الفلسفة البوذية
(( كلمة قصيرة : الجدير بالذكر , ان بوذا لم يكن وليد فقر , ولا تربية حرمان . بل نشأ في عائلة ميسورة . وتزوج في سن مبكر . وعاش في نعيم ورفاهية ، كما أبناء السادة والملوك .. لما بلغ السادسة والعشرين هجر زوجته إلى الزهد والتقشف والتأمل في الكون وانتهج نهجا خاصاً في الكون ليتخلص الإنسان به من آلامه ودعا إلى ذلك كثيراً من الناس. ترك القصر الملكي في سن 29 وعاش لمدة ست سنوات بلا مأوى ومات وهو في الثمانين من عمره- إدارة المدونة ))
غازي الصوراني
الحوار المتمدن 2020 / 8 / 20
تشكل البوذية إحدى الديانات العالميه إلى جانب المسيحية والاسلام، وهي ديانة تبشر بالخلاص من الألم عن طريق ترك الرغبة الذاتية وتحقيق التنوير الأعلى الذي يعرف باسم "النرفانا".
في هذا السياق، تشير "الفلسفة البوذية" –التي نشأت في الهند في القرن السادس ق.م- إلى اعتقادات ومواقف فلسفية، يمكن إرجاعها إلى المؤسس الهندي لذلك الدين، ألا وهو "سدهارثا غوتاما" (Siddhartha Gautama) أو بوذا "الرجل المستنير" (حوالي 563 – 483 ق.م.) والذي سعى إلى التحرر من الألم، لا عن طريق التغيير الاجتماعي، ولا عن طريق مقاتلة قوى الطبيعة، وإنما عن طريق الكمال الأخلاقي الذي يكون بلوغه بالانسحاب من الحياة (الانعتاق الجميل) وانغماس المرء في النرفانا"([1]).
فيما يلي تلخيص أهم معالم الفلسفة البوذيه([2]):
1. ضرورة التحرر بنور البصيرة لأن المعرفة انعتاق.
2. ليست هذه المعرفة برهانية و استدلالية، وإنما هي معرفة حدسية شعورية وتأملية.
3. لا يقدم بوذا منظومة معرفية لتفسير الحياة و إنما يقدم طريقة في الحياة أو دربا في الإنعتاق يتكون هذا الطريق من 8 خطوات هي: (إيمان صحيح، قرار صحيح، كلام صحيح، عمل صحيح، حياة صحيحة، جهد صحيح، فكر صحيح، تأمل صحيح). علما أن الصحيح يقصد به الصدق.
4. إن للطريق في نظر بوذا مستويات أو درجات يبدأ أولا بالحدس ثم بمعرفة الألم ثم بإتباع سلوك صحيح و أخيرا طلب الخلاص، و من هنا نستطيع القول أن مميزات هذا المذهب.
5. الألم: يعتبر الألم مقولة مركزية في مذهب بوذا لأنه في نظره الحياة كلها عبارة عن ألم: الولادة ألم، الشيخوخة ألم، المرض ألم الخ...
6. حقيقة الألم أو سببه هو الظمأ.
نلاحظ هنا، "أن تصوراً متشائماً للحياة يكمن في أساس كل بناء المذهب البوذي كما ورد في النص التالي: "زائلة وعابرة هي مباهج الشباب والصحة والحياة، لأن الشيخوخة والأمراض والمَنِيَّة آتية لا محالة ؛ والألم يَغْلُبْ على كل وجود ويُحَلِّقُ أزلاً فوق الارتحال الأزلي من حياة إلى حياة، ولا سبيل إلى الفوز بفناء الألم إلا بفناء الحياة، مع انطفاء بالحياة الفردية (النرفانا)، والجهل والحاجة إلى الملذات، أي التعلق الحياة، هما علة الانبعاث"([3]).
بالنسبة للسماء، فقد أنكر بوذا وجود الله الخالق، وأنكر أيضا ديانة "الفيدا"، ولكنه قَبِلَ تعاليمها عن دورة الميلاد والممات (السانسارا)، وعن أن تناسخ الأرواح لا يتوقف على القبيلة التي ينتمي إليها إنسان ما، ولا على التضحيات التي قدمها، وإنما يتوقف على حسناته وسيئاته.
وقد "انتشرت الديانة البوذية في المناطق الشرقية والجنوبية من الهند، وفي سيلان وبورما وسيام، كما امتد فرع آخر منها إلى مناطق التيبت والصين واليابان"([4])، وهي اليوم واسعة الانتشار في اليابان والصين وبورما ونيبال، حيث يوجد لها أكثر من 500 مليون معتنق.
تمثل "الموضوعات الثلاث التالية حجر الزاوية في التعاليم البوذية: 1) الحياة ملأى بالعذاب، 2)هناك سبب لظهور العذاب، 3) وهناك امكانية لوقف العذاب: هناك طريق يفضي إلى التخلص من العذاب، أما حتمية العذاب فتأتي من مشروطية، وارتباط كافة الحوادث أو الوقائع، فبولادة الإنسان، وما يرافقها من آلام وعذاب، تبتدئ سلسلة طويلة من الآلام، كما أن حياة الإنسان، وتوقه إلى الملذات، مشروطة بالتجربة الحسية، ومصحوبة دوماً بالعذاب".
يرى حكماء البوذية أن هدف المعرفة هو تخليص الإنسان من الألم والعذاب، وأن "هذا "الخلاص" ممكن هنا، على الأرض، لا في "مملكة السماء"، ويطلق البوذيون على حالة الخلاص من العذاب اسم "النرفانا" Nirvana، مما يعني –حرفياً- "الانطفاء"، إنها حالة من الرضى والسكينة، لا يشوبها سخط ولا تذمر، حالة الانعتاق من كل ما يجلب الألم والعذاب، والانصراف عن العالم الخارجي، وعن عالم الأفكار أيضاً"([5]).
كما أن الخلاص من العذاب والألم يشترط السير في الدرب النبيل الثُّماني، "نعني النظرة الصحيحة والفكر الصحيح والكلام الصحيح والعمل الصحيح والحياة الصحيحة والجهد الصحيح والانتباه الصحيح والتركيز الصحيح"([6]).
إن السر في نجاح البوذية يعود إلى أنها كانت "دين الخلاص"، إلى أنها "زرعت في نفوس الفقراء والمحرومين الأمل في الخلاص من الشقاء المسيطر في كل مكان، غير ان البوذية –كغيرها من الديانات- لم تٌسْعَ أبداً إلى استئصال جذور الشقاء في الحياة الاجتماعية الواقعية، انها لم تكن أبداً دين نضال، بل دين خضوع واستسلام، على الرغم من أنها كانت على تناقض حاد مع جميع أشكال الطقوس والشعائر"([7])، "والذين يريدون أن يختبروا النرفانا، عليهم أن يحرروا أنفسهم كأفراد من كل شيء يربطهم بهذا العالم، وهذا يشمل العقائد الفلسفية والدينية، لذا، وصفت البوذية، وبمعنى معين، بأنها دين "إلحادي"، أي ليس له لاهوت منظم أو عقيدة عن الله.
وفي حوالي عام 500 بعد الميلاد ظهر المذهب البوذي الاستبطاني (يمكن تسميته بالمذهب البوذي الاستبطاني لأنه الاتجاه من البوذية الذي ينبذ الكتب المقدسة للديانة البوذية، ويقول بالاستبطان الذاتي وسيلة مُثْلى لبلوغ المعرفة). ويؤكد المنادون الآن بالبوذية طابعها "العقلي" و"الالحادي" وهذه النعوت الجديدة جزء من محاولة نشر شكل متطور على نحو حديث من الديانة البوذية. وينادي البوذيون –في العصر الحديث- تحت زعامة منظمة "الزمالة البوذية العالمية" بنزع السلاح والتعايش السلمي"([8]).
أخيراً، نشير إلى أن الفلسفة البوذية ركزت على علاقة الإنسان بذاته وبمن خلق الكون. وقد أراد بوذا نشر الوعي بين الناس وزرع النقاء في نفوس بني البشر، وصبّ جلّ اهتمامه على الحقيقة التي عنده: أمّا بيضاء أو سوداء، ويستحيل أن تكون رمادية. ولم يتحدّث بوذا عن الله وصفاته الحميدة، كما لم يتطرّق إلى الجنّة، وترك كل ذلك إلى الإنسان كي يكشف عنه بنفسه حتى لا يسلبه إرادته ويفقد معنى الذات "الأنا"، ولم يشأ أن يزرع في الرأس فكرة "الأخذ " (أخذت زوجة ، أخذت بيتاً، أخذت قيلولة....) بل إتّخذتُ زوجاً واتّخذت سُنّةَ من النوم وهكذا، ويدعو بوذا إلى روحانية لها نكهة خاصة، نكهة اللاّ "عالم آخر" واللاّ " عالم دنيوي" هي روحانية يقظة، فترى وتسمع بقدر ما تكون واعياً، وإنه بقدر ما تكون مُدركاً للحقيقة، بقدر ما تكون منسجماً مع نفسك وتصبح أكثر وعياً، الوعي هو الذي يمنحك الوجود واللاّوعي يمحوه ويزيله، وهكذا فإن رسالة الفلسفة البوذية هي الدعوة لإدراك الوعي، فبالوعي تولد من جديد... " تولد نقياً طاهراً، تولد من دون " الأنا"، تولد مستعدّاً لتكون حرًّا وليس عبداً" وعلى هذا الأساس، فإنها تدعو لقتل الشهوات والتخلّي عن الغرائز إلى "النيرفانا" حتى لا تكون عبداً لشهوتك وغرائزك، وهذه الكلمة تعني بالهندية إطفاء الشمعة (قتل الرغبات والغرائز)، أي إطفاء النيران ليختفي اللهيب، وهو ما يعتبره مكمن الجمال، لأنّ الرغبات والغرائز، هي مصدر التعاسة وسبب العذاب والشقاء"([9]).
قالوا عنها([10]):
· "التاثير الخاص الذي كان لديانة الجوهر تلك على طبائع الأمم التي اعتنقتها هو أنها أيقظت فيها حاجة واضحة إلى الارتفاع فوق الوعي الفردي، المباشر، إن الارتفاع فوق الرغبات، فوق الإرادة الفردية والمشتطة، والاستغراق في الحياة الداخلية، في الوحدة، وهما النتيجة المباشرة لتصور الواحد بصفته جوهرياً، وصورة بوذا هي في تلك الجلسة التأملية التي تتراكب فيها اليدان والقدمان بحيث تدخل إصبع من القدم في الفم.
· إنها صورة العودة إلى الذات، والاستغراق في الذات، والسمات المميزة للأمم التي تعتنق هذه الديانة هي الهدوء والدماثة والطاعة، وكلها أمور ترفع فوق الشهوات، فوق خلجات النفس المشتطة". (هيغل).
· إن أدياننا لا تثمر ولن تثمر في الهند؛ والحكمة الإنسانية لن تحيد عن مجراها بسبب مغامرة جرت في بلاد الجليل، كلا، بل ستندفق الحكمة الهندية على أوروبا وتقلب رأساً على عقب معرفتنا وفكرنا". (شوبنهاور).
· "إن البوذية، التي أسيء لحد الآن فهم معناها، ليست حركة طهرانية، ولا ديانة جديدة، وإنما هي عقلية علمانية أخيرة، عملية خالصة، لسكان مدن كبار ومنهكين، لم يعد وراءهم إلا ثقافة ناجزة ولم يعد أمامهم أي مستقبل" (شبنغلر).
([1]) موقع أرشيف الماركسيين - موسوعة الماركسية .. مفاهيم ومصطلحات - الاعداد الالكتروني: يسار سينا – 24 / فبراير 2011.
([2]) موقع المعرفة – فلسفة شرقية – الانترنت.
([3]) جورج طرابيشي – معجم الفلاسفة – دار الطليعة – بيروت – ط1 – أيار (مايو) 1987 – ص 197-199
([4]) جماعة من الأساتذة السوفيات - مرجع سبق ذكره – موجز تاريخ الفلسفة - ص 36
([5]) المرجع نفسه – ص 37
([6]) غنارسكيربك و نلز غيلجي– مرجع سبق ذكره – تاريخ الفكر الغربي - ص 76
([7]) جماعة من الأساتذة السوفيات – مرجع سبق ذكره – موجز تاريخ الفلسفة –ص 37
([8]) موقع أرشيف الماركسيين - موسوعة الماركسية .. مفاهيم ومصطلحات - الاعداد الالكتروني: يسار سينا – 24 / فبراير 2011.
([9]) عبد الحسين شعبان – الفلسفة الطاوية وصنوها الفلسفة الصوفية – الحوار المتمدن – 8/5/2015
([10]) جورج طرابيشي – مرجع سبق ذكره – معجم الفلاسفة – ص 197-199
=========
غازي الصوراني
الحوار المتمدن 2020 / 8 / 20
تشكل البوذية إحدى الديانات العالميه إلى جانب المسيحية والاسلام، وهي ديانة تبشر بالخلاص من الألم عن طريق ترك الرغبة الذاتية وتحقيق التنوير الأعلى الذي يعرف باسم "النرفانا".
في هذا السياق، تشير "الفلسفة البوذية" –التي نشأت في الهند في القرن السادس ق.م- إلى اعتقادات ومواقف فلسفية، يمكن إرجاعها إلى المؤسس الهندي لذلك الدين، ألا وهو "سدهارثا غوتاما" (Siddhartha Gautama) أو بوذا "الرجل المستنير" (حوالي 563 – 483 ق.م.) والذي سعى إلى التحرر من الألم، لا عن طريق التغيير الاجتماعي، ولا عن طريق مقاتلة قوى الطبيعة، وإنما عن طريق الكمال الأخلاقي الذي يكون بلوغه بالانسحاب من الحياة (الانعتاق الجميل) وانغماس المرء في النرفانا"([1]).
فيما يلي تلخيص أهم معالم الفلسفة البوذيه([2]):
1. ضرورة التحرر بنور البصيرة لأن المعرفة انعتاق.
2. ليست هذه المعرفة برهانية و استدلالية، وإنما هي معرفة حدسية شعورية وتأملية.
3. لا يقدم بوذا منظومة معرفية لتفسير الحياة و إنما يقدم طريقة في الحياة أو دربا في الإنعتاق يتكون هذا الطريق من 8 خطوات هي: (إيمان صحيح، قرار صحيح، كلام صحيح، عمل صحيح، حياة صحيحة، جهد صحيح، فكر صحيح، تأمل صحيح). علما أن الصحيح يقصد به الصدق.
4. إن للطريق في نظر بوذا مستويات أو درجات يبدأ أولا بالحدس ثم بمعرفة الألم ثم بإتباع سلوك صحيح و أخيرا طلب الخلاص، و من هنا نستطيع القول أن مميزات هذا المذهب.
5. الألم: يعتبر الألم مقولة مركزية في مذهب بوذا لأنه في نظره الحياة كلها عبارة عن ألم: الولادة ألم، الشيخوخة ألم، المرض ألم الخ...
6. حقيقة الألم أو سببه هو الظمأ.
نلاحظ هنا، "أن تصوراً متشائماً للحياة يكمن في أساس كل بناء المذهب البوذي كما ورد في النص التالي: "زائلة وعابرة هي مباهج الشباب والصحة والحياة، لأن الشيخوخة والأمراض والمَنِيَّة آتية لا محالة ؛ والألم يَغْلُبْ على كل وجود ويُحَلِّقُ أزلاً فوق الارتحال الأزلي من حياة إلى حياة، ولا سبيل إلى الفوز بفناء الألم إلا بفناء الحياة، مع انطفاء بالحياة الفردية (النرفانا)، والجهل والحاجة إلى الملذات، أي التعلق الحياة، هما علة الانبعاث"([3]).
بالنسبة للسماء، فقد أنكر بوذا وجود الله الخالق، وأنكر أيضا ديانة "الفيدا"، ولكنه قَبِلَ تعاليمها عن دورة الميلاد والممات (السانسارا)، وعن أن تناسخ الأرواح لا يتوقف على القبيلة التي ينتمي إليها إنسان ما، ولا على التضحيات التي قدمها، وإنما يتوقف على حسناته وسيئاته.
وقد "انتشرت الديانة البوذية في المناطق الشرقية والجنوبية من الهند، وفي سيلان وبورما وسيام، كما امتد فرع آخر منها إلى مناطق التيبت والصين واليابان"([4])، وهي اليوم واسعة الانتشار في اليابان والصين وبورما ونيبال، حيث يوجد لها أكثر من 500 مليون معتنق.
تمثل "الموضوعات الثلاث التالية حجر الزاوية في التعاليم البوذية: 1) الحياة ملأى بالعذاب، 2)هناك سبب لظهور العذاب، 3) وهناك امكانية لوقف العذاب: هناك طريق يفضي إلى التخلص من العذاب، أما حتمية العذاب فتأتي من مشروطية، وارتباط كافة الحوادث أو الوقائع، فبولادة الإنسان، وما يرافقها من آلام وعذاب، تبتدئ سلسلة طويلة من الآلام، كما أن حياة الإنسان، وتوقه إلى الملذات، مشروطة بالتجربة الحسية، ومصحوبة دوماً بالعذاب".
يرى حكماء البوذية أن هدف المعرفة هو تخليص الإنسان من الألم والعذاب، وأن "هذا "الخلاص" ممكن هنا، على الأرض، لا في "مملكة السماء"، ويطلق البوذيون على حالة الخلاص من العذاب اسم "النرفانا" Nirvana، مما يعني –حرفياً- "الانطفاء"، إنها حالة من الرضى والسكينة، لا يشوبها سخط ولا تذمر، حالة الانعتاق من كل ما يجلب الألم والعذاب، والانصراف عن العالم الخارجي، وعن عالم الأفكار أيضاً"([5]).
كما أن الخلاص من العذاب والألم يشترط السير في الدرب النبيل الثُّماني، "نعني النظرة الصحيحة والفكر الصحيح والكلام الصحيح والعمل الصحيح والحياة الصحيحة والجهد الصحيح والانتباه الصحيح والتركيز الصحيح"([6]).
إن السر في نجاح البوذية يعود إلى أنها كانت "دين الخلاص"، إلى أنها "زرعت في نفوس الفقراء والمحرومين الأمل في الخلاص من الشقاء المسيطر في كل مكان، غير ان البوذية –كغيرها من الديانات- لم تٌسْعَ أبداً إلى استئصال جذور الشقاء في الحياة الاجتماعية الواقعية، انها لم تكن أبداً دين نضال، بل دين خضوع واستسلام، على الرغم من أنها كانت على تناقض حاد مع جميع أشكال الطقوس والشعائر"([7])، "والذين يريدون أن يختبروا النرفانا، عليهم أن يحرروا أنفسهم كأفراد من كل شيء يربطهم بهذا العالم، وهذا يشمل العقائد الفلسفية والدينية، لذا، وصفت البوذية، وبمعنى معين، بأنها دين "إلحادي"، أي ليس له لاهوت منظم أو عقيدة عن الله.
وفي حوالي عام 500 بعد الميلاد ظهر المذهب البوذي الاستبطاني (يمكن تسميته بالمذهب البوذي الاستبطاني لأنه الاتجاه من البوذية الذي ينبذ الكتب المقدسة للديانة البوذية، ويقول بالاستبطان الذاتي وسيلة مُثْلى لبلوغ المعرفة). ويؤكد المنادون الآن بالبوذية طابعها "العقلي" و"الالحادي" وهذه النعوت الجديدة جزء من محاولة نشر شكل متطور على نحو حديث من الديانة البوذية. وينادي البوذيون –في العصر الحديث- تحت زعامة منظمة "الزمالة البوذية العالمية" بنزع السلاح والتعايش السلمي"([8]).
أخيراً، نشير إلى أن الفلسفة البوذية ركزت على علاقة الإنسان بذاته وبمن خلق الكون. وقد أراد بوذا نشر الوعي بين الناس وزرع النقاء في نفوس بني البشر، وصبّ جلّ اهتمامه على الحقيقة التي عنده: أمّا بيضاء أو سوداء، ويستحيل أن تكون رمادية. ولم يتحدّث بوذا عن الله وصفاته الحميدة، كما لم يتطرّق إلى الجنّة، وترك كل ذلك إلى الإنسان كي يكشف عنه بنفسه حتى لا يسلبه إرادته ويفقد معنى الذات "الأنا"، ولم يشأ أن يزرع في الرأس فكرة "الأخذ " (أخذت زوجة ، أخذت بيتاً، أخذت قيلولة....) بل إتّخذتُ زوجاً واتّخذت سُنّةَ من النوم وهكذا، ويدعو بوذا إلى روحانية لها نكهة خاصة، نكهة اللاّ "عالم آخر" واللاّ " عالم دنيوي" هي روحانية يقظة، فترى وتسمع بقدر ما تكون واعياً، وإنه بقدر ما تكون مُدركاً للحقيقة، بقدر ما تكون منسجماً مع نفسك وتصبح أكثر وعياً، الوعي هو الذي يمنحك الوجود واللاّوعي يمحوه ويزيله، وهكذا فإن رسالة الفلسفة البوذية هي الدعوة لإدراك الوعي، فبالوعي تولد من جديد... " تولد نقياً طاهراً، تولد من دون " الأنا"، تولد مستعدّاً لتكون حرًّا وليس عبداً" وعلى هذا الأساس، فإنها تدعو لقتل الشهوات والتخلّي عن الغرائز إلى "النيرفانا" حتى لا تكون عبداً لشهوتك وغرائزك، وهذه الكلمة تعني بالهندية إطفاء الشمعة (قتل الرغبات والغرائز)، أي إطفاء النيران ليختفي اللهيب، وهو ما يعتبره مكمن الجمال، لأنّ الرغبات والغرائز، هي مصدر التعاسة وسبب العذاب والشقاء"([9]).
قالوا عنها([10]):
· "التاثير الخاص الذي كان لديانة الجوهر تلك على طبائع الأمم التي اعتنقتها هو أنها أيقظت فيها حاجة واضحة إلى الارتفاع فوق الوعي الفردي، المباشر، إن الارتفاع فوق الرغبات، فوق الإرادة الفردية والمشتطة، والاستغراق في الحياة الداخلية، في الوحدة، وهما النتيجة المباشرة لتصور الواحد بصفته جوهرياً، وصورة بوذا هي في تلك الجلسة التأملية التي تتراكب فيها اليدان والقدمان بحيث تدخل إصبع من القدم في الفم.
· إنها صورة العودة إلى الذات، والاستغراق في الذات، والسمات المميزة للأمم التي تعتنق هذه الديانة هي الهدوء والدماثة والطاعة، وكلها أمور ترفع فوق الشهوات، فوق خلجات النفس المشتطة". (هيغل).
· إن أدياننا لا تثمر ولن تثمر في الهند؛ والحكمة الإنسانية لن تحيد عن مجراها بسبب مغامرة جرت في بلاد الجليل، كلا، بل ستندفق الحكمة الهندية على أوروبا وتقلب رأساً على عقب معرفتنا وفكرنا". (شوبنهاور).
· "إن البوذية، التي أسيء لحد الآن فهم معناها، ليست حركة طهرانية، ولا ديانة جديدة، وإنما هي عقلية علمانية أخيرة، عملية خالصة، لسكان مدن كبار ومنهكين، لم يعد وراءهم إلا ثقافة ناجزة ولم يعد أمامهم أي مستقبل" (شبنغلر).
([1]) موقع أرشيف الماركسيين - موسوعة الماركسية .. مفاهيم ومصطلحات - الاعداد الالكتروني: يسار سينا – 24 / فبراير 2011.
([2]) موقع المعرفة – فلسفة شرقية – الانترنت.
([3]) جورج طرابيشي – معجم الفلاسفة – دار الطليعة – بيروت – ط1 – أيار (مايو) 1987 – ص 197-199
([4]) جماعة من الأساتذة السوفيات - مرجع سبق ذكره – موجز تاريخ الفلسفة - ص 36
([5]) المرجع نفسه – ص 37
([6]) غنارسكيربك و نلز غيلجي– مرجع سبق ذكره – تاريخ الفكر الغربي - ص 76
([7]) جماعة من الأساتذة السوفيات – مرجع سبق ذكره – موجز تاريخ الفلسفة –ص 37
([8]) موقع أرشيف الماركسيين - موسوعة الماركسية .. مفاهيم ومصطلحات - الاعداد الالكتروني: يسار سينا – 24 / فبراير 2011.
([9]) عبد الحسين شعبان – الفلسفة الطاوية وصنوها الفلسفة الصوفية – الحوار المتمدن – 8/5/2015
([10]) جورج طرابيشي – مرجع سبق ذكره – معجم الفلاسفة – ص 197-199
=========
تعليقات
إرسال تعليق