كتابات مختارة


القرآن وتاريخ مصر والسودان

كامل النجار


الحوار المتمدن -  2016 / 3 / 26


سوف اعتمد في هذا البحث على كتاب "تاريخ السودان حتى عام 1821 ميلادية" الذي ألفه أستاذ علم المصريات Egyptology في جامعة لندن، السيد آركل، A History of the Sudan To A.D.1821, A J Arkell, Athlone Press, London- المنشور عام 1961
القرآن، أو السيوبرماركت, كما سماه الكاتب المصري حسن حنفي، يعتمد على الميثولوجيا وتاريخ الأمم السابقة. وتكمن المشكلة في أن مؤلف أو مؤلفي القرآن لم يكونوا على إلمام تام بالتاريخ القديم، خاصةً تاريخ مصر والسودان. وبما أن أكثر من ثلث القرآن يتكون من قصة موسى وبني إسرائيل وخروجهم من مصر، فعلينا قراءة هذا التاريخ لإثبات زيف القرآن.
بدأ تاريخ مصر القديمة في حوالي عام 3000 قبل الميلاد عندما وحّد الملك نار مير Nar-mer مصر العليا ومصر السفلى وكوّن الأسرة الأولى الحاكمة. وكان وقتها قد وصلت الكتابة بالصور من العراق إلى مصر وأصبح بإمكان الفراعنة تسجيل كل غزواتهم في شمال السودان والعراق وسوريا وفلسطين بالنحت على التلال أو على مسلات يقيمونها في مقابر الملوك عندما يموتون وفي العابد العديدة التي بنوها لللآلهة (المصدر أعلاه، ص 14). وقد حكمت مصر 30 عائلة يسميها علماء التاريخ Dynasty. فنجد مثلاً في الأسرة الرابعة (2720 ق.م) أن الملك سينيفرو، والد الملك خوفو الذي بنى أهرام الجيزة الشهير، قد أرسل جيشه إلى منطقة النوبة جنوب الشلال الأول، وقد هزم النوبة ورجع بسبعمائة أسير ومائتي ألف رأس من الماشية والماعز (نفس المصدر ص 41). وفي الأسرة السادسة (2423- 2242) قبل الميلاد، نجد أن الملك أو الفرعون بيبي الثاني Pepi II قد أرسل قائد قوافله الشهير وقتها وكان يُدعى هيركوف، إلى بلاد النوبة ليكتشف طريقاً برياً لأن السفر بالقوارب على نهر النيل جنوب أسوان كان صعباً بسبب الشلالات. وكتب هيركوف أنه قام بأربعة رحلات إلى بلاد النوبة ورجع من أحدى تلك الرحلا بثلاثمائة حمار محملة بالبخور والعاج وجلد النمر وسن الفيل، كما أحضر راقصاً قزماً أُعجب به الملك أيما إعجاب (نفس المصدر، ص 43). ولأن نهر النيل كان وما زال هو شريان الحياة لمصر فقد اهتم قدماء المصريين بتدوين ارتفاع نهر النيل وقت الفيضان ونحتوا هذه المقاسات على الصخور بجانب النيل وما زلت هذه العلامات موجودة حتى الآن
وفي مدونات تحتمس الثالث من الأسرة 18 يذكر الملك في معبد الكرنك غزواته في بلاد النوبة وفي آسيا (العراق وفلسطين) وكذلك دفع الضريبة المفروضة على ملوك بلاد النوبة ومملكة كش في الأعوام 31 و 33 و 34 و35 و38 و39 و 41 من بداية حكمه (نفس المصدر، ص 88).
وجاء القرآن ليخبرنا عن فرعون الذي طغى وقال أنا ربكم الأعلى. وقد تخيل مؤلف القرآن أم مصر كان يحكمها فرعون واحد، وهو يجهل اسمه، ولذلك لم يذكر أي اسم مع هذا الفرعون. وقد زعم مؤرخو الإسلام أن هذا الفرعون هو رمسيس الثالث (1198-1166 ق.م). ولكن نفس مدونات الأسر الحاكمة قبل الميلاد تخبرنا أن رمسيس الثالث تعرض إلى مؤامرة دبرتها إحدى زوجاته كي يرث ابنها العرش، وسُميت هذه المؤامرة "مؤامرة الحريم" Harem Conspiracy (نفس المصدر، ص 108). فهذا الفرعون لم يمت غرقاً كما يزعم القرآن، بل مات مقتولاً. وكان رمسيس الثالث من الأسرة عشرين، بينما يُرجح علماء التاريخ أن موسى وقصة خروجه الوهمي من مصر كانت حوالي عام 1400 إلى 1200 قبل الميلاد. وهذا التاريخ يتماهى مع الأسرة الثامنة عشر، وفي عهد الفرعون أخناتون بالذات (1370-1352 ق.م). وأخناتون قطعاً لم يقل أنا ربكم الأعلى لأنه كان أول فرعون يعتنق الوحدانية الإلهية مما جعل كهنة الإله أمون يقاطعونه ويحرضون عليه العامة. وعندما جاء بعده توت عنخ أمون وأرجع تعدد الآلهة وبنى مدينة كاملة وسماها "تصالح الآلهة Reconciliation of the Gods تصالح توت عنخ أمون مع الكهنة (نفس المصدر ص 93). أغلب فراعنة مصر كانوا يتعبدون لإله السماء أمون وقد بنوا له معابداً كثيرة. وعندما افتتح تحتمس الأول (1530-1520 قبل الميلاد ) بلاد النوبة في شمال السودان بنى عدة قلاع وفي كل قلعة بنى معبداً للإله أمون. وقد بلغ عدد القلاع في بلاد النوبة 14 قلعة، وفي كل قلعة معبدٌ للإله أمون (ص 60).
فالفرعون المجهول الذي ذكره القرآن لا وجود له في تاريخ مصر، وحتماً لم يمت غرقاً لأن تاريخ مصر المنحوت في الصخور، والذي يذكر لنا أتفه التفاصيل مثل إحضار القزم الراقص من بلاد النوبة، ودفع الجزية سنوياً بواسطة زعماء النوبة، لم يذكر موت أي فرعون غرقاً. كما أنه لم يذكر انشقاق البحر الأحمر أو خروج ما لا يقل عن ثلاثمائة ألف من رجال بني إسرائيل مع نسائهم وأطفالهم وماشيتهم. لو حدث مثل هذا الحدث العظيم فليس من المعقول تجاهله وعدم ذكره في مدونات الفراعنة الذين أتوا من بعده، خاصةً أن القرآن يقول إن الله قد ابتلى مصر بتحويل ماء النيل إلى دماء وسلّط على مصر القُمل والضفاضع وكل أنواع المضايقات كي يجبر الفرعون على إخلاء سبيل بني إسرائيل، الذين لم يعيشوا في مصر أصلاً.
هل كان المصريون يعبدون الملك أو الفرعون؟ في الأسرة الثامنة عشر وعندما جاء تحتمس الثالث، زوج الملكة حتشبسوت وخليفتها في الحكم، أمر بإضافة اسم الفرعون سينيوسرت الثالث Senusret III بعد موته إلى اسم الإله خانوم والإله ديدن في المعابد تكريماً له على فتح بلاد النوبة، وبذا بدأت عبادة الثالوث (نفس المصدر ص 88). فالفرعون سينيوسرت الثالث رُفع إلى مقام الآلهة بعد موته، تماماً كما تفعل الكنيسة الكاثوليكية الآن من تطويب بعض كبار رجال ونساء الكنيسة بعد موتهم وترفعهم إلى درجة القديس. الفرعون الوحيد الذي وضع تمثاله في المعابد أثناء حياته وأصبح الناس يعبدونه كجزء من الثالوث هو تحتمس الثالث.
يقول القرآن إن فرعون قرر قتل كل مواليد بني إسرائيل الذكور وإحياء بناتهم لأن مفسري الأحلام قد أخبروه أن صبياً من بني إسرائيل سوف يتسبب في فقدانه العرش. مؤلف القرآن ربما سمع عن عادة دفن البنات وحريم الملك مع جثمان الملك عندما يموت مع الإبقاء على الصبيان لأنهم سوف يرثون العرش. ففي مدافن ملوك النوبة في مدينة كرمة في شمال السودان كانت العادة دفن الملك مع 200 أو 300 من الحريم والبنات، وبعضهن كن أحياء وقت الدفن (نفس المصدر، ص 70). استغل مؤلف القرآن هذه العادة فقال عن فرعون (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (القصص، 4). وهذا لم يحدث إطلاقاً لأن تاريخ مصر منذ العام 3000 قبل الميلاد لم يذكر حدثاً كهذا.
لأن بعض النساء والبنات كن أحياءً وقت الدفن، استغل مؤلف القرآن هذه العادة وقال إن عرب ما قبل الإسلام كانوا يدفنون بناتهم أحياء (وأذا الموءودة سئلت بأي ذنب قُتلت) (التكوير، 8). وزاد مؤرخو الإسلام بعض الرتوش وقالوا إن عمر بن الخطاب قبل أن يسلم دفن ابنته الصغيرة بينما كانت البنت تمسح التراب عن لحية أبيها وقت الدفن. لا بد أن عمر بن الخطاب كان حيواناً قبل أن يسلم. بل أقل من الحيوان شأناً لأن غريزة الحيوان الحفاظ على صغاره، بل التضحية بنفسه لكي ينقذ صغاره. قد يقول قائلٌ إن النوبة كانوا يدفنون البنات أحياء مع جثمان الملك وبالتالي هم حيوانات. الفارق المهم هنا أن الملك الميت لم يكن يأمر بدفن بناته أحياء مع جثمانه، وإنما كان يفعل ذلك الكهنة ورجال القصر. والبنات المدفونات لم يكن بناتهم.
ويذكر القرآن كذلك أن أم موسى ألقت به في اليم تفادياً لقتله بواسطة جنود الفرعون، وتربي موسى في القصر كأحد الأمراء. القصة في الغالب مأخوذة من الميثولوجيا الفارسية أو السومرية، ولكن في التاريخ المصري القديم وعندما استعمرت مصر مملكة النوبة، كان أبناء الزعماء النوبييين يؤخذون إلى مصر ويدخلون القصور ويتربون مع الأمراء كخدم لهم وكرفقاء في اللعب. وعندما يكبر هؤلاء الأطفال النوبيون يحتفظون بألقابهم الملوكية (نفس المصدر، ص 100). قد يكون مؤلف القرآن سمع بهذه العادة فاستغلها في قصة موسى وجعله يتربى في قصر فرعون.
القرآن دائماً يقفز من موضوع إلى أخر لا علاقة له بالقصة ولكن حفاظاً على السجع. لذلك نجد القرآن في سورة الفجر، يقول (والفجر وليالٍ عشر. والشفع والوتر. والليل إذا يسر. هل في ذلك قسمٌ لذي حِجر.ألم ترَ كيف فعل ربك بعاد. إرَمَ ذات العماد. التي لم يُخلق مثلها في البلاد. وثمود الذين جابوا الصخر بالواد. وفرعون ذا الأوتاد) (الفجر 1-10). وكل شارحي القرآن عجزوا أن يقولوا لنا أين هذه المدينة ذات العماد، التي لم يُخلق مثلها في البلاد. وإذا تغاضينا عن أن البلاد لا تُخلق بل يبنيها البشر، نجد أن الرومان هم الذين أبدعوا في بناء العماد. وكل المباني الرومانية القديمة والمعابد تزهو بأعمدتها حتى الآن كما هو واضح في مدينة تدمر السورية التي بُنيت قبل ظهور القرآن. أما إرم فقد كانت مدينة في شمال السودان، غرب النيل، وربما في دارفور الحالية التي انتقلت لها بعض فروع الأسرة الحاكمة في مملكة كوش بعد أن هزمها الأحباش. وهناك في مدينة العمارة غرب نصب نتاريخي من زمن الفرعون سيتي الأول Seti I يؤرخ لحملة أرسلها إلى مدينة إرمَ IRM في بلد النوبة. وذُكرت نفس المدينة في مقبرة تحتمس الرابع (نفس المصدر، ص 95). فلماذا تجاهل القرآن مدينة تدمر ذات العماد وذكر مدينة مجهولة لم يسمع بها عرب الجزيرة العربية؟ لابد أن عامل الغموض والتشويق لعب دوراً مهماً هنا.
ويبدو كذلك أن مؤلف القرآن قد أخذ فكرة أن الإله يمنح أرضاً بعينها لقوم يحبهم من تاريخ مصر القديم، فقد منح الإله مونتو Montu أله الأقصر، الفرعون سينيوسرت الأول كل أرض النوبة، كما يظهر على حجر كبير في جزيرة بوهين في شمال السودان. يظهر منقوشاً على هذا الحجر الإله مونتو ويقف أمامه الفرعون سينوسرت الأول يتقبّل هذه الهدية (نفس المصدر ص 59). والقرآن يقول عندما منح الله بني إسرائيل أرض فلسطين المباركة (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) (الأعراف، 137)
بعض هذه القصص تظهر في العهد القديم، وربما أخذها مؤلفو العهد القديم من تاريخ مصر وأخذها مؤلف أو مؤلفو اللقرآن من العهد القديم، كما أخذوا أغلب أحكام القرآن وتشريعاته. فالقرآن، أو الكشكول، كما يسميه الدكتور سامي الذيب، ليس كتاباً مقدساً بل كشكول متقطع الأوصال، سرق آياته مؤلفوه من الميثولوجيا الفارسية، والسومرية، والبابلية، وتاريخ مصر القديم. وأغلب قصصه قصص خيالية مأخوذة من ميثولوجيا الشعوب المجاورة، مثل قصة أهل الكهف وصعود محمد إلى السماء السابعة ليلاً لمقابلة ربه، بينما ربه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ليسمع دعاء الداعين، وقد كان أجدى أن ينتظره ربه في السماء الدنيا اختصاراً لمسافة السفر.
---------

تعليقات