الفرعونية - بين التطرف في كراهيتها والتطرف في حبها

الفرعونية - بين التطرف في كراهيتها والتطرف  في حبها 

كتب : صلاح الدين محسن
3-12-2021

في البداية نريد القول والتشديد علي : ان حضارة مصر القديمة رغم كل معجزاتها .. لم تكن مبرأة تماماً من جهالات ومظالم وظلمات عصورها الممتدة لآلاف السنين .. وعلينا ألا ندع معجزاتها تعمينا عن سلبيات حضارتنا , وألا ندع سلبياتها تكفِّرنا بمعجزاتها وعظمتها  
 
كما المتدينون بأنواعهم - السلفية الدينية بأنواعها - يتطرفون في كراهية تاريخ مصر القديم - الذي اصطلح عالميا علي تسميته بالتاريخ الفرعوني , والحضارة الفرعونية - ويعتبرون آثارها مجرد أحجار ومومياواتها مجرد جثث موتي .. !
كذلك يوجد آثاريون ومثقفون - وأنصاف مثقفين - تطرفوا في حب حضارة وتاريخ وآثار مصر القديمة .. لدرجة تصويرعصور مصر الفرعونية كما لو كانت كلها ايجابيات مُشرِّفة ! ويدافعوا بالتبرير - كتبريرات السلفيين الدينيين للخروق والبقع الموجودة بأديانهم - ..
وهناك من جعلوا من أمجاد ومعجزات مصر القديمة . مخدة من ريش نعام  ومُخدِّر .. عليها ينام المصريون , فلا يشعروا بتحركات العالم الدائمة للأمام .. ويظلوا هم غارقين في فقرهم وتخلفهم
كذلك وللأسف يوجد مثقفون مصريون - منهم كُتّاب محسوبون علي العلمانية - ربما خوفاً منهم من أن تصير حضارة مصر القديمة مدعاة للنوم بالقول " نحن 7000 سنة حضارة " والتوقف عن مواكبة التقدم الحضاري الحديث واللحاق به ..  لذا تطرف هؤلاء المثقفون والمؤلفون , في العداء لحضارة قدماء المصريين , الي حد الالتقاء مع السلفيين في اعتبار آثار وحضارة الفراعنة مجرد أحجار , وأوهام قديمة لا فائدة منها !!
يا للكارثة .. 
منذ سنوات .. قمت بالرد - وبغضب - بتاريخ 1-9-2005  و بمقال عنوانه " الفرعونية ليست أطلال أحجار ومومياوات محنطة " , علي كاتب مصري علماني ليبرالي .. له كتابات جيدة .. ولكنه انزلق في هوة الالتقاء مع السلفيين وأخوتهم .. في اعتبار الحضارة المصرية القديمة مجرد أحجار ... !   
( معني ذلك ان البعثات الآثارية التي تأتي لمصر للبحث والتنقيب عن آثار مصر الفرعونية , وانفاق ملايين الدولارات علي ذلك .. هؤلاء المنقبون والدول المتقدمة جداً التي أرسلتهم .. مجرد شوية مجانين مهاوويس , لا يعرفون ان آثار وتاريخ مصر القديمة عبارة عن شوية أحجار وجثث موتي محنطة لا قيمة لها !!!! 
ولكن مصريين كثيرين يعرفون ما لا تعرفه بعثات الآثار القادمة من أكبر وأرقي دول العالم .. !! : ان تاريخ وآثار مصر القديمة : أصنام وحجارة وهوس , الاهتمام بها شيء غير عاقل .. !( !! )

واليوم ننقل مقالاً لكاتب مصري علماني جيد . له كتابات جيدة .. ولكنه سقط في تلك الهوة .. بمقاله المنشور  يوم 2--12-2021 بعنوان " هل تصلح الفرعونية بديلاً عن الديموقراطية؟   " المنشور بموقع الحوار المتمدن . وهو الأستاذ عبد الجواد سيد
سوف ندخل بين سطور المقال للرد عما نتحفظ عليه من الآراء الواردة به :
من مقال الأستاذ عبد الجواد سيد :
يثير هوس المصريين المتزايد يوم بعد يوم بآثارهم وتاريخهم الفرعونى ، كثير من الشك والتساؤل عمن يفعل بهم ذلك ، أهو النظام الحاكم يريد إلهائهم عن إستحقاقات الحاضر والمستقبل ، أم هو الوعى الجمعى المصرى نفسه ، وقد وصل إلى حال من الإعياء والتخبط؟
الإجابة هى كلاهما فى الواقع ، الحاكم والمحكوم، كلاهما يخادع نفسه ويخادع الآخر ، ويهرب من إستحقاقات الحاضر والمستقبل إلى خرافات الماضى 

تعقيب : الماضي الفرعوني ليس كله خرافات , بل أغلبه معجزات سيّارة عبر العصور
 
أ عبد الجواد : ..لماذا لايضعا أمامهما تجربة عصر أسرة محمد على مثلاً ويعتبرانها أيضاً تاريخاً مجيداً 

تعقيب : تجربة محمد علي , لو دققنا فيها , فهي أيضاً لم تكن مبراة من الظلم والمظالم .. اذ طورد الفلاحون بالضرائب الثقيلة فهربوا تاركين اراضيهم فاستولي عليها أعضاء عائلة محمد علي , فالاميرة فلانة تمتلك عدة آلاف من الافدنة , والأمير فلان كذلك .. ! ثم أعادوا الفلاحين أصحاب تلك الأراضي , ليشتغلوا أجراء في أراضيهم المغتصبة !!! 
والتجنيد للخدمة العسكرية الاجبارية في عهد محمد علي , لم يكن محدد المدة .. وكان يرسل أبناء الفقراء المصريين ليحاربوا في الدول القريبة والبعيدة لأجل الطموحات الامبراطورية لمحمد علي , ولمساعدة الدولة العثمانية في حروبها !! .. 
لا نختلف علي مزايا حكم أسرة محمد علي .. لكن لا بد أن نتوقف لنعرف الحقيقة : ان مصر لم تكن للمصريين بقدر ما كانت لعائلة .. هي عائلة محمد علي , والشعب إما أجراء .. أو كالحيوانات الضالة بالشوارع ..

 أ عبد الجواد : وقد كانت هكذا فعلاً ، وقد عرفت شيئاً من الحكم الدستورى والديموقراطية وكثير من التسامح ، لإنها ببساطة كانت تجربة حقيقية قريبة مازلت فى نطاق العصر الحديث وليست من العصور القديمة ، كما أنها يمكن أن تكون ملهمة فعلاً فإستحقاتها مازلت هى إستحقاقات اليوم المبتورة ، لذا فهى إقطاعية إستعمارية فاسدة لايجب النظر إليها ، بينما الفراعنة قد عرفوا الحداثة قبل العصور الحديثة ، وإكتشفوا الكواكب والنجوم قبل وكالة ناسا ، فى خيال جامح بعيداً عن الواقع 

تعقيب : كيف هو خيال جامح بعيد عن الواقع .. ؟؟ ان أبحاث الباحثين الأوروبيين لا تتوقف حول عجائب قدماء المصريين ( وعجائب حضارات قديمة أخري , كحضارات العراق القديم , وغيرها ).. ومنها شواهد ومؤشرات علي احتمال وصول أو اتصال المصريين القدماء - والعراقيين القدماء أيضاء - بالفضاء الخارجي وسكان فضائيين )

 أ . عبد الجواد : فالواقع إن الحاكم الإله مازال حاكماً ، والظلم الإجتماعى مازال قائماً ، والهوس بالموت ولطم الخدود والسحر والتعاويذ مازلت ثقافة عامة ، ميراث الفراعنة الحقيقى.

تعقيب : ليس ذاك فقط هو ميراثهم بل واختراع المصباح الكهربائي , وعلم الجبر وحساب المثلثات , ومعجزات كثيرة سابقة لعصرها
 
أ . عبد الجواد : يجد النظام الحاكم فى تلك الثقافة البعيدة ، الغامضة المبهرة للعالم ، أحد أكبر أدوات التغييب السياسى التى يمارسها على عقول المصريين المرهقة ، ويجد الشق المسيحى من المجتمع المصرى فيها وسيلة لتصفية الحسابات مع العربى المسلم الغازى ، ويجد الشق المسلم من المجتمع فيها وسيلة للهرب من عجزه عن مواجهة إستقاقات الحاضر بالهرب إالى ماضى خرافى غابر، فهل من المعقول أن يعجز شعب من مائة مليون عن إنتاج حزب مدنى سياسى حقيقى واحد ؟ وهكذا إجتمع الأطراف الثلاثة ، الحاكم ، والمحكوم المسيحى والمحكوم المسلم على هدف واحد ، الهرب من إستحقاق التحول الديموقراطى الذى يضغط على ضمير مصر وروحها منذ رحيل جمال عبدالناصر سنة 1970م.
تعقيب : بل منذ بداية عصر عبد الناصر - عدو الديموقراطية - وليس منذ رحيله .. وما ذكرته هو دروشة تاريخية وسياسية , موازية ومشابهة للدروشة الدينية بأنواعها ..
الحضارة الفرعونية حضارة قديمة عتيقة عفى عليها الزمن كما عفى على كل الحضارات القديمة ، وهى إن إستحقت التقدير فإن هذا التقدير ينحصر فى إطار وأفكار العصور القديمة 

تعقيب : كلا .. ليس صحيحاً , ما عفي عليها الزمن , فالزحام علي مشاهدة آثار الحضارات القديمة , أغلب رواده من شعوب دول رواد الحضارة الحديثة , ينهبرون ويستلهمون عجائب ومعجزات تلك الحضارات . ،أنا أعيش بالخارج وأشاهد الزحام علي مشاهدة آثار مصر الفرعونية كلما عُرضت ..

أ . عبد الجواد :  فليس هناك شئ يربطها بالعصور الحديثة ، وكما لاترتبط العصور الوسيطة بالعصور الحديثة ، فالحالة الفرعونية بحاكمها الإله ، وإنجيلها ، كتاب الموتى ، أو الخروج إلى النهار ، وسحرها وتعاويذها وطواطمها وقرابينها هى أكثر بعداً وغموضاً من العصور الوسيطة 

تعقيب  : كلا .. فكتاب الخروج للنهار , وتعاليم وأدب حكماء مصر القديمة - وغيرها من الحضارات القديمة الزاهرة - تبين لنا ألا جديد ولا حتي حرف واحد مما يزعم أهل الأديان الثلاثة انها قِيَم اخلاقية انسانية رفيعة ابتدعتها دياناتهم !. ولا عبادات , ولا الأدعية والأناشيد والتواشيح الدينية , ولا طقوس دينية .. كلها نقلتها الأديان الثلاثة نقلاً ولم تأتِ بحرف جديد . لو قرات أناشيد اخناتون , ثم قرأت وقارنت به نشيد الانشاد الموجود بالكتاب المقدس - للنبي سليمان / ستجد سنداً كبيراً لازدراء الأديان المسماة بالسماوية .. اقرأ وصايا تحتمس الثالث لجنوده في أدب معاملة الأسري . اقرأ أدب تعامل الزوج الفرعوني مع زوجته - وشاهد تماثل الملكات والأميرات - وغيرهن - وهن جالسات جنباً لجنب مع أزواجهن . والزوجة تتأبط ذراع زوجها  .. دقِقّ في أزياء المرأة الفرعونية وحقائب يدها , وفورمات شعرها , وماكياجها , ومجوهراتها , ستجد انها آخر صيحات المودة العالمية اليوم ..

أ . عبد الجواد : يمكنها أن تكون مبهرة فى زخارفها ورسومها وإبداعاتها اليدوية ، لكنها تظل ساذجة سخيفة فى أفكارها وتصوراتها عن الإنسان وحياته ، ومالحضارة إلإ أفكار فى النهاية 

تعقيب : اذا اردت ان تعرف الكثير عن أفكار حضارة بلادك القديمة - مصر - يوجد أكثر من موقع آثاري للمتخصصين بالفيسبوك " علم المصريات - ايجبتولوجي - " , كميت - كميتولوجي , بنات ازيس .. ستعرف منها الكثير ( بالاضافة للمراجع الكبري , عن مصر القديمة )

أ . عبد الجواد : فما أبعد المسافة بينها وبين حضارة الديموقراطية وحقوق الإنسان والعقد الإجتماعى؟

تعقيب : اذا نظرنا للبناء الشاهق العلو , يجب أن نفهم انه قام علي أساس , وان كان غير ظاهر ..

أ . عبد الجواد : إن شغل النظام المصرى لعقول المصريين بخرافات من كل نوع لإلهائم عن التفكير السياسى حيلة مكشوفة أمام العالم 

تعقيب : لعل النظام لا يقصد الهاء الناس بتاريخ الأجداد ( لديه وسائل الهاء أخري كثيرة ) ولكن كما قلتُ من قبل , الدروشة الدينية بالحجاب والنقاب واللحية , والافراط من الصلاة علي المدو أشرف الخلق , تجلب معها دروشة تاريخية سلفية , و دروشة سياسية . وكل ما في الأمر ان النظام والمنظومين متدروشين دينياً وسياسياً وتاريخياً

أ . عبد الجواد : لكن لايجب أن يقع المصريين بأنفسهم فى هذا الفخ الواضح ، فإذا أرادوا إستلهام الماضى ، فليعودوا إلى عصر أسرة محمد على . القريب ويفتحوا كتابه ويقرأونه من جديد ، ليروا كيف صعدت مصر بالحكم الدستورى التدريجى ، وكيف تعثرت فى الطريق 

تعقيب : ديموقراطية عصر أسرة محمد علي , كانت نامية , غير مكتملة .. فلماذا نعود اليها بينما الديموقراطيات المكتملة والدساتير السوبر .. موجودة حاليا في العديد من دول العالم الأول الراقي . والأولي أن ننقلها نقلاً . ولا ندع عاداتنا وتقاليدنا ومعتقداتنا الوافدة البدوية , تعوق عملية النقل - والانتقال - الحضاري .. وأسرة محمد علي , بكل المقاييس كانوا أكثر حباً ( للعِزبة - مصر ) البلاد التي يملكونها بالوراثة وبالمشاركة مع العثمانلي  وكانوا أقل فساداً وإفساداً من حركة عصابة الأشرار - 23 يوليو 1952 - . وأكثر وأفضل وأعظم إعماراً.  

أ : عبد الجواد : .. وكيف سقطت بالحكم الديكتاتورى فى النهاية ، وليكملوا الطريق ، ويتركوا الفراعنة للمتاحف !!!

تعقيب : يتركوا الفراعنة للمتاحف !!؟ أم يتركوهم لسياح شعوب الأمم المتحضرة يأتون من أقاصي الدنيا , لمشاهدة معجزات وأعاجيب الفراعنة..؟ ونترك البعثات الآثارية للدول العظمي , تنقب بأرض مصر , بحثاً عن المدفون في أرضها , من برديات ونقوش وصور تحمل مزيداً من علوم وفنون وآداب فرعونية هي مصدر الهام لسادة حضارة العصر الحديث ؟! ننصح الأستاذ عبد الجواد سيد - وهو مترجم - بزيارة المتحف المصري , الذي يضم آثار الفراعنة , وسؤال السياح القادمين من أمريكا وأوروبا واليابان والصين .. وغيرها : لماذا أتوا من بلادهم البعيدة لزيارة آثار الفراعنة .؟.. هم سوف يقولوا لك .. وكذلك ننصحه , هو وكل من يتفق معه في الرأي الذي أورده في مقاله .. بزيارة معبد دندرة - بالقرب من مدينة " قِنا " بالصعيد . ومشاهدة الرسوم الموجودة بسقف الطابق الثاني .. وكذلك زيارة القرية الفرعونية - بمدينة الجيزة , موجودة في النيل بالمنيب .
مع خالص الود والتقدير , من/ صلاح الدين محسن
-------------
____________________________

تعليقات

  1. سيدي الفاضل
    يبدو لي أن أهمية الحفاظ على التراث الفرعوني لا تكمن في مقارنة جوانبه الإيجابية أو السلبية ، بل لاستعادة الهوية المصرية الأصلية التي فقدناها بعد قرون الاحتلال الأجنبي والتي يعد أحد الأسباب الرئيسية تلهفنا إلي ممارسات القرن السابع بدلاً من التعايش مع القرن الحادي والعشرين

    ردحذف

إرسال تعليق