المداحون وشعراء المديح

بكيبورد : صلاح الدين محسن
20-6-2024

عرفت المداحين في القرية التي نشأت فيها , منذ كنت طفلاً في سن العاشرة وقبل ذلك بقليل ..
المداح .. كانت له مهنة ..ليس لصاحبها شغلة غير مدح الرسول - صلعم .. 
لكل عقيدة مداحون .. يمدحون إلههم , أو نبيهم , أو رمز من رموز عقيدتهم - رمز من الصف الأول وحتي ربما من الصف العاشر ! كضريح ومرقد لرجل - يدعونه من أولياء الله - في قرية صغيرة  مجهولة , أو عزبة ,  أو نجع من النجوع النائية - غير معروفة علي مستوي الدولة . وربما غير معروفة علي مستوي المحافظة !!

وكان المدّاح اذا سٌئل عن شغلته , يضع كفه فوق صدره بمزيج من الأدب والسمو والتواضع والاعتزاز . ويقول : مَدّاح الرسول ..
فيحصل علي إحترام الآخرين . لكن البعض .. في قرارة أنفسهم , يعتبرونه رجل أرزُقِي - ماشي علي باب الله - , وشغلته أقرب للتسول .

شعراء المديح الديني المتخصصون في تأليف ما ينشده المداحون ..  غالبا لا يمدحون وطناً أو شعباً  . ولا يشاركون في صنع حضارة , لا هم ولا المداحون 
بعكس مداح .. أو منشدة - أو منشد - المعبد في مصر القديمة . كان لهم دور ثقافي حضاري .. وكذلك كهنة الدين في زمن قدماء المصريين
صورة موقع بالفيسبوك .. المداحين في حب رسول الله

بخلاف رجال الأديان في عصرنا الحديث , ومعهم شعراء ومنشدي المدائح العقائدية - ليس لهم دور ثقافي حضاري بل العكس . وهم في الغالب - مع أي حاكم , المهم سلامتهم هم . وبقائهم ومصالحهم ومكاسبهم . ورضي الله عنهم . لا سلامة الوطن والشعب .. 
فلو غضب شعبهم , وهَبّ .. من فرط ظلمٍ وقهر  .. لن تجد صوتاً أو صورة لأحدٍ من شعراء المديح  الديني . أو المداحين , الذين يرنمون شعره - و لا صوت لرجال الأديان - ما لم يساندوا الظلم والظالم - .. !
بعكس رهبان البوذية , في إحدي دول آسيا . من قبل .. عندما غضب شعبهم . كانوا معه في الصف الأول ..وقدموا: ضحايا , وجرحي
كما في مقال سابق :
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=110789

يبدو ان المَدّاحين وشعراء المديح الديني - المعاصرين - كلهم - من كل الأديان - يعتنقون بغير إعلان . مقولة فاقعة الصراحة , لمرشد عام جماعة الاخوان السابق - الراحل - محمد مهدي عاكف - : 
" طز في الوطن - طز في مصر - وأبو الوطن , واللي في الوطن " ...

 فالمداحون وشعراء المديح - من كل دين - يطبقون تلك المقولة عملياً , دون الجهر بها . بعكس الصراحة - فاقعة اللون - لمرشد الاخوان - سابق الذكر - ..

في الثمانينيات من القرن الماضي , دَخلتُ أحد المحلات - صاحبه من معارفي - فوجدت علي الكيس ,, شابة تلبس النقاب , واثنين عاملين بالمحل , وهي تحدثهم عن شيخ - كان نجما واعداً صاعدا . في مجال الدعوة الاسلامية - وقتذاك - . و صار فيما بعد , من المشاهير " الشيخ محمد حسان " وتكلمت الفتاة عن آخر ,, هو منشد مداح يمدح الرسول ..
فلم أجد حرجاً من القول لها :
انهم يمدحون الرسول منذ 1400 عام .. ! واليابان تقدمت , والهند تقدمت والصين تقدمت وسنغافورة وكوريا تقدمت .. ونحن لا نحسن حتي صناعة رغيف الخبز الشعبي . بذمة وبضمير , كما يجب .. ولا نحسن إلا مديح الرسول .. -  ولا نكف عن المديح - . !
( .. سكتت أختنا ذات النقاب ,, ولم تعقب )  

و الذين يؤلفون قصائد المديح الديني (  بالفصحي أو بالعامية ) منهم :
الشاعر , والشويعر , والشعرور .. 

بعض من شعر المديح - منقول من الانترنت :


( " شعرور " جمعها : شعارير / انظر الهامش في نهاية الصفحة ) *
  المداحون , كما عرفتهم منذ كنت صغيراً - في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ,  كان المداح منهم يدور علي المَوالِد ( حيث الاحتفالات - بداخل سرادق - بميلاد أحد من يسمونهم " أهل البيت - البيت الصلعمي - أو من يسمون " أولياء الله الصالحين " - من أصحاب الاضرحة والمزارات ) وقد صَوّر تلك الاحتفالات - المَوالِد - بالضبط : الشاعر صلاح جاهين , وغنَّاها الموسيقار سيد مكاوي في أوبريت " الليلة الكبيرة " ..
- الليلة الكبيرة = آخر ليالي الاحتفال بمولد الشيخ - الذي عادة يستمر لمدة أسبوع - وتكون تلك الليلة حافلة بالحضور . وبالحاضرين  )

وفي حالة عدم وجود مَوَالِد .. كان المدَّاح , يدور بالربابة , علي القري - كما شاهدته ( في طفولتي / خمسينات وستينيات القرن الماضي ) في يده الربابة . ويمدح الرسول - صلعم - .. وأتذكر مما كان يبدأ به مديحه :
أمدح نبينا , المصطفي الهادي ..
اللي .. واللي .. واللي .. /  ( ويمضي في مديحه . علي الربابة . فيجود عليه المحسنون من أبناء القرية - الفقيرة - إما بقرش 10 مليم ( 1 % من الجنيه ) أو ب 5 مليم (  تعريفة / كما كانت تسمي ) . وحتي رغيف خبر جاف كبير . أو بكوز من الذرة الجاف )

( في كل عقيدة , وكل زمان , يوجد مداحون .. وآثار قدماء المصريين . حفظت لنا صُوَر وتماثيل ل " مَدَّاحة  أو مَدَّاح . أو " مرنمة " - أو منشدة المعبد - ( تابوت مغنية المعبد " حارموزة "/  في عصر حتشبسوت وتحوتمس الثالث (  1279-1458 . قبل الميلاد ) من موقع : بي بي سي - عربي  16 -1- 2012 . مصر: العثور على تابوت مغنية فرعونية بالاقصر

لا تخلو قرية مصرية من ضريح ومرقد لشيخ - من هؤلاء الأولياء " ويُحتَفل بذكري مولده في كل عام . بحلقات ذكر .. وأيضاً توجد أراجيح . وتياترو  وألعاب مختلفة , وباعة الحُّمُّص وحَبّ العزيز " , و باعة من كل نوع - منها الخبز مع الفول والطعمية , و منها الزمارة والبالونة , و" البخت " - وله ألعاب متنوعة - والنصب بلعبة ال 3 ورقات .. !

وممن عاصرتهم في القرية , شاعر مداح , يمدح بشعره شيخ له ضريح ومزار .. قرية صغيرة قريبة من قريتنا . الشيخ اسمه " أبو سَلّام " ..
يمدحه المداح - بالربابة -  بما أَلَّفه شاعر المديح :
ألفين تحية , والف سلّام .. مَدَدّ ونظرة يا أبو سَلّام
 .. .. الخ
وشاعر - أو شويعر آخر - أو شعرور * " يمتدح السيدة زينب . - لها ضريح ومرقد بمصر وبالعراق وفي سوريا ( !! )
فيقول الشاعر المداح ( أو الشعرور * )  الذي كان يمدح السيدة زينب - :
يا سيدة  يا سيدة .. يا أم الشموع القايدة 
يا أخت الحسن , وأخوكِ الحسين
يا بنت أشرف والدة
... ... الخ .
---- وهذا المديح قرأته مكتوباً , وانا في سن بين 13 : 14 سنة
وكذلك سمعته - في نفس الوقت - من المَدَّاح وهو ينشده .. وما زلت أتذكر اللحن تماماً , كما كان ينشده  .
-- 
ويوجد مطرب يتمتع بصوت قوي رائع . أشهر أغانيه المعروف بها هي : مديح للنبي صلعم . انه المطرب محمد الكحلاوي . الذي يقول في  أشهر أغانيه , وهو يتوسل ويتذلل لله , لأجل مطلب , لا أدري كيف جعل منه الشاعر مؤلف المديح .. مطلباً !؟ 
اذا يقول :
لأجل النبي .. لأجل النبي .. لأجل النبي 
( فتري : ماذا يطلب من الله ويتوسل ويتوسل ويتذلل . ويتخذ من النبي واسطة لقبول مطلبه ؟ )... 
ماذا يريد من الله , لأجل خاطر النبي ؟؟!! 
ها هو المطلب العجيب , عندما يواصل الكحلاوي غناءه : 
" تَقبل صلاتي علي النبي . لأجل النبي " 
!!!
بس .. ؟! 
بس كدا ؟؟؟!

طوال عمري كنت كما غالبية الشعب , نستمع للأغنية ونرددها وراء المطرب الكحلاوي - لحلاوة الطرب الموجود  في اللحن والموسيقي ,.. دون ان نفكر فيما ذهب اليه الشاعر - أو الشعرور * - الذي كتبها .. ! من مطلب - بتوسل وتذلل . والمطلب لا مبرر له .. ! فالصلاة علي النبي لا تحتاج لكثير ولا لقليل من التوسل والتذلل لأجل مجرد قبولها عند الله ؟! 
لأن القرآن نفسه يقول : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ( سورة الأحزاب . آية 56)  .. !! ..  
يعني باب الصلاة والسلام عليه , مفتوح للمؤمنين . دون إذن ولا طلب ولا قيد ولا شرط . ومُرحَّب به كثيراً ..  !

- أوليس ما جاء بتلك الأغنية هو شَعرَرَة .. من " شَعرُوُّر " .. وليس شِعرَ شاعِر !؟

لعل هكذا يفعل كافة " شعارير " * , شعر المديح العقائدي في كافة المعتقدات , أغلبها : شَعرَرَة شَعارِيّر .. وليس شِعر شُعراء .
---

هامش * : ( تعبير " شعرور " - مُفرَد , و الجَمع " شعارير " - اللفظ الأخير - نقلناه عن الناقد الراحل " كمال النجمي " ( 1923 : 1998 ) الذي وصف نوعا من الشعراء  ب : شعارير ... :
  
شعارير  علي وزن "  زنابير " , و " شعرور " علي وزن " زنبور "  أو : دَبّوُّر ( كما يسميه المصريون ) - بعض شعوب العربفون تسمي الدّبُوّر " طنبور .. " ولكن الطنبور عند المصريين , هو وسيلة لري الأرض الزراعية , يرفعون به الماء من المجري المائي المنخفض ليصب في فناوات زراعاتهم .

 , ربما لم يعد " الطنبور " موجودا . بعد استخدام ماكينات حديثة لرفع المياه , وربما يوجد , عند فقراء المزارعين ذوي الملكيات الزراعية الضئيلة المساحة ) .

صُورَة الدَبّوّر , وأسفله صورة الطنبُوّر / حسب تسميات المصريين .  - لمن تهمه , من قرائنا -غير المصريين  .. موجودة أسفل - الدبور , وتحتها بقليل , صورة الطنبور - أو .. في موقع جوجل ) :
                   
                          
 ____________________________

تعليقات