كتابات مختارة - نهاية الخدمة

                                                                     
                              أخرة خدمة الغُز علقة


بامتداد التاريخ والجغرافيا تتفق كافة الشعوب على التركيز فيما يهمها من موضوعات جوهرية مع تجاوز تفاصيلها الشكلية بما في ذلك الشعب المصري الذي تعاقبت عليه ثلاثة أنظمة سياسية استعمارية متتالية خلال سبعة قرون من العصور الوسطى، وهي دولة المماليك البحرية تحت حكم الأكراد بين عامي 1250 و1382 ثم دولة المماليك الشراكسة تحت حكم الروس بين عامي 1382 و1517 ثم دولة الخلافة العثمانية تحت حكم الأتراك بين عامي 1517 و1882، فلم يلتفت الشعب المصري كثيراً إلى الاختلافات العرقية التفصيلية بين تلك المجموعات الثلاث من حكامه المستعمرين المتعاقبين لكونه قد كرههم جميعاً، رغم حرص ثلاثتهم تباعاً على تأكيد قواسم مشتركة إسلامية سنية مع عوام المصريين في مواجهة الآخرين سواء كانوا الفاطميين الشيعة أو الأوروبيين الصليبيين أو المغول الوثنيين أو غيرهم، حيث لم يرى المصريون في ثلاثتهم سوى قاسم مشترك واحد هو الاستبداد فاعتبروهم فريقاً واحداً أسموه "حكم الغُز" بضم حرف الغين، وهي كلمة ذات معنيين متقاربين أولهما يعني الفارس الذي يغز جواده بكعبه لينطلق إلى الحرب وثانيهما يعني المحارب الذي يغز غريمه بسيفه ليقتله، أي أن التسمية في الحالتين تأتي متطابقة مع تسمية "حكم العسكر" التي يطلقها المصريون المعاصرون على حكامهم المتعاقبين منذ عام 1952 حتى الآن، ورغم أن المصريين ترجموا كراهيتهم لأولئك العسكر المستبدين بعدة أمثال شعبية أصبحت جزءاً أصيلاً من فولكلور مقاومة الاستبداد إلا أن أشهر تلك الأمثال وأكثرها شيوعاً وانتشاراً وتداولاً حتى اليوم هو المثل القائل "آخرة خدمة الغُز علقة"، في إشارة لأحد أحقر وأشرس سلوكيات الغُز الاستبدادية المعروف باسم "وصم التوابع" والمتمثل في قيام أمير الحرب الكردي أو الروسي أو التركي بإتلاف توابعه من العبيد والجواري وأقنان الأرض، وذلك عبر إصابتهم عمداً بإعاقات جسدية مستديمة عند إدراكه لأن غيره من أمراء الحرب سوف يستولي على أملاكه طوعاً أو كرهاً حتى يمنع الغُز الأول عن الغُز الثاني الاستفادة بخدمات هؤلاء المصريين الذين طالما خدموه، فيفقئ عين تابعه ذي النظر المميز ويقطع لسان تابعه ذي الصوت المميز ويبتر ذراع تابعه ذي العضلات المميزة ويكسر ساق تابعه ذي السرعة المميزة وما شابه، ويعلم المصريون المعاصرون جيداً أن قاعدة "آخرة خدمة الغُز علقة" مازالت سارية إلى يومنا هذا في القرن الواحد والعشرين، حيث يمارسها حكامهم العسكر المعاصرون الذين لا يزالون يقومون بوصم رجال الدولة المميزين الراغبين في ترك خدمتهم الرسمية لأي سبب أو دون سبب خوفاً من استفادة غيرهم بميزاتهم، وهو ما كان قد ترجمه أيضاً فولكلور مقاومة الاستبداد المصري بالمثل القائل "يا نحلة لا تلسعيني ولا عسلك تديني" لكن بعضنا ككاتب هذه السطور لم يستوعب تلك الأمثال جيداً فكان ما كان والله المستعان!!.
طارق المهدوي
=================

تعليقات