كتابات مختارة - دعوة للأغبياء!

 
--------
كتبت : شروق الفواز 

- نقلاً من جريدة الرياض السعودية . 2001-07-18 

كنت قد قرأت في احدى المجلات خبراً صغيراً، عن مؤتمر صغير أقامه مجموعة من أذكياء الناس، في احدى المدن الأمريكية وجهوا فيه الدعوة عامة للأغبياء، ولكل من يعتقد بأنه غبي، أو أنه تصرف بغباء في يوم من الأيام، ليروي فيه هؤلاء المدعوون مواقفهم الغبية أو تلك التي اتسموا فيها بالغباء لتعرض على لجنة التحكيم، فتختار أكثر المشاركين غباء!
قد يبدو هذا الخبر طريفاً ومضحكاً، إلا أنه يستحق التمعن والتمحيص، فكيف يمكن للإنسان أن يعترف بالغباء أو يصف نفسه به، إن لم يكن كذلك، والحقيقة اني تمنيت لو أني حضرت هذا الاجتماع أو المؤتمر الغبي، لا من أجل التسلية وحسب، وبالتأكيد ليس اعترافاً مني بالغباء، وإنما من باب الفضول، والرغبة في معرفة مواقف هؤلاء الناس الغبية، وتقييمها والاستفادة منها. وكم كنت أتمنى لو ان احدى القنوات الفضائية تكفلت بنقل هذا الاجتماع القيم حياً على الهواء مباشرة، أو حتى تسجيلاً له، أو انها نقلت مقتطفات منه، لنشارك هؤلاء الأغبياء قصصهم ومواقفهم، ولكان ذلك أفضل لنا بكثير من الحفلات المزعجة أو تلك البرامج (الجماهيرية) التافهة التي تتكبد عناء نقلها وتصويرها، بما فيها من غثاء وسخف وأناس دعوا أنفسهم عنوة بالنجوم! وبالرغم من أني لم أحضر هذا الاجتماع ولم يكن لي مجال ولا حيلة في الوصول إليه وإلى وقائعه، إلا انني لم ايأس، وقمت بتعويض ذلك بتوظيف خلايا مخي وتحفيزها، وأشعلت رأسي تفكيراً للوصول وتخيل ما يمكن ان يحتوي عليه هذا الاجتماع، من مواقف. فهل كل من شاركوا فيه أغبياء حقاً؟ أم ان ذكاءهم الشديد وغرورهم بذلك هو الذي دفعهم للوقوع أو القيام بتصرفات غبية لا يقوم بها الأغبياء الحقيقيون ولا حتى الحمقى؟ وقد يكون صفاء ونقاء سريرتهم وحسن ظنهم بالناس هو سبب ذلك، وربما دهاء ومكائد الأناس الذين حولهم وتربصهم بهم هو الذي أوقعتهم في هذه المواقف والمطبات الغبية. وهذه المواقف التي رووها، ألا يمكن أن تكون شبيهة ببعض المواقف التي مررنا أو سنمر بها في مشوار حياتنا الممتد بإذن الله، ولا بالتجارب العديدة والمغامرات التي خضناها وخسرناها لأننا تصرفنا بغباء؟

لا اعتقد بأن هنالك إنسانا على وجه هذه الأرض لم يكن غبياً في يوم من الأيام، مهما بلغ به الذكاء والدهاء والحرص، فإنه سيخذل في يوم ما ويصبح غبياً. الفرق الوحيد بيننا وبين أولئك المجتمعين، انهم أشجع منا، وأكثر صدقاً ومصارحة مع أنفسهم، لأنهم رووا مواقفهم الغبية والمخجلة أيضاً على الملأ وأمام الجميع، إما من باب الثقة بالنفس، والايمان بنقائص النفس البشرية، أو من باب التكفير عن اللحظات الغبية التي قضوها والأعمال التي ارتكبوها. ولست أدري لو أن مثل هذا الاجتماع قد أقيم في مكان قريب منا، هل كنا سنفكر في المشاركة فيه، لنروي قصصنا الغبية واخفاقاتنا التي عشناها في يوم من الأيام؟ أم أننا سنستعيض عن ذلك بالدعاء ليل نهار بأن يجللنا الله بستره ولا يكشف الغطاء عن الكثير من حماقاتنا وغبائنا، فيبصرها غيرنا ممن يكنون الاحترام لنا، أو ينظرون إلينا بعين ملؤها الاعجاب والتقدير، أو أولئك الذين ينتظرون سقطاتنا وهفواتنا بفارغ الصبر. الكمال لله وحده وليس منا من هو خال من النقائص والعيوب، ولكنها تركيبتنا الاجتماعية والنفسية هي التي تأبى علينا الاعتراف بها أو تقبلها، بالرغم من أن العالم من حولنا بات يعج ويضج بالكثير من القرارات والاجراءات الغبية، وبالعديد من الأغبياء الذين كان غباؤنا نحن السبب في تعلية شأنهم والتعامل مع نقائصهم، وتناقضاتهم على انها شيء بديع نادر موغل في الذكاء.
فلماذا نخجل إذاً ما دمنا جميعاً نخوض في دوامة الأغبياء؟!
--- تعليقات :
1 الغامدية 2001-07-19  
لا يوجدغبي يعرف أنه غبي ،بل على العكس كلما إزداد المرء غباء شعر أنه أذكى البشر ‍‍‍!! وطالما إعترف المرء بأنه غبي فإنه أذكى الأذكياء ، لذلك فالمؤتمر أحرى به أن يسمى مؤتمر الأذكياء الغير عاديين "الموهوبين"

2 هدى جمال 2001-07-18  
اختي العزيزة،
اعجبني مقالك كثيراً، وبشكل عام الاعتراف بالحق فضيلة وهذة هي ميزة الشعب الغربي في انهم اناس صريحين جدا لايخجل الشخص فيهم من الاعتراف بالنقص الذي فية ولا اسمية نقصا وانما صراحة بعكسنا نحن العرب الذين لانعترف باخطأنا وان كانت بسيطة لاتستلزم عناء الاعتراف بها، والمواجهة اهم من ذلك فالناس في الغرب صريحين الى حد المواجهة والتحدي الشريف اي face to face ، الا ان العربي وليس كل العرب وللاسف يتصفون بالانانية في كل شيئ حتى وان كان شيى جميل يشترك بة كثيرون يجتمع لديهم صفة معينة يحاولون من خلالها مشاركة ومساندة بعضهم البعض، حتى التفكير في برامج تلفزيونية جديدة وفعالة لا نكلف انفسنا في التفكير واستنتاج افكار ناجحة لكننا نراقب الغرب ونقلدهم في كل شيئ تقليدا اعمى.
وشكرا
هدى جمال
========

تعليقات