أغذية المستقبل

عن ملوخية الطحالب وطبق محشي الفلورا بدلاً من ورق العنب نتحدث



منقول - حين انتشرت مطاعم المطبخ الآسيوي في العالم العربي، نجحت في أن تقدم لروادها ما لم يخطر في عقل الطباخين العرب على مر العصور: طحالب البحر. 
ربما لا يعرف مرتادو تلك المطاعم كلهم أن الورقة الخضراء المقرمشة التي تلف "السوشي|، هي الطحلب البحري المسمى نوري Nori.
قرب شواطئ جزر اليابان، يبحر المزارعون في قواربهم بين الحقول البحرية لزراعة النوري الذي ينتمي إلى عائلة طحالب البيروبيا Pyropia.
تعلق الطحالب قرب سطح البحر بشباك ضخمة تسهل حصادها بعد مرور 45 يوماً من بداية نموها، لتتوالى مراحل التجفيف والمعالجة والتقطيع لتتحول رقائق النوري الشهيرة التي تنتج منها اليابان ما يزيد على 350 ألف طن سنوياً.

يزرع أهل شرق آسيا طحالب البحر وأعشابه منذ ألفي عام. يصنعون منها أسمدة عضوية، ومكونات تدخل في مستحضرات طبية وتجميلية، وأطعمة مختلفة.
خلال السنوات الثلاثين المنصرمة، تعلم سكان دول أفريقية ساحلية من دروس الفيليبين وإندونيسيا، ليجدوا في زراعة الأعشاب البحرية مصدراً سهلاً نسبياً لخلق فرص عمل للنساء والفلاحين من دون الحاجة إلى استثمارات ضخمة أو بنية تحتية معقدة، إضافة إلى تصدير المحصول الذي يعود بالنفع على الاقتصاد القومي. بدأت تنزانيا زراعة الأعشاب على شواطئ زنزبار منذ بداية الثمانينيات، تلتها مدغشقر ثم حديثاً كينيا وجنوب أفريقيا.
أما إسرائيل، فقد اختصّت إحدى شركاتها، "سيكورا" Sekura، بإنتاج الطعام العضوي المكون من الأعشاب البحرية الصالحة للأكل. تعتمد الشركة التي تأسست عام 2006، على استخراج مياه البحر الأحمر ومعالجتها، ثم استخدامها لري الأعشاب في مزرعة بعيدة من الشاطئ، بهدف التحكم الكامل في البيئة المحيطة بالزرع، بعيداً من الملوثات.
تقول تقديرات منظمة الغذاء التابعة للأمم المتحدة FAO، أن حجم تجارة أعشاب البحر اليوم في العالم، يصل إلى حوالى 7 مليارات دولار سنوياً، منها 5 مليارات تنفق على الأعشاب المزروعة بغرض الأكل. العالم اليوم يتغير، ويبحث عن مصادر أقل تكلفة للغذاء، لا تستهلك مزيداً من الماء والأراضي الشاسعة، لتجد طحالب البحر لنفسها شعبية متزايدة خارج حدود آسيا، ما دفع شركة غراند فيو ريسرتش لدراسات السوق Grand View Research.Inc، إلى التنبؤ بأن سوق هذه الأعشاب ستدرّ ما يفوق 22 مليار دولار سنوياً، بحلول عام 2024.
فهل يكون للعرب نصيب فيها؟

أقوال جاهزة

رائدات أعمال سودانيات ينشئون على ضفاف البحر الأحمر أول مزرعة لأعشاب البحر في العالم العربي.

لدراسات العلمية تعدد الفوائد الغذائية لأعشاب البحر على شواطئ العرب من المحيط إلى الخليج... فلماذا لا يأكلونها مثلما يفعل الآسيويون؟

حرث البحر  

"تعد عينات أعشاب البحر التي تم جمعها من شواطئ الإسكندرية في مصر، مصدراً للغذاء قليل السعرات الحرارية، غنياً بمستويات عالية من الكاربوهيدرات، والبروتين، والأحماض الدهنية، والفيتامينات، والأملاح، ما يشير إلى دورها المستقبلي الواعد مصدراً للغذاء". هكذا، استنتجت دراسة حديثة نشرتها في أبريل الماضي الدكتورة جيهان إسماعيل، من كلية العلوم في جامعة طنطا. 

مزرعة لزراعة الأعشاب البحرية في إندونيسيا

كانت قد سافرت العالمة المختصّة في الأحياء البحرية إلى اليابان في منتصف التسعينيات، وشهدت وعي الشعوب الآسيوية بالفوائد الصحية لأعشاب البحر،"إلا أن ثقافتنا العربية لم يسبق لها على مدار التاريخ التعامل مع أعشاب البحر بشكل جدي، والاستفادة بشكل مناسب من فوائدها الطبية أو الغذائية"، وفق قولها.
تقول إسماعيل لرصيف22، أن أعشاب البحر مثلها مثل جميع المأكولات البحرية، غنية بمضادات الأكسدة والعناصر الغذائية المفيدة، فضلاً عن أنها بعكس اللحوم والخضروات لا تستهلك ماء في زراعتها، ولا تحتاج إلى تخصيص أراض شاسعة، بل تكتفي بمساحات على الشواطئ، أو حتى داخل البحر بعيداً من السواحل السياحية. وفي حين ركزت دراسة إسماعيل على عينات جمعتها من شواطئ "أبو قير" في الإسكندرية، إلّا أن دراسات علمية متعددة أشارت إلى الفوائد الصحية لأعشاب البحر الأحمر والخليج العربي وبقية سواحل المتوسط كمصادر مفيدة صحياً للناس.
هذه الدراسات الواعدة لم تنجح بعد في اجتذاب استثمارات عربية إلى اقتناص الفرصة. باستثناء نشاط تجاري محدود في المغرب لجمع طحالب بحرية وتصديرها لأغراض طبية، فلا مساهمة للعرب من المحيط إلى الخليج وما بينهما من بحار في السوق التي تكبر باضطراد، لكن 3 رائدات أعمال من السودان، حاولن اتخاد الخطوة الأولى.
العام الماضي، وصلت شركة سي فلورا السودانية Sea Floraإلى المرحلة قبل النهائية في مسابقة جامعة إم آي تي MIT  لرواد الأعمال العرب، وهي الشركة التي تهدف إلى استغلال شواطئ شرق السودان على البحر الأحمر في زراعة أعشاب البحر. "الهدف بداية  هو زراعة بلوك block واحد من الأعشاب البحرية، نحصده بعد الزراعة بحوالى ٨ أسابيع، لنبدأ تدريجاً الحصاد والتوسع"، والحديث لصافيناز خوجلي، إحدى مؤسسات الشركة.
درست خوجلي العلوم، ثم حصلت على ماجستير عام 2014 من جامعة الخرطوم عن رسالتها التي حللت البروتينات والأحماض الأمينية داخل بعض أنواع الأعشاب البحرية السودانية. سنوات البحث في فوائد الأعشاب البحرية، دفعت خوجلي إلى التعاون مع صديقتيها السودانيتين، الصيدلانية نهلة بركة، والباحثة في العلوم البحرية خلود توفيق، إلى تحويل هذه الدراسات واقعاً.
تقول خوجلي لرصيف22، أنها تواصلت مع البنك الدولي وبعض الجهات المهتمة بالمشروعات البحرية، بحثاً عن تمويل لمشروعها الذي تقدر أنه سيحتاج في البداية إلى 25 ألف دولار للإيجار والتجهيزات، لتصل أرباحه إلى مليون وستمئة آلف دولار. وفي حين خططت خوجلي في البداية لأن تزرع الأعشاب البحرية بغرض الأكل، إلا أنها قررت تأجيل الخطوة، وبدء زراعة الأعشاب البحرية بغرض صناعة الأعلاف الحيوانية.
"ليس لدنيا، نحن العرب، ثقافة أكل الأعشاب البحرية، والإقبال عليها ضعيف في الشرق الأوسط"، وفق ما تشرح خوجلي. وتتفق إسماعيل مع خوجلي على أن الفوائد الصحية المتعددة لأعشاب البحر لن تكون وحدها سبباً كافياً لإقناع المصريين والعرب بتغيير عاداتهم الغذائية، والإقبال على طعام لا تتقبله ألسنتهم وبطونهم.

باستا الأعشاب وبرغر الطحالب

"المشكلة أن شكل الأعشاب البحرية النيئة قد يبدو مقززاً وقبيحاً للغاية"، وفق ما يقول توين ويلكي، المختصّ بالبيولوجيا الحيوية والتغذية، وصاحب شركة سي غرين Sea Green. على مدار الأعوام الماضية، قدّم ويلكي، الهولندي الجنسية، محاضرات عدة حول العالم حول ضرورة أن يتضمن المطبخ الغربي والأوروبي مكونات من أعشاب البحر.
شاهد مزارع أعشاب البحر للمرة الأولى أثناء زيارة إلى إندونيسيا، ومن خلال دراسة أجراها، بدأ يلاحظ خصائص مذهلة، مثل أنه يمكن تخزين أعشاب البحر بعد تجفيفها لثلاث سنوات من دون أن تفقد فوائدها الغذائية. ونظرياً، يمكن إطعام 9 مليارات إنسان من أعشاب البحر إن تمت زراعتها في 2٪ فقط من مساحة المحيطات في العالم. قرر ويلكي أن يكرس مجهوده لدراسة أعشاب البحر والتبشير بفوائدها، ليتنقل من عاصمة أوروبية إلى أخرى، ويلقي المحاضرات في المؤتمرات العلمية المختلفة.
يقول ويلكي لرصيف22 أن العائق الأساسي أمام انتشار أعشاب البحر هو أنها إن عُرضت أمام الجمهور في الأسواق والمحال، فلن تجذب الأنظار إليها على الإطلاق، إضافة إلى أن لا أحد يعلم كيف يستخدمها أو ما يصنع بها. من هنا، بدأ ويلكي ابتكار حلول، فقرر إعادة تصنيع الأغذية الأوروبية من مكونات أعشاب البحر.
بكثير من التجربة والخطإ والمثابرة، صنع ويلكي وصفات تشبه في طعمها وقوامها الأكلات الغربية. باستا من أعشاب البحر، مع المشروم وجبنة الباراميغان، برغر يشبه طعمه طعم السندوتش الأميركي التقليدي، لكنه من أعشاب البحر والفول بدلاً من اللحم، سلطات متنوعة لا تختلف في طريقة إعدادها عن مثيلاتها في المطبخ الغربي، وتتضمن الطحالب مكوناً رئيسياً فيها.


يضيف ويلكي أن الطريق لنشر أهمية أعشاب البحر في الثقافات غير الآسيوية، يكون عبر تقديمها في ثوب يناسب العادات الغذائية لكل شعب على حدة. يستحيل أن يقبل العالم أجمع على تناول السوشي وشوربة الميزو Miso Soup، وغيرهما من الأطعمة الآسيوية التي تدخل الأعشاب في وصفاتها، إلّا أنه من الممكن إعادة صوغ الأكلات الشعبية في كل دولة لتتضمن ذلك المكون الجديد.
من يدري؟ ربما تتكلل جهود ويلكي بالنجاح، ومشروع خوجلي أيضاً، وتتحقق دراسات إسماعيل على أرض الواقع، لنجد في مطابخنا العربية ملوخية الطحالب، ومحشي ورق الفلورا بدلاً من ورق العنب.
--- مجلة رصيف 22 17.11.2017
=====

تعليقات