البحث عن لغة 3 - 3
البحث عن لغة - 3- 3
بكيبورد : صلاح الدين محسن
12-4-2019
لعل سبب مطالبة مفكرين ومثقفين كبار رواد , منذ نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن الماضي بجعل العامية المصرية لغة رسمية , وتبني هذه الدعوة , حالياً من آخرين .. ليس لعدم وجود لغة قديمة لمصر , يمكن احياؤها , كما العبرية أُعيد إحياؤها .. أو كما الصينية قائمة . مُحَافَظ عليها - والتركية , والفارسية - .
كلا .. ولكن لأن المثقفين المصريين - أصحاب تلك الدعوة - قد استسهلوا وإختاروا طريق السلامة .. فالمطالبة باعتماد العامية المصرية - التي أغلب مفرداتها عربية , يقلل من مخاطر اصطدامهم بالمُقدَّس - اللغة العربية والديانة العربية - بعكس لو طالبوا باعتماد الهيروغليفية أو الهيراطيقية أو الديموطيقية أو القبطية .. ( فتلك لغات مصرية أصيلة وشبه أصيلة , ذِكرها يصيب العمائم واللحي , بحالة من الصَرَع , والارتكاريا ) فالمطالبة باعتماد أي منها , معناه الردة عن الدين وعن لغة الدين , وكلاهما مُقدَّس . مما يستوجب قبول الاستتابة أو القتل ..
نعم هكذا يمكن أن يكون القتل - أو الاتهام بالجنون , علي أقل تقدير - مصير أي مفكر أو أديب أو مثقف كبير يجرؤ علي طرح هذا المطلب - إحياء وإعتماد لغة بناة الأهرام وأبي الهول , لغة رسمية في مصر - ..
وكذلك يمكن أن يكون القتل مصير من يطالب باحياء وإعتماد لغة بناة جنائن بابل المُعَلّقة وكتابتها المسمارية - , لغة رسمية في العراق ..
ونفس الشيء بالنسبة للمواطن السوري .. لو طالب باعتماد اللغة السوريانية كلغة رسمية لسورية ..
( أمازيغ كل من المغرب والجزائر , استطاعوا - بعد طول كفاح - انتزاع حقهم في اعتراف الدولة بأن لغتهم لغة رسمية , فهي اللغة الأصلية للبلاد , قبل الاستعمار البدوي العربي , المسمي " فَتح " ! . وعقب ذلك شاهدت بإحدي صحف مونتريال , , إعلاناً من القنصلية المغربية , موجهاً لرعاياها , باللغات الأمازيغية والعربية والفرنسية ) .
أكيّد .. سوف تُعتَبر تلك الدعوات في مصر أو في العراق أو سورية : درب من الجنون . زندقة وكُُفرٌ يخالف العقيدة , ويعادي لغتها : لغة أهل الجنة . والجزاء هو القتل ..
أما التمسك والدفاع والتعصب للغة البدو , حيث لا حضارة ولا تاريخ بخلاف الغزو والقتل والأسر والنهب .. فهذا عين العقل , وقلب الحِكمة , ومفتاح دخول الجنة .. !!
ففضل دعاة العامية المصرية .. إختيار الطريق السهل والوسط , الذي قد يكون ممكناً - فن الممكن - أفضل من طريق يؤدي لتكفيرهم وقتلهم .
وراحوا يقدموا مُسوِّغات ومُبرِرَات لمطلبهم بخصوص العامية المصرية .
ولكن اعتماد تلك اللهجة - التي غالبيتها لغة عربية - سوف تبقي علي صِلة وثيقة باستمرار بلغة وبعقيدة البدو .. وبذلك لا يتحقق حُلم هؤلاء الرواد الثقافيين في الانعتاق من الاستعمار العقائدي اللغوي البدوي , فلا يتسني فتح الطريق أمام النهوض والتقدم .. بسبب جنوحهم نحو حل غير مدروس , غير محسوب . حسبما نري .
وقتما كنت أفكر في قضية اللغة في مصر والبديل لها - أول تسعينيات القرن الماضي - .. وأقارن بين لغة مصر القديمة وبين لغات قديمة لشعوب أخري .. رأيت الكتابة المسمارية - لغة بناة حدائق بابل المعلقة بالعراق - أسهل من الكتابة بالهيروغليفية - عند بناة الأهرام وأبي الهول , والتي هي عبارة عن رسومات - صُور - , وليس كل انسان باستطاعته الرسم باتقان ..
لكنني رأيت ان الحروف الهيروغليفية أسهل وأجمل من الحروف الصينية واليابانية , التي تُكتب بها كلتا اللغتين للآن .
و اكتشفت انه يمكن تسهيل كتابة - أو رسم - الهيروغليفية . بأن يبدأ تعلمها باستخدام مسطرة منقوش عليها الحروف - مُفَرّغة - ومن يكتب , يدور بالقلم علي كل حرف مُفَرَّغ فيسطره علي الورق .. وبالتكرار , سيتمكن أي انسان من حفظ الحركة و رسم الحروف بدون مسطرة .- تلك كانت فكرة خطرت لي في أول التسعينيات من القرن الماضي , وقت اهتمامي بموضوع اللغة وبدائلها -
أما اليوم حيث الكتابة في غالبيتها العظمي لم تعد بالقلم , وانما الكترونياً , فبضغطة واحدة في الكيبورد , يظهر الحرف أو الرسم بدقة .. .. وهكذا تستوي سهولة كتابة كل اللغات ... سواء كانت المسمارية أو الهيروغليفية , السريانية , الصينية واليابانية , الانجليزية , الفرنسية .. الخ .
المطالبة بجعل العامية المصرية لغة رسمية - بمسوغات قديمة - وجديدة - لرواد ولمثقفين محترمين .. في تقديري انها تهافت علي الخروج - غير المدروس بِرَويّة - , كما قلت , من تحت نير لغة وعقيدة بدوية لا يمكن النهوض والتقدم مع التبعية لهما .. المقصد نبيل , ولكن تلك الآداة - العامية المصرية - تصلح للشارع وللبيت , للابداع الفني بأنواعه .. وكل تلك أدوات تختلف عن لغة العِلم ولغة التقنين والتشريع .. حيث يلزم الأمر دقة شديدة للفظ .. والعامية المصرية لغة بلا شواطيء .. وأية اضافات أو اختزالات أو ارتجالات فيها مقبولة .. شعر عامي , غناء , مسرح , كلام شارع أو كلام صالون أو مصطبة ..
وعلي سبيل المثال : كلمة " صَغِيّر " بالعربية .. في العامية المصرية , ممكن نقول " صُوغَيّر , زُوغَيّر زِغيّر , زِغار ( لسا زِغار ) , زَغيّور , صِغَنن , صُغنن - بكسر أو بضم الصاد - , صِغنون وصُغنّون - بكسر أو بضم الصاد - , زِغَنّن , زِغَنُون , زُغنطط , زِغنطط , زُغنطوط , زِغنطوط - سواء بالضم , أو بالكسر .. لا يهم ! - .. .. ! .
فلو إعتمدنا العامية المصرية , لغة رسمية , في القانون , أو في العِلم , و أردنا استخدام بديل لكلمة " صغير " العربية .. فأية كلمة من الكلمات السابقة يمكننا استخدامها , بدلاً لكلمة " صغير " ؟ قد تكون هناك فروق دقيقة بين ما ذكرناه - من العامية - , لكن كيف نضمن دقة استخدام كل لفظ منها ؟؟
هل نقول " زِغار ؟ أم صغيور ؟ أم زغيور ؟ صغنن ؟ صغنون ؟ زغنطط ؟ زغنطوط ؟
؟ ! ؟
هذا غير ممكن في العِلم أو في القانون والتشريع .. لكن ممكن جداً في كل ما هو خلاف ذلك..
مثال آخر : كلمة " البتاع " في العامية المصرية .. والتي كانت عنواناً ومحوراً لكل مقاطع قصيدة عامية , لأحد أبرز شعراء العامية " أحمد فؤاد نجم " .. هذه الكلمة تحمل الكثير من المعاني .. مثل :
1 - " الشيء غير المعلوم " ان كان شيء بعيد نسبياً وغير واضح صنفه .. يقول عنه المصريون " البتاع اللي هناك " ..
2 - وممكن استخدام نفس الكلمة بمعني العضو الجنسي , سواء للرجل أو المرأة ( البتاع بتاعه .. البتاع بتاعها .. و " بتاعه " , بتاعها " ) ..
3 - وممكن استخدامها كضمير ملكية : بتاع الأرض - صاحب الأرض - .. بتاع الفول ( بائع الفول ) بتاع الحكومة - رَجُلها , أو : عميلها - , بتاع ربنا - الدرويش , أو العبيط - ..
4 - ويمكن استخدامها للمناداة : يا بتاع النعناع .. , يا بتاع التفاح .. يا بتاع الياسمين .. يا بتا الجرايد ..
5 - وممكن استخدام نفس الكلمة للسخرية والاستخفاف سواء من انسان أو من شيء أو من فعل ما ( كوصف الشاعر " نجم " للانفتاح الاقتصادي الساداتي ب " البتاع " في قوله : " يا اللي فتحت البتاع " - يقصد الانفتاح الاقتصادي .. إستهزاء , وسخرية - . !..
والشاعر" نجم " استخدم تلك الكلمة في قصيدته .. بكل المعاني التي ذكرناها .. تلاعب بها بفنية ..
ذاك ممكن ومقبول - كما قلنا - في الشعر العامي , في المسرح , في السينما , في الأغاني , في الشارع , في مسامرة بالصالون , علي المصطبة .. أو حتي في ندوة أو أُمسية شعرية أو أدبية ..
لكن كيف يمكن استخدام تلك الكلمة في القانون , أو في العِلم .. ؟ وهي كما رأينا كلمة مطاطة , شعبوية , لَعوُبَ ؟
انها - العامية المصرية - لغة مفتوحة باستمرار للعامة والسوقة يضيفون لها كُلٌ ما يحبون ويرتجلون بلا لوم ولا عتاب .. لغة بلا ضِفاف (( وهذا ما قلته - في حوالي عام 1993 , - في لقاء علي فنجان شاي بنقابة الصحفيين - و أحد المثقفين المتحمسين المُرددين لتلك الدعوة ( الراحل " بيومي قنديل " ) التي أطلقها رُوّاد الثقافة السابقين , بجعل العامية المصرية لغة رسمية .. لكون مطالبتهم باحياء لغة أصيلة تاريخية من لغات بلادهم , درب يقود للتكفير , وقد يؤدي الي القتل - كما ذكرنا من قبل - فوقع اختيارهم علي اللهجة العامية المصرية الحالية )) ولكنه " ب . قنديل " كان متعصباً للفكرة - كآخرين غيره - حتي انني عندما نشرت مقالاً , أرد فيه علي مقال له , في ذات الموضوع .. - حوالي عام 1996 - بمجلة القاهرة - التي استبدلوها فيما بعد بجريدة القاهرة .. غضب " قنديل " .. وكانت قطيعة بيننا استمرت حتي رحيله - طاب مثواه - .
ولا يزال آخرون , يواصلون حمل تلك الدعوة ..
--- نختم بما ذكرناه في الحلقة السابقة . باأن المستقبل سيكون للغة عالمية جديدة موحدة , تحمل مزايا أفضل اللغات , وتتجنب عيوبها وحماقاتها - وهو ما قلناه بكتابنا " مستقبل اللغات " .. حتي يتم ذلك .. علي الشعوب الراغبة في النهوض والتقدم . تعلم اللغات الحية - الحالية - والتمسك بها ..
رابط الحلقة 2 ( السابقة ) :
https://salah48freedom.blogspot.com/2019/04/2-3.html
بكيبورد : صلاح الدين محسن
12-4-2019
لعل سبب مطالبة مفكرين ومثقفين كبار رواد , منذ نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن الماضي بجعل العامية المصرية لغة رسمية , وتبني هذه الدعوة , حالياً من آخرين .. ليس لعدم وجود لغة قديمة لمصر , يمكن احياؤها , كما العبرية أُعيد إحياؤها .. أو كما الصينية قائمة . مُحَافَظ عليها - والتركية , والفارسية - .
كلا .. ولكن لأن المثقفين المصريين - أصحاب تلك الدعوة - قد استسهلوا وإختاروا طريق السلامة .. فالمطالبة باعتماد العامية المصرية - التي أغلب مفرداتها عربية , يقلل من مخاطر اصطدامهم بالمُقدَّس - اللغة العربية والديانة العربية - بعكس لو طالبوا باعتماد الهيروغليفية أو الهيراطيقية أو الديموطيقية أو القبطية .. ( فتلك لغات مصرية أصيلة وشبه أصيلة , ذِكرها يصيب العمائم واللحي , بحالة من الصَرَع , والارتكاريا ) فالمطالبة باعتماد أي منها , معناه الردة عن الدين وعن لغة الدين , وكلاهما مُقدَّس . مما يستوجب قبول الاستتابة أو القتل ..
نعم هكذا يمكن أن يكون القتل - أو الاتهام بالجنون , علي أقل تقدير - مصير أي مفكر أو أديب أو مثقف كبير يجرؤ علي طرح هذا المطلب - إحياء وإعتماد لغة بناة الأهرام وأبي الهول , لغة رسمية في مصر - ..
وكذلك يمكن أن يكون القتل مصير من يطالب باحياء وإعتماد لغة بناة جنائن بابل المُعَلّقة وكتابتها المسمارية - , لغة رسمية في العراق ..
ونفس الشيء بالنسبة للمواطن السوري .. لو طالب باعتماد اللغة السوريانية كلغة رسمية لسورية ..
( أمازيغ كل من المغرب والجزائر , استطاعوا - بعد طول كفاح - انتزاع حقهم في اعتراف الدولة بأن لغتهم لغة رسمية , فهي اللغة الأصلية للبلاد , قبل الاستعمار البدوي العربي , المسمي " فَتح " ! . وعقب ذلك شاهدت بإحدي صحف مونتريال , , إعلاناً من القنصلية المغربية , موجهاً لرعاياها , باللغات الأمازيغية والعربية والفرنسية ) .
أكيّد .. سوف تُعتَبر تلك الدعوات في مصر أو في العراق أو سورية : درب من الجنون . زندقة وكُُفرٌ يخالف العقيدة , ويعادي لغتها : لغة أهل الجنة . والجزاء هو القتل ..
أما التمسك والدفاع والتعصب للغة البدو , حيث لا حضارة ولا تاريخ بخلاف الغزو والقتل والأسر والنهب .. فهذا عين العقل , وقلب الحِكمة , ومفتاح دخول الجنة .. !!
ففضل دعاة العامية المصرية .. إختيار الطريق السهل والوسط , الذي قد يكون ممكناً - فن الممكن - أفضل من طريق يؤدي لتكفيرهم وقتلهم .
وراحوا يقدموا مُسوِّغات ومُبرِرَات لمطلبهم بخصوص العامية المصرية .
ولكن اعتماد تلك اللهجة - التي غالبيتها لغة عربية - سوف تبقي علي صِلة وثيقة باستمرار بلغة وبعقيدة البدو .. وبذلك لا يتحقق حُلم هؤلاء الرواد الثقافيين في الانعتاق من الاستعمار العقائدي اللغوي البدوي , فلا يتسني فتح الطريق أمام النهوض والتقدم .. بسبب جنوحهم نحو حل غير مدروس , غير محسوب . حسبما نري .
وقتما كنت أفكر في قضية اللغة في مصر والبديل لها - أول تسعينيات القرن الماضي - .. وأقارن بين لغة مصر القديمة وبين لغات قديمة لشعوب أخري .. رأيت الكتابة المسمارية - لغة بناة حدائق بابل المعلقة بالعراق - أسهل من الكتابة بالهيروغليفية - عند بناة الأهرام وأبي الهول , والتي هي عبارة عن رسومات - صُور - , وليس كل انسان باستطاعته الرسم باتقان ..
لكنني رأيت ان الحروف الهيروغليفية أسهل وأجمل من الحروف الصينية واليابانية , التي تُكتب بها كلتا اللغتين للآن .
و اكتشفت انه يمكن تسهيل كتابة - أو رسم - الهيروغليفية . بأن يبدأ تعلمها باستخدام مسطرة منقوش عليها الحروف - مُفَرّغة - ومن يكتب , يدور بالقلم علي كل حرف مُفَرَّغ فيسطره علي الورق .. وبالتكرار , سيتمكن أي انسان من حفظ الحركة و رسم الحروف بدون مسطرة .- تلك كانت فكرة خطرت لي في أول التسعينيات من القرن الماضي , وقت اهتمامي بموضوع اللغة وبدائلها -
أما اليوم حيث الكتابة في غالبيتها العظمي لم تعد بالقلم , وانما الكترونياً , فبضغطة واحدة في الكيبورد , يظهر الحرف أو الرسم بدقة .. .. وهكذا تستوي سهولة كتابة كل اللغات ... سواء كانت المسمارية أو الهيروغليفية , السريانية , الصينية واليابانية , الانجليزية , الفرنسية .. الخ .
المطالبة بجعل العامية المصرية لغة رسمية - بمسوغات قديمة - وجديدة - لرواد ولمثقفين محترمين .. في تقديري انها تهافت علي الخروج - غير المدروس بِرَويّة - , كما قلت , من تحت نير لغة وعقيدة بدوية لا يمكن النهوض والتقدم مع التبعية لهما .. المقصد نبيل , ولكن تلك الآداة - العامية المصرية - تصلح للشارع وللبيت , للابداع الفني بأنواعه .. وكل تلك أدوات تختلف عن لغة العِلم ولغة التقنين والتشريع .. حيث يلزم الأمر دقة شديدة للفظ .. والعامية المصرية لغة بلا شواطيء .. وأية اضافات أو اختزالات أو ارتجالات فيها مقبولة .. شعر عامي , غناء , مسرح , كلام شارع أو كلام صالون أو مصطبة ..
وعلي سبيل المثال : كلمة " صَغِيّر " بالعربية .. في العامية المصرية , ممكن نقول " صُوغَيّر , زُوغَيّر زِغيّر , زِغار ( لسا زِغار ) , زَغيّور , صِغَنن , صُغنن - بكسر أو بضم الصاد - , صِغنون وصُغنّون - بكسر أو بضم الصاد - , زِغَنّن , زِغَنُون , زُغنطط , زِغنطط , زُغنطوط , زِغنطوط - سواء بالضم , أو بالكسر .. لا يهم ! - .. .. ! .
فلو إعتمدنا العامية المصرية , لغة رسمية , في القانون , أو في العِلم , و أردنا استخدام بديل لكلمة " صغير " العربية .. فأية كلمة من الكلمات السابقة يمكننا استخدامها , بدلاً لكلمة " صغير " ؟ قد تكون هناك فروق دقيقة بين ما ذكرناه - من العامية - , لكن كيف نضمن دقة استخدام كل لفظ منها ؟؟
هل نقول " زِغار ؟ أم صغيور ؟ أم زغيور ؟ صغنن ؟ صغنون ؟ زغنطط ؟ زغنطوط ؟
؟ ! ؟
هذا غير ممكن في العِلم أو في القانون والتشريع .. لكن ممكن جداً في كل ما هو خلاف ذلك..
مثال آخر : كلمة " البتاع " في العامية المصرية .. والتي كانت عنواناً ومحوراً لكل مقاطع قصيدة عامية , لأحد أبرز شعراء العامية " أحمد فؤاد نجم " .. هذه الكلمة تحمل الكثير من المعاني .. مثل :
1 - " الشيء غير المعلوم " ان كان شيء بعيد نسبياً وغير واضح صنفه .. يقول عنه المصريون " البتاع اللي هناك " ..
2 - وممكن استخدام نفس الكلمة بمعني العضو الجنسي , سواء للرجل أو المرأة ( البتاع بتاعه .. البتاع بتاعها .. و " بتاعه " , بتاعها " ) ..
3 - وممكن استخدامها كضمير ملكية : بتاع الأرض - صاحب الأرض - .. بتاع الفول ( بائع الفول ) بتاع الحكومة - رَجُلها , أو : عميلها - , بتاع ربنا - الدرويش , أو العبيط - ..
4 - ويمكن استخدامها للمناداة : يا بتاع النعناع .. , يا بتاع التفاح .. يا بتاع الياسمين .. يا بتا الجرايد ..
5 - وممكن استخدام نفس الكلمة للسخرية والاستخفاف سواء من انسان أو من شيء أو من فعل ما ( كوصف الشاعر " نجم " للانفتاح الاقتصادي الساداتي ب " البتاع " في قوله : " يا اللي فتحت البتاع " - يقصد الانفتاح الاقتصادي .. إستهزاء , وسخرية - . !..
والشاعر" نجم " استخدم تلك الكلمة في قصيدته .. بكل المعاني التي ذكرناها .. تلاعب بها بفنية ..
ذاك ممكن ومقبول - كما قلنا - في الشعر العامي , في المسرح , في السينما , في الأغاني , في الشارع , في مسامرة بالصالون , علي المصطبة .. أو حتي في ندوة أو أُمسية شعرية أو أدبية ..
لكن كيف يمكن استخدام تلك الكلمة في القانون , أو في العِلم .. ؟ وهي كما رأينا كلمة مطاطة , شعبوية , لَعوُبَ ؟
انها - العامية المصرية - لغة مفتوحة باستمرار للعامة والسوقة يضيفون لها كُلٌ ما يحبون ويرتجلون بلا لوم ولا عتاب .. لغة بلا ضِفاف (( وهذا ما قلته - في حوالي عام 1993 , - في لقاء علي فنجان شاي بنقابة الصحفيين - و أحد المثقفين المتحمسين المُرددين لتلك الدعوة ( الراحل " بيومي قنديل " ) التي أطلقها رُوّاد الثقافة السابقين , بجعل العامية المصرية لغة رسمية .. لكون مطالبتهم باحياء لغة أصيلة تاريخية من لغات بلادهم , درب يقود للتكفير , وقد يؤدي الي القتل - كما ذكرنا من قبل - فوقع اختيارهم علي اللهجة العامية المصرية الحالية )) ولكنه " ب . قنديل " كان متعصباً للفكرة - كآخرين غيره - حتي انني عندما نشرت مقالاً , أرد فيه علي مقال له , في ذات الموضوع .. - حوالي عام 1996 - بمجلة القاهرة - التي استبدلوها فيما بعد بجريدة القاهرة .. غضب " قنديل " .. وكانت قطيعة بيننا استمرت حتي رحيله - طاب مثواه - .
ولا يزال آخرون , يواصلون حمل تلك الدعوة ..
--- نختم بما ذكرناه في الحلقة السابقة . باأن المستقبل سيكون للغة عالمية جديدة موحدة , تحمل مزايا أفضل اللغات , وتتجنب عيوبها وحماقاتها - وهو ما قلناه بكتابنا " مستقبل اللغات " .. حتي يتم ذلك .. علي الشعوب الراغبة في النهوض والتقدم . تعلم اللغات الحية - الحالية - والتمسك بها ..
رابط الحلقة 2 ( السابقة ) :
https://salah48freedom.blogspot.com/2019/04/2-3.html
===========
تعليقات
إرسال تعليق