كتابات مختارة
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
حتى يفوز سامي عنان بالرئاسة
سامح عسكر
الحوار المتمدن - 2018 / 1 / 21
أمس أعلن الفريق .."سامي عنان"..رئيس أركان القوات المسلحة المصرية الأسبق ترشحه لانتخابات رئاسة الجمهورية، وثارت بعدها عديد من التساؤلات حول قدرته على المنافسة الحقيقية خصوصا في ظل انحياز الدولة لمرشح واحد وهو الرئيس السيسي
طالب عنان أجهزة الدولة بالحياد، وقال أن الوضع المعيشي للمصريين متردي وصعب، تصريح مثل ذلك يفتح النار عليه بصفته ثاني من كسر القاعدة الإعلامية والحكومية – بعد خالد علي- التي ظل نظام السيسي يروج لها منذ سنوات وهو أن عصره هو عصر الإنجازات، بينما عنان وخالد علي يرون غير ذلك ربما بشهادة الأرقام نفسها التي تقول باتساع رقعة الفقر وانخفاض مستوى المعيشة لدرجة خطيرة ، وتآكل الطبقة الوسطى لصالح الفقيرة..غير ارتفاع الديون ونسب التضخم التي أصبحت تهدد الاقتصاد المصري بالإفلاس.
هنا لن أتعرض لطبيعة المنافسة على الرئاسة ولكن أختصرها في عرض الشروط اللازمة للفريق عنان كي يصبح منافسا قويا على الأقل، خصوصا وكما قلنا أن أجهزة الدولة منحازة كلها للسيسي بمن فيهم الجيش ومخابراته الحربية، وبدأت منذ رفض القنوات المصرية إذاعة خطاب عنان الذي أعلن فيه ترشحه، ويهملون تغطية أخباره لصالح مؤتمرات السيسي الانتخابية ، مما انعكس بالسلب على أداء حملته الانتخابية منذ أمس بانحصارها على مواقع التواصل والقنوات الإخبارية العالمية فحسب.
مبدئيا يجب التعرف على نقاط ضعف السيسي أولا بصفته أقوى منافس لعنان والمدعوم من الدولة:
1- الوضع الاقتصادي وزيادة نسبة الفقر والبطالة بين المصريين، هذه أهم نقطة ضعف في رأيي لو استغلها عنان أحسن استغلال سينافس، خصوصا وأن سيكولوجية المصريين الانتخابية لا تهتم غالبا باسم المرشح أو تاريخ وانتماؤه بل تهتم فقط بوضعها المعيشي.
2- ملف سد النهضة الأثيوبي وما يتفرع عنه من تهديد الأمن القومي المائي وسوء إدارة السيسي لهذا الملف بعد 4 سنوات حكم.
3- ملف تيران وصنافير وهو من أهم الملفات ضعفا في إدارة السيسي، فبمجرد رفع شعار مصرية الجزيرتين سيجذب إليه شريحة ضخمة جدا من الناخبين ربما تشكل عامل حسم، فالشخصية المصرية متشددة جدا في الأرض وتربطها بقيم الكفاح والنضال وما رافقها من أخلاقيات المقاومة ضد الاستعمار، ولوضع سيناء في الذاكرة المصرية الذي يتربط غالبا بالحروب وصد الخطر الخارجي، وفي رأيي أن إهمال عنان لهذا الملف سيخصم كثير من شعبيته.
4- الخلافات مع دول الجوار خصوصا ليبيا والسودان وفلسطين، ومع دول خليجية كقطر والكويت واليمن، وهو خلاف ممتد منذ عصر مبارك – باستثناء صنعاء والكويت، أثر كثيرا على بقاء مصر دائما في حالة دفاع ورهبة مكنت خصومها من التمدد على حساب النفوذ المصري، وعلاج عنان لهذا الملف ورفعه شعار تصفير الخلافات يجذب إليه دعما دوليا وإقليميا هائلا.
5- ملف العدالة الاجتماعية وتسلط مؤسسات عليا صارت مهيمنة على المجتمع وهي (الجيش والشرطة والإعلام) لقد أفرزت دولة السيسي واقعا هرميا طبقيا يسير بالتوازي مع انحيازه لطبقة الأغنياء على حساب الفقراء الذين يدفعون الآن ضريبة التحول الاقتصادي..
6- ملف حقوق الإنسان وقضايا التعذيب والاختفاء القسري والاعتقال السياسي وسجناء الرأي والفكر وصولا إلى ملف سجناء الثقافة والتنوير، ورفع عنان شعارات العدالة ودولة القانون سيضمن على الأقل أصوات المتضررين وهم من كل الفئات إسلاميين وعلمانيين وأقباط.
7- ملف الحريات..فقط لو فتحت التلفزيون المصري الآن لن تجد نقدا للرئيس أبدا..وهذه من ثمار سيطرة السيسي على الإعلام واجتماعاته الطويلة معهم في بداية عهده، أدى ذلك بالطبع إلى جمود الإعلام وانحصاره في اتجاه واحد فقط وهو دعم الحكومة وتخوين كافة معارضيها دون استثناء.
8 –المشروعات القومية ووعود السيسي التي لم تتحقق، فالرجل وعد بمشروعات قومية نفذ بعضها وعجز عن تنفيذ الباقي، وما تم تنفيذه يبدو أنه لم يجني الثمار المتوقعة، فمشروع قناة السويس والفرافرة والإسكان الإجتماعي ومدينة العلمين كلها أصبحت مشاريع فاشلة تضاف لمشاريع مبارك السابقة على نفس النمط كشرق العوينات وتوشكى.
9- فقدان السيسي للعمل الحزبي كوسيط مع الجمهور واستعاضته ذلك بجهود رجال الأعمال المقربين من السلطة، فمبارك في هذا الملف كان أقوى بالحزب الوطني المنتشر أفقيا على الأرض ورأسيا بالصحافة، وهذا يفسر تحول السياسة المصرية الآن إلى الإعلام..بينما على الأرض في الحقيقة لا توجد سياسة ولا أحزاب ولا جماعات، وانتقال الصراع إلى عراك إعلامي محض.
10- وأخيرا ملف الفساد ومراكز القوى التي قلت سابقا أن عصر السيسي اختلف كليا عن مبارك بتحول مراكز القوى فيه من الأحزاب والفكر إلى الضباط والإعلاميين ورجال الأعمال، وهذه نقطة ضعف كبيرة واختراق لنظام السيسي الذي أصبحت فيه مراكز القوى مجرد أبواق لا يعملون بالسياسة وجهلاء بكل تفاصيلها ودروبها ، بخلاف مبارك التي كانت مراكز قواه من نخب الأحزاب والمجتمع وقادة الجماعات والتيارات.
ولعل نموذج "إبراهيم محلب" رئيس الوزراء السابق دليل ، فالرجل هو رئيس شركة المقاولون العرب صاحبة حق بناء قصور مبارك الرئاسية التي حوكم فيها مبارك ثم أخلي فيها سبيله..والغريب أنه حدث في عصر تولية محلب مما يشي باتفاق غامض لتبرئة الرجل خشية أن يطال سيف القضاء رئيس الحكومة شخصيا، وكذلك تصريح المستشار.."هشام جنينة"..رئيس الجهاز المركزي السابق للمحاسبات بوجود فساد في الدولة يصل إلى 600 مليار جنيه، مما استدعى بالسيسي لتشريع قانون خاص له لعزله، لأن في القانون المصري ما يمنع من ذلك قبل تعديله.
ناهيك عن غموض الدولة وعدم شفافيتها في مواجهة الفساد أعطى للمتربصين حجة إضافية لاتهام الحكومة بالفساد والتغطية على أعمالها بالكتمان والتعتيم المباشر، ووضح ذلك جدا في مناقشات الموازنة العامة في البرلمان والإعلام وإصرار نظام السيسي على عدم مناقشة ميزانية الجيش الضخمة والاكتفاء بأنها تذهب للتسليح والأمن القومي، وهذا قد يفتح الباب لسرقات من المال العام غير معلومة الحجم.
هذه نقاط ضعف أقوى منافس لعنان ومن الوهلة الأولى نجد كم أن السيسي ضعيف شعبيا وأخلاقيا ، لكن ما يقويه هو انحياز الدولة له ، فالوزارات والهيئات والمجالس والنقابات..إضافة للمؤسسات السيادية كلها تعمل الآن لصالحه للحد الذي يضحي فيه ماسبيرو والقنوات الخاصة بملايين الجنيهات حصيلة الإعلانات مقابل تغطية مؤتمرات السيسي الانتخابية.
لكن هذا لا يكفي فلعنان أيضا نقاط ضعف أجملها في ما يلي:
1- تبعيته لنظام مبارك وربما تتحول هذه النقطة لمركز قوة إذا نجح عنان في حشد أنصار الرئيس الأسبق، لكن سيظل على خلاف مع شباب يناير ومن يمثلهم من تيارات كحركة 6 إبريل والاشتراكيين الثوريين.
2- كونه جنرال سابق في الجيش هذا يضعف موقفه كمطالب بمدنية الدولة
3- عديم الإنجازات فلم يعرفه الشعب بأي خطوة تحسب له شعبيا وسياسيا
مع ذلك فتعيينه لهشام جنينة وحازم حسني نواب لحملته الانتخابية يظل محاولة ذكية منه لاستقطاب أصوات الليبراليين والإسلاميين، لكن سيظل الرجل غير ممثل للثورة بأي حال لا ليناير ولا ليونيو، مما يهدد هذه الكتلة التي تقف خلفه بالتفكك في ظل صراع المعارضة نفسها وتفككها، وكأن تناقض المعارضين المصريين سينعكس بالسلب على حملة عنان وهو ما أتوقعه بشدة.
أقول ذلك على أمل أن تجري الانتخابات بشئ من النزاهة وحياد الدولة، وهو أمل معقود على حكماء الوطن الذين ينشطون الآن، وهو ما يعني أن انحياز الدولة للسيسي يعني انعدام المنافسة مسبقا وتهديد الأصوات حتى بالتزوير إذا ما هددت خيار الدولة الأول،
لن أستبق النتيجة وأحسب أن للسيسي مؤيدين بالفعل خارج منظومة عمل الدولة، فهو دائم الخطاب العاطفي كوسيلة للتقرب شعبيا في ظل فشله الإداري والمالي..وأحسب أن فئة كبيرة من الأقباط والشيعة والصوفيين والملحدين ستنتخبه لسبب وحيد وهو موقفه من الإخوان، كذلك طريقته العاطفية جذبت إليه كتلة كبيرة من النساء خصوصا من الطبقة الوسطى..أما نساء الطبقة الدنيا الكادحة أحسبهم مختلفين بل أكثرهم معارضين للرجل لغلاء الأسعار وتأثيرها على معيشتهم وعلاقاتهم الأسرية.
لكن إذا حسبنا هذه الكتلة الانتخابية للسيسي فهي غير منتشرة سوى في الأحياء الراقية والتي يوجد بها وجود قبطي كبير، مع ذلك فهذه الأحياء أيضا ستوجد بها منافسة كبيرة من عنان وخالد علي الذين يمثلون الآن مدنية الدولة ظاهريا، فهذه الأحياء مع من ينادي بالمدنية أيا كان اسمه، وربما فرص خالد علي في التأثير على تلك الأحياء أكبر لشبابه وتاريخه بإنجاز تيران وصنافير الشهير.
أعتقد أن فرص عنان بالفوز ضئيلة حتى الآن في ظل انحياز الدولة للسيسي، ولو لم تنحاز الدولة سنرى بشكل مؤكد منافسة قوية ربما تنتهي بفوز عنان إذا ما نجح في استقطاب أصوات الإسلاميين والتيار المدني معا، وأحسب أن عناصر حملته الانتخابية في الداخل والخارج هم خليط من هذه الأصوات المستهدفة بشكل ذكي، وتبقى وضعية عنان كرجل جيش تمنحه مزيد من الحصانة ضد تغول الدولة إذا ما أرادت البطش به كما فعلت مع شفيق، وربما عدم تبعية عنان الخارجية تقويه في هذه الجزئية عكس شفيق الذي انتمى بكل ما يملك للإمارات فإذ بها تغدر به وتسقطه في أول اشتباك.
فرصة واحدة فقط تعطي الفوز لعنان وهو حياد الدولة..سيمنح ذلك الرجل حرية أكبر في الحركة والإنفاق والظهور الإعلامي، ورأيي أن أصوات الكادحين ستذهب للرجل إذا أحسن من استغلال نقطة ضعف السيسي الأولى ، وهؤلاء موجودين أكثر في الأرياف والصعيد والأحياء الشعبية في القاهرة والجيزة، وهم يمثلون أكثر من 60% من الأصوات الانتخابية.
لكن هذا لا يعني أن السيسي لا يمتلك أوراق قوة خارج منظومة عمل الدولة، فهو لديه ورقة رابحة يرفعها دائما مع خطابه العاطفي وهي متلازمة (النظام والفوضى) بوسائل تخويف يستعملها المستبدين بكثرة ، ورأيي أن أكثر من تأثروا بهذه المتلازمة هي الأقليات لخوفهم من تكرار النموذج السوري، أما الأغلبية الدينية فلم يعد يهمها سوى الأسعار..بيد أن تخويفهم لم يعد له قيمة لأنهم يعيشون الخوف عمليا كل يوم.
وفي إمكان عنان تحويل هذه الورقة السيساوية لصالحه برفع شعارات الأمن القومي والتصدي لخطر الإرهاب أيضا، ولكن بخطاب أكثر اعتدالا واحتراما لعقول المصريين يعترف فيه بحقهم في العيش الآمن ، ويؤمن في نفس الوقت بحقهم في الكرامة والاستقلال، ولو أني أعتقد أن استقلال عنان على المحك إذا ما حاولت قوى خليجية استقطابه، والخليج ككل ينشط في مصر لتطويعها في صراعاته الحمقاء، ولن يتكاسلوا عن أي خطوة تقربهم من المرشح الأوفر حظا كما تعمل مراكز استطلاعهم من الآن على التنبؤ ومن ثم تكوين علاقات جديدة .
أما عن أمريكا وأوروبا أعتقد أن هذه الانتخابات المصرية ستكون الأولى خارج اهتماماتهم، فقعودهم عن التغطية والتأثير ملحوظ في الإعلام الغربي الذي يتعامل معها كما يتعامل مع انتخابات إيران..مجرد متابعين لا مشاركين، في تصرف قد يعطي قناعة أن النتيجة محسومة ولا طائل أو جدوى من المنافسة خصوصا بعد تصدر مصر لديهم قائمة الدولة المنتهكة لحقوق الإنسان والأقل معدل حريات في العالم العربي.
كذلك وقفت على اتهامات اليوم من الإعلام المصري لسامي عنان بأنه.."مرشح الإخوان"..وعلقت في صفحتي مباشرة أن هذا الاتهام يقوي عنان لا يضعفه كما يتوهم أصحابه، فأصوات الإسلاميين ستذهب للرجل لاعتقادهم بأنه مرشحهم بالفعل، وهم فئة لا زالت كبيرة وحاشدة في المجتمع، رغم أن عنان ليس كذلك فالدكتور مرسي عزله في السابق من رئاسة الأركان، ولو كان مرشحا إخوانيا ما عزله مرسي، كذلك هم فعلوا مع شفيق وخالد على نفس الفعل اتهموهم أنهم مرشحي الإخوان.
في الحقيقة قد يخدم فوز عنان جماعة الإخوان بالفعل عبر إطلاق الحريات والعمل بالدستور المعطل مرة أخرى، وقد يؤدي ذلك إلى مصالحة عامة تنهي سنوات من القطيعة والانغلاق ومنع كل أشكال العمل السياسي والحزبي في مصر، لكن لا يعني أن فوز الرجل قد يخدمهم أنه مرشحهم، لأنه بالتبعية سيخدم السلفيين والصوفيين والشيعة والملحدين والمسيحيين أيضا..فإحياء الدستور المعطل وإشاعة الحريات سيكون من مصلحة الجميع، ولا يعني ذلك موافقتي على تلك المصالحة من عدمها..أنا هنا مجرد محلل، وفي تقديري المبدأي أن السيسي هو أكثر المؤهلين لقبول المصالحة لبراجماتيته المفرطة والتي يمارسها غالبا بسذاجة غير مدروسة، فلربما يسير لذلك في وقت ما..ولكن طبعا ليس قبل التمهيد لها بقرارات سيادية عليا تخص الإعلام تحديدا.
أخيرا: فوز السيسي تحديدا يتوقف على دعم مؤسسات الدولة له خصوصا الجيش والشرطة والقضاء والإعلام..هؤلاء يمثلون القيم البيروقراطية للدولة العميقة، وهي من بيدها قدرة الحشد والتأثير على قناعات الناس، فلو فاز أعلم فورا أن هذه الدولة ما زالت تؤيده وتراه الملاذ الأخير لها بعيدا عن حسابات المعارضين، ولا يكفي السخط الشعبي على السيسي من جراء ارتفاع الأسعار أن يسقطه في الانتخابات، فالرئيس الأسبق حسني مبارك ظل 30 عاما في سخط شعبي نتيجة للفساد وضيق العيش وانخفاض مستوى الدخل، لكن بدعم هذه الدولة مبارك نجح في البقاء، أي يمكن للسيسي أن يظل رئيسا إذا اتحدت هذه الدولة خلفه وأنكرت حق المنافسين في الترشح والعمل فضلا عن الفوز.
لكن ما زالت الإشكالية لدي كبيرة
كيف لهذه الدولة العميقة أن تدعم رئيسا باع أرضها وجزرها للأجانب؟..هل ثمة فساد وصل لهذه الدرجة من الانحطاط؟..لا أعتقد ذلك..بيد هذا الدعم قد يكون قد حدث فعلا بسبب ضعف الدولة العميقة نفسها عن الحركة وتحدي جهاز المخابرات الحربية وقيادة الجيش التي ثبتت الأيام أنها تعمل لصالح السيسي شخصيا بغض النظر عن أي حسابات أخرى، ويبقى القول أن الدكتاتورية في مصر لن تنتهي حتى يرفع الجيش والشيوخ أيديهم عن السياسة، وهو تمني المحبين بعيد المنال..فحتى مع احتمالات فوز عنان لكن بقاء الاستبداد مرهون بقوة العلمانية والقيم المدنية في المجتمع، وهذا لن يتحقق إلا بتيار شعبي عارم لا يقل قوة عن التيار الذي أحدث الثورتين الفرنسية والبلشفية .
وأذكر القراء دائما..أن الانتخابات ليست وحدها علامة الديمقراطية، بل شرط الديمقراطية الأصيل هو حقوق الإنسان والحريات والمواطنة، وأي نظام يكفر بتلك القيم فهو ليس مدنيا ولا يؤمن بديمقراطية إلا التي تعبر فقط عن مصالحه
لكن إذا حسبنا هذه الكتلة الانتخابية للسيسي فهي غير منتشرة سوى في الأحياء الراقية والتي يوجد بها وجود قبطي كبير، مع ذلك فهذه الأحياء أيضا ستوجد بها منافسة كبيرة من عنان وخالد علي الذين يمثلون الآن مدنية الدولة ظاهريا، فهذه الأحياء مع من ينادي بالمدنية أيا كان اسمه، وربما فرص خالد علي في التأثير على تلك الأحياء أكبر لشبابه وتاريخه بإنجاز تيران وصنافير الشهير.
أعتقد أن فرص عنان بالفوز ضئيلة حتى الآن في ظل انحياز الدولة للسيسي، ولو لم تنحاز الدولة سنرى بشكل مؤكد منافسة قوية ربما تنتهي بفوز عنان إذا ما نجح في استقطاب أصوات الإسلاميين والتيار المدني معا، وأحسب أن عناصر حملته الانتخابية في الداخل والخارج هم خليط من هذه الأصوات المستهدفة بشكل ذكي، وتبقى وضعية عنان كرجل جيش تمنحه مزيد من الحصانة ضد تغول الدولة إذا ما أرادت البطش به كما فعلت مع شفيق، وربما عدم تبعية عنان الخارجية تقويه في هذه الجزئية عكس شفيق الذي انتمى بكل ما يملك للإمارات فإذ بها تغدر به وتسقطه في أول اشتباك.
فرصة واحدة فقط تعطي الفوز لعنان وهو حياد الدولة..سيمنح ذلك الرجل حرية أكبر في الحركة والإنفاق والظهور الإعلامي، ورأيي أن أصوات الكادحين ستذهب للرجل إذا أحسن من استغلال نقطة ضعف السيسي الأولى ، وهؤلاء موجودين أكثر في الأرياف والصعيد والأحياء الشعبية في القاهرة والجيزة، وهم يمثلون أكثر من 60% من الأصوات الانتخابية.
لكن هذا لا يعني أن السيسي لا يمتلك أوراق قوة خارج منظومة عمل الدولة، فهو لديه ورقة رابحة يرفعها دائما مع خطابه العاطفي وهي متلازمة (النظام والفوضى) بوسائل تخويف يستعملها المستبدين بكثرة ، ورأيي أن أكثر من تأثروا بهذه المتلازمة هي الأقليات لخوفهم من تكرار النموذج السوري، أما الأغلبية الدينية فلم يعد يهمها سوى الأسعار..بيد أن تخويفهم لم يعد له قيمة لأنهم يعيشون الخوف عمليا كل يوم.
وفي إمكان عنان تحويل هذه الورقة السيساوية لصالحه برفع شعارات الأمن القومي والتصدي لخطر الإرهاب أيضا، ولكن بخطاب أكثر اعتدالا واحتراما لعقول المصريين يعترف فيه بحقهم في العيش الآمن ، ويؤمن في نفس الوقت بحقهم في الكرامة والاستقلال، ولو أني أعتقد أن استقلال عنان على المحك إذا ما حاولت قوى خليجية استقطابه، والخليج ككل ينشط في مصر لتطويعها في صراعاته الحمقاء، ولن يتكاسلوا عن أي خطوة تقربهم من المرشح الأوفر حظا كما تعمل مراكز استطلاعهم من الآن على التنبؤ ومن ثم تكوين علاقات جديدة .
أما عن أمريكا وأوروبا أعتقد أن هذه الانتخابات المصرية ستكون الأولى خارج اهتماماتهم، فقعودهم عن التغطية والتأثير ملحوظ في الإعلام الغربي الذي يتعامل معها كما يتعامل مع انتخابات إيران..مجرد متابعين لا مشاركين، في تصرف قد يعطي قناعة أن النتيجة محسومة ولا طائل أو جدوى من المنافسة خصوصا بعد تصدر مصر لديهم قائمة الدولة المنتهكة لحقوق الإنسان والأقل معدل حريات في العالم العربي.
كذلك وقفت على اتهامات اليوم من الإعلام المصري لسامي عنان بأنه.."مرشح الإخوان"..وعلقت في صفحتي مباشرة أن هذا الاتهام يقوي عنان لا يضعفه كما يتوهم أصحابه، فأصوات الإسلاميين ستذهب للرجل لاعتقادهم بأنه مرشحهم بالفعل، وهم فئة لا زالت كبيرة وحاشدة في المجتمع، رغم أن عنان ليس كذلك فالدكتور مرسي عزله في السابق من رئاسة الأركان، ولو كان مرشحا إخوانيا ما عزله مرسي، كذلك هم فعلوا مع شفيق وخالد على نفس الفعل اتهموهم أنهم مرشحي الإخوان.
في الحقيقة قد يخدم فوز عنان جماعة الإخوان بالفعل عبر إطلاق الحريات والعمل بالدستور المعطل مرة أخرى، وقد يؤدي ذلك إلى مصالحة عامة تنهي سنوات من القطيعة والانغلاق ومنع كل أشكال العمل السياسي والحزبي في مصر، لكن لا يعني أن فوز الرجل قد يخدمهم أنه مرشحهم، لأنه بالتبعية سيخدم السلفيين والصوفيين والشيعة والملحدين والمسيحيين أيضا..فإحياء الدستور المعطل وإشاعة الحريات سيكون من مصلحة الجميع، ولا يعني ذلك موافقتي على تلك المصالحة من عدمها..أنا هنا مجرد محلل، وفي تقديري المبدأي أن السيسي هو أكثر المؤهلين لقبول المصالحة لبراجماتيته المفرطة والتي يمارسها غالبا بسذاجة غير مدروسة، فلربما يسير لذلك في وقت ما..ولكن طبعا ليس قبل التمهيد لها بقرارات سيادية عليا تخص الإعلام تحديدا.
أخيرا: فوز السيسي تحديدا يتوقف على دعم مؤسسات الدولة له خصوصا الجيش والشرطة والقضاء والإعلام..هؤلاء يمثلون القيم البيروقراطية للدولة العميقة، وهي من بيدها قدرة الحشد والتأثير على قناعات الناس، فلو فاز أعلم فورا أن هذه الدولة ما زالت تؤيده وتراه الملاذ الأخير لها بعيدا عن حسابات المعارضين، ولا يكفي السخط الشعبي على السيسي من جراء ارتفاع الأسعار أن يسقطه في الانتخابات، فالرئيس الأسبق حسني مبارك ظل 30 عاما في سخط شعبي نتيجة للفساد وضيق العيش وانخفاض مستوى الدخل، لكن بدعم هذه الدولة مبارك نجح في البقاء، أي يمكن للسيسي أن يظل رئيسا إذا اتحدت هذه الدولة خلفه وأنكرت حق المنافسين في الترشح والعمل فضلا عن الفوز.
لكن ما زالت الإشكالية لدي كبيرة
كيف لهذه الدولة العميقة أن تدعم رئيسا باع أرضها وجزرها للأجانب؟..هل ثمة فساد وصل لهذه الدرجة من الانحطاط؟..لا أعتقد ذلك..بيد هذا الدعم قد يكون قد حدث فعلا بسبب ضعف الدولة العميقة نفسها عن الحركة وتحدي جهاز المخابرات الحربية وقيادة الجيش التي ثبتت الأيام أنها تعمل لصالح السيسي شخصيا بغض النظر عن أي حسابات أخرى، ويبقى القول أن الدكتاتورية في مصر لن تنتهي حتى يرفع الجيش والشيوخ أيديهم عن السياسة، وهو تمني المحبين بعيد المنال..فحتى مع احتمالات فوز عنان لكن بقاء الاستبداد مرهون بقوة العلمانية والقيم المدنية في المجتمع، وهذا لن يتحقق إلا بتيار شعبي عارم لا يقل قوة عن التيار الذي أحدث الثورتين الفرنسية والبلشفية .
وأذكر القراء دائما..أن الانتخابات ليست وحدها علامة الديمقراطية، بل شرط الديمقراطية الأصيل هو حقوق الإنسان والحريات والمواطنة، وأي نظام يكفر بتلك القيم فهو ليس مدنيا ولا يؤمن بديمقراطية إلا التي تعبر فقط عن مصالحه
-------------------------------
تعليقات
إرسال تعليق