عن جرائم الشرف - قصة سونسون

                                               
قصة " سونسون "
قصة قصيرة.

الفصل الأول :

محاسن .. الموظفة باحدي الوزارات لا تكف ضحكاتها عن أن تجلجل وسط غرفة المكتب الواسعة . والتي تضم مكتبها . فضلا علي 9 مكاتب أخري لزملائها وزميلاتها .
وتزداد ضحكات محاسن كلما قال لها رئيسها في العمل " جمال " الشاب الذي يقاربها في السن : " والله محاسن لولا ضحكاتك وقفشاتك ومرحك .. ثم لا يكمل كلامه . وهنا تزداد ضحكات محاسن ، فرحة بما أوتيت من روح مرحة تسعدها وتسعد من حولها ..وان كان الأستاذ جمال . يقصد شيئا آخر. يفهمه الزملاء . ولعلها تفهمه أيضا وتتجاهله .. فهي ليست بالجميلة - ولا هي قبيحة - . سمراء سمرة تميل الي مزيج من السواد والزرقة. ولكن عيونها سودانية كتلك التي امتدحها الشاعر الفرنسي : 
" رامبو " الذي أحب العيون السودانية . وقتما عمل بافريقيا تاجرا – واسعة سوداء 
- ..
فضلا علي ذلك فمحاسن من النوع الذي بدون الضحك، وبدون الابتسامة . يكون وجهها غير باعث علي الارتياح . وناهيك عما لو قطبت عن جبينها ، وطلعت عليها الزرابين
* * *..
في كل صباح تسأل " محاسن " زميلها " صلاح " : جبت الجرنال يا صلاح ؟
وعادة لا تسأل هذا السؤال الانكاري الا بعد أن يكون صلاح قد فرغ من قراءة الجرنال ، فيرسله اليها عبر الزملاء والزميلات حتي يصل من مكتبه الي مكتبها . – 4 مكاتب تفصل بين مكتبيهما - .
وأحيانا تقوم هي من علي مكتبها لتأخذ الجرنال ، أو يقوم هو بحمله اليها .
ومحاسن لا يهمها من الجرنال بأكمله سوي شيئين اثنين فقط..: باب البخت – حظك اليوم – وهي برج الدلو – وصفحة الحوادث .. أما باقي الجرنال . وكل ما فيه من أنباء دولية أو محلية فهذا لا يهمها بشيء . اذ لا يعنيها دولة احتلنت دولة ، أو دولة تصالحت مع دولة أو زالزال أو فيضان أصاب دولة وشرد الملايين من شعبها . أو دولة هبطت علي سطح القمر . أو دولة وقعت من قعر القفة . أو الرئيس قال . أو الوزير عاد . أو المحافظ أعلن .. كل هذه المسائل والأمور في رأي محاسن عديمة الفائدة . فاقدة الأهمية . وليس من الحكمة . عندها . أن يضيع الانسان العاقل وقته في قراءة تلك الأشياء .! 
* * *
تضحك محاسن . عندما تجد كلمات في برج حظها تدعوها الي التفاؤل ، وتعلق علي ما كتب بكلمات وقفشات مرحة ، يضحك لها زملاء وزميلات غرفة المكتب .. بينما يقطب جبينها اذا قرأت شيئا يدعو الي عكس ذلك وتتشاءم . وتقول باستنكار ، وكأنها تعاتب الحظ : ليه كده بأه ؟! ثم لا تلبث أن تعقب بقفشة تضحك البعض وتثير ابتسامات البعض الآخر .
أما صفحة الحوادث .. فقد كانت تقرأ عناوينها في صمت و يعلو صوتها لتسمع الباقين ، وتقدم لهم تفاصيلا عندما تقرأ الحوادث التي عناوينها من نوع خاص مثل : يقتل ابنة عمه بسبب اشاعة ..! أو : أم تقتل ابنتها خنقا لأجل الشرف. ثم يتضح أن حمل الابنة كان حملا كاذبا ..! أو : يقتل شقيقته لزواجها دون موافقة العائلة .أو 
= يقتل ابنته بمساعدة عمها لأنها تصالحت مع زوجها بدون رغبة العائلة .
= يقتل ابنة خاله بمساعدة أبيها بعد أن شاهداها تقف مع أحد الشباب . !
= خال يقتل ابنة أخته بمساعدة أمها لظهور أعراض الحمل عليها ثم يتضح أنها عذراء ..!
وتكاد محاسن تجد يوميا بصفحة الحوادث جرائما من ذاك النوع وأحيانا أكثر من حادث في الجريدة بهذا الشكل البشع.. 
وتعقب محاسن : كله قتل كده ؟؟!! أعوذ بالله! والغريبة انه ظلم في ظلم ..ايه يعني وقفت مع شاب ؟! قامت القيامة يعني يمكن بيسألها عن حاجة ولا بتسأله عن حاجة . يبقي فيها قتل كده علي طول ؟! حاجة غريبة ؟! ..( هكذا كانت تعقب محاسن في حوار مع نفسها بصوت يسمعه الزملاء ..) ..
مصباح : الحاجات دي ما بتحصلشي الا في الصعيد .. في الوجه البحري لا .. نادر..
جاد : أصل العرب لما دخلوا مصر كان معظم تمركزهم في الصعيد .. وهم اللي عملوا كده في الصعيد..لكن الانسان المصري أصلا من آلاف السنين ، انسان متحضر . مثل كل الأمم المتحضرة في عصرنا . ما فيش عندهم حاجة من دي .
محاسن : الدنيا بتتقدم .، واحنا الحاجات دي موش حيوقفوها ؟!
بثينة : ح يوقفوها ازاي يا محاسن ؟ اذا كانت عقول الناس ما بتتغيرشي ؟!
جمال : ما هي المشكلة دي بيعالجوها جماعة ..
مرفت : بيعالحوها ازاي ؟ دي سنين وسنين وهي علي حالها ..!
جمال : يا جماعة بيعالجوا الحاجات دي ... الأدباء والكتاب في الأعمال الأدبية من قصص لروايات . بتطلع في السينما أفلام عشان الناس تتوعي وتغير أفكارها ..
محاسن : ما بقالنا سنين يا جمال بنشوف أفلام وبنسمع قصص .. يعني عالجت حاجة ؟!
صلاح : وأنا بيتهيأ لي ان الكوارث دي بتزيد موش بتقل ..!
مصباح: هي الروايات والقصص بتعالج مشاكل .؟ّ!.. الظاهر الناس بياخد الروايات والمسلسلات التليفزيونية ا تسالي وخلاص ..
جمال : طيب يعني حيعالجوها ازاي يا مصباح ؟ لازم الروايات والقصص لتوعية الناس ..
رجائي : سيبكم من الكلام ده كله .. المشاكل دي موش حتحلها لا قصص ولا روايات .
محاسن : عندك حق يا رجائي .
مرفت : ازاي بس يا محاسن ؟!
محاسن : طيب قولي لي اتعملت روايات وأفلام وقصص أد ايه علي الحوادث الفظيعة دي ؟!
مرفت : ( وقد تداركت ، فترد بصوت خفيض فيه احساس بالضيق والياس ) : افلام وقصص تسد عين الشمس ! لو حطيناها في النيل حتسده .
صلاح : يعني اتوقفت الجرائم دي علي كده ؟! ( ويرد هو علي سؤاله ) أبدا ..
رجائي : ( بثقة شديدة وحسم ) شوفوا خدوها مني كلمة : المشكلة العويصة دي ما في حد يحلها الا " سونسون" .
( بعد أن ترقبوا جميعا لسماع كلام رجائي الذي ابتدأه بلهجة حسم وحزم .. ولكن ما ان سمعوا كلمة " سونسون " الغريبة والتي لا تعني شيئا عندهم ولا يعرفون لها معناً . حتي انفجروا جميعا بالضحك ، وكانت ضحكة محاسن هي أعلا الضحكات وأكثرها مرحا واثارة للمرح ..)
محاسن : ( بطريقتها الفكهة التي تنتزع الابتسامات - مالم تفجر الضحكات ) : يطلع مين " سونسون " يا رجائي ( الجميع يضحكون )
محاسن : ( تكرر السؤال وهي تضحك وتضحك الجميع معها ) مين يا رجائي " سونسسون " ده موش تقول لنا ؟!
رجائي : ( يبتسم وهو يتشاغل ببعض الأوراق أمامه فوق مكتبه . دون اجابة . ويبدو كمن يخفي هذا السر . الي حين ) .
محاسن : يا رجائي . يا جدع ريحنا وقول لنا .، طمنا ربنا يطمنك يا شيخ ( وتكركر بالضحك )..
رجائي : ( بهدؤ وبثقة . يقول وهو يبتسم ) حتعرفوا " سونسون " بعدين .
* * *
وتمضي أيام وشهور . يوم وراء يوم ، وشهر وراء شهر بل وسنة وراء سنة . في مكتب كبير بمصلحة من المصالح الحكومية التي يتكدس فيها موظفون وموظفات ليس لهم عمل حقيقي ( بطالة مقنعة ). وفي كل يوم تقرأ محاسن بالجريدة مآسي عن جرائم قتل الاناث البريئات بدعوي الشرف ..وتعلق محاسن . تعليقاتها المعتادة في كل مرة. وتتساءل : الي متي الجرائم دي ؟ ! حرام ... حرام ..!!
وفي كل مرة يرد عليها زميلها " رجائي " قائلا وبثقة عالية : والله في سماه ما حد حيحل المشكلة دي الا " سونسون " ..!
وتضحك محاسن ككل مرة وتسأله : يا ابن الناس الله يهديك . قول لنا مين هو " سونسون " ده ؟!: 
يبتسم رجائي دون اجابة ، وينشاغل بأوراق علي مكتبه محتفظا بسره الذي يرفض البوح به ..!
***
                                      الفصل الثاني 
في احدي القري القريبة . حيث يسكن رجائي ، ويستخدم الدراجة في الذهاب الي العمل والعودة . وعلي المقهي الواقعة علي شط الترعة كان يجلس بعض أهالي القرية . " سباعي " صياد السمك ، " العناني " عربجي حنطور ، " جريشة " –خياط ، " عبده عيدة " – فكهاني - .. يدور بينهم نقاش ساخن للغاية . بدأه العناني – عربجي الحنطور – 
العناني : ( صائحا بأعلي صوته ) هيه .. هيه .. ولسه يا رجاله .. ياما نعيش ونشوف . لسه حنشوف .. عليا لنعمة .. ان دي من علامات القيامة
عبده عيدة – مالك يا عناني ؟! حد زعلك ؟
العناني : انتوا ما سمعتوش ولا ايه ؟! ما عرفتوش اللي حصل ؟!
جريشة : ايه اللي حصل يا عناني ؟
العناني : هيييه .. انتوا ما شفتوش التليفزيون ؟! ولا ما سمعتوش الاذاعة ؟
( تبدو عليهم الدهشة وينشدوا جميعهم اليه بعد أن ينفي كل منهم أن يكون قد سمع جديدا من الأخبار ) .العناني : 
يا اخواننا الدنيا باين حتتشقلب حالها ..والقيامة حتقوم .. ( بعد أن يرتشف قدرا من كوب الشاي الذي أمامه بينما هم يستمعون ، يقول وهو يشيح بيده وبوجهه في سخرية بالغة ) : صدّروا قرار لسه التليفزيون ذايعه من نص ساعة . ان البنت اللي يوصل سنها 18 سنة . تقدرتمشي علي حل شعرها..
جريشة : ايه الكلام الماسخ ده يا عناني ؟! ما تقول كلام غير ده يا جدع ..
عبده عيدة : اعدل الكلام سِنّة يا عناني . اعدله سِنّة صغيرة يمكن يتعقل ..
العناني : هو أنا باتكلم أعوج ؟!
سباعي : أصل التليفزيون ما يقولشي كلام بالعوج ده يا عناني .. صلح الكلام شوية وقول لنا ايه اللي اتقال بالظبط عشان نفهم .
العناني : ( بسأم ) ماشي .. نصلح الكلام شوية .. ولو ان الكلام اللي ذاعوه بالتليفزيون . أعوج من العوج ..
عبده عيدة : أيوه . قول لنا اللي اتقال بالظبط عشان نعرف ان كانوا قالوا حاجة عوجة والا الكلام اتعوج في دماغتنا احنا .. يا اما انت اللي عوجت الكلام .
 العناني : طيب شوف يا سيدي انت وهو .. لما يكون القرار اللي صدر بيقول ان البنت اللي تبلغ 18 سنة من حقها السفر والاقامة بمفردها . ومن حقها الزواج برغبتها من اللي تختاره هي وعلي مسئوليتها وحدها ..يبقي الكلام ده موش معناه ان البنت تدور علي حل شعرها ؟ يبقي كده كلام أعوج .. ولا موش أعوج ؟! ( يستطرد ) بالذمة دي موش علامات القيامة ؟!
سباعي : ( بلهفة وهوغير المصدق ) : انت بتتكلم جد يا عناني ؟
العناني : الا باتكلم جد .. افتحوا الراديو أو التليفزيون واسمعوا ..
سباعي : ( ينادي علي " السعيد " عامل القهوة ) ما تفتح لنا التليفزيون ده يا سعيد ..خلينا نشوف ايه اللي بيحصل في الدنيا ..
سعيد : يا اخوانا فيه قفلة في الكهربا ، وشيعت أجيب الكهربائي . وقال ساعة كده وييجي .
سباعي ( بلهفة فرحة ) انت متأكد يا عناني ..؟
العناني : هيه الحاجات دي فيها هزار يا سباعي ؟! انت عارفني موش بتاع هزار ؟!
سباعي : ( يصفق علي يديه طربا ) ينصر دينه اللي صدر القرار ده .. عليا النعمة انه ولد .. ولد ما جابته ولادة .. يسلم وتسلم ايده اللي مضت علي القرار ده .
العناني ( وقد جحظت عيناه وافتح فمه الواسع عن آخره . دهشة واستنكارا ) : ايه ؟ ! بتقول ايه ياسباعي ؟؟!!
سباعي : ( يكررها بثقة واصرار ) : بقول ينصر دينه وتسلم ايده اللي مضي علي القرار ده ..
العناني ( يبدو كأنه لا يصدق ما سمعه من سباعي ) عشان ايه بقي مفرحك القرار ده ؟؟!!
سباعي ( بهدؤ ) عشان حيحل مشاكل كتيرة ياما . وينقذ أرواح . ويخلصنا م اللي احنا فيه .
عبده عيدة : بتقول ايه يا سباعي ؟! يحل مشاكل ؟! ده القرار ده حيعمل مشاكل للركب ..
سباعي : ليه بقه وعشان ايه ؟!
عبده عيدة : أنا واحد من الناس لو شفت بنتي خرجت من عتبة الباب حجيب أجلها . موش أستني لما تتجوز من ورايا ! والله عال !! قال بطلوا ده واسمعوا ده !! دا أنا أقطع رقبتها وأشرب من دمها ..
سباعي : - بهدؤ - : ماشي . اقطع رقبة بنتك وخد لك 25 سنة سجن تيتم بقية ولادك ، ومراتك كأنها اترملت ، ويمكن تطلع من السجن .. ان طلعت علي رجليك يعني موش علي ظهرك . يمكن تلاقي مراتك اتجوزت وخلفت . ومن حقها . .. موش انت عاوز كده ؟؟!!
عبده عيدة : امال يعني أسيب شرفي يا سباعي ؟! .. موش شرف ده يا سباعي ؟؟!!
سباعي :امال هو القانون ده لزمته ايه ؟
عبده عيده : لزمة القانون انه يضيع شرفي ؟!
سباعي : لا يا سيدي .. القانون لزمته انه يطلع شرفك وشرفي خارج الموضوع خالص ..شرفك براءة .. لما بنتك تبلغ 18 سنةانت خالي المسئولية بحكم القانون ده . هي تنزل ، تطلع ، تدخل ، تخرج ، تتجوز من وراك . تتطلق من قدامك . تسافر وحدها . تسافر مع زملاتها . تسكن مع زميلتها . تسكن مع جن من تحت الأرض.. كل ده انت خالي من مسئوليتها. عشان انت خلاص وصلتها لسن 18 سنة . عملت اللي عليك ومهمتك انتهت وبقيت خالي الطرف . بقيت زي صديق بس تفرح لفرحها . تزعل لزعلها. بس انت خالي الطرف والمسئولية وبحكم القانون ده .
عبده عيدة : واللي يقول لي سايب بنتك ليه ؟ أقول له ايه ؟!
سباعي : تقول له بنتي كبرت . وهي تتحمل مسئولية نفسها حسب القانون . ... هي عامت . غرقت . كل ده انت موش مسئول عنه .. هي تشق طريقها زيها زبي الولد وانت تريح راسك .. لكن تفضل عايش طول عمرك في روشة عشان عندك بنت ؟!البنت خرجت . البنت دخلت . البنت بصت من الشباك . البنت اتجوزت . البنت غضبانة مع جوزها . البنت اصطلحت ..! روشة كده طول حياتك عشان عندك بنت ؟! .. ده يبقي حرام وأكبر حرام .
العناني - يستطرد - : يعني الواحد بالقانون ده ما هو مسئول والمخاليق ما تاكلشي وشه لو بنته سلمت علي واحد من الشبان أو ردت عليه الصباح . ولا وقفت اتكلمت معاه كلمتين . والا ابتسمت في وشه لما ضحك في وشها ؟؟!!
سباعي : أيوه يا سيدي .. ما دام البنت بلغت 18 سنة كل الحاجات دي واللا اللي أكبر منها ما لكشي صالح بها خالص بالقانون اللي الدولة عاملاه .. واللي لازم الكل يمشي عليه ولازم الكل يحترمه ويخليه في حاله ويخلي اللي تكبر تتحمل مسئوليتها في حالها .ولا الخلايق تاكل وشك عشان المسائل دي ولا انت تاكل وش حد من الخلايق ..
عبده عيده : ( يدير وجهه علي الناحيتين ) كلام ايه ده يا ولاد ؟؟!
سباعي : ايه هو الكلام اللي موش عاجبك ؟!
السعيد القهوجي ( يقف بجوارهما فيستمع بسرعة ويعقب ) : عليا اليمين ان الكلام ده عين العقل ( يقولها ثم ينصرف لعمله ) 
العناني : ( يوجه كلامه لسعيد القهوجي لائما اياه ) وانت كمان تبعته في كده يا سعيد وبتوافق السباعي ؟!
السباعي : يا ناس افهموا بقه . حرام عليكو . واحد زي حالاتي دلوقتي عندي 4 بنات غير الولاد .. القانون ده حيرحمني أكبر رحمة ..
عبده عيده : ازاي ؟! قل لنا ..
سباعي : أقول لك يا سيدي .. البنت اللي حوصلها ل18 سنة وبعد كده أنا أديت واجبي .تشق طريقها و تحل عني هي بقه وتشق طريقها زيها زي الشاب وتشوف لها شغلة . وتسكن مع بنتك في سكن مشترك تسكن مع ابنك . تتلملها علي واحد تتجوزه دي حياتها بقه وهي حرة 
.العناني : واذا اتلمت لها علي واحد ابن حرام 
السباعي : عقلها في راسها وتعرف خلاصها . ان كان عندي نصيحة ولا مساعدة زي أي صديق قدرت أساعده أو عندي نصيحة ما قدرتش خلاص ما عليا مسئولية ولا ذنب . لكن قايمين نايمين بمشاكلها ؟! ؟! حرام .. هو ذنب ارتكبناه اننا خلفنا بنت ؟!!
( يدخل المقهي فجأة " سيد أفندي " - معاون زراعي – يبدو أنه يبحث عن صديق . جاءه بسرعة " السعيد القهوجي " ( رحب به ) فؤاد أفندي .. سأل عنك وقال حيعدي عليك في البيت .
سيد أفندي : شكرا يا سعيد ( يهم بالانصراف ، فيسأله العناني :)
العناني : يا سيد أفندي ايه رأيك في القرار اللي بيكلمنا عنه السباعي ان كنت سمعت بيه .. ؟
سيد أفندي وهو يهم بالانصراف : أيوه سمعت بيه موش القرار الخاص بحرية المرأة ؟! 
سباعي : أيوه الله ينور عليك ..
سيد أفندي : هو قرار كويس بس بشرط ان الدولة تؤمن حقوق الأمومة والطفولة بشكل لا بأس به . الدولة تؤمن لها العمل . وتديها تعويض بطالة لو مفيش عمل . عشان البنت اذا بقت أم .. لا تتعرض للتشرد في يوم ولا الطفل يتعرض للتشرد تحت أي ظرف .. أهل أي بنت ايه يخوفهم ويرعبهم ؟ انها تخلف وبعدين ما تلاقيش دخل ولا سكن وتجيب عيلها أو عيالها وتقعد عندهم عبء عليهم من كل النواحي . وده شيء يرعب الأهل طبعا . ويقولوا شرف وما شرفشي وحاجات من دي ! .. لكن لو الدولة تأمن للأمومة والطفولة حياتها تمام . هنا الأهل لن يتدخلوا في حريتها ولا حينشغلوا ويحملوا همها . هي عارفة طريقها ومفيش مشكلة .. ومعلش أستأذنكم عشان عندي ارتباط بميعاد .( الجميع - وبينما هو ينصرف -: شكرا مع السلامة يا سيد أفندي ) .
سباعي ( وقد بدا عليه الشعور بالانتصار ) جالكو كلامي بقه انه قرار كويس ؟
عبده عيدة ( يبدو عليه عدم الاقتناع ) يعني انت شايف كده ؟!
سباعي : أيوه كده وأكتر من كده .. يا ناس احنا في نار وموش حاسين والقانون ده حيرحمنا من حاجات كتير .. يعني خد عندك واحد عنده 4 بنات كبرهم وجوزهم .. موش كتر خيره وكان الله في عونه ؟
( ثم يستطرد السباعي قائلا ) :
طبعا كتر ألف خيره . لأنه لو بفي عمره 65 سنة . وجه عليه عيد من الأعباد مطلوب منه حسب اللي بيحصل دلوقتي انه يروح شايل العيدية لكل واحدة من الأربعة ..! جه موسم برضو نفس الشيء ! ويفضل علي كده لحد ما يموت ....! والا . فالناس تاكل وشه ووش بناته ..! طيب ليه ؟ ذنب عليه ؟! جريمة ارتكبها ! ويفضل يتعذب عليها طول حياته ؟! لازم الحاجات دي تنتهي .
عبده عيدة : يعني انت يا سباعي حتعمل كده مع بناتك ؟ والبنت اللي حتبلغ 18 سنة موش حيبقي لك حكم عليها ؟
السباعي : كلمة ايه وحكم ايه ؟ وبتاع ايه ؟ أنا حبقي ناقص كلام تاني بعد ما أوصلها لسن 18 ؟! أنا خلاص مأموريتي انتهت . أشيل ايدي وأريح دماغي القانون بيريحني من الكلام والمسئولية .
العناني ( بذهول ويغمغم وكأنه يكلم نفسه ) يعني البنت ما يبقاليش حكم عليها توا م كبرت ؟! والنبي أقطع رقبتها ..
سباعي ( يرد علي العناني بصوت خفيض وكأنه لا يقصده بالكلام ) والله ساعة ما تقطع رقبتها يبقي ذنبك علي جنبك . لأن فيه قانون واللي يخرج ع القانون يبقي ذنبه علي جنبه .
(( وراح الجالسون بالمقهي يثرثرون ويرغون . كل واحد يعقب بكلمة . هذا يقلب كفيه ويقول " عجايب " ، و، آخر يصيح " دنيا .. عاملة زي السواقي القلابة ! " ، وثالُث يقول " والله المسئولين أكيد عارفين المصلحة فين .. هما يعني حيعملوا حاجة غلط ولا حاجة فيها غلط ؟ " ورابع يزوم وكأنه يكلم نفسه " هييه الظاهر علامات القيامة ابتدت يا جدعان .." فيرد عليه خامس وهو يضحك " يا أخي قامت قيامتك . قيامة ايه ؟! هو احنا أول بلد في الدنيا يعمل كده ؟ ما بيقول لك في دول بلاد بره الناس المتنورين . عارفين الكلام ده والقانون ده من سنييين وسنين فاتت . غيرشي احنا اللي دايما كل حاجة بتوصلنا متأخرة .-
( وتتطاير الأصوات والآراء فيما بينهم بين مؤيد ومعارض . وهكذا يمضي الجدل بينهم يهدأ تارة ويحتدم تارة أخري . )–
* * *
                                        الفصل الثالث :
في صباح اليوم التالي . دخل رجائي غرفة المكتب . وكان قد علم بنبأ القرار الذي أذيع بالتليفزيون والاذاعة مساء أمس . وعرف تعليقات أهل القرية عليه واراءهم حوله .
ما ان ألقي رجائي علي زملائه بتحية الصباح حتي وجد بيد كل منهم جريدة ! . علي غير العادة . اذ لم يكن بالغرفة كلها والتي تضم 9 موظفين . سوي واحد فقط هو الذي يشتري الجريدة كل يوم . ووجد كل منهم منكبا علي جرناله يقرأ تفاصيل القرار. فالقي عليهم تحية الصباح ولم يتوجه سوي الي محاسن ليسألها : 
رجائي : ايه يا محاسن ؟ ايه رأيك في القرار ؟
محاسن ( بفرح وحماس شديد ) والله العظيم ده أحسن قرار سمعته في حياتي ..
مصباح : أيوه يا ست محاسن .. أصل الستات والبنات عاوزين يبقوا براحتهم ومالهمشي ظابط .
محاسن : ظابط ايه وعسكري ايه ؟! ده القرار ده هو اللي حيوقف الظلم . ويوقف جرائم القتل اللي بتطلع في الجرانين كل يوم .واحدة ضحكت مع واحد يقتلوها ! بنت عيانة وعندها حمل كاذب يقتلوها ! واحدة اصطلحت مع جوزها عشان عيالها وموش عاوزة تخرب بيتها وأهلها موش عاوزينها تصطلح يقوموا يقتلوها .!! واحدة طلعت عليها اشاعة باطل في باطل يروحوا قاتلينها ! كلام فارغ وقلة حيا .. كل الكلام الفارغ ده القانون حيمنعه . توا ما البنت بلغت 18 سنة تبقي مسئولة عن نفسها . تسافر . تروح . تيجي . تتجوز . تتطلق . تروح في داهية . تروح تطلع عضو في مجلس الشعب . تطلع وزيرة تطلع من هدومها ( تقولها وهي تكرر بالضحك ) .. ده شأنها ولا حد يشيل همها ولا هي تشيل هم حد . وكل واحد يتعلق من عرقوبه .

رجائي : آهو ده الصح .. القصص والأفلام والروايات والمسلسلات التليفزيونية عرفت تعمل حاجة ولا تحل المشكلة ؟!

مرفت : ولا كانت عمرها حتعمل حاجة .

رجائي : شفتي " سونسون " عمل ايه بقي يا محاسن ؟!

محاسن ( وهي تضحك ساخرة ) طيب و" سونسون " بتاعك ايه اللي دخله في الموضوع ؟! يكونشي سونسون هو اللي أصدر القرار والا ايه ؟!
رجائي : افهميني بقه ." سونسون " يعني : القرارالسياسي.. القرار السياسي أقوي من القصص والروايات والأفلام . القرار السياسي بيحسم . زي السيف . والسيف أصدق أنباء من الكتب ، في حده الحد بين الجد واللعب . ( يقولها بلهجة حماسية ) . ثم يضيف : الله يرحمك يا أبا تمام .كان ولا كل الشعراء .

محاسن ( صائحة بمرح ) يا ولد .. يا ولد ( تضحك . ثم لا تلبس أن تسرح ببصرها لأعلي . ) آاااه .. تقصد سونسون يعني القرار السياسي ..؟! انت مسمي القرار السياسي " سونسون " بقه ؟! بتدلعه يعني والا ايه ؟! 

رجائي : آه .. بدلعه ومسميه " سونسون " لأنه هو اللي بيحل المشاكل موش القصص والروايات .. موش يستاهل ان الواحد يدلعه ؟!

مرفت : بس آهي القصص والروايات والأفلام بتمهد برضه للحل .. 

رجائي : بس لو طولت زيادة عن اللازم . بتخلي الناس تتعود علي أنهم يتعايشوا مع المشكلة وتبقي تبكي منها وتستحلي البكاء ! وما تفكرشي في حل المشكلة ويمكن يصعب عليهم لو اتحلت المشكلة . من طول العشرة معاها ! .

محاسن : ( تبتسم ) لا والله " سونسون " ده فيه الخير . قطع عرق وسيح دمه . جاب أجل المشكلة وكده نرتاح منها . ( يعلو ضحكها وتقول وهي تتحسس بطنها المنتفخة من الحمل ) ايه رأيك يا رجائي ان جه اللي في بطني ولد .. أسميه سونسون 
رجائي ( يضحك ): وان جت بنت يا محاسن ؟
محاسن ( وهي تقهقه ) : أسميها " سنسونة " 
( وتمضي في قهقهاتها . ويشاركها الضحك كل من رجائي و بثينة وباقي من مضوا في متابعة الحوار من زملائهم بالمكتب .
*** تمت ***
القصة من مجموعة قصص : " تحرير الرجل "
تأليف : صلاح الدين محسن
طبعت بالقاهرة عام 1998 -
رقم ايداع.98L13128 – 
****************************

تعليقات