مقالات مختارة - المثابرة

إدارة المدونة -

الضربات الأولى من السلطة المصرية - في العهد الملكي - ضد الشيوعيين

21-1-2020  الحوار المتمدن

دعت صحيفة الأهرام ( في العشريينيات من القرن الماضي )  الحكومة لاتخاذ التدابير اللازمة: لمنع تكرار الإضراب في بلد من بلدان هذا القطر؛ وأن تقضي علي المذهب الشيوعي قبل انتشاره واستفحال أمره‏,‏ فإن تجارب روسيا وإيطاليا قد أظهرت للعالم أن تقدم هذا المذهب وتعميم مبادئه خطر علي المجتمع؛ خاصة في البلدان التي تبلي به‏. وحملت الصحيفة مسئولية الإضراب للعمال من المهاجرين الروس، فتقول: "لا شك أن الحكومة قد علمت الآن أن هؤلاء اللاجئين ليسوا عالة علي مصر فقط بل إنهم خطر علي نظمها وعلي الأمن فيها وأن المصلحة تقضي بتطهير البلد منهم"‏.‏

وظلت الجريدة تحذر من سعي الشيوعيين المحتجزين في سجن الحضرة: إلى نشر مبادئهم بين بقية المسجونين‏.‏ فقد نجحوا في إقناع هؤلاء أنهم من طبقة العمال البائسين، وفقراء الفلاحين المظلومين. واندفعوا بعد هذا يبثون الدعوة بين المسجونين، حتي كسبوهم جميعا وملكوا ألبابهم بالحجج والبراهين‏. وقبيل إصدار الأحكام ـ وتجنبا لما قد يثيره الحكم علي بعض الأجانب المقبوض عليهم في القضية من تعقيدات دولية بسبب نظام الامتيازات ـ قررت الحكومة المصرية نفي بعض هؤلاء خارج البلاد. وكان منهم المسيو ساكيلارس بياكاكي ـ تاجر الإسفنج في ميدان محمد علي ـ ‏ الذي صمم علي أنه مصري؛ انطلاقا من أن الجزيرة التي أتى منها كانت تابعة للدولة العثمانية؛ عندما وصل إلي مصر‏.‏

أخيراً صدر الحكم في قضية الحزب الشيوعي الأول في 16 أكتوبر 1925م على النحو التالي:
1. ثلاث سنوات حبس مع الشغل علي كل من‏:‏ حسني العرابي ـ‏ أنطوان مارون ـ الشيخ صفوان أبو الفتح ـ الشحات إبراهيم‏, ـ إبراهيم كاتسي ـ روزنبرج‏.
2. ستة شهور حبس مع الشغل علي كل من: عبد الحفيظ عوض‏ ـ‏ محمد إبراهيم السكري ـ شعبان حافظ ـ محمد الصغير‏. ولما كان هؤلاء قد قضوا أغلب المدة في سجن الحضرة: فقد أطلق سراحهم بعد ثلاثة عشر يوما.‏
بعد إعلان القاضي‏ ـ أحمد طلعت باشا ـ للحكم وقف أحد الحضور وهتف بحياة الشيوعية. الأمر الذي أدي إلي القبض عليه؛ وأحيل الرجل واسمه حسين فوزي إلي محكمة جنح الإسكندرية؛ التي قضت عليه بغرامة قدرها ثلاثة جنيهات؛ علي أن يعتذر إلي القضاء عما صدر منه؛ فاعتذر في الحال ووعد بأن لا يعود إلي مثل هذا الخطأ.

وبناء على المعلومات الواردة للكومنترن؛ بما حدث للحزب بمصر بعد البطش به ومحاكمة قادته: قام بتكليف محمد عبد العزيز الدسوقي ـ وكان يدرس بجامعة شعوب الشرق بموسكو عام 1927م ـ بالعودة إلى مصر لقيادة الحزب واستعادة نشاطه. وفي عام 1928م: كلف الكومنترن أيضاً حسونة حسين ـ وكان يدرس بمعهد لينينيسكي سكولا وهو معهد عال مدة الدراسة به عامان بعد الانتهاء من الدراسة بجامعة شعوب الشرق ـ بالعودة إلى مصر والانضمام إلى محمد عبد العزيز الدسوقي في قيادة الحزب.
وجه البوليس ضربة أخرى للحزب في 5 إبريل 1928م. إلا أنه في أول مايو 1930م: قام الحزب بتوزيع بيان للاحتفال بعيد العمال؛ تم على إثره القبض على كل من: شعبان حافظ - حسونة حسين - تيوفاني اليوناني - محمد عبد العزيز الدسوقي - محمد محمد إبراهيم - إليكو ديمتريادس وآخرون. وتم الإفراج عن محمد عبد العزيز الدسوقي، وصدر الحكم بالحبس ستة أشهر على: حسونة حسين، ونفى تيوفاني اليوناني، والحبس لمدة سنة على: شعبان حافظ لسابقة حبسه عام 1926م.
وكان شعبان حافظ قد تمكن من الهرب إلى الاتحاد السوفيتي وعاد سرا إلى مصر عام 1934م؛ ليكون خلية سريه جديدة بالزقازيق. بعد أن تبين للكومنترن عمالة محمد عبد العزيز الدسوقي للأمن، وإبلاغه عن وصول مندوب الكومنترن إلى مصر حيث تم القبض عليه: قام بسحب اعترافه بالحزب الشيوعي المصري، والتشدد في اجراءات الأمان. وقد تكاتف كل من: حسونة حسين وشعبان حافظ ومحمد عمر؛ واعتبروا قرار الكومنترن وكأنه لم يصدر؛ وحافظوا على من تبقى من الحزب؛ إلى حين بزوغ الموجة الثانية من الحركة الشيوعية. ومن الأحداث المؤسفة التي يؤكد وقوعها الدكتور حسونة حسين: هى تحول السكرتير العام للحزب ـ حسني العرابي ـ من شيوعي متشدد إلى داعية للنازية. وقد سافر إلى ألمانيا حيث انتسب للحزب الإشتراكي الألماني، ثم عاد إلى مصر مدرساً للغة العربية. وانقطعت صلته بالشيوعيين المصريين. أما الشخصية الثانية التي تحولت من قيادة شيوعية كبيرة إلى عميل للبوليس: فكانت للأسف عبد الرحمن فضل.

الشيوعي التائه
ماذا عن المسيو جوزيف روزنتال الذى ظلت صحيفة الأهرام تسوق أخباره تحت عنوان الشيوعي التائه؟. في ‏24‏ يوليو ‏1924م‏ تم اعتقال الرجل، ووضعه تحت التحفظ في ثكنة كوم الدكة استعدادا لتسفيره في اليوم التالي. وذلك رغم احتجاجه بأنه مصري ويقطن البلاد منذ أكثر من أربعين سنة‏,‏ ولكن دون مجيب‏!‏ 
وبعد أكثر من شهر جاء خبر يشير أن الباخرة نمسيس ـ التي وضع الرجل علي متنها ـ عائدة في طريقها إلي الإسكندرية، بعد أن رفضت سائر سلطات مواني البحر المتوسط قبوله.‏ وفي يوم ‏9‏ سبتمبر وصلت نمسيس إلي الإسكندرية، وأرسلت المحافظة عددا من رجال البوليس لمنع نزوله من السفينة ومراقبته عليها‏.‏
صنعت قضية الشيوعي التائه مأزقا للحكومة المصرية؛ بعد أن رفضت سلطات الباخرة إعادته إلي متنها؛ لأنها ليست مسئولة عنه؛ وأنها لن تبرح الميناء قبل أن تستعيد الحكومة المصرية المسيو روزنتال‏.‏ وفي تلك الأثناء هرب الرجل من نمسيس ونزل إلي الإسكندرية‏.‏ وبعد البحث من جانب السلطات تم العثور عليه في إحدى المستشفيات، فأعيد إلي السفينة. غير أنه نقل إلي المستشفي مرة أخري، بعد أن ثبت أنه في حاجة لإجراء عملية جراحية‏.‏
وفي يوم ‏3‏ نوفمبر 1924م‏: انتهت قضية الشيوعي التائه؛ بعد أن كتب تعهدا علي نفسه بأنه لا يشتغل بعد ذلك ببث الدعوة الشيوعية في القطر المصري؛ ولا يتدخل في شئون العمال؛ علي أن يسعي السعي القانوني لإثبات جنسيته المصرية.‏ وفي مقابل ذلك تطلق الحكومة سراحه وتحله من الأمر الصادر بنفيه إلي الخارج.‏ وفي اليوم التالي: تم إطلاق سراح الخواجة يوسف روزنتال، وعاد إلي عمله في مخزنه في شارع شريف مطمئنا‏.

========

تعليقات