البحث عن لغة 2- 3

البحث عن لغة  2- 3
كتب : صلاح الدين محسن
6-4-2019

ما تتكلم به الشعوب المُعوًرَبة .. كلها لهجات عربية .. متأثرة بلغاتها الأم , وبلغات مستعمريها 
اللهجة المغاربية عربية تأثرت واختلطت بالأمازيغية , كلغة أم للمغاربيين عامة , واختلطت بالفرنسية بحكم الفرنسة ابان الاحتلال الفرنسي

نعومة وطراوة اللهجة اللبنانية عائد لتأثرها بالفرنسية , بفعل الاحتلال - أو الانتداب - الفرنسي لسوريا ولبنان .. 

وكذلك اللهجة المصرية - بالوجه البحري , بالشمال ,  ولا أقصد بالصعيد - بالجنوب - 
غالبية مفرداتها عربية , بحكم الاحتلال العربي البدوي الذي فرض لغته علي البلاد - وهي متأثرة باللغة المصرية القديمة , ولعلها أخذت من الانجليزية استقامتها واعتدالها ووسطيتها - بعكس اللبنانية الممطوطة كما الفرنسية , وبعكس المغاربية المضغوطة .. 
( الكلام الصعيدي - كل محافظات الصعيد بجنوب مصر  , وجزء من جنوب محافظة الجيزة ,  ولعل محافظة مرسي مطروح , ومحافظة البحر الأحمر , كذلك .. لهم كلام مختلف اللهجة .. لا أدري هل  يمكن اعتباره عامية مصرية , وهو أقرب كثيراً للغة البدو العرب ؟؟ . فشاعر الصعيد " عبد الرحمن الأبنودي " كان عندما يتكلم ,  يبدو  وحيداً وسط كل شعراء العامية : بيرم التونسي , بديع خيري , فؤاد حداد , فؤاد قاعود , صلاح جاهين , أحمد فؤاد نجم , سيد حجاب .. وغيرهم من شعراء العامية ) .

البعض يزعم ان العامية المصرية هي مرحلة رابعة في سلسلة تطور لغة مصر القديمة ..
والحقيقة التي نراها , انها تحمل فتاتاً وفلولاً من لغة مصر القديمة .. ومن لغات مستعمرين آخرين حكموا مصر طوال مئات من السنين - اغريق ,  رومان , عرب , أتراك , فرنسيين , انجليز .. .. ولكن غالبية مفرداتها , من اللغة العربية - فالعربي استعمر مصر منذ 1400 عام , ولا يزال يستعمرها للآن : - لغةً وعقيدةً و .. حج وعمرة .. - فمن الطبيعي أن تكون أغلب كلمات العامية المصرية هي كلمات عربية ..
لذا نري ان لغة الشارع المصري الآن - العامية المصرية - هي الحلقة الأخيرة في سلسلة هزائم  واختفاء لغة مصر القديمة - الأصلية - لا تطورها , كما يزعم البعض   , اللغة التي أُعِيد اكتشافها وانتشالها علي يد الباحث الفرنسي الشاب " شامبليون " وقتما جاء مصر مع حملة نابوليون بونابرت .. 
ويبقي العزاء الكبير في انه يوجد الآن أكثر من جيل  , خبراء في الآثار و آثاريون شبان يجيدون تماماً لغة مصر القديمة ..

 و سبب تآلف شعوب المنطقة مع العامية المصرية ,  دون غيرها من لهجات الشعوب الأخري - المُعَوّرَبة -  أن مصر في عهد الليبرالية - زمن الملكية , أسرة محمد علي باشا - كانت لها الريادة بالمنطقة في كل شيء .. 
1 - في الغناء .. من عبد الحامولي وسلامة حجازي  , ومنيرة المهدية , وسيد درويش - وغيرهم - .. حتي أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش , وعبد الحليم وشادية - وغيرهم وغيرهن - وكذلك في السينما والمسرح - 
2 - التعليم بالأزهر -  
3 -  مسرح " يوسف وهبي " كان يجوب دول المنطقة بمسرحيات أغلبها مصرية اللهجة .. وهي اللغة التي مثل بها يوسف وهبي , نجيب الريحاني , علي الكسار , محمد عبد الوهاب  - وتلاميذهم وتلميذاتهم - , أغلب مسرحياتهم وأفلامهم , كما مثلت بها ليلي مراد,  شادية , وفريد شوقي , وشكري ومحسن سرحان , محود المليجي , وأنور وجدي , ورشدي أباظة  وعبد الحليم .. ونجوم ونجمات كبار آخرون كثيرون .. وهؤلاء هم نفس كبار نجوم الفن لدي دول المنطقة الناطقة بالعربية .. فروجوا للعامية المصرية التي قدموا بها غالبية ابداعاتهم ..
4 - أيضاً كانت مصر قِبلة يحج اليها كل الراغبين من شعوب المنطقة , إما  طلباً للعِلم أو للبحث عن عمل أو لاقامة مشاريع - في الصحافة والفن , علي أيادي لبنانيين وسوريين , - صحف الهلال , والأهرام - .. أو مسرح وجامعة للفن أدارتها " بديعة مصابني " .. وأنور وجدي -
   5 - من أهالي شعوب المنطقة , من حرصوا علي زيارة مصر - في العصر الملكي بالذات -  للاطلاع علي آخر مستجدات الحضارة الأوروبية الحديثة التي كانت مصر تجلبها عقب ظهورها في لندن أو باريس .. فكان ذاك عامل لمعرفة العامية المصرية .
6 - كذلك طلب الدول المعوربة مدرسين مصريين وأساتذة جامعيين - في البداية كان منحة من مصر. تدفع رواتبهم - وقدوم دارسين من تلك الدول للأزهر , ليتعلموا فيه عقيدة ولغة البدو العرب .   
7 - وبالاضافة الي ما سبق - زحف عمالة مصرية بالملايين للسعودية والخليج والعراق ولبنان وليبيا , منذ هزيمة 1967 وللآن ..
كل تلك كانت عوامل ساعدت علي فهم شعوب المنطقة  للهجة المصرية العامية .. وليست عوامل لُغَويّة بحتة .

 أي مواطن مصري أمي  لا يعرف سوي العامية , لو قرأت له من القرآن - العربي الفصيح - لفهم أغلب المفردات والمعاني لوجود  معطمها بغالبية لغته العامية  ....

-- في تقديري , لا توجد لغات بدول المنطقة المُعوُربة . بل كلها لهجات عدا لغات الأقليات : الأمازيغية والنوبية والقبطية والسوريانية والآرامية والنبطية والكردية والتركمانية ( والأرمينية - لغة طائفة مُهَجّرة )- وكلها الآن لغات أقليات , وان كانت هي إما لغات أصلية لبلادها أو لغات أصيلة لطوائفها .

اللغة وسيلة للتفاهم .. ولا داعي للتعصب .. ويجب هجرها اذا كانت أداة تعيق النهوض والحداثة , هي وعقيدة ملتصقة بها ..

وللباحثين عن مستقبل للغاتهم : من شاء أن تكون أمته ولغته هي من لغات علوم وفنون وآداب وإختراعات العصر الحديثة .. فسوف يرتفع سهم لغته تلقائياً بطبيعة الحال ..
ومن شاء أن تكون لغته , هي لغة نفط وارهاب في كل مكان .. فمن الصعب أن يشتري لها مستقبلاً.. ولغته ونفطه في الغالب سوف  يضيعانه لأنهما سوف ينتهيان آجلاً , أم عاجلاً ..
ومن يريدون التمسك بلغة تعصباً بلا مبرر .. فانهم لن يضروا الا أنفسهم .. الدنيا تجري والتقدم يسير بسرعة , باطارات لغات الأمم التي تبدع وتُطوِّر في العلوم والمخترعات والاكتشافات والفنون ..

ومن أرادوا التقدم والحداثة فعليهم بتعلم إحدي اللغات الحية وجعلها لغة أولي ..
فان كانت لهم لغة تُعد لغة حضارة قديمة ملهمة ومبهرة خالدة . فمن الواجب عليهم تدريس تلك اللغة لعموم الشعب كلغة ثانية .. ( ليست اللغة التي كان يتكلم بها الشعب قديما .. كلا بل اللغة التي دُوِنت بها غالبية آثار وعلوم وفنون تلك الحضارة القديمة الخالدة .. ونعني لغة الحضارة التي ما تزال حية .. لا لغة الناس - الشعب -  الذين كانوا موجودين ابان ازدهار تلك الحضارات وماتوا ..  فالحي أبقي من الميت .. والحضارة حية باللغة المكتوبة بها .. والشارع ولغته وناسه  قد ماتوا , لهم الذِّكر الحسن , فهم من صنعوا تلك الحضارة - وحسب ) .

- ( جميع لغات العالم , بدون استثناء , هي قديمة جداً وحافلة بالعيوب وبالحماقات , بطبيعة الحال .. ولا يُبقي عليها سوي التعصب الأعمي والشوفينية وحسب , وسوف يأتي يوم تتغير فيه تلك اللغات وتظهر لغة عالمية جديدة  واحدة , تأخذ مزايا مختلفة من تلك اللغات , وتتجنب عيوبها .. ) -- هذا ما قلته في كتابي " مستقبل اللغات " المنشور بموقع :  google books

رابط الحلقة 3 من هذا المقال :
https://salah48freedom.blogspot.com/2019/04/3-3.html

====  

تعليقات