وداعاً .. سيد القمني
صلاح الدين محسن
7-2-2022
رحل عن عالمنا الباحث الكبير والشهير في التراث الاسلامي " دكتور سيد القمني " ..
والده كان رجل دين اسلامي - خطيب وإمام .. فأخذ عنه موهبة الحديث والجدل
شاهدته في قناة فضائية - الاعلامي طوني خليفة . حسبما أتذكر . و" طوني " قد أتي له باثنين لمحاورته - وليس شخص مقابل شخص !
فلاحظت ان القمني عندما تكلم بما لديه من فصاحة وقوة حجة وذاكرة حاضرة . أن الاثنين اللذين جاءا لمنازلته . في البداية . نسي كل منهما الغرض من الحضور. واستغرقا في الاستماع اليه . للاستفادة . ! حتي ظننتهما سوف يعدلان عن الدخول معه في الخلاف والجدل .. !
عرفت د. سيد القمني , حوالي عام 1992 . كنت أعددت كتابي " مسامرة السماء " - نقد لبعض ما في القرآن - وأشار عليّ أحد معارفي - عضو بحزب التجمع - بعرض ذاك الكتاب علي سيد القمني , لكونه متخصصاً في الاسلاميات . لم أكن قد سمعت عنه من قبل , حيث لم يكن معروفاً كما هو الآن .. وأنا أيضاً لم أكن معروفاً سوي لقلة من المثقفين ,,
حصلت علي تليفونه - حينها كان يقيم بمدينة الواسطي - محافظة بني سويف - جنوب القاهرة بحوالي 90 كم . رحب بي , وزرته , كان يقيم في مسكن قريب من النيل . ثم اصطحبني لمنزل آخر فيه مكتب بالطابق الأرضي . يبدو انه كان خصصه لمقابلة ضيوفه .
لم تكن معي نسخاً كافية من الكتاب . فقلت له " معي كتاب من تأليفي , وأريد معرفة رأيك فيه .. سأقرأ لك 3 أو 4 مقاطع , وكلها مقاطع صغيرة ..
فأجاب : تفضل .. أسمع
قرأت له مقطعين أو ثلاثة - لا أتذكر - ثم دق الباب . فاستاذن ليفتح للزائر . الذي عرفني به . صديق له يعمل بالمحاماة . وقدمني له بالقول " .. فلان , كاتب تنويري جديد
فسأله صديقه المحامي : هل يكتب مثل كتاباتك ؟
أجابه : لا .. حاجة تانية
المحامي : مثل دكتور نصر أبو زيد ؟
القمني : لا لا .. حاجة تانية
المحامي : مثل دكتور فرج فودة ؟
القمني : لا برضو
المحامي : فتري , ماذا !؟
القمني : بيكتب عن حاجات موجودة قدامنا كلنا . لكن لا نراها .
ثم قال لي : حَوِّل الكتاب الي بحث , وأنا أكتب لك المقدمة .
فقلت : لا . مع احترامي للأبحاث وللباحثين . لا أكتب أبحاثاً . بل كتابات سهلة و بسيطة كما تري .
ثم سألني : هل لك مؤلفات أخري ؟
كان قد صدر لي من قبل , مسرحية نوادر بوكاسا , و " دليل العشاق والمغرمين " , و " الزمان والمكان " , و سوسيوبيولوجيا . .. لا أتذكر أي كتاب منها أهديته اياه .. فأخرج واحداً من مؤلفاته , وكتب لي عليه اهداء . - بعدها سعي مثقفو المقاهي وأتيليه القاهرة - حسب طبيعتهم - بالوقيعة بيني وبينه !.
ظل الكتاب الذي أهداني اياه عندي وأعتز به , حتي اقتحمت مباحث أمن الدولة بيتي ومكتبي في مارس 2000 وصادرته ضمن الكثير الذي صادرته من كتبي والمستندات الخاصة بمكتبي ..
التنوير يجب ألا يعتمد علي الكتابة وحدها , ولا علي المحاورات الشفاهية وحدها .. بل علي الاثنين معاً .. وسيد القمني , كان واحداً من قلائل هم فرسان في الكتابة وفي الحوار أيضاً.. كفرج فودة - الأسطورة - و وفاء سلطان , وآخرون ..
والتنوير ليس طاحونة هواء .. بل يجب أن تظهر له نتائج خلال عقود قليلة وليست قرون .. والأمم التي حقق التنوير فيها النور .. التنويريون كانوا علماء , وفنانين متعددي المواهب والعطاء, مثل جان جاك روسو ( فيلسوف، وعالم نبات، وملحن، ومصمم رقص، وكاتب، ومختص بالموسيقى، وأديب، وروائي، وكاتب سير ذاتية، ومُنظر موسيقى ، وتربوي، وعالم طبيعة، وكاتب مسرحي، ومساهم في موسوعة ) ..
.. لا متفرغين يصولون ويجولون كفرسان في أحراش دين وأدغال دين آخر .. بينما شعوبهم وبلادهم يتأخرون أكثر مما هم متخلفون .. غالبية التنويريين الناطقين بالعربية . نشاطهم قاصر علي الباذنجان المحمدي - العربسلامي . منذ " رفاعة الطهطاوي " وللآن .. لذا فمقابل كل شمعة أناروها وكل عقل يزيحون عنه الظلام , يولد مائة حجاب ونقاب جديد ومائة لحية جديدة - علي الاقل .. !
من حسن الحظ وما يبشر بالخير , أن شباباً , تنويريين فدائيين - بل وكبار أيضاَ - ومن دول مختلفة - يظهرون بالفضائيات من وقت لآخر . وتلك ظاهرة توحي بالأمل . وتعوض خسارة التنوير برحيل مصابيحه الساطعة مثل سيد القمني - ومن قبله فرج فودة , , الخ - .
هناك تنويريون عظماء - في التراث الاسلامي - جديرين بألا ننساهم , مثل الشيخ خليل عبد الكريم , والمستشار محمد سعيد العشماوي .. الأول - الشيخ خليل - له عندي منزلة خاصة .. لكن رغم انه محامي محترف , لم يُعرَف كواحد من فرسان الحوارات والندوات . كما سيد القمني
رصيد " سيد القمني " من الحوارات في الفضائيات والندوات فقط - لو لم يقدم عطاءه الكبير المكتوب والمنشور- يجعل منه فارساً تنويراً من أرفع طراز .
طاب مثوي سيد القمني وطابت ذكراه
والعزاء لآله ولأصدقائه ومحبيه .
( والمجد والخلود للعلوم النافعة - والتي ليس من بينها علم مقارنة الأديان ولا ما يسمي بعلوم في الأديان - ولا الكثير من جهود مقارعة الأديان - ... فتلك أشياء لا تجفف المستنقعات العقائدية العطنة , بقدر ما تتربح من وجودها , ومصيرها كلها : الحفظ في متحف التاريخ )
--------------
_________________________
تعليقات
إرسال تعليق