئات الآلاف من الطلبة العرب قد درسوا في الجامعات الغربية خلال العقد الحالي، أو شاركوا في برامج علمية أو تدريبية في إطارات مماثلة.
- ترى ما هي احتمالات أن يساهم هؤلاء في إطلاق نهوض حضاري، أو نقل روح الحضارة التي مكنتهم من تعلم شيء كان مفقوداً في بلدانهم؟
لقد وجدت معظم المتحاورين متشككاً في هذا. وهم يقولون ببساطة إن الذين عادوا سينفقون وقتاً غير قليل في البحث عن وظائف، ثم تستهلكهم دوامة الحياة الجارية، فينسون ما فكروا فيه في سنوات الدراسة، ويكتفون بما يفعلون اليوم.
وشعرت بالأسف وأنا أسمع هذا التصوير. فقد كان مخيباً للأمل بقدر ما كان واقعياً. نعلم أنه واقعي لأننا رأيناه عند آلاف الطلبة، الذين تخرجوا من الجامعات المحلية والأجنبية في سنوات سابقة. هؤلاء لم يكونوا أقل طموحاً، ولا أقل رغبة في بناء وطنهم. ثم إن عدداً منهم قد حصل على الفرصة التي يسعى إليها، فاقترب من مركز القرار أو بات جزءاً منه. لكن التغيير الذي أحدثه كان ضئيلاً. فهل كانت العلة فيه أم في المجتمع، أم في عوامل أخرى غير هذا وذاك؟
راود ذهني تفسير الأستاذ إبراهيم البليهي، الذي يدعي أننا عاجزون عن تقليد الأمم المتحضرة، فضلاً عن منافستها، لسبب واحد هو شعورنا بالاستغناء عن الآخرين. يتخذ هذا الشعور صوراً متعددة، من بينها المبالغة في تصوير قيمة موروثنا العلمي أو تاريخنا السياسي والديني، أو حتى واقعنا الراهن.
واقع الحال أننا مثل بقية الأمم، لدينا نقاط قوة ونقاط ضعف. ونعلم لو صارحنا أنفسنا، بأن نقاط ضعفنا أكثر، لأن المعيار اليوم ليس عندنا، بل في الغرب. معايير القوة والتقدم والعظمة هي المتعارفة في الغرب وليس غيره.
يقول البليهي إن الواحد منا لو التقى أينشتاين، أبرز علماء العصر، لبادر في التنظير عليه وتعليمه. إني أجد هذا متجسداً في عجزنا عن الاستفادة من بعضنا بعضاً، وإصرار كل واحد فينا على أن يكون معلم الآخرين، من الأهل والأغراب، بل رأيت من يعلم الأميركان كيف ينتخبون زعماءهم.
أحاول ألا أقتنع بهذا الرأي. لكني أجد كل يوم من يبالغ في تصوير الواقع، كما يبالغ في إنكار نقاط الضعف، بينما ينشغل في تفاصيل عيوب الآخرين ونواقصهم. قد لا يكون هذا المثال معبراً عن الواقع بأكمله. لكن لا شك أن تكراره سوف يؤكد شعور «الاستغناء»، ولو التقينا أينشتاين لربما حدثناه عما أبدعه أسلافنا في الفيزياء.
=====
الشرق الأوسط - لندن - 15-7-2020
ما وصل إلينا من علوم المسلمين الأوائل، كان في الأصل ميراثاً وصلهم من أمم أخرى سبقتهم. ثم تعلَّم الأوروبيون من علوم العرب وطوَّروها. حتى وصل الدور إلينا، فتعلمنا بعض ما أنتج الأوروبيون من معارف.
هذه طبيعة المعرفة. يتفاعل البشر من خلال الترجمة والسفر والعمل المشترك والنقاش والتعاون في تطوير الأفكار والمشروعات، بل كل عمل ينطوي على تفاعل بين فكرتين، فينتج فكرة ثالثة جديدة.
سمعت الأفكار السابقة في نقاش حول الدور المحتمل للطلبة المبتعثين، في نقل «روح الحضارة» من المجتمعات التي درسوا فيها، إلى مجتمعنا. بعض المتحاورين أبدى تفاؤلاً، ومال آخرون إلى التشاؤم. لكنّي وجدت النقاش بذاته مثيراً للاهتمام، لأنَّ المشاركين فيه كانوا جميعاً من الطلبة المبتعثين، ويتضح من نقاشهم إدراك تام للفارق بين دراسة علم ما واكتشاف روح العلم أو روح الحضارة.
نعلم أن مئات الآلاف من الطلبة العرب قد درسوا في الجامعات الغربية خلال العقد الحالي، أو شاركوا في برامج علمية أو تدريبية في إطارات مماثلة.
- ترى ما هي احتمالات أن يساهم هؤلاء في إطلاق نهوض حضاري، أو نقل روح الحضارة التي مكنتهم من تعلم شيء كان مفقوداً في بلدانهم؟
لقد وجدت معظم المتحاورين متشككاً في هذا. وهم يقولون ببساطة إن الذين عادوا سينفقون وقتاً غير قليل في البحث عن وظائف، ثم تستهلكهم دوامة الحياة الجارية، فينسون ما فكروا فيه في سنوات الدراسة، ويكتفون بما يفعلون اليوم.
وشعرت بالأسف وأنا أسمع هذا التصوير. فقد كان مخيباً للأمل بقدر ما كان واقعياً. نعلم أنه واقعي لأننا رأيناه عند آلاف الطلبة، الذين تخرجوا من الجامعات المحلية والأجنبية في سنوات سابقة. هؤلاء لم يكونوا أقل طموحاً، ولا أقل رغبة في بناء وطنهم. ثم إن عدداً منهم قد حصل على الفرصة التي يسعى إليها، فاقترب من مركز القرار أو بات جزءاً منه. لكن التغيير الذي أحدثه كان ضئيلاً. فهل كانت العلة فيه أم في المجتمع، أم في عوامل أخرى غير هذا وذاك؟
راود ذهني تفسير الأستاذ إبراهيم البليهي، الذي يدعي أننا عاجزون عن تقليد الأمم المتحضرة، فضلاً عن منافستها، لسبب واحد هو شعورنا بالاستغناء عن الآخرين. يتخذ هذا الشعور صوراً متعددة، من بينها المبالغة في تصوير قيمة موروثنا العلمي أو تاريخنا السياسي والديني، أو حتى واقعنا الراهن.
واقع الحال أننا مثل بقية الأمم، لدينا نقاط قوة ونقاط ضعف. ونعلم لو صارحنا أنفسنا، بأن نقاط ضعفنا أكثر، لأن المعيار اليوم ليس عندنا، بل في الغرب. معايير القوة والتقدم والعظمة هي المتعارفة في الغرب وليس غيره.
يقول البليهي إن الواحد منا لو التقى أينشتاين، أبرز علماء العصر، لبادر في التنظير عليه وتعليمه. إني أجد هذا متجسداً في عجزنا عن الاستفادة من بعضنا بعضاً، وإصرار كل واحد فينا على أن يكون معلم الآخرين، من الأهل والأغراب، بل رأيت من يعلم الأميركان كيف ينتخبون زعماءهم.
=====
تعليقات
إرسال تعليق