كتابات مختارة - البيئة و«سبارو»
نقلاً عن جريدة " القبس " الكويتية
لا يمكن حصر كوارث البيئة التي تسبّب فيها الإنسان في السنوات المئة أو المئتين الأخيرة؛ كالقضاء على الغابات في الأدغال الممطرة، التي تمثل رئات العالم، ومصدر الأكسجين، وما تسبّب فيه من تصحر وتخريب لبيئة كثير من البشر والحيوانات والطيور، وإغراقه المحيطات والأنهار والبحيرات بالتسريبات النفطية والفضلات الكيماوية، وغير ذلك من كوارث. ولكن الكارثة البيئية الكبرى في التاريخ البشري ربما كانت تلك التي حدثت في الصين، إبان حكم ماو تسي تونغ، عندما أصدر أوامره عام 1958 بالقضاء تماماً على الآفات الأربع، وهي: الفئران والبعوض والذباب، وطائر السبارو، وهو قريب من طائر الزرزور، بعد أن تبيّن للحكومة أنه يلتهم كميات كبيرة من محاصيل الحبوب والفواكه، وبالقضاء عليه فإن الناتج الزراعي سيكون اكبر بكثير. وهكذا بدأت حملة القضاء على السبارو ببنادق الصيد، وبتخريب أعشاشه وتكسير بيضه، وبقرع الطبول والقدور في كل بيت وشارع في الصين لمنع الطائر من الهبوط والوقوف على اغصان الشجر، وهذا أدى في النهاية الى سقوط الملايين من السماء نافقة من الإعياء نتيجة الطيران المستمر. وعندما منعت سفارة بولندا في العاصمة الصينية رجال الأمن من دخول حرم السفارة لقتل الطيور التي لجأت الى حديقتها، أحاط آلاف الصينيون بالمبنى وبدأوا بقرع الطبول على مدى يومين، فلم تجد السفارة بدا من السماح لهم بالدخول لكنس مئات ملايين الطيور النافقة من حديقة السفارة.
وفجأة تبيّن الخطأ الفادح الذي ارتكبه ماو، فقد اصيبت الصين بمجاعة نتيجة الجفاف وفيضان النهر الصفر، وهجوم جحافل الجراد على المحصول، والتهامها كل ما وجدته في طريقها، واكتشفوا أن طائر السبارو لم يكن يتغذى على الفاكهة والحبوب فقط، بل كان غذاؤه الرئيس من الحشرات كالجراد الصغير locusts. ونتج عن المجاعة موت ما لا يقل عن 30 مليونا من البشر، ويقال ان العدد تجاوز خمسين مليونا، وكل ذلك لأن سلطة دكتاتورية قررت التلاعب في التوازن البيئي، وهذا ليس أمرا يمكن ان يمر من دون عواقب وخيمة.
إن للبيئة حقّاً علينا، وما يحدث في الهيئة أمر يدعو الى القلق، ولا أعرف حقيقة من المسؤول عن هذا الوضع المؤسف، ونتمنى أن تتعامل الحكومة مع قضايا البيئة بشكل أكثر جدية. فهل من يقرأ أو يسمع، ويطبّق؟
======
تعليقات
إرسال تعليق