ذكريات واختراع
كتب : صلاح الدين محسن
31 - 1 - 2020
في بداية قدومي لكندا . سمعت من بعض المهاجرين ممن عانوا من الاضطهاد في بلدهم الأم , حكايات من مآسي الاضطهاد .
وكنت قد جمعت عدداً من تلك الحكايات لنشرها في مقالاتي .
من ضمنها حكاية شخص وعائلته , قال لي انه حكاها من قبل للراحل الكبير الدكتور فرج فودة . عندما زار كندا من قبل . فضحك الدكتور فودة - حسبما ذكر أخونا - ..
لكنني لم أضحك , بل حزنت وتأثرت جداً من الموقف الذي تعرض له صاحب الحكاية وعائلته ..
فكتبت عنه في أحد مقالاتي التي نشرتها - حوالي عام 2005 - 2006..
كنت أود ذكر اسمه فيما نشرته , لكنني أعرف أن ذلك ليس في صالحه .. فأمثاله لا يقدرون علي البوح بأوجاع الظلم الواقع عليهم , ويخشون أن ينسب اليهم أحد , البوح بشيء , حتي لا يتعرضون للمزيد من الاضطهاد - وقتها علي الأقل -..
واذا بذاك الشخص يتصل بالتليفون , ليس ليشكرني .. ولكن كان غاضباً كما لو كُنتُ قد سلبته إختراعاً ونسبته لنفسي .. !
علماً بان ذاك الانسان لا صلة له بالكتابة ولا الأبحاث . بل هو رجل أعمال محدود المستوي .
وقد آلمني رد فعله هذا .. مما جعلني أحجم عن نشر المزيد مما تعرض له آخرون غيره . وحكوا لي عنه علي سبيل الفضفضة مع كاتب .
الكُتّاب والروائيون والمؤلفون عموماً يأتون بأغلب ما يؤلفونه من الناس .. ومن القراءة لبعضهم ولمن سبقوهم .
و الحوارات مع المعارف - مثقفون وغيرهم - كثيراً ما تُلهِم الكاتب بأفكار ومواضيع يكتبها ..
ومن غير المعقول انه في كل مرة عليه أن يكتب أسماء هؤلاء .... فقط عندما ينقل من كِتاب أو بحث أو مقال , عليه بذكر المصدر , بالضرورة ..
قد يدور حديث مع أحد الأشخاص دون أسمع منه شيئاً جديداً , ولكن الحديث في حد ذاته أجده قد حرَّك أفكاراً برأسي .. فساعد علي أنضِاجها وإخرِاجها في شكل , أكتبه وأنشره . ومن غير المعقول أن يكون مطلوباً مني في كل مرة هكذا , أن أشير الي أن الموضوع المنشور جاء من وحي حديث مع فلان .. ! .
وأحياناً ما أكتب من وحي حديث دار بين اثنين لا أعرفهما , في لقاء عابر بمحل أو بكافيتريا . أوبين اثنين من الجيران لا أعرفهما سوي بالشكل , في عمارة يسكنها قرابة المائة ساكن ..
أحد معارفي , مثقف محترم , ومناضل سياسي سابق و قديم , ويحمل درجة أكاديمية رفيعة .
في عام 1997 أطلعته علي مُسوّدة كتاب لي قبل أن أطبعه . فاقترح عليّ تعديل فصلين من الكِتاب , باعادة كتابتهما ..
ما ان قال ذلك حتي شعرت بأنه قد هداني لشيء كان يقلقني ولم أستطع تحديده .. وبالفعل أعدت كتابة الفصلين . ونجح الكتاب نجاحاً كبيراً - وكالات الأنباء العالمية نقلت منه مقتطفات , وكتبت عنه بعض الصحف بالداخل - عام 1997 . انه كتاب " الشيخ الشعراوي وعَدويِّة " ..
أود أن أذكر هنا .. اسم ذاك المثقف النبيل . وأشكره - يعيش في كندا الآن , بمدينة أخري - . لكنني أعرف ان ذِكر اسمه قد يسبب له حرجاً أو بعض المشاكل . بحكم وضعه الخاص . وبحكم طبيعة الكتاب .
شعراء أغاني وفنانون يفعلون نفس الشيء , فهذا شاعر غنائي يقول انه استمد أغنيته من بائع جائل - كان يبيع الثوم ! - يسير ببضاعته في الشارع وهو يغني للثوم " توم الخزين يا توم " .. وعلي وزن أغنية الثوم ,, كتب الشاعر أغنية " توب الفرح يا توب " تغنيها المطربة المصرية الكبيرة " أحلام " ..
وأتمني لو أتيحت لي فرصة كتابة أغنية علي وزن ولحن غناء بائع الكتاكيت الذي كان يدور بالقرية , وقتما كنت طفلاً دون العشر سنوات .. وأعطيها لملحن , وأغني مطلعها أمام الملحن كما كان يغنيه بائع الكتاكيت المتجول فوق حماره ..
والممثل الراحل المحبوب " حسن فايق " الذي اشتهر بضحكته الغريبة المثيرة للمرح . قال انه نقل تلك الضحكة نقلاً من مشاهد بالمسرح ! اعتاد الجلوس بالصف الأول . وأن يضحك تلك الضحكة لأبسط المشاهد .. فكان الجمهور يضحكون من ضحكته .. فأخذها عنه " حسن فايق " . وظلت ملازمه لاسمه للآن .. ونتذكر" فايق " بتلك الضحكة ( المنقولة ) .. ! .
( وتوجد أمثلة فنية أخري كثيرة )
الناس , المجتمع , البيئة .. هي مصدر كل ما يكتبه المؤلفون , وما يخترعه المخترعون , و ما يبدعه الفنانون .
====
31 - 1 - 2020
في بداية قدومي لكندا . سمعت من بعض المهاجرين ممن عانوا من الاضطهاد في بلدهم الأم , حكايات من مآسي الاضطهاد .
وكنت قد جمعت عدداً من تلك الحكايات لنشرها في مقالاتي .
من ضمنها حكاية شخص وعائلته , قال لي انه حكاها من قبل للراحل الكبير الدكتور فرج فودة . عندما زار كندا من قبل . فضحك الدكتور فودة - حسبما ذكر أخونا - ..
لكنني لم أضحك , بل حزنت وتأثرت جداً من الموقف الذي تعرض له صاحب الحكاية وعائلته ..
فكتبت عنه في أحد مقالاتي التي نشرتها - حوالي عام 2005 - 2006..
كنت أود ذكر اسمه فيما نشرته , لكنني أعرف أن ذلك ليس في صالحه .. فأمثاله لا يقدرون علي البوح بأوجاع الظلم الواقع عليهم , ويخشون أن ينسب اليهم أحد , البوح بشيء , حتي لا يتعرضون للمزيد من الاضطهاد - وقتها علي الأقل -..
واذا بذاك الشخص يتصل بالتليفون , ليس ليشكرني .. ولكن كان غاضباً كما لو كُنتُ قد سلبته إختراعاً ونسبته لنفسي .. !
علماً بان ذاك الانسان لا صلة له بالكتابة ولا الأبحاث . بل هو رجل أعمال محدود المستوي .
الكُتّاب والروائيون والمؤلفون عموماً يأتون بأغلب ما يؤلفونه من الناس .. ومن القراءة لبعضهم ولمن سبقوهم .
و الحوارات مع المعارف - مثقفون وغيرهم - كثيراً ما تُلهِم الكاتب بأفكار ومواضيع يكتبها ..
ومن غير المعقول انه في كل مرة عليه أن يكتب أسماء هؤلاء .... فقط عندما ينقل من كِتاب أو بحث أو مقال , عليه بذكر المصدر , بالضرورة ..
قد يدور حديث مع أحد الأشخاص دون أسمع منه شيئاً جديداً , ولكن الحديث في حد ذاته أجده قد حرَّك أفكاراً برأسي .. فساعد علي أنضِاجها وإخرِاجها في شكل , أكتبه وأنشره . ومن غير المعقول أن يكون مطلوباً مني في كل مرة هكذا , أن أشير الي أن الموضوع المنشور جاء من وحي حديث مع فلان .. ! .
وأحياناً ما أكتب من وحي حديث دار بين اثنين لا أعرفهما , في لقاء عابر بمحل أو بكافيتريا . أوبين اثنين من الجيران لا أعرفهما سوي بالشكل , في عمارة يسكنها قرابة المائة ساكن ..
أحد معارفي , مثقف محترم , ومناضل سياسي سابق و قديم , ويحمل درجة أكاديمية رفيعة .
في عام 1997 أطلعته علي مُسوّدة كتاب لي قبل أن أطبعه . فاقترح عليّ تعديل فصلين من الكِتاب , باعادة كتابتهما ..
ما ان قال ذلك حتي شعرت بأنه قد هداني لشيء كان يقلقني ولم أستطع تحديده .. وبالفعل أعدت كتابة الفصلين . ونجح الكتاب نجاحاً كبيراً - وكالات الأنباء العالمية نقلت منه مقتطفات , وكتبت عنه بعض الصحف بالداخل - عام 1997 . انه كتاب " الشيخ الشعراوي وعَدويِّة " ..
أود أن أذكر هنا .. اسم ذاك المثقف النبيل . وأشكره - يعيش في كندا الآن , بمدينة أخري - . لكنني أعرف ان ذِكر اسمه قد يسبب له حرجاً أو بعض المشاكل . بحكم وضعه الخاص . وبحكم طبيعة الكتاب .
وأتمني لو أتيحت لي فرصة كتابة أغنية علي وزن ولحن غناء بائع الكتاكيت الذي كان يدور بالقرية , وقتما كنت طفلاً دون العشر سنوات .. وأعطيها لملحن , وأغني مطلعها أمام الملحن كما كان يغنيه بائع الكتاكيت المتجول فوق حماره ..
والممثل الراحل المحبوب " حسن فايق " الذي اشتهر بضحكته الغريبة المثيرة للمرح . قال انه نقل تلك الضحكة نقلاً من مشاهد بالمسرح ! اعتاد الجلوس بالصف الأول . وأن يضحك تلك الضحكة لأبسط المشاهد .. فكان الجمهور يضحكون من ضحكته .. فأخذها عنه " حسن فايق " . وظلت ملازمه لاسمه للآن .. ونتذكر" فايق " بتلك الضحكة ( المنقولة ) .. ! .
( وتوجد أمثلة فنية أخري كثيرة )
الناس , المجتمع , البيئة .. هي مصدر كل ما يكتبه المؤلفون , وما يخترعه المخترعون , و ما يبدعه الفنانون .
====
تعليقات
إرسال تعليق