الكاريكاتير فى مصر القديمة
إعداد صلاح الدين محسن
منقول - وصلت لنا من الدولة الحديثة، وخاصة من عصر الرعامسة، مجموعة شيقة وطريفة من الرسوم الكاريكاتيرية، وجدت مرسومة على شقافات "أوستراكا"، أو أوراق بردى، تصور الحيوانات فى أوضاع تماثل أوضاع البشر، يمارسون أنشطة مختلفة، ولكن مع عكس الأوضاع المعتادة، حيث الثعلب يرعى الأوز، والقط يخدم الفأر، وهناك عدة آراء حول تفسير هذه المناظر..
فهناك الرأى الأول الذى يعتقد أنه ربما تعبر هذه المناظر عن نقد للأوضاع السياسية والاجتماعية السائدة فى عصرها.. وهذا النقد يعبر عن التفكك فى أواخر عصر الرعامسة، حيث وجد النقاد الفنانون فى أسلوب تصوير الحيوانات فى هيئة البشر، حيث تعرضت خزانة الدولة لهزات عنيفة بسبب الحروب الطويلة، وعدم العدالة التوزيعية، وقيام العمال بالثورات والإضرابات لعدم صرف مستحقاتهم، والفوضى وسرقات المقابر، التى تورط فيها بعض كبار الموظفين، وثراء الطبقات العليا والمعابد على حساب الطبقة العاملة.
ومن المواضيع التى أنتقدها الفنانون كذلك، تزايد أعداد الأجانب المتمصرين فى البلاط والجيش، منذ أواخر عصر رمسيس الثالث (القرن 12 قبل الميلاد)، بعد هزيمة شعوب البحر، واستقرار بعضهم فى القصور، والمعابد للعمل كجنود مرتزقة فى الحاميات الآسيوية، وزيادة عدد الزوجات الأجنبيات، بل وعمل بعض الأجانب ككهنة، ويبدو أن رجل الشارع كان أبعد نظراً من الحكام، فظل يعتبر الغرباء دخلاء، أغرابا عن قوميته، وقد تأثرت كثير من رسوم الكاريكاتير بهذه الفكرة؛ فصورت الغرباء كفئران تغزو قلعة القطط، ورسوم أخرى تصور القطط "المواطنين"، يخدمون الفئران "النبلاء"، كإشارة إلى الأوضاع الاجتماعية المقلوبة.
فيما يرى فريق آخر من العلماء أن هذه المناظر، ربما تعبر عن العديد من الأساطير والخرافات غير المدونة، التى كانت تُتداول شفاهة، ولم يوجد لها نصوص مكتوبة .(3)
الأوستراكا أو البردى..
فقد تم العثور على بعض من الرسوم ذات الطابع الكاريكاتيرى على الأوستراكا "الشقفات "، وكذلك وجد عدد كبير من أوراق البردى، عليها أفكار لرسوم مشابهة للموجودة على الأوستراكا، مثل: أوستراكا بمتحف بروكلين ـ من عصر الرعامسة - حيث الفأر فى هيئة النبيل، ويبدو عليه العز وقد ترهل لحمه، إشارةً إلى الثراء، ويشم زهرة، ويمسك شراباً، وأمامه قط هزيل، جمع ذيله بين فخذيه، تأدباً، ويمسك مروحة، وأوزة مذبوحة، وقطعة قماش؛ لتقديمها للفأر"النبيل"
وقد تكررت فى هذه الرسوم فكرة انقلاب الأوضاع "القط يخدم الفأر"، ففى جزء من بردية بالمتحف المصرى، أظهر الفنان، أنه على الرغم من سيادة الفئران، إلا أن الفأر، لن يتعدى كونه فأرا، حيث صور فأرة، مع كونها تجلس على مقعد فخم، ويخدمها قط، ولكنه يقدم غصناً إلى فمها، كما لو كانت عنزة، وفأر خلفها، من جنسها، يمسك مروحة، وشيئا آخر.
كذلك وفى بردية - المتحف البريطانى تشتمل هذه الرسوم الكاريكاتيرية على مناظر تصور القطط، والثعالب ترعى الأوز، والظباء، والمفترض أنها تفترسها !!!.
فمثلا على أوستراكا، بالمتحف المصرى بالقاهرة، ترجع لعصر الرعامسة، وعثر عليها فى دير المدينة بالأقصر، صور الفنان، قطا يمشى خلف الأوز، ويحمل عصا الراعى، حاملاً حقيبة طعام معلقة فى عصا يحملها على كتفه، والأوز يسير فى خطين متوازيين، على خط مستقيم، وإلى أعلى عش بسيط به أربع بيضات وقط فى خدمة فأر.
كما أن هناك بردية فى المتحف المصرى، كذلك، نجد بها منظراً نقدياً، يصور فأرة "نبيلة"، وقطة تقوم بخدمتها(4)، وتصفف شعرها، وتبدو القطة التى تصفف شعر الفأر، وقد وضعت مشبك الشعر فى أذنها استعدادا لوضعه فى شعر الفأرة "النبيلة"، وهذه البردية وجدت فى تونا الجبل، بمحافظ المنيا بصعيد مصر، ويحتمل أنها ترجع للأسرة العشرين.
بردية بالمتحف المصري
ومن أشهر البرديات التى صورت مناظر الكاريكاتير، بردية المتحف البريطانى، بها مناظر الحياة اليومية الموجودة على مقابر طيبة، مع تصوير الحيوانات يمارسون أنشطة البشر.
بردية المتحف البريطاني
هناك كذلك، بردية فى متحف تورين، تصور جيش الفئران يهاجم قلعة القطط، وينتصر عليها.(6)
ويرى -المرحوم -الأستاذ الدكتور عبد العزيز صالح، أن هذه الفئران ترمز للأجانب الذين كثروا فى مصر، والقطط ترمز للمصريين الذين ضعفوا ، وقد صور الفنان بنفس البردية: فرقة موسيقية مكونة من قرد، وأسد، وتمساح، وحمار، يعزفون على آلات موسيقية، وكذلك، حمار فى هيئة القاضى، ومساعده ثور، والمتهم فى المنتصف، على هيئة قط أو أرنب، وغراب يصعد على الشجرة بسُلَّم ، و فرس النهر أعلى الشجرة، وغيرها من الأوضاع المقلوبة، ربما إشارة إلى حالة سوء الأوضاع فى الحياة السياسية، والاجتماعية فى هذه العصور، وربما كانت تصويراً لقصة خرافية لم يعثر على متنها، وقد تكررت مناظر تصور الحيوانات كفرق موسيقية على برديات أخرى وقطع الأوستراكا.
بردية تورين - ايطاليا
وفى النهاية نقول : إننا لا نستطيع أن نحدد بدقة الهدف من هذه الرسوم، لعدم وجود نصوص مصاحبة لها، وكل محاولات تفسيرها تعتبر اجتهادات، وترجيحات لا يمكن تأكيدها، سواء تعبر عن نقد سياسى أو تصوير لأحداث قصص، وحكايات.
وعموماً تشهد هذه الرسوم على عبقرية الفنان المصرى، الذى استطاع أن يطوع حركات الحيوانات كى تماثل، وتحاكى أوضاع البشر، دون الإخلال بالتفاصيل التشريحية لهذه الحيوانات.
----
المصدر : مؤسسة الأهرام - المصرية - حضارات :
انتصار غريب - اذاعية وباحثة فى الحضارة والتاريخ المصرى
المراجع:
1- Dietrich Wildung : Die Kunst des alten Ägypten,Paris,1988,P.202.
2- عبد العزيز صالح : الفكاهة والكاريكاتير فى الفن المصرى القديم، المجلة، عدد88، أبريل 1964م، ص35 .
,op.ct.p.278. 3- Museum of fine art -Boston
4-Edward L.B.Terrace and Henry G.Fischer: Treasures of the Cairo Museum,London1970,p.149.
5- British Museum : Egyptian painting,p.60.
6-Emma Brunner Traut : AltÄgzptische Märchen,Köln,1973,p.59.
7-عبد العزيز صالح : المرجع السابق، ص35.
==
منقول - وصلت لنا من الدولة الحديثة، وخاصة من عصر الرعامسة، مجموعة شيقة وطريفة من الرسوم الكاريكاتيرية، وجدت مرسومة على شقافات "أوستراكا"، أو أوراق بردى، تصور الحيوانات فى أوضاع تماثل أوضاع البشر، يمارسون أنشطة مختلفة، ولكن مع عكس الأوضاع المعتادة، حيث الثعلب يرعى الأوز، والقط يخدم الفأر، وهناك عدة آراء حول تفسير هذه المناظر..
فهناك الرأى الأول الذى يعتقد أنه ربما تعبر هذه المناظر عن نقد للأوضاع السياسية والاجتماعية السائدة فى عصرها.. وهذا النقد يعبر عن التفكك فى أواخر عصر الرعامسة، حيث وجد النقاد الفنانون فى أسلوب تصوير الحيوانات فى هيئة البشر، حيث تعرضت خزانة الدولة لهزات عنيفة بسبب الحروب الطويلة، وعدم العدالة التوزيعية، وقيام العمال بالثورات والإضرابات لعدم صرف مستحقاتهم، والفوضى وسرقات المقابر، التى تورط فيها بعض كبار الموظفين، وثراء الطبقات العليا والمعابد على حساب الطبقة العاملة.
ومن المواضيع التى أنتقدها الفنانون كذلك، تزايد أعداد الأجانب المتمصرين فى البلاط والجيش، منذ أواخر عصر رمسيس الثالث (القرن 12 قبل الميلاد)، بعد هزيمة شعوب البحر، واستقرار بعضهم فى القصور، والمعابد للعمل كجنود مرتزقة فى الحاميات الآسيوية، وزيادة عدد الزوجات الأجنبيات، بل وعمل بعض الأجانب ككهنة، ويبدو أن رجل الشارع كان أبعد نظراً من الحكام، فظل يعتبر الغرباء دخلاء، أغرابا عن قوميته، وقد تأثرت كثير من رسوم الكاريكاتير بهذه الفكرة؛ فصورت الغرباء كفئران تغزو قلعة القطط، ورسوم أخرى تصور القطط "المواطنين"، يخدمون الفئران "النبلاء"، كإشارة إلى الأوضاع الاجتماعية المقلوبة.
فيما يرى فريق آخر من العلماء أن هذه المناظر، ربما تعبر عن العديد من الأساطير والخرافات غير المدونة، التى كانت تُتداول شفاهة، ولم يوجد لها نصوص مكتوبة .(3)
الأوستراكا أو البردى..
فقد تم العثور على بعض من الرسوم ذات الطابع الكاريكاتيرى على الأوستراكا "الشقفات "، وكذلك وجد عدد كبير من أوراق البردى، عليها أفكار لرسوم مشابهة للموجودة على الأوستراكا، مثل: أوستراكا بمتحف بروكلين ـ من عصر الرعامسة - حيث الفأر فى هيئة النبيل، ويبدو عليه العز وقد ترهل لحمه، إشارةً إلى الثراء، ويشم زهرة، ويمسك شراباً، وأمامه قط هزيل، جمع ذيله بين فخذيه، تأدباً، ويمسك مروحة، وأوزة مذبوحة، وقطعة قماش؛ لتقديمها للفأر"النبيل"
وقد تكررت فى هذه الرسوم فكرة انقلاب الأوضاع "القط يخدم الفأر"، ففى جزء من بردية بالمتحف المصرى، أظهر الفنان، أنه على الرغم من سيادة الفئران، إلا أن الفأر، لن يتعدى كونه فأرا، حيث صور فأرة، مع كونها تجلس على مقعد فخم، ويخدمها قط، ولكنه يقدم غصناً إلى فمها، كما لو كانت عنزة، وفأر خلفها، من جنسها، يمسك مروحة، وشيئا آخر.
كذلك وفى بردية - المتحف البريطانى تشتمل هذه الرسوم الكاريكاتيرية على مناظر تصور القطط، والثعالب ترعى الأوز، والظباء، والمفترض أنها تفترسها !!!.
فمثلا على أوستراكا، بالمتحف المصرى بالقاهرة، ترجع لعصر الرعامسة، وعثر عليها فى دير المدينة بالأقصر، صور الفنان، قطا يمشى خلف الأوز، ويحمل عصا الراعى، حاملاً حقيبة طعام معلقة فى عصا يحملها على كتفه، والأوز يسير فى خطين متوازيين، على خط مستقيم، وإلى أعلى عش بسيط به أربع بيضات وقط فى خدمة فأر.
بردية بالمتحف المصري
ومن أشهر البرديات التى صورت مناظر الكاريكاتير، بردية المتحف البريطانى، بها مناظر الحياة اليومية الموجودة على مقابر طيبة، مع تصوير الحيوانات يمارسون أنشطة البشر.
بردية المتحف البريطاني
هناك كذلك، بردية فى متحف تورين، تصور جيش الفئران يهاجم قلعة القطط، وينتصر عليها.(6)
ويرى -المرحوم -الأستاذ الدكتور عبد العزيز صالح، أن هذه الفئران ترمز للأجانب الذين كثروا فى مصر، والقطط ترمز للمصريين الذين ضعفوا ، وقد صور الفنان بنفس البردية: فرقة موسيقية مكونة من قرد، وأسد، وتمساح، وحمار، يعزفون على آلات موسيقية، وكذلك، حمار فى هيئة القاضى، ومساعده ثور، والمتهم فى المنتصف، على هيئة قط أو أرنب، وغراب يصعد على الشجرة بسُلَّم ، و فرس النهر أعلى الشجرة، وغيرها من الأوضاع المقلوبة، ربما إشارة إلى حالة سوء الأوضاع فى الحياة السياسية، والاجتماعية فى هذه العصور، وربما كانت تصويراً لقصة خرافية لم يعثر على متنها، وقد تكررت مناظر تصور الحيوانات كفرق موسيقية على برديات أخرى وقطع الأوستراكا.
بردية تورين - ايطاليا
وفى النهاية نقول : إننا لا نستطيع أن نحدد بدقة الهدف من هذه الرسوم، لعدم وجود نصوص مصاحبة لها، وكل محاولات تفسيرها تعتبر اجتهادات، وترجيحات لا يمكن تأكيدها، سواء تعبر عن نقد سياسى أو تصوير لأحداث قصص، وحكايات.
وعموماً تشهد هذه الرسوم على عبقرية الفنان المصرى، الذى استطاع أن يطوع حركات الحيوانات كى تماثل، وتحاكى أوضاع البشر، دون الإخلال بالتفاصيل التشريحية لهذه الحيوانات.
----
المصدر : مؤسسة الأهرام - المصرية - حضارات :
انتصار غريب - اذاعية وباحثة فى الحضارة والتاريخ المصرى
المراجع:
1- Dietrich Wildung : Die Kunst des alten Ägypten,Paris,1988,P.202.
2- عبد العزيز صالح : الفكاهة والكاريكاتير فى الفن المصرى القديم، المجلة، عدد88، أبريل 1964م، ص35 .
,op.ct.p.278. 3- Museum of fine art -Boston
4-Edward L.B.Terrace and Henry G.Fischer: Treasures of the Cairo Museum,London1970,p.149.
5- British Museum : Egyptian painting,p.60.
6-Emma Brunner Traut : AltÄgzptische Märchen,Köln,1973,p.59.
7-عبد العزيز صالح : المرجع السابق، ص35.
==
تعليقات
إرسال تعليق