مقالات مختارة - من محلات الكنافة والفطايف والبسبوسة ... ...


مختارات : صلاح الدين محسن  27-3-2022

في حضرة الطيبات والطيبين ... المنسيين!
الحوار المتمدن   2022 / 3 / 27

الكاتبة : فاطمة ناعوت

"مفتاحُ الحياة" مُنطبقٌ على "مفتاحِ الحياة"، مصراعُ بابٍ فوق مصراعِ باب. مكتوبٌ على أحد المصراعين: "المرأة المصرية"، وعلى الآخر: “مفتاحُ الحياة". هكذا كان تصميمُ بطاقة الدعوة الأنيقة التي وصلتني من جميلاتٍ ثلاث هن: د. "مايا مرسي"، رئيسة المجلس القومي للمرأة، د. "هالة السعيد" وزيرة التخطيط، د. "نيفين القباج" وزيرة التضامن الاجتماعي، لحضور حفل تكريم المرأة المصرية والأم المثالية لعام 2022، أمس الأربعاء في مركز المنارة للمؤتمرات الدولية، برعاية فخامة الرئيس "عبد الفتاح السيسي". وهكذا أراد الرئيسُ أن يؤكد في رسالة رمزية شديدة البيان حاشدة بالمعنى، أن إعلاءَ شأن المرأة، هو أحد مفاتيح النهوض بالمجتمع: “المرأةُ المصرية مفتاحُ الحياة". جملةٌ مفيدة: مبتدأٌ وخبرٌ، مكتملةُ المعنى رفيعةُ الدلالة. جملةٌ مفيدةٌ تحملُ في طياتها كذلك إحياءً حلوًا لمجد هويتنا الحضارية الخالدة. فـ"مفتاحُ الحياة" في أدبياتنا المصرية هو: "عنخ"، حروفٌ ثلاثة لها دلالاتٌ كثيرة تصبُّ جميعها في خانة: الحياة والإثمار والإزهار والجمال والخلود والفرح. والحقُّ أن الحديثَ عن رمزية “مفتاح الحياة” في أدبياتنا المصرية الخالدة، يستوعب أبحاثًا ودراساتٍ وكتبًا ومجلداتٍ، يضيقُ عنها مقالٌ كهذا، وربما أوجزُ ما تيسر من ذلك في مقالات قادمة. أما مقالي اليوم، فأودُّ أن أحدثكم فيه عن يوم جميل قضيتُه قبل أيام مع أرواحٍ طيبة أعطتْ ولم تأخذ، منحتْ كلَّ شيء ولم تنلْ أيَّ شيء، بذلت أعمارَها عن طيب خاطر ورضا، وقوبل ذلك البذلُ بالجحود والنكران والنسيان، وفي الأخير لم يتبق لتلك الأرواح إلا ذرفُ الدموع، لا ندمًا على ما قدَّموا، بل شوقًا لمن جحدوا، وحنينًا.
قضيتُ يوم عيد الأم، في إحدى دور الُمسنّين والمسنّات، من المنسيين والمنسيّات. نسيهم أولادُهم، أو تناسوهم. الأمُّ والأبُ هما أكبرُ كنزٍ يمكن لإنسان أن ينعم به. فأيُّ عقلٍ بائس يُهدر كنزَه بيديه، بدلَ التشبّث به حتى اللحظة الأخيرة؟! أمرٌ مُحيّرٌ لا تفسير له! لكن الحبَّ الذي يقدمه الغرباءُ لأولئك المنسيين والمنسيات في الدار، لا حدَّ له. وأخطأتُ حين وصفتهم "بالغرباء"! وصفٌ جائرٌ لا يليقُ بما يقدمون من رحمة ورعاية وحب دون مقابل، وأجرُهم عند الله عظيمٌ. القائمون على هذه الدار لهم قلوبٌ من ذهب. يحاولون بكل ما يملكون من طاقة ووقتٍ وجهدٍ ومشاعرَ أن يعوضوا أولئك الأمهات والآباء عن أولادهم الذين نسيوا أن لأمهاتهم وآبائهم حقًّا عظيمًا لم يؤدَّ. قضيتُ عيدَ الأم في "دار الأمير لرعاية المسنين"، التابعة لمؤسسة "مُفرح القلوب" المشهرة برقم 6157 بإشراف وزارة التضامن الاجتماعي، في صفط اللبن محافظة الجيزة. وأشاد جميع العاملين بالدار، بجهود وزيرة التضامن الجميلة د. "نيفين القباج" بما تقدمه لهم من دعم ورعاية. الحبُّ كبيرٌ والجهدُ عظيمٌ والرعاية فائقة، لكن الاحتياجَ أكبر. القلبُ محبٌّ والعيُن بصيرةٌ لكن اليدَ قصيرة. مع غُرّة كلِّ شهرٍ جديد يعانون لدفع إيجار المكان. ومهما ساعد فاعلو الخير ذوو القلوب المثقفة، تتكرّرُ العسرة وتتزايد الأعباء. يحلمون بشراء المكان حتى يوفروا الإيجار الشهري وإضافته لبند طعام المسنين، وأدوية المرضى منهم؛ فمنهم من تخطى الثمانين ومنهم من يسعى إليها. منهم مُقعدون يلازمون الفراش ومنهم يتحركون بكراسي متحركة، ومنهم مكفوفو البصر ومنهم الأصمّ والأبكم والكسيح والمشلول ومنهم المتعب نفسيًّا، لكنهم جميعًا ذوو قلوب مفعمة بحب الحياة والغفران لمن جحد والقدرة على صناعة الفرح بأبسط الإمكانات. كلما زرتُهم وقضيتُ يومي في حضرتهم، عدتُ إلى بيتي شخصًا آخر. يغسلون همومي لا بهمومهم، بل بقدرتهم على تجاوز أوجاعهم وأحزانهم التي تتضاءل إلى جوارها همومُ المهمومين. أذهبُ إليهم مثقلةً بالحزن، وأخرج من دارهم خفيفة زاخرةً بالفرح والحياة. غنيتُ معهم: "تسلم الأيادي"، وغنينا "ست الحبايب"، ورقصنا على نغمات الفرح. الست "جميلة" كفيفةُ البصر مبصرةُ القلب، تملأ الدارَ غناءً وفرحًا وقلبها مصدوعٌ بما صنع بها الزمنُ والأقرباء. "نجاة" الجميلة الصمّاء قالت إنها لا تسمع صوتي، لكنها قرأت الحبَّ في عيني وسمعت خفق قلبي. أما السيدة "آمال" فلا تجفُّ دموعُها اشتياقًا للولد الذي لم تسمع صوته منذ ثلاث سنوات. "توحة" الجميلة التي وقعتُ في هواها ووقعتْ في هواي. وأما السيدة "حياة" فقد أوصتني أن أبلغَ الرئيس السيسي أن أمنيتها الوحيدة هي أن تراه، فتعالت الزغاريدُ يؤمنون على أمنيتها. تلك الأمهات المنسيات يدعين اللهَ في صلواتهم أن يحمي مصرَ وقائدها وجيشها. اللهم استجب لسؤال قلوبهنّ الطيبة.
شكرًا لجميع القائمين على تلك الدار الجميلة: هالة، جرجس، مايكل، ورئيس مجلس الإدارة "صبري كامل"، وكل الطيبين والطيبات من المساعدين. وطوبى لرحماء القلوب.
------- 


____________________________

تعليقات