مقتطفات مختارة
مقتطف من مقال محمد حسين يونس - كاتب مصري -
منشور بموقع الحوار المتمدن يوم 12-4-2021 بعنوان " الديب السحلاوي " :
و هكذا تعلمت منذ طفولتي أن أهتم بما يحدث حولنا .. و أتابعه بإهتمام .. قادني في النهاية لان أصبح أحد دراويش الناصرية ... ينتظر خطبه و يستمع لها بصبر و ينفعل في المواقف الوطنية خصوصا مع تأميم القناة .. و مواجهة قوات العدوان في 56 .. ثم و هو يتلو الميثاق .
في زمن الملك ..كنا نراه في مناسبتين سنويتين .. و يمكن ثلاثة .. الأولي في عيد ميلادة يستقبل المهنئين .. و الأخرى في عيد جلوسة علي العرش .. و الثالثة مع إفتتاح الدورة البرلمانية ..
فيما عدا ذلك كان هو و الأسرة المالكة من أميرات و أمراء يمثلون لدينا سحرا خاصا و جاذبية غامضة .. تضعهم في مراتب مخالفة لنا .. لدرجة إن بعض الأولاد سموا نوع من الحلوى ( كاكا ) فريال أو فادية
في زمن ضباط إنقلاب يوليو 52 .. كنا نرى حضرات الضباط كثيرا .. لقد أمسكوا الإذاعة و الجرائد و سيطروا علينا من خلالها .. بواسطة الأغاني و التمثليات .. و الأحاديث .. و إذاعة الحفلات ..
في نفس الوقت .. كثرت الإستعراضات .. ( موكب الزهور ) ..( إستعراض القوات المسلحة يوم الثورة ) ..( حفلات المدارس في الإستاذ ).. ( حملة معونة الشتاء ).. ( زود جيش أوطانك و إتبرع لسلاحة ).. ثم خطب القادة في المناسبات المختلفة .. و رحلات بالقطار الذى تلتف حولة الجماهير .. تهتف لناصر و الثورة .
لقد سيطر الزعيم علي جيلي .. من خلال دراسة مدققة لما كان يفعلة جوبلز في المانيا النازية .. و تقليدة بالحرف .. و بذلك لم يكن غريبا أن مصركانت من أوائل الدول التي أدخلت التلفزيون.في ستينيات القرن الماضي .. فهو وسيلة سهلة لمخاطبة من يجهلون القراءة و الكتابة .
لقد كان الشيء الوحيد الذى أتقنه رجال هذا الزمن هو مخاطبة الجماهير و الإستيلاء علي وعيهم و محبتهم و حماسهم ..خصوصا الشبان .. مستغلين السينما و الإذاعة ثم التلفزيون و الإحتفالات بمناسبات الثورة .. و الإجتماعات الجماهيرية .. و الجرائد و المجلات ..و الكتب الرخيصة .. و الخطب في الجوامع و الكنائس
منذ فترة طويلة .. قاطعت الراديو والتلفزيون المصرى و الفضائيات الناطقة باللغة العربية ..و لم أعد أشاهد أفلام السينما المحلية .
لقد سيطرت عليها شلل علي درجة كفائة متدنية .. يقودها ضابط من المخابرات أو التوجيه المعنوى .. جعلت منها نشرات إعلانية مبتذلة ..و تحول حضرة الضابط إلي رقيب علي الإبداع يسيره وفقا لرؤيته القاصرة غير المتخصصة .
ثم قامت الأجهزة الأمنية المختلفة .. بشراء أغلب المحطات .. و وضعت تحت الضوء و الشهرة و الأموال كائنات غير موفقة و غير مهنية ..
فأصبحت وسائل إعلام تافهة ..متخلفة .. موجهه .. غير صادقة .. يتغلب علي موادها الصبغة الدينية والتواكلية الميتافيريقية .. يحتلها المشايخ .. و المعوقون ذهنيا .. و الإنتهازيون .. و أكيلة العيش .. دائمي الزن دون توقف علي أمل أن الزن علي الودان أقوى من السحر ..و أنه بالترديد المتكرر .. يمكن تحويل البوصة لتبقي عروسة .. و إستثاغة الناس لمرارة عيشتهم التي تسبب فيها إتباع تعليمات صندوق النقد و البنك الدولي .
الطامة الكبرى حدثت عندما أصبح وزير الثقافة .. شخص جاهل أقرب للأمي .. ديكتاتور .. شلق ..فهبط بالذوق العام لمستواه الثقافي في الحضيض .و أصبح لا ثقافة و لا إعلام ..
كنت أستقي معلوماتي .. من جريدة أو أثنين ..( أحدهما يقال أنها من المعارضين ) .. ثم بعد مدة .. توقفت عن شراء الجرائد شبه الحكومية ..و إمتد الأمر لعدم شراء أى جريدة مصرية أو غير مصرية أو حتي الإطلاع علي محتوياتها من شبكة التواصل .
لقد كنت أحاول أن أحافظ علي عافية عقلي بعيدا عن الأعيب أجهزة البث .. و الدعاية ..وكانت وسيلتي لمعرفة الأحداث هي الفيس بوك و ما ينشره الأصدقاء علي صفحاتهم ..من أخبار.. و تعليقات علي الأحداث .
و لهذا قصة أخرى .
حول عام 2010 ..تعرفت علي النت .. و الفيس بوك .. عن طريق الأبناء الذين نقلوا خبرتهم لامهم .. و هي بالتالي .. أصرت علي أن تجعلني أتعلم كيف أتجول في هذا العالم السحرى الجذاب .
و أصبح لي .. صفحتي الخاصة .. و عدد محدود من الاصدقاء ..كنت أتبادل الحديث مع بعضهم ..و أقرا ما يصلني من إدارة الفيس عن باقي الرواد .. ثم تعرفت علي الحوار المتمدن ..و أقباط متحدون .. و كنت أكتب مشاركاتي علي الورق .. و تقوم المهندسة فاتن ( زوجتي ) بنسخها و إرسالها .. و في نفس الوقت كنت ألعب بوكر .. و أستغرق في اللعب لساعات .. أكسب و أخسر .. حتي كونت الملايين .. و بدأت العب علي الترابيزات الكبيرة .. تتلاعب بي و بأعصابي .. و كانت حالتي تسوء إلي درجة الإدمان .. فتوقفت .. و أغلقت حسابي مع اللعبة ..و لم أعد بعد ذلك لمزاولة أى لعبة إلكترونية .. خوفا من الإدمان .. و ضياع الجهد .. و الوقت فيما لا يفيد .
بمرور الوقت .. تعلمت كيف أكتب بنفسي .. و كيف ارسل مقالاتي .. و كيف أرد علي التعليقات .. ثم كيف أنقل ما أنشره خارج الفيس بوك إلي صفحتي ..التي بدأت يرد لها متابعين .
ثم قررت أن أزيد من فاعلياتي علي الفيس بوك فأكتب خصيصا له ..
كنت أضع يوميا علي صفحتي بوستين .. أحدهما دراسة طويلة .. و الأخر تعليق علي حدث أو خبر أثق في دقته ..و صدقة .. فأصبح لصفحتي أصدقاء حوالي 5000 .. و متابعين حول 12000 ..و مناقشات يومية تتعدى المائة .
ثم بدأت اللجان الإلكترونية .. سواء للحكومة أو للسلفين .. في التسلل إلي الصفحة ..و الدخول في معارك مع الأصدقاء .. و معي شخصيا
بعد عشرة سنوات من الكتابة علي الفيس بوك لبوستات مجموعها يتعدى الأربعة الاف و جدت أن جزء لا يستهان به من المادة المطروحة بين المشاركين إما مفبركة .. أو متعجلة .. أو غير دقيقة .. لقد وصلت إليها يد الحكومة و المعارضة المسالمة و المعادية .
و أن أقل القليل ..هو ما يهتم صاحبه بإلتزام الدقة ..و الموضوعية ..
في الأيام الماضية .. بعدما عرفت تأثير النيت .. علي المستخدمين..و تحولها إلي ميدان قتال فكرى أو دعائي بين المشاركين ( عمدا أو بدون قصد ) و أن هناك خطط مبيته لمهاجمة الصفحات المؤثرة و التي عليها إقبال ..
و التشكيك فيما تطرح .. و عمل شكاوى لمن يدير المنظومة . قررت أن أتوقف عن تعاطي هذه الوسيلة أيضا .. أو المشاركة ..كما توقفت عن التدخين أو لعب البوكر أو قراءة صحف الحكومة .. أو مشاهدة تلفزيونها . . و إغلاق صفحتي
تجاوزت سن الثمانين .. بعدة سنوات ..و لم تعد لي مطامع أو أهداف أحاول تحقيقها في مجتمع غير موات .. لا أرغب في ثورة أو ثروة ..أو أنتقل لاعيش في بحبوحة المدن المستجدة ..و لا أهتم بمستقبل أبعد من أسابيع أو أيام . . و لا يهمني كثيرا .. أن المجتمع يتغير للعنف الراسمالي و سيطرة طبقة من المليارديرات علي الحكم .. و الناس .. و لن يلفت نظرى تلك الإحتفالات التي لا معني لها لنقل الموميات من متحف لاخر .. و تكرار ذلك مع أقنعة توت عنخ أمون .. أو إفتتاح المتحف الكبير المستجد .. أو إستضافة ماتشات كرة القدم ..أو الضرائب المتصاعدة .. و الغلاء الفاحش أو قصص الإنجازات غير المؤثرة وغير المطلوبة .. و أعتقد أنه من الصعب أن يتم خداعي سواء في السياسة الداخلية او الخارجية .. فلقد أصبحت علي يقين أن هذا العالم شديد الفساد شديد القسوة .. و أن الصراع يتخذ وجوه جديدة لم تكن معروفة لنا .. و نحن نغني (( هنا مقص .. و هنا مقص .. و هنا عرايس بتترص )) .
-------------
تعليقات
إرسال تعليق