نقد التنوير .. ونقد النقد
إعداد : صلاح الدين محسن
14-2-2022
مقال نشره بالأمس , الناقد أحمد الخميسي - عبارة عن نقد للتنويريين والتنوير . ننشره , و بين سطوره نضع مداخلاتنا علي أهم ما جاء فيه , تجدونها باللوان الأحمر .
المفكر التنويري
أحمد الخميسي - ناقد وأديب مصري / ابن الشاعر والأديب والفنان الراحل " عبد الرحمن الخميسي " .
الحوار المتمدن 2022 / 2 / 13
-------------------------------------------------------------
( تنويه - الصديق كاتب المقال الأستاذ أحمد الخميسي , كان الوحيد في الصحافة المصرية , الذي دافع عني , بدون سابق معرفة - وقت اعتقالي بمصر , في مارس عام 2000 , في مجلة أخبار الأدب , بينما رئيس تحرير تلك المجلة " الأديب الراحل جمال الغيطاني " , مستعيناً بعدد من الشعارير والأُدَباتية , أصدر عدداً من المجلة , يضربني فيه بخبث ولؤم , لصالح جهاز أمن حسني مبارك !
--------------------------------------------------------------
نص المقال , ومداخلاتي وتعليقاتي تتخلله وسط السطور . في شكل حوار :
أ . الخميسي : عهد الملك فاروق كان معمولا بألقاب مثل الباشا والبك وصاحب العزة، الآن أصبحنا نسمع عن منح ألقاب من نوع آخر في مجال الفكر مثل: " المفكر التنويري"، وهو وصف غامض مرتبط بإثارة القضايا الدينية. وذلك المفكر التنويري مؤمن بما جاء في الآية الكريمة : " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"
صلاح : كيف تكون تلك الآية كريمة بينما توجد آيات تقول عكسها - تنسخها - وتدعو لقتال من لا يؤمنون , وقتل من يراجعون ايمانهم ويرجعوا عنه - يرتدوا - !؟
الخميسي : فلماذا إذن يشغل نفسه ليل نهار بأولئك الذين آمنوا؟ ولماذا لا يخرج الدين وهو معتقد مقدس من دائرة النقاش
صلاح : لأن الدين يتدخل في كل شيء في حياة الناس ويفسدها . فان قلنا العلاج بالليزر , قال الدين : بل العلاج بالقرآن , وبالرقية الشرعية وحبة البركة والحجامة وشرب بول البعير.. وان قلنا المرأة الحديثة المكافئة للرجل وتتفوق عليه في كثير من المجالات , تستحق ميراث كامل وشهادة كاملة في المحكمة , تدخل الدين ورفض , لوجود نص قرآني يظلم المرأة في الميراث ويظلمها في الشهادة , وأحاديث صحيحة , تحقِّّرها وتهينها ! . وان قلنا القوانين الحديثة بالدول المتقدمة تُحَرِّم ضرب الزوجة أو الأبناء .. اعترض الدين , لوجود نص صريح بالقرآن يشرع ضرب الزوجة وهجرها في الفراش , و وجود حديث صحيح يشرِّع ضرب الأطفال بسبب الصلاة .. وان قلنا رياضة كرة القدم , والجمباز والباركور والتنس , وكرة الماء والكونج فو .. مثلاً .. قال الدين ان الرياضة في الاسلام حددها عمر بن الخطاب - وبس .. وهي 3 انواع : السباحة والرماية وركوب الخيل - ودمتم .. ! . وان قلنا العلم يقول , قال الدين ولكنني أقول .. ( العكس .. ! ) . وان أردنا قصدنا الشفافية والحقيقة . وجدنا في الدين : لا تسألوا عن أشياء ان تبدّ لكم تسؤكم " سورة المائدة = آية 101 ..!! . وان تكلمنا عن علم جديد .. سفهه الدين بقوله باستخفاف: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا - سورة الاسراء . آية 85 - .. ! وهكذا وهكذا بلا نهاية ! .
أ . الخميسي : إن كان يؤمن فعلا بحق من يؤمن وحق من لا يؤمن؟. إلا أن ذلك المفكر التنويري وأخوته جعلوا من القضايا الدينية موضوع جهدهم كله، وأبحاثهم
صلاح : هكذا أغلبهم .. - لكن أطمئنك الي أن الرجل الذي دافعت عنه أنت ( شخصي الفقير الي العلم ) , وهو خلف القضبان بتهمة ازدراء أديان - والحقيقة : إزدراء الحكم والنظام العسكري - لم أجعل من القضايا الدينية موضوع جهدي كله .. فكتاباتي في أمور عديدة أخري أكثر من كتاباتي في نقد الأديان والتي أعتز بها أيضاً . وبداية ما نشرته من كتاباتي عام 1980 كان مسرحية سياسية " نوادر بوكاسا " - موجودة بالانترنت - .. يمكن مراجعة مقالي " لستُ متخصصاً في نقد الدين " منشور عام 2019 . لينك مدونتي حيث يوضح ذلك بأمثلة سريعة . موجود باللينك :
https://salah48freedom.blogspot.com/2022/02/blog-post_99.html
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=639687
أ . الخميسي : وبالتالي أصبحوا في واقع الأمر الوجه الآخر للمتطرف الديني، الذي لا يرى العالم إلا من خلال ثقب صغير، وهكذا فإن التنويري والمتطرف، الاثنين، ينطلقان فعليا من نفس الركيزة
صلاح : التنويري لا يفجر نفسه في الآخرين , وليس عنده حد رِدّة , والتنويري علماني عقلاني . أما المتطرف الديني فهو داعشي ارهابي . وداعية للارهاب - فشتّان
أ. الخميسي : أي رؤية العالم عبر الديانة، ولا يبحثان خلف ذلك عن قضية أخرى، وإذا كنت لن تجد في تاريخ الإخوان المسلمين دفاعا عن قضية اجتماعية محددة، فإنك أيضا لن تجد عند الأخوان المتنورين دفاعا عن قضية اجتماعية أو سياسية واضحة، لأنهم تخصصوا في موضوع الدين ولا يجدون شيئا جديرا بالاهتمام خارج تلك الدائرة.
صلاح : هكذا غالبية التنويريين .. إلا قلة منهم , وهؤلاء القِلّة قليلاً ما يكتبون خارج نقد الباذنجان السماوي - الدين - .
الخميسي : لقد قامت حركة التنوير على أن " الدين لله والوطن للجميع"
صلاح : كيف !؟ اذا كان المتدينون لا يعترفون بالوطن !؟ - يقولون " الدين وطن " طز في مصر , وأبو مصر , واللي في مصر - قالها مرشد الاخوان المسلمين السابق / محمد مهدي عاكف -.. , ودين آخر يقول كُهّانه لأتباعه " حياتكم موش هنا علي الارض .. حياتكم فوق في السما " - أي لا يعترف بالوطن أيضاً ..
أ . الخميسي : أي أن الدين شأن شخصي، وأن دور المفكرين هو البحث في القضايا التي تجمع أبناء الوطن على اختلاف عقائدهم الدينية، أي القضايا المتعلقة بالصحة والتعليم والحريات والسكن والعمل، لكن ذلك التنويري يغض النظر عن كل ما يجمع أبناء الوطن، ويبذل كل جهده في حقل آخر، ذاتي، وخاص
صلاح : يكاد يكون الحال هكذا فعلاً .. لكنني - واسمح لي - خارج تلك المنظومة - كما ذكرت من قبل - وعن ذاك الخلل , نوهّتُ كثيراً في العديد من مقالاتي ..
أ.الخميسي : وهو الايمان، وفقه الدين، وما شابه. ولم يسبق أن سمعت بموقف واضح من أحد أولئك التنويريين من قضية التعليم
صلاح : الدين يفسد التعليم مثلما يفسد كل شيء , فالتعليم التجريبي بمصر , الذي يستطيع نقل مصر والمصريين لمستوي عالمي رفيع . تسلل اليه المتدينون ويفسدون فيه ويقومون بتصفيته بالقطاعي - بالمفرق - علي طريقة المجلس العسكري في تصفية ثورة 25 يناير 2011 ..... في العام الماضي كان قبول آخر دفعة في التعليم التجريبي ! ليتوقف عند ذاك الحد ! خوفاً علي دين ولغة السعودية - العرب - بينما السعوديون يتعولمون وينطلقون للحداثة وللعالمية , ويودعون بداوة أجدادهم .. !
وهذا رابط مقال لنا منذ أكثر من عام عما يحدث للتعليم التجريبي في مصر :
https://salah48freedom.blogspot.com/2020/12/blog-post_85.html
أ . الخميسي : على سبيل المثال، وهم حينما يكثرون الكلام عن الإرهاب، فإنهم يتناولونه من جانب واحد، ويلزمون الصمت التام حين يتعلق الأمر بالإرهاب الصهيوني أو الأمريكي.
صلاح : لأن صوت الارهاب الاسلامي ومناكفاته ومشاغباته وتحرشاته عالمياً ومحلياً واقيمياً فاقت صوت أي إرهاب آخر .. فحازت علي كل اهتمام التنويريين - واسمح لي أن أستثني نفسي - عفواً - فكتاباتي متنوعة لا تقتصر علي جانب واحد - معذرة - وهذا بينته في مقالي السابق الاشارة اليه .
أ . الخميسي : إنهم يرون التنوير عملية ذهنية ثقافية تستبدل أفكارا بأفكار، بمعزل تام عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية، ولهذا لم تتجذر قط حركة أولئك المفكرين التنويريين، ولم تستطع دفع التنوير إلى الأمام
صلاح : عدا قلة قليلة منهم , وفي كتابات قليلة / وهم لذلك تبك القِلَّة من التنويريين , ليسوا في مقدمة نجوم التنوير .. ! لأن زبائن التنوير - قراؤه - هكذا يريدون - حلبة ملاكمة أو مصارعة بين التنويريين والاظلاميين , وهم يستمتعون بالفرجة .. وجمهور الأديان الأخري غير الاسلام .. يستمتعون كلما كان التنويري يسقط نوره علي ظلاميات الاسلام وحده , وينفضّون من حوله ويحاربوه اذا ما اقترب من أديانهم . ! الزبون عاوز كدا .!. والزبون علي حق - كما تقول القاعدة التجارية - !!
الخميسي : بقدر ما أثارت ضوضاء أحاطت شخوصهم بهالة نجومية. التنوير بمعناه الحقيقي معركة اجتماعية، والفكر أحد أسلحتها، لكنها معركة تتم في المجال الملموس، حيث القضايا الاقتصادية، والسياسية، والدستورية، وغير ذلك،
صلاح : هكذا كان التنوير في أوروبا , كما تفضلت : معركة تتم في المجال الملموس، حيث القضايا الاقتصادية، والسياسية، والدستورية، وغير ذلك " , مما أشعل الثورة الفرنسية التي أنارت ضواحياً كثيرة بالعالم .. كان تنويريو أوروبا علماء وشعراء واقتصاديين وفنانين , لكن أغلب التنويريين المعوربة المؤسلمة بلادهم وشعوبهم كانوا أزهريين , أو أبناء رجال دين في الأساس . ومنهم من يحترفون التنوير الديني وحده واتخذوه مصدراً للرزق وللشهرة كما نجوم الدعوة الاسلامية والفرق ان نجوم الدعوة الاسلامية مليونيرات .. بينما المحترفون من نجوم التنوير هم فدائيون - حياتهم في خطر دائم - , ويحصلون فقط علي ما يكفي لحياة معقولة لأسرهم .
الخميسي : وليس ثمت - ثمة - تنوير مطلق معلق في فراغ، لأن كل تنوير مرتبط بقضايا المجتمع الملحة، لهذا يستحيل على الكتب كافة أن تنجح في تنوير انسان تعس بلا مسكن ولا عمل ولا علاج
صلاح : وان توفرت تلك الاحتياجات ( مسكن و عمل وعلاج ) بينما العقول يعشش فيها عنكبوت الدين بخرافاته وتواكلاته وخزعبلاته وجهله .. فسوف ينهار البناء , يجب ملء العقول بالعلم الحديث . لا بيأجوج ومأجوج (كل تفسيرات القرآن قالت ان الفقهاء لم يتفقوا علي تفسير ليأجوج ومأجوج ! الموجودة في كتاب يصف نفسه في سورة يوسف - آية 1 " الكتاب المبين " !!! ) .
الخميسي : من باب أولى فإن فتح موضوع الدين لن يساعد على تنويره في شيء.
صلاح : كلا .. فأنا أؤمن بالمقولتين الذهبيتين : 1 - النقد أساس كل تقدم , ونقد الدين أساس كل نقد , 2 - الدين أفيون الشعوب
أ . الخميسي : وشتان بين مفكري التنوير الجدد وبين مشروع التنوير الحقيقي عند طه حسين الذي قام على أن التعليم، قال التعليم ولم يقل الثقافة،
صلاح : يوجد كتاب لطه حسين عنوانه " مستقبل الثقافة في مصر " وليس مستقبل التعليم .. و تراجع طه حسين عن التنوير الديني فأفسد الطبخة التنويرية ولكنه اشتهر , ثم صار وزيراً بعدما اشتهر , وانتكس التنوير .
الخميسي : و هو مستقر كل تنوير، وهكذا وضع العميد الأساس الاجتماعي للقضية. وفي حينه ربط كل المفكرين الكبار بين التنوير والظروف الاجتماعية المحددة. وعلى سبيل المثال فإن رفاعة رافع الطهطاوي، حين قام بترجمة الدستور الفرنسي، كان يضع حجر الأساس في مواجهة الحاكم المستبد بالدعوة إلى سلطات ثلاث منفصلة : قضائية وتنفيذية وتشريعية، وكانت تلك الترجمة خطوة تنويرية كبرى في ظل محمد علي، ولم يشتبك الطهطاوي مع معتقدات الناس، بل مع قضاياهم.
صلاح : وقضايا الناس لا يعطلها سوي الدين .. فالدين يتدخل في ملابس الناس وطعامهم وشرابهم وحتي في ركوبهم الدابة ( وحتي ركوبة الطائرة حديثاً , بهلوسة الفقهاء ! ) ماذا يجب أن يقول الناس ! وعند دخولهم الخلاء ماذا يجب عليهم أن يقولوا ! . وفي فريضة الزامهم بواجب الاعتداء علي القبائل والشعوب الأخري ما لم يقبلوا طائعين أو كارهين الامتثال واعتناق الدين ! ونهبهم وسلبهم وأسر نسائهم في سبيل الله ! , وهذه الفريضة البغيضة اسمها " الجهاد في سبيل الله " ! - هذا هو الدين !
الخميسي : ولم يكن على عبد الرازق في كتابه " الاسلام وأصول الحكم" يناقش المسلمين في اعتقادهم الديني، بقدر ما كان يتصدى لفكرة الخلافة الاسلامية دفاعاً عن استقلال مصر..
صلاح : صحيح ان هدف الكتاب كان الوقوف في وجه طموحات الملك فؤاد في اعتلاء الخلافة الاسلامية بعد سقوكها في تركيا , لكن ما أصاب الأزهر والاسلام بالجنون , أن الكتاب تضمن تعريّة الدين الخالي من أي نظام للحكم . سوي البدائية والعشوائية / مما أهاج الأزهر , ودفعه لفصل الشيخ علي عبد الرازق من عضوية كبار علمائه ... وتراجع الشيخ ! ولكنه حاز علي شهرة بتلك الضجة , وصار وزيراً ! ( تلك هي فوائد التنوير المتراجع )
أ . الخميسي : هكذا كانت الفكرة الأساسية عنده فكرة اجتماعية قومية. لكن المفكرين التنويرين الجدد، أثاروا من الضجيج أكثر مما حركوا التطور، وصرت أسمع كل يوم عن التنوير، وأقرأ عنه، وأشاهد برامج بشأنه حتى اعتقدت أن ثمة شخصا يدعى " تنوير" ربما أصادفه في الشارع فأستوقفه لأطمئن على أحواله سائلا: " ما بتجيش ليه يا تـنـوير؟" .
صلاح : أعقب علي السطور السابقة , و أختم بسطور , بند 3 / من مقالي المنشور عام 2018 :
عنوان المقال : ظواهر مثيرة للقلق - الادمان الثقافي غير الحميد
بند 3 - لا يوجد بأوروبا الآن شيء اسمه تنوير وتنويريون . لقد كان مشروعاً ثقافياً منذ أكثر من مائتي عام . واكتمل المشروع في سنوات قليلة, وعم النور بلادهم . وقُضِيّ الأمر ..
ولكن بالبلاد التابعة للعرب – لغة وعقيدة - , حبوب ومنشطات التنوير , تحولت الي إدمان عند حامليها من المثقفين الكبار - التنويريين - , وعند متعاطيها .. منذ 150 سنة وحتي اليوم .. !
لا النور قد حل . اذ لم يتحقق مشروع التنوير . ولا المنوِرون يبحثون في عِلة الاخفاق , للخروج من المأزق . بل أدمنوا عرض فنون بضاعتهم , وأدمنوا جدل عقيم , وشجار لا يتوقف مع الاظلاميين ! .
والاظلاميون بتلك البلاد .. أدمنوا الظلام والتظليم , وأدمنوا الجدل دفاعاً عنهما . وكأنهم لم يسمعوا أخبار ما يحدث ببلد المنشأ - السعودية - حيث فُتِحت الأبواب لأنوار الحداثة , لطرد الظلام .. !
انتبهوا أيها الكرام .
أيتها الشعوب المسكينة , العربفونية – الناطقون بالعربية وما هم بعرب - ..
انتبهوا .. مثقفوكم في خطر . صفوتكم في خطر .. انتبهوا .( --- هذا ما نشرناه ضمن مقال عام 2018 - سالف الذكر .)
مع الشكر والتحية للصديق الأديب الاستاذ أحمد الخميسي .
----
---- نشر بموقع الحوار المتمدن في 15-2-2022
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=747100
____________________________
تعليقات
إرسال تعليق