من مذكراتي في السجن / الجاسوس شريف الفيلالي
صلاح الدين محسن
9-12-2021
عن الجاسوس " شريف الفيلالي "
فوجت اليوم بفيديو عن الجاسوس شريف الفيلالي .. 9-12-2021 . بعدما عرفت انه انتحر في السجن عام 2007 ..
كنت معتقلاً عام 2001 تحت التحقيق معي في قضية رأي وفكر , عن مؤلفاتي السياسية والدينية - وأسموها " ازدراء أديان " - ,, في الزنزانة الانفرادية المجاورة لزنزانتي . كان النزيل فيها هو متهم بالجاسوسية يدعي " شريف الفيلالي " وان عمه لواء في الجيش . عرفت ذلك من السجانين والمخبرين الذين يشرفون علي زنزانتي وتحركي من السجن للنيابة - ذهاباً وعودة - ..
ولأنه كما عرفت , له عم لواء بالجيش - أو ربما بالشرطة - لذا كان مأمور السجن مهتماً به - في حدود - .. و" شريف " كان يتجرأ ويسأله عما كتبته عنه الصحف .. كما منحوه ميزة غير مستحقة .. بالتحايل .. فالسجناء درجات في التعامل معهم .. بينما كان مسموحاً لي بادخال جريدة , ووضعوا مصباح في زنزانتي .. وسخان كهربائي - بدائي - لغلي الماء لعمل مشروب ساخن أو لسلق البيض ..
لم يكن مسموحاً له بدخال مصباح في زنزانته .. فكانوا يتحايلوا بوضع مصباح بأعلي فتحة باب الزنزانة من الخارج .. فيدخل له قدراً ينفعه من الضؤ ..
ولأنه كان ميسور الحال ويأتيه طعام وفير وكثير , يرشو منه السجانين والمخبرين , لذا فقد أخذوا السخان الكهرربائي الخاص بزنزانتي , ووضعوه في دورة المياه , ليسخنوا له الماء , ليستخدمه في الاستحمام أو غير ذلك .. !
من كثرة محاوراته وجدله مع مأمور السجن , كلما جاء للتفتيش , كنت أستطيع تحديد طبيعة شخصيته من مجرد سماع الحوار . بينما أنا بداخل زنزانتي المغلقة ..
فهمت انه شخص هاديء .. ليس متدفق الحديث .. بسيط .. ليس لديه الحيوية والحَوَط .. اللازمين لعمل الجاسوس .. الذي طبيعة عمله يحتاج لمواصفات خاصة .. ليتمكن من الحصول علي المعلومات وتوصيلها ..
عرفت انه مهندس - مما كان يأتيني من الصحف ..
فيما بعد عرفت من زنزانة الجواسيس - عندما شاركتهم فيها لبضع شهور - بوجود جاسوس من غزة , مسجون منذ سنوات . اسمه " عوض " . لا يعرف القراءة أو الكتابة , ولكن شخصيته بما تحويه من اللؤم والخبث والمكر والحيطة .. جديرة بجعله جاسوساً - رغم أميته الحرفية ! - , وكذلك كان يوجد مسجون كجاسوس لاسرائيل " جورج " مصري , من محافظة البحيرة .. الذي كان رأي واحد سيناريست معتقل بالسجن , وقتذاك - بقانون طواريء - وهو شديد الذكاء - .. ان "جورج " لو أشركوه في فيلم سينمائي , فأنه يصلح لدور جاسوس - لكونه يمتلك صفات الجاسوس بالفطرة .. ! - كأنه مخلوق ليكون جاسوساً ! - وهذا في رأيي بعكس شريف الفيلالي - المهندس , الذي يبدو شخصاً بسيطاً .. غير ديناميكي , يخلو من الحيوية ..
وبعدما انتهت فترة محاكمة شريف الفيلالي .. سمحوا له بالخروج من الزنزانة - عام 2002 -. الي فناء السجن عامة .. وقتها كنت أيضاً قد رفعوا عني الحبس الانفرادي بصدور الحكم بسجني 3 سنوات ..
لم أحاول التحدث مع شريف الفيلالي .. طوال فترة فتح الزنازين يومياً - من 8 ص : 5 م - لكنني كنت ألا حظ عن قرب , سجين تابع لتنظيم الجهاد " عمرو " ويعمل مرشداً لضابط أمن الدولة المقيم بالسجن - يتحدث مع الفيلالي ..ليأخذ منه ما قد يكون جديداً من المعلومات ويقدم به تقريراً للضابط ..
من خلال حديثهما وبرؤيتي لشخص الفيلالي ( أبيض اللون - عمره في نهايات الثلاثينيات أوربما أربعين سنة . يميل للطول , ممتلي الجسم . هادي الصوت والكلمات كما قلت غير متدفقة . بسيط . وشخصية غير ديناميكية .. مما جعلني استغرب ممن اعتمدوا عليه كجاسوس ..
وبعدما صدر الحكم ضده بالبراءة .. أعيدت محاكمته وقيل ان حسني مبارك رفض التصديق علي الحكم - وهو الذي طالما ردد انه لا يتدخل في احكام القضاء ! ( في الحقيقة كما أُقدِّر , ان بعض وكلاء نيابة أمن الدولة .. يتعمدون اصدار أحكام بسيطة في البداية , ثم يستأنفون ويحصلوا علي حكم أكبر , لأن في ذلك دليل كفاءتهم .. وترقيتهم .. .. اختلاف ذريعة للحصول علي ترقية وظيفية ) وكل شيء بأياديهم .. كل الأحكام .. فهم : نيابة أمن الدولة .. وأية دولة ؟؟ دولة شمولية الحكم .. كل الخيوط بأيادي النظام , وجهاز أمن النظام ..
وهذا ما حدث معي - قضية مؤلفاتي - .. من حكم بسجني 6 شهور مع ايقاف التنفيذ , الي استئناف وسجن مع النفاذ لمدة 3 سنوات .. وحسني مبارك وقع علي قرار اعادة المحاكمة . لكن .. بناء علي قرار نيابة أمن الدولة باعادة المحاكمة .. مع توصية للحاكم العسكري برفض اعتماد الحكم البسيط .....
وكذلك حدث أيضاَ مع شريف الفيلالي .. اذ صدر الحكم عليه بالبراءة .. واستأنفت نيابة أمن الدولة .. بعد توصية لحسني مبارك - الحاكم العسكري - برفض اعتماد الحكم بالبراءة .. فتحول الحكم من البراءة ل : 15 سنة سجن مع النفاذ .. !!( كم علامة تعجب يمكننا وضعها ؟؟
من البراءة التامة .. ل 15 سنة وليس سنة واحدة أو اثنتين . أو حتي خمس سنوات. ؟؟؟ شيء غير معقول
وأيضاً من تحليلي لشخصية شريف الفيلالي - الهاديء الساكن , الاستاتيكي .. ( موش واد بُرَم , ولا عيل مِخلّص , مِخربِش , ولا شخص أُلعبان - ) .. كان تقديري أن تلك الشخصية لن تتحمل المكوث بالسجن لمدة 15 سنة
وبالفعل .. عام 2007 .. قرأت بالاعلام .. خبر انتحار " شريف الفيلالي ".. بعد قضاء 6 سنوات فقط . من ال 15 سنة التي حكم عليه بها ..
واليوم فقط .. كما قلت , وجدت بالفيسوك , الفيديو التالي - ثم بحثت عنه باليوتيوب , ليمكنني اضافته هنا - .. عن تفاصيل جاسوسية شريف الفيلالي .. الذي أتعجب ممن قبلوا اعتباره جاسوساً لصالحهم !! , وكيف حصل علي كل المعلومات التي زودهم بها ؟! وكيف حصل علي البراءة ؟! وكيف تحولت البراء الي 15 سنة سجن .. !!؟
ولكنني لم أتعجب من انتحاره بالسجن .. لأن من تحليلي لشخصيته , كنت متاكداً من انه لن يحتمل قضاء 15 سنة مسجوناً ..
____________________________
تعليقات
إرسال تعليق