كتابات مختارة - تجارب الخروج من الجسد

 أحمد أمين

الحوار المتمدن 2-6-2021

( من مختارات وإعداد : صلاح الدين محسن )

تعتبر تجربة الخروج من الجسد The Out-Of-Body Experience واحدة من أكثر الظواهر التي تكررت مع كل طوائف البشر عبر التاريخ، وهي تجربة لا تحدث فقط مع المرضى بل تحدث أيضًا مع الأصحاء، فهي تحدث تحت ظروف مختلفة أثناء النوم، وتحت أي شكل من أشكال الضغط النفسي، وتحت التخدير العام، وتحت ظروف طبية متعددة مثل الفشل القلبي، السكتات الدماغية؛ في هذه التجربة الأشخاص يبدون وكأنهم مستيقظين ويشعرون أن ذاتهم أو “وعيهم” متمركز في مكان مرتفع خارج جسدهم الفيزيائي، ويستطيعون من هذا المكان رؤية أجسادهم ورؤية الأحداث التي تجري حولهم أيضًا. لأن هذه التجربة تكررت كثيرًا، وتتكرر الآن أمام أعيننا في كثيرٍ من المستشفيات، العلم لا يستطيع تجاهلها وبدأ يحاول وضع تفسيرات لها؛ التفسيرات المقترحة تتراوح ما بين تفسيرات فيسيولوچية، وتفسيرات نفسية، وتفسيرات لا مادية، أي تفسيرات لا تختزل العقل أو الوعي في مادة الجسم فقط.

– التفسيرات الفيسيولوچية:

تقريبًا أشهر تفسير فيسيولوچي لتجربة الخروج من الجسد هو تفسير عالم الأعصاب السويسري Olaf Blanke الذي قضى معظم حياته في محاولة تفسير هذه التجارب، في سنة 2002 هذا العالم مع فريقه كانوا يعملون على إمرأة عمرها 43 سنة كانت مصابة بنوبات صرع متكررة على مدار 11عامًا، الأدوية لم تكن تنفع مع حالتها، الحل الوحيد لمعالجتها كان عن طريق إيجاد موقع مركز الصرع The Epileptic Focus – الموقع الذي تنشأ فيه نوبة الصرع وتنتشر منه لبقية أجزاء المخ – وإستئصاله؛ لكن جراحي الأعصاب لم يتمكنوا من معرفة هذا الموقع، فقاموا بفتح جمجمة المرأة ووضع أقطاب كهربائية على سطح المخ وقاموا بتحفيز أجزاء مختلفة من سطح المخ كهربائيًا، ليعرفوا أي جزء من هذه الأجزاء سيولد نوبة الصرع عند تحفيزه كهربائيًا ومن ثم يقومون بإستئصاله، المرأة كانت مستيقظة أثناء ذلك فلا يوجد داعي لتخديرها لأن المخ لا يحتوي على مستقبلات عصبية للألم فكانت تستطيع أن تخبر الأطباء ماذا كان يحدث لها عندما كانوا يحفزون أجزاء مخها كهربائيًا، وبالفعل نجح الأطباء في تحديد موقع مركز الصرع وقاموا بإستئصاله لكنهم لاحظوا أنهم عندما كانوا يحفزون المنطقة التي يتلاقى فيها الفص الصدغي والفص الجداري للمخ The Temporoparietal Junction المرأة كانت تخبرهم أنها شعرت أنها خرجت من جسدها وحلقت في سقف الغرفة، وأنها تغوص في السرير الذي كانت عليه، وأن شكل قدميها وذراعيها يتغير فإستنتجوا من ذلك أن هذه المنطقة هي ما تخلق تجربة الخروج من الجسد ونشروا هذه الحالة على مجلة نيتشر [1]، هذه النتائج تؤكدها دراسة أخرى على المجلة التابعة لجمعية أطباء ماساشوستس لمريضة عمرها 63 سنةً وكانت تعاني من مرض طنين الأذن عندما كان جراح الأعصاب --dir--k Ridder يحفز المنطقة ما بين الفص الصدغي والفص الجداري في مخها زعمت هي ايضًا أنها شعرت بأنها خرجت من جسدها [2].

في دراسة أخرى جرت على 210 من الأشخاص المصابين بمرض إضطراب الجهاز الدهليزي The Vestibular System وهو الجهاز المسئول عن شعور الفرد بالإتزان والإدراكات الزمنية والمكانية وجد الباحثون أن نسبة 14% من المرضى شعروا بتجربة الخروج من الجسد مقارنة بـ 5% فقط من الأصحاء، كمثال على حالة من هذه الحالات،مريض من هؤلاء المرضى كان يقود سيارته بسرعة كبيرة فشعر أنه خرج من جسده، نظرًا لأن الجهاز الدهليزي سيكون مسؤولًا عن توجيه هذا المريض وإعطائه إحساسًا بالمضي قدمًا أثناء قيادته للسيارة، فإن النظام الدهليزي المضطرب يمكن أن يرسل إشارات خاطئة إلى الدماغ أثناء الحركة، عندما يتم إرسال إشارات خاطئة إلى المخ بشأن الحركة، يخلق ذلك إرتباكًا، يجب على المخ فهم هذه المعلومات المتضاربة، فتكون نتيجة ذلك خلق شعور أنك تخرج من جسدك وأنك تدرك البيئة من حولك من مكان أعلى، فإستنتجوا من ذلك أن الجهاز الدهليزي له دور في خلق تجربة الخروج من الجسد [3].

– التفسيرات النفسية:

يوجد العديد من الأمراض النفسية التي تم ربطها بتجربة الخروج من الجسد مثل القلق، الإكتئاب، إضطراب تبدد الشخصية، إضطرابات النوم، إضطرابات التفكك، مرض التوهم، الهلوسات السمعية والبصرية، عند الشعور المستمر بالخوف [4].

– التفسيرات التي لا تختزل العقل في مادة المخ فقط:

هذه التفسيرات تقول إن ما يحدث في هذه التجارب هو أن العقل ينفصل بالفعل عن الجسم الفيزيائي، وسبب اللجوء لهذا التفسير أن التفسيرات المذكورة بالأعلى لا يمكنها تفسير كل حالات تجارب الخروج من الجسد هذه الحالات هي:

- تجارب الخروج من الجسد التي يحدث فيها إدراك للأحداث حول الجسم أثناء السكتة القلبية:

السكتة القلبية هي الموت الإكلينيكي ما إن يتوقف القلب عن العمل حتى تتوقف الدورة الدموية في الجسم بالكامل و ينقطع الدم عن المخ أيضًا، بإنقطاع الدم عن المخ، يتوقف النشاط العصبي فيه، هذا يحدث في غضون 20-30 ثانية من توقف القلب عن العمل [5] ومع ذلك تحت هذه الظروف وكل من “القلب” و”الدماغ” لا يعملان تحدث تجربة الخروج من الجسد وعندها الأشخاص يشعرون انهم خرجوا من أجسادهم ويتمكنون من وصف أحداث حقيقية جرت حول أجسامهم بدقة عالية، يوجد حالات كثيرة تم الإخبار عنها من قبل العديد من المرضي والأطباء، فهذه الفرضيات المذكورة بالأعلى والتي تفترض أن الدماغ هو ما يخلق تجربة الخروج من الجسد لن تتمكن من تفسير مثل هذه الحالات حيث يتوقف كل من القلب و الدماغ ومع ذلك يتمكن هؤلاء من إدراك الأحداث حول الجسم بدقة، إذاً كيف يُعتقد أن الدماغ هو ما يخلقها! وهي تحدث وهو لا يعمل من الأساس؟ [6].

- تجارب الخروج من الجسد التي يتم فيها إدراك أحداث بعيدة عن الحواس:

يوجد أيضًا العديد من الحالات التي يتمكن فيها من تحدث لهم تجربة الخروج من الجسد تحت ظروف مثل السكتة القلبية أو التخدير العام أن يدركوا أحداث واقعية حتى بعيدة عن حواسهم الفيزيائية – أحداث بعيدة عن العين والأذن – على سبيل المثال شخص في غرفة الإنعاش يدرك محادثات أفراد عائلته خارج غرفة الإنعاش أو يدرك أحداث حصلت في غرف أخرى من غرف المستشفى التي كان موجود فيها، ويتم تأكيد حصول ما قاله فعلاً من قبل الأطباء أو الممرضات أو أفراد عائلته [7] كيف سيفسر نشاط الدماغ هذا؟


- تجارب الخروج من الجسد في الأشخاص المصابين بالعمى:

يوجد بعض الحالات لأشخاص مصابين بالعمى من ولادتهم أو أصيبوا بالعمى نتيجة حادث أثناء حياتهم، عندما تحدث لهم تجربة الخروج من الجسد يتمكنون من إستعادة الرؤية مرة أخرى ويتمكنون كالاشخاص الأصحاء من وصف أحداث حقيقة حصلت حول اجسامهم كيف سيتم تفسير ذلك بنشاط المخ؟ من المفترض أنه كي يرى المخ حدث حقيقي يجب أن يستقبل المعلومات من عضو الحس أولاً [العين]، هنا عضو الحس لا يعمل كيف استطاعوا أن يبصروا مرة أخري أثناء التجربة؟؟ [8].

هذه الحالات أيضًا تعتبر دليل على أن ما يحدث ليس هلوسات وأوهام وخيالات ينتجها الدماغ يوجد حالات الدماغ فيها لا يعمل من الأساس كيف ينتج هلوسة وهو لا يعمل؟ ويوجد حالات يتم فيها وصف أحداث واقعية حول أو بعيدًا عن الجسم، لا يمكن إعتبار وصف حدث حقيقي على أنه هلوسة وتوهم فتجارب الخروج من الجسد التي تحصل نتيجة تحفيز مناطق الدماع أو من خلل في عمل أجزاء من الجسم أو نتيجة تناول عقار معين ليست مطابقة لما يحدث في تجربة الخروج من الجسد الواقعية، هذه ينتج عنها أوهام وخيالات وتلك يحدث فيها وصف أحداث حقيقية [8]، لذلك يوجد من يجادل بناءًا على هذه البيانات أنه ليس بالضرورة أن يكون العقل نتاج الدماغ وأن هذه التجارب تدعم الفلسفة الثنائية Mind-Body Dualism فكرة أن العقل يمكنه أن ينفصل عن الجسد ويمكنه أن يظل موجود بدون عمل هذا الجسد/الدماغ [9]، وهذا لا يوجد فيه أي شيء يخالف العلم لأنه لم يبرهن أحد أصلاً أن العقل هو نتاج الدماغ هذه مجرد رؤية فلسفية مادية ليس عليها دليل علمي تجريبي مباشر، (إقرأ عن معضلة العقل والجسد الشهيرة The Mind-Body Problem).

مصادر:

[1]https://www.nature.com/articles/419269a

[2]https://www.nejm.org/doi/full/10.1056/nejmoa070010

[3]https://www.scientificamerican.com/article/what-causes-spooky-out-of-body-experiences/

[4]https://www.healthline.com/health/out-of-body-experience

[5]https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fcvm.2018.00015/full

[6]https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6179462/ , https://med.virginia.edu/perceptual-studies/book-publication/visualizing-out-of-body-experience-in-the-brain/ , https://n.pr/3i4Gsu6

[7]https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6172100/ , https://n.pr/3i4Gsu6

[8]https://nyaspubs.onlinelibrary.wiley.com/doi/full/10.1111/j.1749-6632.2011.06080.x , https://psycnet.apa.org/record/2000-08289-000

[9]https://nyaspubs.onlinelibrary.wiley.com/doi/full/10.1111/nyas.12582

--- تعليقات : تسلسل 2 

صلاح الدين محسن

فيما يتعلق بالحياة والموت .. أعتقد في وجود ما يشبه المسائل المعلقة في الرياضيات .. تلك المسائل التي يعجز علماء الرياضيات عن حلها . وتظل معلقة حتي يخرج أحد النبغاء النبهاء العباقرة ويقوم بحلها . وقد يكون العبقري صبياً أو صبية في مقتبل العمر .. مثل الطفلة المصرية جيسيكا 14 سنة - عالمة الرياضيات . وغيرها

كذلك الأمر فيما يتعلق بالحياة والموت والقدرات الخارقة . كقراءة والتخاطب بالأفكار عن بعد - التليباثي . ورؤية - أو استشراف أحداث المستقبل .. 

أتصور وجود مسائل معلقة أيضاَ , تخص تلك الأمور , وتحتاج لمن يحلها علمياً / بشكل جاد 

تحياتي

-------- 


تعليقات