كتابات مختارة - عن : حامد عبد الصمد

صندوق الاسلام وصندوق الانسان


كتبت المقال من أكثر منذ ثلاثة أسابيع وترددت كثيرا في نشره، ثم زال ترددي لأن المضمون يتوافق مع رسالة صاحب الصندوقين المشار إليها في العنوان سواء في كتاباته أو كتبه.
توقف برنامج "صندوق الاسلام" حوالي أربعة أشهر، قيل الكثير خلالها عن تعرض حامد عبد الصمد لضغوط حتى يوقف برنامجه، الذي كان ولم يزل رائداً وشجّع كثيرين ليحذون حذوه، ودفع كُتّاباً كانوا لا يعرفون التعامل مع الشاشة إلى إدراك أهميتها، وبدأ بعضهم قنواتهم الخاصة بهم. 
ثم عاد حامد عبد الصمد بعد غياب ببرنامج "صندوق الانسان"، وأعلن فيه من أول دقيقة أنه لم يتعرض لضغوط، وأنه اتجه إلى مضمون جديد بعد تأثره بالتعليقات غير اللائقة التي تُنشر عَقِب حلقاته أحياناً، خصوصاً من أناس يهمهم الهجوم على الاسلام أو رسوله، ولم يكن هذا هدف برنامجه.
أنا شخصياً رغم عدم قناعتي بتبريره لا ألومه على اتجاهه الجديد، فمطاردته ومحاولة قلته وتحركاته بين حرس خاص، والتخصص في القراءة أو البحث في الادبيات الإبراهيمية كافة يؤدي إلى إحباط ويميت موهبة الكتابة الخلاّقة، علاوة على وجع الرأس من المبَرمَجين سيو- دينياً، ورغبة الانتقام والاذى من المقربين الجهلة الذين لا يقرأوون.
على أية حال، كل البرامج التي تتناول الاسلام وتاريخه بالدراسة العلمية هدف لتعليقات غير لائقة سواء على الاسلام أو على مُعد البرنامج نفسه. 
عمى البصيرة
اللافت للنظر أن أغلب التعليقات سواء ايجابية أو سلبية ، يكون مضمونها حماسياً أو وقحاً أو غير علمي، عكس مادة البرامج تماماً، وأحيانا تطال وقاحة التعليقات ضيف أو مقدّم البرنامج نفسه، مثل القمص زكريا بطرس الباحث في الاسلام الذي يقرأ للمشاهدين من مراجع إسلامية ويذكر حتى رقم الصفحة، وبدلا من رجوع المشاهد لهذه المراجع، أو على الأقل التفكير في ما قيل لأنه كسلان لا يريد القراءة، يكتب بعضهم أقذر التعليقات على القمص، أو أشنع التعليقات على الاسلام، ولم يفكر القمص ولا رموز العلمانية في التوقف، لأنهم يعلمون تماماً أن منطقة الشرق الاوسط لم تتحرر بعد من عمق سطوة المستفيدين من الاساطيرعلى العقول. 
قال طارق حجي في برنامج تلفزيوني أن ابن تيمية مختل وضد التطور لأنه قال "العلم يعني الصلاة والصوم أما العلم الآخر فحبذا ألاّ يوجد وحبذا لو يكون المسلمون جميعاً أميين". هذا ما قاله ابن تيمية نفسه، لكن بلغ عمى البصيرة عند المعلقين على المفكر العلماني ذروته حين وصفه أحدهم بالزندقة والتطاول على شيخ الاسلام! لم يفكر المُعلّق لحظة في خطورة ما قاله ابن تيمية عليه شخصياً وعلى المسلمين، لأنه مُبرمج منذ نعومة أظافره على عدم سماع الآخر، ولو سمع وفكّر لتحوَّل من ببغاءٍ إلى انسان.
دعاة العيش بعقلية القرن السادس يعلمون تماماُ أنهم لا قِبل لهم علمياً على مواجهة الوقائع، التي أصبحت متاحة للجميع، وهم حقيقة لا يؤمنون بما يقولون لعدم معقوليته؛ عيونهم ونبرتهم العالية غير المبررة تقول ذلك، بل يستعملونه كأيديولوجية للحشد، لذلك كانت أساليب قطع الطريق والتلفيق والتهديد والقتل والاتهام بالتحريف ووأد الحضارات هي أسلوب التعامل مع الآخر.
الآلهة المفيدة
جامعة الاخوان المسلمين وفروعها، التي غيرت اسم فروع الجامعة الأم لأنها غير مرغوبة خصوصاً في الغرب، وهم القوة الاسلامية السياسية الدولية الفاعلة اليوم، لا يجادلون أي حقيقة تاريخية، وإذا جادلوها يستعملون أسلوب التلفيق، فكل من يتحدث عن الحقائق يُعارض ويُهاجم ويُسفه أو يضغطون على الوسيلة الاعلامية التي يستعملها بقولهم أن ما ينشره فلان يقع تحت بند إزدراء الاديان ويجب منعه، أو يحشدون أشباه الاميين الكسالى الذين لا يريدون أن تزعج الحقائق غطيط إيمانهم، ويفضلون العيش مستنسخين موّحدَي الزي والتفكير في الدنيا، من أجل الحشد والتمييز وإثارة النعرات في أي مجتمع يعشيون فيه، بعد تخويفهم من الضرب بسوط العذاب وسلخ الجلد والحرق بالنار والعذاب الأليم في الآخرة.
كما أجلّوا اسلوب الاغتيال إلا في ما ندر، لأنهم لو فعلوا ذلك سيقتلون عشرات المفكرين ويثيرون عليهم زوابع السوشيال ميديا التي لا يستطيعون مواجهتها، بينما هم يخططون للسيطرة على العالم بواسطة الحشد الديني والقنبلة السكانية.
حامد عبد الصمد في آخر عشرين حلقة بدأ يكشف مخطط سيطرة منظمة الاخوان الدولية على أوروبا وكندا واستراليا، من خلال ضيوف من هذه الدول، علاوة على ما قاله هو شخصياً عن المدن المُغلقة والاستفادة من المخصصات الاجتماعية ومراوغة ديموقراطيات الغرب ومحاولات دس الشريعة بجوار القانون المدني، وانتبه بعض المعلقين على المغزى لدرجة أنهم كتبوا طالبين ترجمة بعض الحلقات حتى يفيق رؤساء الغرب، ما يعني أن حامد عبد الصمد دخل في تابوه طموحات الأخوان السياسية وأزعجهم، وهنا حدثت الامور غير الواضحة للصندوق الأول فأبدله عبد الصمد بصندوق ثانٍ، حسب رأيي الشخصي فالحقيقة صعبة المنال.
المسألة ليست في الدين، فالجميع يعلمون تماماً أن الادبيات الإبراهيمية كافة قاصرة لا تصلح للسياسة والقانون والعلم ولا لحكم الناس ولا حتى كمرجع لكتابة التاريخ الحقيقي، ونظرة سريعة على مصر وتونس والجزائر وإيران وتركيا وأفغانستان والسودان المبتور ولبنان المحكوم بجمهورية حزب الله تؤكد هذه الامور. 
الايمان نفسه تغيّر مفهومه اليوم، فمحركات البحث صارت آلهة يؤمن الناس بها ويدمنون على عبادتها أكثر من خمس مرات في اليوم لأنها تنشر المعرفة. إذن أين مربط الفرس؟
السيطرة. ليس من قِبل تنظيم الاخوان الدولي فقط لكن الصين أيضا، والصين تعلم ذلك تماماً وتحارب محاولات الانسلاخ عن الحضارة والثقافة الصينية على أراضيها بدون رحمة، لأن أصحاب فكرة الانسلاخ أعداء الصين الايديولوجيين، وتخطط الصين لوراثة قيادة الغرب للعالم لكن بطرق أكثر فاعلية، وحسب تقديري الشخصي ستربح الصين في النهاية لأنها تملك صناعة المستقبل ويملك غيرها هوس إفساد حاضر الناس ومستقبلهم بماضٍ عقيم. 
الغربولوجيا
بدأ ضيوف حامد عبد الصمد في العشرين حلقة الأخيرة من "صندوق الاسلام" يتحدثون عن مخطط الأخوان المسلمين للسيطرة على أوروبا واستراليا وكندا، وقال حامد عبد الصمد بوضوح أن هناك عشوائيات متشددة مغلقة تتاجر في المخدرات والسلاح والدعارة وتخشى حتى الشرطة الدخول إليها، وهذه العشوائيات تتمدد وتتكاثر.
كان مفهوماً في بعض أحاديث الضيوف أن الأخوان لديهم خطط شراء مراكز دراسات وجامعات مرموقة لإسكات أي صوت أو بحث لا يناسبهم، ولديهم خططاً للعثور على أناس يستطيعون بواسطتهم تنفيذ أجندتهم السياسية، ومن ثمة دفعهم إلى مناصب سيادية، أو استغلال الديموقراطية الغربية التي تحميهم لوصولهم هم إلى مناصب سيادية، وفي السنوات الاخيرة دخلت شخصيات إخوانية مثيرة للجدل أقوى برلمانات وأحزاب الدنيا، أو أصبحت في مناصب سياسية مهمة، وهم يستعملون سلاح "الاسلاموفوبيا" والتشكيك في البلد الذي يعيشون فيه، والمماحكات الدينية أو العرقية في بلاد علمانية، وشهر سلاح العنصرية ضد أي وطني، والشعبوية ضد من يريد مصلحة بلده.
واضح أن هناك خطة يمكن أن أسميها "الغربولوجيا" وأعني دراسة الاساليب المناسبة للسيطرة على الغرب في الشارع والطبقات العُليا. 
يقول جورج كينان المفكر والسفير الاميركي "إذا أردت دفع بلد للإنهيار وجّه ضربة إلى عقيدة السكان ليتم زرع الريبة لديهم". الاخوان المسلمون يستخدمون الاسلوب نفسه ويبحثون في النُخب السياسية عن أناس يمكن شرائهم بالمال والايحاء والاطراء لتنفيذ أجندتهم، ويدرسون السمات الشخصية للنافذين للسيطرة عليهم، ويدعمون الحاكم والسياسي الضعيف الفاسد إنتخابياً، وهم في الوقت نفسه لا يدعمون أي مسلم علماني في الغرب للوصول إلى البرلمانات أو الاحزاب أو مراكز القرار في المؤسسات الحكومية، بل يدعمون أخوانيين مثلهم، والامر واضح جدا لمن يعيشون في الغرب على مستوى المواطن العادي، وواضح في البرلمانيين الاخوانيين الذين يستخدمون البرلمانات الغربية لأجندة خاصة بهم وليس أجندة الدولة التي يعيشون فيها.
==========

تعليقات