لماذا يبدع المبدعون ؟
عن الرسام الهولندي العالمي " جان فيرمير " - الذي كتبنا عنه منذ يومين , مقال :
صمود العبقرية أمام النسيان
والذي قد صار فجأة , بعد 200 مائتي عام من وفاته أحد عباقرة التاريخ في فن الرسم .. (!) بينما كانت لوحاته , في عصره . لا تلفت أنظار الفنانين أو اهتمام جمهورالرسم , أو تقدير النقاد ..(!!)
فتري .. لماذا استمر يرسم ويبدع , وهو يعيش في ذاك الحال ؟؟ حتى مات في ريعان شبابه , تاركا زوجته واطفاله الثمانية وهم في اشد حالات العوز والفاقة .. !
في تقديرنا , ليس لأنه كان مطمئنا الي انه بعد 200 مائتي عاماً من وفاته سوف يسجل كأحد عباقرة الفن في التاريخ .
كلا .. ولكن لأنه كان فناناً مبدعاً .. وككل عيون الماء الطبيعية ..تتدفق مياهها . من تلقاء نفسها . سواء أقبل الناس علي الشرب منها أو لم يقبلوا .. هي تتدفق من نفسها ولنفسها ...
يوجد فنانون - شعراء وكتاب وأدباء ورسامون ونحاتون - يبدعون لأنفسهم ..
وآخرون نشروا أو عرضوا من ابداعاتهم ., ولكن ما رسموه أو كتبوه بنية عدم
العرض أو النشر - عن قصد و عن عمد = هو أكثر مما عرضوه أو نشروه للجمهور !
لقد رسموه أو نحتوه أو كتبوهم : لأنفسهم . وهم مقتنعون وسعداء .
د. فرج فودة . قبل استشهاده بعامين . قال لي : " لي صديق , سوف أعرفه بك " ..
وعندما التقينا . قدمني له بصفتي " مفكر " . بينما قدمه لي بالقول : الأستاذ علي ...
( هكذا وحسب .. ولم يزد شيئاً علي ذلك .. ) ..
تقريباً .. كل ما كان يعرفه " د كتور فرج " عن الأستاذ علي .. انه مجرد واحد من القراء المعجبين به , ويعمل بوظيفة حكومية . . فقط !
غالباً .. لم يكن يعرف ان الأستاذ علي .. فنان - رسام - , قليل عليه صفة " رائع " ... ! , ومثقف وجودي رفيع المستوي . يحفظ عن ظهر قلب , أشعار أبي العلاء المعري
وذلك لأن صديقنا " علي " لم يكن يتكلم عن فنه ورسوماته ولوحاته الرائعة .. نهائياً .. و فقط يمكن لمن يزوره بمنزله , أن يكتشف ذلك , عندما يجد حوائط مسكنه مملوءة ببدائع اللوحات من رسوماته .. وبدون توقيع باسم الرسام . وان لم تسأله عمن رسم تلك اللوحات , فلن يحدثك عنها ..
سألته عن اسم الفنان , فقال ببساطة : أنا اللي رسمتها ..
سألته : ألم تقم معرضاً للوحاتك الجميلة تلك ؟
( فأشاح بيده بلا اهتمام ) قائلاً : لا لا .. حعمل معرض لمين !؟
فأجبته : رسامون أقل منك موهبة تقام لهم معارض بقاعات كذا , وكذا , وكذا .. عددت له أسماء قاعات عرض الرسم والنحت وباقي فنون التشكيل . التي أتردد عليها كواحد من الهواة .
( أشأح بيده , غير مهتم .. ) ..!
فلمن كان - الأستاذ " علي " * - يبدع لوحاته ؟
الاجابة :
لمن تبدع النحلة البرية عسلها ؟ وهل يمكنها عمل شيء بخلاف العسل ؟
منذ ما بين 20 : 25 عاما . في واحدة من أهم قاعات عرض لوحات الفن التشكيلي . بالقاهرة . وهي قاعة معهد جوتة – التابعة للمركز الثقافي الألماني . قرب ميدان التحرير . شاهدت من ضمن ما شاهدته معرضاً لفنان تلقائي مصري اسمه " الشيخ رمضان " . وهو رجل ريفي عادي بسيط ، يلبس الجلباب والعمامة والطاقية .
وهو يؤجر أرضه الزراعية . ليتفرغ لرسم لوحات لا يراها سوي زوجته الريفية التي كانت تتعجب من زوجها الذي يترك زراعته ويضيع وقته في لوحات وألوان . لا فائدة منها ولا مصلحة فيها .. فتوبخه وتقرعه من حين لآخر . علي فعلته الغريبة تلك .. ولم يكن الرجل يأمل أو يتطلع في يوم من الأيام أن ينال شيئاً عن رسوماته ولوحاته , أكثر من استخفاف وتقريع زوجته له . واستهزائها به ..
فلماذا كان يرسم , ويكلف نفسه ثمن اللوحات والألوان وأدوات الرسم ؟! وهو الذي لم يتصور في صحوه , ولا رأي في منامه أن سيدة ألمانية , سوف تكتشفه بمحض الصدفه , وتسعي لاقامة معرض لفنه بالعاصمة , بقاعة معهد جوتة الألماني ..! وتلقي رسوماته احتفاءا كبيرا بها , من الوسط الفني ، والوسط الثقافي عامة . حينذاك . ويتلقي دعوات لعرض فنه بعدد من دول أوروبا .. !
لمن كان يبدع الشيخ رمضان . وهو بلا جمهور ولا مشجعين وبلا طموح .؟
لعل الجواب :
ولمن تفوح بشذاها , الوردة البرية النائية المكان ؟ وهل تملك أن تفوح برائحة أخري , كرائحة الثوم - مثلاً - أو كرائحة البصل !؟
ولمن تنسج خيوط حريرها , دودة القز - التي تعيش فوق شجرة توت . في غابة بعيدة . ؟
وهل تملك أن تنسج خيوط الخيش , بدلا من خيوط الحرير ؟
انها تعمل بطبيعتها , من نفسها . ولنفسها تنسج حريرها ..
--
* توجد عنه حلقة كاملة في كتابي " من حديقة البشر " ..
======
صمود العبقرية أمام النسيان
والذي قد صار فجأة , بعد 200 مائتي عام من وفاته أحد عباقرة التاريخ في فن الرسم .. (!) بينما كانت لوحاته , في عصره . لا تلفت أنظار الفنانين أو اهتمام جمهورالرسم , أو تقدير النقاد ..(!!)
فتري .. لماذا استمر يرسم ويبدع , وهو يعيش في ذاك الحال ؟؟ حتى مات في ريعان شبابه , تاركا زوجته واطفاله الثمانية وهم في اشد حالات العوز والفاقة .. !
في تقديرنا , ليس لأنه كان مطمئنا الي انه بعد 200 مائتي عاماً من وفاته سوف يسجل كأحد عباقرة الفن في التاريخ .
كلا .. ولكن لأنه كان فناناً مبدعاً .. وككل عيون الماء الطبيعية ..تتدفق مياهها . من تلقاء نفسها . سواء أقبل الناس علي الشرب منها أو لم يقبلوا .. هي تتدفق من نفسها ولنفسها ...
يوجد فنانون - شعراء وكتاب وأدباء ورسامون ونحاتون - يبدعون لأنفسهم ..
وآخرون نشروا أو عرضوا من ابداعاتهم ., ولكن ما رسموه أو كتبوه بنية عدم
العرض أو النشر - عن قصد و عن عمد = هو أكثر مما عرضوه أو نشروه للجمهور !
لقد رسموه أو نحتوه أو كتبوهم : لأنفسهم . وهم مقتنعون وسعداء .
د. فرج فودة . قبل استشهاده بعامين . قال لي : " لي صديق , سوف أعرفه بك " ..
وعندما التقينا . قدمني له بصفتي " مفكر " . بينما قدمه لي بالقول : الأستاذ علي ...
( هكذا وحسب .. ولم يزد شيئاً علي ذلك .. ) ..
تقريباً .. كل ما كان يعرفه " د كتور فرج " عن الأستاذ علي .. انه مجرد واحد من القراء المعجبين به , ويعمل بوظيفة حكومية . . فقط !
غالباً .. لم يكن يعرف ان الأستاذ علي .. فنان - رسام - , قليل عليه صفة " رائع " ... ! , ومثقف وجودي رفيع المستوي . يحفظ عن ظهر قلب , أشعار أبي العلاء المعري
وذلك لأن صديقنا " علي " لم يكن يتكلم عن فنه ورسوماته ولوحاته الرائعة .. نهائياً .. و فقط يمكن لمن يزوره بمنزله , أن يكتشف ذلك , عندما يجد حوائط مسكنه مملوءة ببدائع اللوحات من رسوماته .. وبدون توقيع باسم الرسام . وان لم تسأله عمن رسم تلك اللوحات , فلن يحدثك عنها ..
سألته عن اسم الفنان , فقال ببساطة : أنا اللي رسمتها ..
سألته : ألم تقم معرضاً للوحاتك الجميلة تلك ؟
( فأشاح بيده بلا اهتمام ) قائلاً : لا لا .. حعمل معرض لمين !؟
فأجبته : رسامون أقل منك موهبة تقام لهم معارض بقاعات كذا , وكذا , وكذا .. عددت له أسماء قاعات عرض الرسم والنحت وباقي فنون التشكيل . التي أتردد عليها كواحد من الهواة .
( أشأح بيده , غير مهتم .. ) ..!
فلمن كان - الأستاذ " علي " * - يبدع لوحاته ؟
الاجابة :
لمن تبدع النحلة البرية عسلها ؟ وهل يمكنها عمل شيء بخلاف العسل ؟
منذ ما بين 20 : 25 عاما . في واحدة من أهم قاعات عرض لوحات الفن التشكيلي . بالقاهرة . وهي قاعة معهد جوتة – التابعة للمركز الثقافي الألماني . قرب ميدان التحرير . شاهدت من ضمن ما شاهدته معرضاً لفنان تلقائي مصري اسمه " الشيخ رمضان " . وهو رجل ريفي عادي بسيط ، يلبس الجلباب والعمامة والطاقية .
وهو يؤجر أرضه الزراعية . ليتفرغ لرسم لوحات لا يراها سوي زوجته الريفية التي كانت تتعجب من زوجها الذي يترك زراعته ويضيع وقته في لوحات وألوان . لا فائدة منها ولا مصلحة فيها .. فتوبخه وتقرعه من حين لآخر . علي فعلته الغريبة تلك .. ولم يكن الرجل يأمل أو يتطلع في يوم من الأيام أن ينال شيئاً عن رسوماته ولوحاته , أكثر من استخفاف وتقريع زوجته له . واستهزائها به ..
فلماذا كان يرسم , ويكلف نفسه ثمن اللوحات والألوان وأدوات الرسم ؟! وهو الذي لم يتصور في صحوه , ولا رأي في منامه أن سيدة ألمانية , سوف تكتشفه بمحض الصدفه , وتسعي لاقامة معرض لفنه بالعاصمة , بقاعة معهد جوتة الألماني ..! وتلقي رسوماته احتفاءا كبيرا بها , من الوسط الفني ، والوسط الثقافي عامة . حينذاك . ويتلقي دعوات لعرض فنه بعدد من دول أوروبا .. !
لمن كان يبدع الشيخ رمضان . وهو بلا جمهور ولا مشجعين وبلا طموح .؟
لعل الجواب :
ولمن تفوح بشذاها , الوردة البرية النائية المكان ؟ وهل تملك أن تفوح برائحة أخري , كرائحة الثوم - مثلاً - أو كرائحة البصل !؟
ولمن تنسج خيوط حريرها , دودة القز - التي تعيش فوق شجرة توت . في غابة بعيدة . ؟
وهل تملك أن تنسج خيوط الخيش , بدلا من خيوط الحرير ؟
انها تعمل بطبيعتها , من نفسها . ولنفسها تنسج حريرها ..
--
* توجد عنه حلقة كاملة في كتابي " من حديقة البشر " ..
======
تعليقات
إرسال تعليق