كتابات مختارة - 14 شخصيّة المرأة الكُردية
منقول من صفحة الصديق - الباحث والكاتب مجدي خليل - بالفيسبوك :
وصلتنى هذه المقالة من الصديق الدكتور احمد اخليل عن المرأة الكردية
شخصيّة المرأة الكُردية
(الجزء الأوّل)
السُّفور وحرية الاختلاط
Dr.Sozdar Mîdî (Ehmed Xelîl)
التقيت ذات مرة بأستاذ جامعي تونسي صديق، وهو معارض بشدّة للفكر الديني الظلامي، ولحَمَلة جينات الإرهاب الديني، فأشاد بالمقاتلات الكُرديات اللواتي يحاربن ببسالة ضدّ الغزاة المتوحّشين، وذكر أن بعض المجلاّت ومواقع الإنترنيت التونسية المعارضة للظلاميين، تتحدّث بإعجاب عن مشاركة المرأة الكُردية في القتال.
وقد ذكّرني حديث الصديق التونسي بآراء لرحّالة وباحثين أجانب زاروا كُردستان في فترات مختلفة، ولفت انتباههم المكانة والحرية التي تتمتّع بها المرأة في المجتمع الكردي، ووقوف المرأة إلى جانب الرجل في الدفاع عن أمّتها ووطنها، واستبسالَها في القتال بشجاعة، وقيامَها بدور قيادي أحياناً.
وعموماً، ثمّة مقياسان دقيقان لقياس حال المجتمع أيّاً كان، وفي أيّ عصر كان، هما الطفل والمرأة. وكي نتوصّل إلى فهم ذهنية مجتمعٍ ما، ونحكم على ثقافته ومنظومته الأخلاقية، يكفي أن نحلّل موقع الطفل والمرأة فيه. والآن، ماذا عن المرأة في المجتمع الكُردي؟ وماذا عن موقعها في المنظومة الأخلاقية الكُردستانية؟
السفور وحرية الاختلاط:
من حيث الأصل، وتبعاً للعادات الكُردية الاجتماعية، لا وجود في المجتمع الكُردي للبُرْقُع (قطعة قماش تغطّي مقدّمة أنف المرأة وفمها وفكّيها)، ولا للنِّقاب (قطعة قماش تُغطّي وجه المرأة كله)، وإنما يوجد الحِجاب فقط (قطعة قماش تُخفي رأس المرأة من الخلف والجانبين،)، وهو يوازي العِمامة عند الرجل. وكانت المرأة الكُردي ترتدي أحياناً كُوفية (عمامة خاصّة بالنساء)، وقد وجدتُ كثيراً من نساء الكُرد يرتدين الكُوفيات، وخاصّة في الأعراس.
وإذا وُجد البُرْقُع أو النِّقاب في بعض البيئات الكُردية- وخاصة في المدن- فتلك عادة دخيلة على المجتمع الكُردي وعلى الثقافة الكُردستانية. وقد تنبّه كلُّ من خالط الكُرد إلى ظاهرة سفور وجه المرأة الكُردية، قال الباحث الروسي باسيلي نيكيتين: "إن النساء الكُرديات لا يعرفن الحِجاب [المقصود: النِّقاب] على الإطلاق، ولا يُخفين وجوههن أبداً"( ).
ومن حيث الأصل أيضاً لا يوجد نظام الحريم (حَرَمْلِك) في المجتمع الكُردي، وإن وُجد في حدود ضيّقة، وخاصّة عند الأسر الأرستقراطية أو أُسر بعض رجال الدِّين الكُرد المسلمين، فهو دخيل على العادات الكُردية كالنّقاب. وإن سفور المرأة في المجتمع الكُردي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بحرية الاختلاط بين الذكور والإناث، ويتجلّى ذلك الاختلاط في جميع مواقع الحياة اليومية، ولا يُعَدّ السفور والاختلاط، بأيّ حال من الأحوال، شكلاً من الخلاعة والانفلات، فالأصل في الخُلق الكُردي الرعوي والريفي هو العِفّة والثقة بالآخر، وعدم اتّهامه ضمناً- عبر إخفاء الوجه عنه- بأنه فاسد النيّة، وشاذّ ومهووس جنسياً.
نحو ما وراء الظاهرة:
لظاهرة سفور المرأة الكُردية واختلاطها بالرجال علاقةً بثلاثة أسباب:
السبب الأول: طبيعةُ نظرة كلٍّ من الرجل والمرأة إلى الآخَر في المنظومة الاجتماعية الكُردستانية الأصيلة، وليس الدخيلة والمُخترَقة، فعلى الغالب لا تنحصر تلك النظرة في الشهوات الجنسية، وإن الحبّ بين الفتاة الكُردية والفتى الكُردي، حسبما تؤكّد الملاحم الغنائية التراثية، مثل "Memê Alan"، و"Dewrêşê Ebdî" وغيرهما حبٌّ مخلص عفيف تتكافأ المرأة فيه مع الرجل، وتشيد به، وتعبّر عن حبّها له، ولم أجد شيئاً كهذا في الشعر العربي التراثي.
السبب الثاني: المكانةُ المحترمة للمرأة في المجتمع الكُردي، وتتأسّس هذه المكانة على دور المرأة في المجتمع الريفي والرَّعوي الكُردي، فهي، منذ العصر الحجري الحديث (النِّيوليثي)، كانت، وما تزال، تعمل جنباً إلى جنب مع الرجل في المزرعة وفي المراعي، وهذا يعني أنها عضو فاعل ومؤثّر ومنتِج في المجتمع الكُردي، وأن تهميشها يسبّب خللاً في الحياة الاجتماعية.
السبب الثالث: الثقافةُ الديمقراطية الغالبة على المجتمع الكُردي، وقد ورث الكُرد هذا النمط الثقافي من أسلافهم الأقدمين، وتجلّى ذلك في الفكر الديني الكرُدستاني، وفي الفكر السياسي الكُردستاني، فالعلاقة بين الله والإنسان، في اليَزْدانية (أَزْدائي: الدين الكُردي القديم)، ليست علاقةَ إله جبّار مرعِب بعبدٍ خانع ذليل، وإنما هي أقرب إلى علاقة صديق بصديق. وعلى الصعيد السياسي، منذ عهد أسلافنا الگُوتيين (جُوتي)، كان المجتمع الكُردي ينفر من حكم الفرد المتسلّط المستبدّ، ولا يخفى أن الفكر الديني والفكر السياسي لأمّة من الأمم هما من أبرز تجلّيات ثقافتها.
شهادات الباحثين:
ولنعد إلى موضوع ظاهرة سفور المرأة الكُردية، فقد لفتت هذه الظاهرة انتباه الأورپيين الذين زاروا كُردستان يقول باسيلي نيكيتين، مستعيناً بالرحّالة سُون:
"لا تضع النّساء الكُرديات الحِجاب [=النِّقاب] على وجوههن، ويختلطن أيضاً بالرجال عند عقد الاجتماعات، ولهنّ الكلمة التي يستمع إليها رجالهن. يقول سون: في كثير من القرى كانت ربّة البيت تستقبلني في غياب زوجها، وتشاركني الحديث ببهجة وسرور، دون هذا الخجل والاحتشام والضعف المصطنَع للنساء التُّركيات والفارسيات، بل ويتناولن الطعام معي أحياناً. وعندما يعود زوجها لا تترك الضيف لوحده، مؤكّدةً بذلك على اهتمامها به، حتى يدخل الزوجُ المنزلَ بعد نزوله عن جواده وربْطه في الحظيرة"( ).
وفي النصف الأول من القرن العشرين، قال حاكم أربيل الإنكليزي دبليو آر:
"والكُرد يعاملون نساءَهم باحترام يفوق احترامَ جُلّ الشعوب المُحمّدية الأخرى، ولا يَعمد إلى عزل نسائهم إلا الشيوخ [=رجال الدين المسلمون]، ولقد نجحت هذه العادة في وقت متأخّر جداً، ومَردُّها إلى التأثير التُركي حصراً، وتتجوّل النّساء في كل مكان بحرّية شأنهن كشأن الرجال، ... إن أغلب الزعماء يخضعون إلى حدّ كبير وإلى حدّ صغير لنسوتهم، وإني أرى أن هؤلاء النِّسوة يمارسن تأثيراً حسناً، ويَحُلْن دون الرأي السَّفيه الذي قد يراود بُعولتهن"( ).
يتبع ....
22 – 1 – 2016
===
وصلتنى هذه المقالة من الصديق الدكتور احمد اخليل عن المرأة الكردية
شخصيّة المرأة الكُردية
(الجزء الأوّل)
السُّفور وحرية الاختلاط
Dr.Sozdar Mîdî (Ehmed Xelîl)
التقيت ذات مرة بأستاذ جامعي تونسي صديق، وهو معارض بشدّة للفكر الديني الظلامي، ولحَمَلة جينات الإرهاب الديني، فأشاد بالمقاتلات الكُرديات اللواتي يحاربن ببسالة ضدّ الغزاة المتوحّشين، وذكر أن بعض المجلاّت ومواقع الإنترنيت التونسية المعارضة للظلاميين، تتحدّث بإعجاب عن مشاركة المرأة الكُردية في القتال.
وقد ذكّرني حديث الصديق التونسي بآراء لرحّالة وباحثين أجانب زاروا كُردستان في فترات مختلفة، ولفت انتباههم المكانة والحرية التي تتمتّع بها المرأة في المجتمع الكردي، ووقوف المرأة إلى جانب الرجل في الدفاع عن أمّتها ووطنها، واستبسالَها في القتال بشجاعة، وقيامَها بدور قيادي أحياناً.
وعموماً، ثمّة مقياسان دقيقان لقياس حال المجتمع أيّاً كان، وفي أيّ عصر كان، هما الطفل والمرأة. وكي نتوصّل إلى فهم ذهنية مجتمعٍ ما، ونحكم على ثقافته ومنظومته الأخلاقية، يكفي أن نحلّل موقع الطفل والمرأة فيه. والآن، ماذا عن المرأة في المجتمع الكُردي؟ وماذا عن موقعها في المنظومة الأخلاقية الكُردستانية؟
السفور وحرية الاختلاط:
من حيث الأصل، وتبعاً للعادات الكُردية الاجتماعية، لا وجود في المجتمع الكُردي للبُرْقُع (قطعة قماش تغطّي مقدّمة أنف المرأة وفمها وفكّيها)، ولا للنِّقاب (قطعة قماش تُغطّي وجه المرأة كله)، وإنما يوجد الحِجاب فقط (قطعة قماش تُخفي رأس المرأة من الخلف والجانبين،)، وهو يوازي العِمامة عند الرجل. وكانت المرأة الكُردي ترتدي أحياناً كُوفية (عمامة خاصّة بالنساء)، وقد وجدتُ كثيراً من نساء الكُرد يرتدين الكُوفيات، وخاصّة في الأعراس.
وإذا وُجد البُرْقُع أو النِّقاب في بعض البيئات الكُردية- وخاصة في المدن- فتلك عادة دخيلة على المجتمع الكُردي وعلى الثقافة الكُردستانية. وقد تنبّه كلُّ من خالط الكُرد إلى ظاهرة سفور وجه المرأة الكُردية، قال الباحث الروسي باسيلي نيكيتين: "إن النساء الكُرديات لا يعرفن الحِجاب [المقصود: النِّقاب] على الإطلاق، ولا يُخفين وجوههن أبداً"( ).
ومن حيث الأصل أيضاً لا يوجد نظام الحريم (حَرَمْلِك) في المجتمع الكُردي، وإن وُجد في حدود ضيّقة، وخاصّة عند الأسر الأرستقراطية أو أُسر بعض رجال الدِّين الكُرد المسلمين، فهو دخيل على العادات الكُردية كالنّقاب. وإن سفور المرأة في المجتمع الكُردي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بحرية الاختلاط بين الذكور والإناث، ويتجلّى ذلك الاختلاط في جميع مواقع الحياة اليومية، ولا يُعَدّ السفور والاختلاط، بأيّ حال من الأحوال، شكلاً من الخلاعة والانفلات، فالأصل في الخُلق الكُردي الرعوي والريفي هو العِفّة والثقة بالآخر، وعدم اتّهامه ضمناً- عبر إخفاء الوجه عنه- بأنه فاسد النيّة، وشاذّ ومهووس جنسياً.
نحو ما وراء الظاهرة:
لظاهرة سفور المرأة الكُردية واختلاطها بالرجال علاقةً بثلاثة أسباب:
السبب الأول: طبيعةُ نظرة كلٍّ من الرجل والمرأة إلى الآخَر في المنظومة الاجتماعية الكُردستانية الأصيلة، وليس الدخيلة والمُخترَقة، فعلى الغالب لا تنحصر تلك النظرة في الشهوات الجنسية، وإن الحبّ بين الفتاة الكُردية والفتى الكُردي، حسبما تؤكّد الملاحم الغنائية التراثية، مثل "Memê Alan"، و"Dewrêşê Ebdî" وغيرهما حبٌّ مخلص عفيف تتكافأ المرأة فيه مع الرجل، وتشيد به، وتعبّر عن حبّها له، ولم أجد شيئاً كهذا في الشعر العربي التراثي.
السبب الثاني: المكانةُ المحترمة للمرأة في المجتمع الكُردي، وتتأسّس هذه المكانة على دور المرأة في المجتمع الريفي والرَّعوي الكُردي، فهي، منذ العصر الحجري الحديث (النِّيوليثي)، كانت، وما تزال، تعمل جنباً إلى جنب مع الرجل في المزرعة وفي المراعي، وهذا يعني أنها عضو فاعل ومؤثّر ومنتِج في المجتمع الكُردي، وأن تهميشها يسبّب خللاً في الحياة الاجتماعية.
السبب الثالث: الثقافةُ الديمقراطية الغالبة على المجتمع الكُردي، وقد ورث الكُرد هذا النمط الثقافي من أسلافهم الأقدمين، وتجلّى ذلك في الفكر الديني الكرُدستاني، وفي الفكر السياسي الكُردستاني، فالعلاقة بين الله والإنسان، في اليَزْدانية (أَزْدائي: الدين الكُردي القديم)، ليست علاقةَ إله جبّار مرعِب بعبدٍ خانع ذليل، وإنما هي أقرب إلى علاقة صديق بصديق. وعلى الصعيد السياسي، منذ عهد أسلافنا الگُوتيين (جُوتي)، كان المجتمع الكُردي ينفر من حكم الفرد المتسلّط المستبدّ، ولا يخفى أن الفكر الديني والفكر السياسي لأمّة من الأمم هما من أبرز تجلّيات ثقافتها.
شهادات الباحثين:
ولنعد إلى موضوع ظاهرة سفور المرأة الكُردية، فقد لفتت هذه الظاهرة انتباه الأورپيين الذين زاروا كُردستان يقول باسيلي نيكيتين، مستعيناً بالرحّالة سُون:
"لا تضع النّساء الكُرديات الحِجاب [=النِّقاب] على وجوههن، ويختلطن أيضاً بالرجال عند عقد الاجتماعات، ولهنّ الكلمة التي يستمع إليها رجالهن. يقول سون: في كثير من القرى كانت ربّة البيت تستقبلني في غياب زوجها، وتشاركني الحديث ببهجة وسرور، دون هذا الخجل والاحتشام والضعف المصطنَع للنساء التُّركيات والفارسيات، بل ويتناولن الطعام معي أحياناً. وعندما يعود زوجها لا تترك الضيف لوحده، مؤكّدةً بذلك على اهتمامها به، حتى يدخل الزوجُ المنزلَ بعد نزوله عن جواده وربْطه في الحظيرة"( ).
وفي النصف الأول من القرن العشرين، قال حاكم أربيل الإنكليزي دبليو آر:
"والكُرد يعاملون نساءَهم باحترام يفوق احترامَ جُلّ الشعوب المُحمّدية الأخرى، ولا يَعمد إلى عزل نسائهم إلا الشيوخ [=رجال الدين المسلمون]، ولقد نجحت هذه العادة في وقت متأخّر جداً، ومَردُّها إلى التأثير التُركي حصراً، وتتجوّل النّساء في كل مكان بحرّية شأنهن كشأن الرجال، ... إن أغلب الزعماء يخضعون إلى حدّ كبير وإلى حدّ صغير لنسوتهم، وإني أرى أن هؤلاء النِّسوة يمارسن تأثيراً حسناً، ويَحُلْن دون الرأي السَّفيه الذي قد يراود بُعولتهن"( ).
يتبع ....
22 – 1 – 2016
===
تعليقات
إرسال تعليق