حق تدخل الدول في شؤون بعضها الداخلية

كتب : صلاح الدين محسن
21-12-2021

دول متقدمة .. لماذا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول المتخلفة .. لماذا ؟ هل هي وصاية من الكبير علي الصغير ومن القوي علي الضعيف ؟
وهل هو تدخل غير مشروع ؟؟ 
أم هو تدخل مشروع وايجابي , ولماذا ؟

أولاً .. العالم كله صار مثل قرية صغيرة .. 
أي حدث لانسان فرد , في أقصي شرق الكرة الأرضية , قد يسمعه - ويشاهده .. الساكن بأقصي الغرب , وبأقصي الشمال , وبأقصي الجنوب من العالم !..
سواء كان حدثاً انسانياً مؤثراً , أو حدثاً فنياً متميزاً .. أو غير ذلك .. وبأسرع من البرق , تنقله وسائل التواصل الاجتماعي .. وما أكثرها ..
أي ان العالم بقاراته الست . قد صار قرية صغيرة .. يعرف أهلها في التو , أخبار بعضهم البعض ..
واضح ؟ مفهوم ؟ : العالم صار قرية صغيرة ..  
في القرية الصغيرة - كما عالمنا اليوم - ان حدثت ضجة أو شجار حاد بداخل أحد البيوت .. فان جاراً أو أكثر قد يسارعوا بالتدخل والتهدئة .. دون أن يقال لهم : لا تتدخلوا في شؤوننا الداخلية ..
ويمكن لأي جار أن يسأل جاره : خير يا فلان .. سمعت شجاراً وزعيقاً في بيتكم . مما أقلقني وزوجتي عليكم . لعله خير .. 
بدون أن يجيب جاره بالقول : تلك شؤون داخلية , ولا يجوز لك التدخل في شؤوننا الداخلية ..
طالما طلع صوت أهل البيت , وخرج ووصل حتي مسامع جيران القرية .. لم يعد الأمر شؤوناً داخلية ..
وان كثر شجار وزعيق ومشادات , عائلة معينة بداخل بيتها .. فمن حق أي جار .. عندما يقابل كبير تلك العائلة .. أن يعاتبه : يا فلان .. كفاية زعيق ومشاجرات ليلاً ونهاراً .. حتي يمكننا النوم في بيتنا . ولكي نستطيع البقاء في دارنا بهدؤ ..
( بالدول المتقدمة , يتم ابلاغ البوليس في الجار المزعج , أو العائلة كثيرة الازعاج )
ولا يليق بالجار ذي العائلة المزعجة , سوي أن يعتذر , ويعد بتعديل أحوال عائلته .. 
ولا يتبجح ويقول : تلك شؤون داخلية لعائلتي , ولا نسمح لأحد بالتدخل فيها . انها كراماتنا , وتدخلكم يؤثر علي استقلالية عائلة , فنحن عائلة مستقلة وحرة , وعددنا كبير ولكنكم عائلة صغيرة .. الخ. 
هذا لا يجوز أن يحدث في القرية - الريفية - .
كذلك لا يجوز حدوثه في القرية الكبيرة ذات القارات الست .. الكرة الأرضية ..

نعود لنسأل : لماذا تتدخل دولة أوروبية , أو أمريكا أو كندا أو استراليا , بخصوص تجاوزات حقوقية انسانية , تُقتَرف في دولة واق الواق , أو دولة خنفشاريا , أو إمارة حمو , أو مملكة بيكا , أو سلطنة جاكوش ..؟؟ أو ما شابه ذلك من الدول ..
الجواب سهل وبسيط وهو :
ان الدول المتقدمة بها برلمانات - حقيقية .. وأعضاؤها ليسوا قطع شطرنج بين أصابع الحكومات , بل هم سلطة .. تُشرِّع وتغير وتطور أو تبدل التشريعات . وتحاسب الحكومات - ويمكنها سحب الثقة من رئيس الدولة واسقاطه ....
وفيها صحافة حرّة بحق - سلطة رابعة بالفعل - يمكن للصحفي أن يفضح الحكومة ورئيسها . بالحق .. دون أن تجرؤ الحكومة علي تكليف مجموعة بلطجية للتربص به وضربه حتي يشرف علي الموت .. أو خطفه واخفائه فلا يعرف الجِن مكاناً له ... ! كلا .. كلا .. 
فالصحفي يمكنه - بالحق .. تجريس رئيس أكبر وأقوي وأغني دولة بالعالم , ودفعه لتقديم استقالته , في التليفزيون , وهو يبكي , ويعتذر للشعب ( كرئيس أمريكا السابق : ريتشارد نيكسون ) .. ويبقي الصحفي بكامل صحته , وهو موفور الكرامة .. تلك قاعدة - عدا الاستثناءات القليلة . كما في حالة " الرئيس ترامب " وملياراته وبلطجيته - 
ومنظمات حقوق الانسان , لها كرامتها وأمنها وأمانها محفوظة .. لا تقدر كل أجهزة الدولة علي المساس بها بغير الحق
ويستطيع المواطن العادي أن يقاضي رئيس جهاز الأمن , ويجبره علي تقديم استقالته , ويحصل علي تعويض مالي كبير . دون أن يتعرض للخطف والاغتصاب والتغييب وراء عين الشمس .. ولا التكيل بأحد من أهله .. 
.. كل هذا يحدث بالدول الديموقراطية المتقدمة ..
لذا فان قيادات أيٍ من تلك الدول الديموقراطية .. تقع دائما تحت حسابات امكانية تعرضها للمساءلة من كل تلك الجهات :
كيف تمنحون معونات , لدولة زعبرانيا .. التي تهدر حقوق الانسان , وتقمع الحريات , وتستخدم التعذيب والتنكيل بالمعارضة السلمية ؟
كيف تبيعون سلاحاً لدولة همباقينا .. وهي تساند الارهاب .. ؟؟ 
كيف تبيعون أسلحة أو تمنحون معونات عسكرية لنظام أو لحاكم لا ينتصر الا علي شعبه . وقلما يحارب شيئاً أو طرفاً آخر بخلاف محاربته لشعبه ؟!  
ومن هنا , فان قادة الدول الديموقراطية العظمي .. لابد وأن يحاسبوا حلفاءهم وأصدقاءهم قادة الدول المضحكة العظمي .. علي سياساتها السيئة تجاه الحريات . وتعذيب السجناء .. وانتشار الفساد .. والتفاوت المهول في الدخل بين الطبقات .. ... 
لأن قادة الدول الديموقراطية العظمي سوف يتعرضون للمحاسبة - كما ذكرنا - من السلطات البرلمانية والميديا والجمعيات الحقوقية والرأي العام في بلادهم .. علي علاقتهم المشبوهة , بقادة سائبين - سرسرية كلاوجية - , متحللين من أي رباط أو عقال قانوني أو انساني يربطهم بحقوق شعوبهم وأوطانهم .. 

الخلاصة : ان القرية الحديثة الكبيرة التي هي الآن : العالم .. 6 قارات .. 
من حق الدول التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها .. لأن الشؤون قد صارات واحدة ومشتركة في عصر الانترنت , و وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي ..
فالدولة التي تقيم مفاعل نووي بأراضيها - حباً من الزعيم المبجل في الوجاهة السياسية الوطنية و للفشخرة المحلية والعالمية ! - من حق دول الجوار الاعتراض , اذا كان المفاعل قريباً من أراضيها . لأن انفجاره , لأي سبب معناه : كارثة رهيبة لتلك الدولة الجارة
 والدولة التي زعماؤها يسرقون ثرواتها ويتركون غالبية شعبها يتخبطون في الجوع والفقر ,, والسجن لمن يفتح فمه معترضاً .. من حق الدول القريبة والبعيدة من وعن تلك الدولة , التدخل في سياستها الداخلية , لأن الآلاف والملايين من مواطنيها سوف يفرون .. للجؤ غير الشرعي , مما يهدد تلك الدول الأخري ..

أبرز حجج التبجح عند القادة الكلاوجية , الزعران , الحلانجية.. التي يشهرونها في وجه أي اعتراض دولي علي حماقات سياساتهم المنتهكة لحقوق شعوبهم : " هذه شؤوننا الداخلية . يجب احترام قيمنا وتقاليدنا ومعتقداتنا .. " ... !  
ورغم انقطاع الصلة بين بعض حكام السؤ وبين الديموقراطية .. يدافعون عن محاسبة المجتمع الدولي لهم عن طغيانهم : ان الديموقراطية تحترم الشؤون الداخلية والقيم والمعتقدات الخاصة بالأمم والشعوب ! ( هذا قاله مندوب السعودية الدائم بالامم المتحدة , بالجمعية العمومية لهيئة الأمم . عند انتقاد اوضاع حقوق الانسان بالمملكة .. ) 
فان قيل للزعماء الديكتاتوريين : لماذا لا تطبقوا الديموقراطية ؟
أجابوا - بما قاله من قبل " حافظ الأسد " زعيم سوريا الراحل :  ان الديموقراطية لا تتناسب مع مجتمعاتنا العربية " ..( !! ) .. - وهذا ما يسمونه في اللهجة السورية واللبنانية : زعبرة , و زعرنة / ويسمونه في اللهجة المصرية : أونطة و بلطجة ..
____________________________

تعليقات