كتابات مختارة - سجينة بين عالمين

 

حنان محمد السعيد

عن موقع الحوار المتمدن  يوم 4-4-2021

عندما يتقدم بك العمر تجد نفسك لا شعوريًا تستعيد أحداث الماضي، تقيًم معاركك التي خضتها على هذه الأرض، وتحلل المواقف التي عايشتها، والأحداث التي عاصرتها، والبشر الذين تقاطعت سبيلك مع سبلهم، قد لا يغير ذلك الكثير في مستقبلك ولكنه على الأقل سيساعدك على تقييم نفسك ومشوارك في الحياة.
أن تكوني أنثى في مصر

الأمر لا يحتاج إلى الكثير من الشرح ويكفي أن يتم تصنيف القاهرة كأكثر المدن خطرًا على النساء في العالم، ويتم إعطاء النساء الراغبات في السفر إلى مصر كتيب في كيفية التعامل مع الذكر المصري يشبه كيفية التعامل مع حيوان مفترس، حيث تتضمن النصائح عدم النظر إليه بشكل مباشر حتى لا يعتقد أن هناك دعوة مفتوحة له لتخطي الحواجز وفرض نفسه عليكِ.

وعمومًا فمشكلة الفتاة في مصر أكبر من ذلك بكثير وهي تبدأ منذ لحظة ولادتها وربما قبل ذلك، فالفتاة في مصر ومهما بلغت من ذكاء وتفوق ومهما تمتعت بالحكمة وتسلحت بالثقافة وتمتعت بالعقل تظل "درجة ثانية"، سواء وسط أشقائها الذكور أو في المجتمع بوجه عام.

وكمثال، منذ أن تفتحت عيناي على الدنيا ولم أسمع من أمي سوى أن المرأة تسعد بإنجاب البنت فقط لأنها ستحمل عنها العبيء وتقوم بالدور الأكبر في أعمال المنزل وتحمل الكثير من المهام عنها.

ولذلك وجدت نفسي ومنذ نعومة أظفاري أتحمل العديد من المسؤوليات مثل نظافة المنزل ورعاية أخي الأصغر، والاهتمام بدروسي وكان ملاذي الوحيد هو الاعتصام في غرفتي الصغيرة من كل ما يثير حنقي ويبعث بداخلي رغبة لا تقاوم في الصراخ، حيث كنت أقرأ وحتى تكل عيناي، وأرسم وحتى تتوقف أصابعي عن العمل، وأعزف على الكمان، وحتى يسكتني هدوء الليل خشية أن يستيقظ النائم.

لم تكن أمي تتوقف عن إسماعي العبارات المحفوظة التي ترددها الأمهات في بلادي بلا تفكير مثل "إكسر للبنت ضلع" واسمعي كلام أخوكي" و "البنت ليست كالولد".

لقد سرت في كل يوم على الشوك فمنذ عمر ثمانية سنوات وكنت أذهب إلى مدرستي مستقلة الترام وحدي وعليك أن تتخيل حجم ما يمكن أن تتعرض له طفلة من مضايقات ومطامع في هذا السن لمجرد أنها تسير وحدها، فتعلمت أساليب دفاعية قد لا تخطر على بال أحد لمقاومة هؤلاء وحماية نفسي من مطامعهم.

أنهيت دراستي الجامعية ودخلت سوق العمل، فلم اقبل أبدًا براتب يقل عن راتب زميلي الرجل، فما أقوم به من عمل وما أمنحه للمكان من اهتمام كانا يستحقان ذلك، وسافرت للعمل بالخارج بل واصطحبت معي زوجي وابنتاي فلقد كانت المقارنة دائمًا في صالحي عند الحديث عن الإمكانيات والخبرات التي تجعل مني الخيار الأول لمن يرغبون في توظيف شخص في وظيفتي.
شيزوفرينيا الرجل المصري

تزوجت زواجًا تقليديًا وذلك بعد أن يأست تمامًا من إيجاد شخص بحسب المواصفات التي كنت أرغب في الحصول عليها في شريك الحياة، وبعد ضغوط مستمرة لا تحتمل من أسرتي، وكنت حينها في الرابعة والعشرين.

وأنجبت ابنتاي وهما أروع ما في الوجود وفيهما حاولت أن أحقق نظرتي ونظرياتي في تربية البنات، وعلى الرغم من أن والدهما كان من الجيل الحائر بين الذكر المصري القديم والحديث فهو لا يتحمل أي مسؤولية في أعمال المنزل ولا يحب إظهار عواطفه أو ربما لا يمتلك أي عواطف من الأساس، وهو يجد أن عملي فرصة لترك عبيء الإنفاق على نفسي وعلى ابنتاي ملقى على كاهلي، وهو لا يتقرّب حتى من ابنتاه ولا يقوم بأي دور أبوي تجاههما أو ربما يظن أن دور الأب يتوقف عند التضييق عليهما والصراخ فيهما وتقطيب حاجبيه وحرمانهما مما يريداه فهذا هو مبلغ علمه من أساليب التربية!

ولمجرد أنني أكتب وأعبر عن رأيي فيما يحيط بنا من أحداث، تعرضت لمضايقات وتضييق شديد لا يمكن لأحد تخيله، ووقعت تحت ضغوط شديدة، فالمسألة ثقافة عامة، وهنا لا يجب أن يكون للمرأة رأي ولا وجهة نظر.
البحث عن فرصة للحياة

إن تغيير عقلية الناس في هذا البلد يكاد يكون أمرًا مستحيلًا فهم لا يشعرون بالأساس بأنهم يعيشون مشكلة، أو يمارسون ظلمًا وتفرقة على أساس الجنس، وأن ذلك غير إنسانيًا وغير أخلاقيًا، ولذلك لا يمكن لشخص مثلي أو لمجموعة من الناس تؤمن بنفس الأفكار أن تحدث فارقًا يذكر في فكر هؤلاء، ولذلك كان عليّ أن أربي ابنتاي كما أحب، ومنذ أن رأتهما عينيا وأن أزرع فيهما الثقة والقوة وأؤكد لهما أنهما كاملتان، وذكيتان، وجميلتان، وليس عليهما أن يشعرا بأي اختلاف لمجرد أنهما "أنثى" والأن وعلى الرغم من كل التحديات التي تواجه أنثى تحمل هذا التفكير في بلدي فنحن نخوض معًا هذا التحدي في كل يوم ونحاول البحث عن فرص أفضل وسفر جديد .. ربما إلى مكان ينظر للإنسان كإنسان بين بشر يصونون الحقوق ويعتنقون قيمًا سامية تجعلهم يقولون ما يفعلون ويفعلون ما يقولون!

-----------------------

تعليقات