فى ذكرى الغزو العثمانى لمصر

فى ذكرى الغزو العثمانى لمصر

فتحى سيد فرج
عن موقع الحوار المتمدن- 2017 / 2 / 11
    
على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء
أنا مصر عندى أحب وأجمل الأشياء
بحبها وهى مالكة الأرض شرق وغرب
وأحبها وهى مرمية جريحة حرب
صلاح جاهين
تعرضت مصر طوال تاريخها الممتد لعدد من الغزوات والاحتلال والاستعمار ( الهكسوس، الفرس، الأغريق، الرومان، العرب، الفاطميين، العثمانيين، الفرنسيين، الانجليز) ورغم ان كل هذه الأحداث تركت آثار على مسيرة التقدم الحضارى، وعطلت كثير من ممميزات الحضارة المصرية العريقة، واستلبت من الروح والهوية الكثير من الخصائص والسمات، إلا ان "الغزو العثمانى" كان له أثار أبلغ نظرا لطول مكوثه ( أكثر من أربعة قرون) ومع ذلك اختلف العلماء والمؤرخين حول هذا الحادث .
هناك من يدعى أنه لم يكن "غزو" بل "فتح إسلامى جديد لمصر" خلص مصر من حكم المماليك الجراكسة الفاسدين، وحقق تغير واستقرار فى نظام الحكم بعد التخلص من تنازع المماليك على السلطة، كما وسع حدود الامبراطورية الإسلامية، وإعاد نظام الخلافة - كان السلطان الغازي سليم الأول أول خليفة للمسلمين من آل عثمان - الذى يعتبره بعض الفهاء فريضه لا يكتم الدين إلا بها، وتعتبره الجماعات الإسلامية الحديث شرط ضرور لاستكمال الشريعة واستقرار للحكم، وهناك من يرى ان الحكم العثمانى له آثار إيجابية مثل :
• اهتمام العثمانيين بالمساجد وزخرفتها على الطريقة العثمانية، وهذا ظاهر في مسجد محمد علي باشا في القاهرة الذي يتميز بمآذنه وقبابه، وكذلك مسجد الملكة صفية.
• ظهور التكايا التي تمثل مكان وملاذ المتصوفين والفقراء، حيث تكون مظلة عمل الخير، ومن هذه التكايا تكية السليمانية.
• ظهور المدفع الرمضاني الذي يُعدُ من مظاهر الشهر الفضيل، فقد خصص العثمانيون في مصر مدفعاً رمضانياً ليعلم المصريون موعد حلول الشهر الفضيل ومواعيد الإفطار.
• اكتساب المصريين عاداتٍ اجتماعية؛ حيث كان من عادة الأتراك أن يضعوا على كل بابٍ مطرقتين للضيف؛ إحداهما مطرقة خفيفة تدل على أن المستأذن امرأة، والأخرى مطرقة ثقيلة يستخدمها الرجال ويعرفون بها
• دخول عددٍ من المصطلحات إلى اللهجة المصرية العامية، ومنها لفظ (دوغري) ويعني الحق والصواب، وكلمة (بلطجي) التي تشير إلى مستخدم الآلة الحادة .
• تعلُم المصريين عدداً من الأكلات العثمانية؛ ومنها: الشاورما واليالنجي، ومن الحلويات أخذ المصريون عن العثمانيين البقلاوة والبابا غنوج .
ولكن هناك من يرى أن الحكم العثماني لمصر أسوأ حكم شهدته مصر في تاريخها، حيث يعتبره عديد من المؤرخون أفظع الغزوات والاحتلالات الأجنبية التي تعرضت لها مصر عبر تاريخها (زينب القرشي) وهناك من يرى أن الأثر السلبى الخطير للاحتلال العثمانى لمصر والمشرق العربى عموما يكمن فى أمرين:
الأول: إنه قطع الطريق على التحولات الاجتماعية التى كانت أخذه فى التطور فى مصر، والتى كان يمكن أن تخرج البلاد من أزمتها التاريخية وتنتقل بها إلى عصر جديد، فأتى الاحتلال العثمانى ليجمد الوضع الاجتماعى لعدة قرون أخرى، وليستنزف فوق ذلك موارد مصر الاقتصادية لصالح الخزانة العثمانية.
أما مكمن الخطورة الثانى فكان التوقيت الذى احتل فيه العثمانيون مصر، فقد احتلوها فى لحظة كان العالم فيها يعيش فى مفترق طرق بين عصرين، وقد نجح الغرب فى كسر الحاجز والانتقال إلى عصر جديد، بينما بقى المشرق فى ظل الاحتلال العثمانى جامدا فى مكانه.
ومنذ بداية الغزو كان موقف المصريين غير مرحب بالعثمانيين ، فقد عبر ابن اياس – مؤرخ مصري عاصر تلك الفترة - عن الفجيعة التي وقعت بمصر بعد حكم الاتراك لها في رثاء شعري " نوحوا على مصر لأمر قد جرى ... من حادث عمت مصيبته الورى".
فقد بدأت معاناة المصريين مع الحكم العثماني بداية من غزو السلطان سليم الأول لها حيث قام بسن بعض الأنظمة الإدارية خصيصا لمصر، و نقل النفائس و الذخائر و الكتب و كل ما تحويه قصور الأمراء و السلاطين من ذهب و فضة و أعمدة الرخام و مركباته إلى القسطنطينية.
كما أمر بجمع رؤساء الصناعات المشهوريين بإجادة العمل فيها من كل الطوائف، فجمعوا منهم ألف صانع و نقلوهم إلى الاستانة ليذيعوا الصناعات الدقيقة فيها، مما أدى إلى تدهور و توقف 50 صناعة مصرية.
الضرائب : لم يقتصر الأمر على نهب ثروات مصر فقط بل زادت بشاعة النظام العثماني الطاغي لفرض ضريبة سنوية ترسل للسلطان على أملاك المصريين و تسمى تلك الضريبة (المال الأميري)، و كان لكل جهة متعهد يلتزم بجمع الضريبة و كان تعفى أرض هذا المتعهد من الضريبة و يزرعها له الفلاحين بالمجان، علاوة على ضريبة كان يأخذها المتعهد من الفلاحين لنفسه، و كانت حقوق هؤلاء المتعهدين و مناصبهم وراثية.
بالإضافة إلى الضريبة التي كان يفرضها البكوات "المماليك" على محصول الأراضي و تسمى تلك الضريبة "الكشوفية"، و كثيرا ما كان يفرض الوالي على السكان ضرائب أخرى إضافية كلما احتاج إلى المال لإرضاء الاستانة فتبقيه في مصر ولاية أخرى.
وصل الفقر بأهل مصر في أواخر القرن الثاني عشر الهجري إلى درجة لم يسبق لها مثيل فصار أهل البلاد هم العبيد الحقيقيين و الممالك "البكوات" هم السادة ، إذ استولوا على جميع الأملاك و تدهورت حالة الفلاح حتى صار رثاء في ملبسه ومسكنه و مأكله لا يكاد يفيق من دفع ضريبة شرعية أو غير شرعية حتى يطالب بدفع ضريبة أخرى، و إذا امتنع عن الدفع " فقرا او إدعاءً "ضرب و عذب حتى يدفع ، و ربما قتل من أجل ذلك.
انتشار الجهل : و جاء في كتاب " تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر " أن الفقر و ضيق الحالة الاقتصادية، أدى إلى اختلال الأمن وكثرت اللصوص و قطاع الطرق فتأخرت التجارة و الصناعة، و أهملت مرافق الزراعة، وانتشر الجهل و شاع الاعتقاد في السحر و الشعوذة.
كما قل ظهور العلماء والمفكرين والأدباء نتيجة غلق المدارس والعمل على تريك البلاد حيث جعل الغزو العثماني اللغة التركية هي اللغة الرسمية في البلاد وتراجع دور الأزهر حيث اقتصر على علم التشريع فقط، كما اقتصروا الوظائف الإدارية على عنصرهم التركي فقط، تلك العنصرية التي عاشتها مصر على مدار أكثر من أربعة قرون جعلت المؤرخون يتفقون على خروج مصر من التاريخ فلم يكن لها فيه شأن يذكر .
وفى مقال هام بعنوان " مذابح العثمانيين فى مصر" كتب عبدالرحمن مقلد : أنهم قتلوا 10 آلاف من عوام المصريين فى يوم واحد وعرّوا الناس فى الشوارع.. أطعموا الغلال لخيولهم وسرقوا الدجاج والأغنام من الفلاحين وفرضوا الإتاوات فجاع الناس، وطوال حكم العثمانيين لمصر، «ظلت صلة مصر بالامبراطورية العثمانية ضعيفة غير وثيقة»، حسب ما يقول المستشرق والمفكر كارل بروكلمان، فى كتابه «تاريخ الأمم الإسلامية»، واقتصر هم العثمانيون على جباية أموال وخيرات الأمة المصرية، إلى أن جاء محمد على وحصلت مصر على استقلالها الجزئى .
وفى عودة للتاريخ يكتب لم يكن شهر محرم لعام 923 هجرية الموافق يناير 1517 شهرًا عاديًا مر كغيره من الأشهر على أيام مصر المحروسة، ولكنه كان يوم نكبة وحسرة، وحسب ما يقول المؤرخ المصرى محمد ابن إياس فى كتابه «بدائع الزهور فى وقائع الدهور، «أنه لم يقاس أهل مصر شدة مثل هذه» ووصل الأمر لوصفه أنه وقع فيها مثل ما وقع من جند هولاكو فى بغداد، وفى موضع آخر من الكتاب أنه «وقع فى القاهرة المصيبة العظمى التى لم يسمع بمثلها فيما تقدم»، و«من حين فتح عمرو بن العاص مصر لم يقع لأهلها شدة أعظم من هذه الشدة قط» هكذا يصف المؤرخ يوم دخول الأتراك العثمانيين أو ما يصفهم بـ «العثمانية» إلى مصر بقيادة سليم خان.
ابن إياس الذى توفى عام 1523، أى بعد 6 سنوات من سقوط عاصمة الخلافة فى هذا الوقت «القاهرة» فى يد الترك، وفى عز قوتهم وبطشهم، لم يخف وسجل شهادته عما رآه من أهوال اقتحام وغزو العثمانيين لمصر، وكان الأولى به والأقرب للعقل أن ينافق الحكام الجدد، ويصف زهو عصرهم، لينال أعطيتهم أو على الأقل يأمن شرهم بالصمت، ولكنه أبدى غير ذلك وانحاز للحقيقة، وروى الأهوال التى تذهل لها العقول مما قام به الأتراك وفاقت ما قام به من بعده الإنجليز والفرنسيون بل والاحتلال الإسرائيلى، والتى وصلت لاقتحام الأزهر الشريف ومسجد ابن طولون وجامع الحاكم، وإحراق جامع شيخو، كما أنهم خربوا ضريح السيدة نفسية وداسوا على قبرها، كل هذا شهده المؤرخ المصرى ورواه فى عز جبروت العثمانيين ما يجعل شهادته الأقرب للحقيقة.
ويتأسف ابن إياس على سقوط مصر فى عيد العثمانيين، حسبما يورد فى كتابه: «من العجائب أن مصر صارت بعد ذلك نيابة بعد أن كان سلطان مصر من أعظم السلاطين فى سائر البلاد قاطبة لأنه خادم الحرمين الشريفين وحاوى ملك مصر الذى افتخر به فرعون اللعين».
ويصف المؤرخ المصرى ما وقع للمحروسة بعد سقوط القاهرة: «أن ابن عثمان انتهك حرمة مصر وما خرج منها حتى غنم أموالهم وقتل أبطالها ويتم أطفالها وأسر رجالها وبدد أحوالها. ويقص ابن إياس فى الجزء الخامس من كتابه الذى يشبه اليوميات، أن سليم خان، الامبراطور التركى، الذى اقتحم القاهرة، كان رجلا سيئ الخلق سفاكا للدماء شديد الغضب، وروى عنه أنه قال: «إذا دخلت مصر أحرق بيوتها قاطبة وألعب فى أهلها بالسيف».
هكذا كانت النية مبيتة لاقتحام القاهرة وقتل المصريين ونهب خير البلاد، وسرقة منجزها الحضارى، وليس نصرة الدين كما كان يدعى الأتراك، فمن ينصر الدين لا يحرق ويخرب المساجد، وإنما كان الغرض هو هدم الدين ذاته، وإنهاء دولة الخلافة الإسلامية فى القاهرة، حيث نقل الخليفة العباسى المتوكل جبرا إلى اسطنبول وأجبر عن التنازل عن الخلافة لسليم، وحسب قول ابن إياس «حصل للناس على فقد أمير المؤمنين غاية الأسف فقد انقطعت الخلافة فى مصر وصارت إلى اسطنبول»، ويظهر قصر فهم الدين لدى الأتراك فى مواضع كثير من الكتاب نورد منها: «أن أحد القضاة لم يجز لأحد العثمانية الزواج من امرأة لم تنقض عدتها، فاشتكاه فأحضر ذلك القاضى ولم يقبل له عذرا وبطح وضرب ضربا مبرحا، ثم كشف رأسه وألبسه عليها كرشا من كروش البقر بروثه وأركبه على حمار مقلوب وأشهره فى القاهرة، وكان قبل ذلك نادى السلطان فى القاهرة بأن أحدا من قضاة مصر لا يعقد عقدا لعثمانى».
ولم يظهر من آل عثمان ومن عسكره ما يدل على دفاعهم عن الدين الإسلامى، فعسكره كما يصفهم ابن إياس كان عندهم «قلة دين يجاهرون بشرب الخمور فى الأسواق بين الناس، ولما جاء عليهم شهر رمضان فكان غالبهم لا يصوم ولا يصلى فى الجوامع ولا صلاة الجمعة إلا قليل منهم، ولم يكن عندهم أدب ولا حشمة».
ويروى المؤرخ المصرى آيات وقصص الظلم الذى وقع وأصاب المصريين من العثمانيين فى مواضع عدة من كتابه، حيث وصل الأمر إلى سقوط 10 آلاف من عوام المصريين قتلى فى يوم واحد، وحسب وصف ابن إياس لهذا اليوم المشئوم «فالعثمانية طفشت فى العوام والغلمان والزعر ولعبوا فيهم بالسيف وراح الصالح بالطالح، وربما عوقب من لا جنى، فصارت جثثهم مرمية على الطرقات من باب زويلة.. ولولا لطف الله لكان لعب السيف فى أهل مصر قاطبة».

ووصل حد الاضطهاد والاستعباد والاستهزاء بعوام المصريين، من جانب العسكر الأتراك، أنهم كانوا «يخطفون عنهم العمايم ويعرون الناس فى الشوارع» حسب رواية ابن إياس، رغم أن سليم خان «كان ينادى كل يوم بالأمان والاطمئنان فى القاهرة والنهب والقتال عمال من جماعته».
ويروى المؤرخ المصرى رواية أخرى للاستعباد الذى كان يقوم به الأتراك للمصريين، فحسب ما ورد فى بدائع الزهور: «فى يوم اضطربت أحوال القاهرة، وصارت أرباب الأدراك (الدرك) تقف على أبواب المدينة ويمسكون الناس من رئيس ووضيع ويضعونهم فى الحبال حتى من يلوح لهم من القضاة والشهود، وما يعلم ما يصنع بهم، فلما طلعوا بهم إلى القلعة أسفرت تلك الوقعة على أنهم جمعوا الناس حتى يسحبوا المكاحل النحاس الكبار التى كانت بالقلعة، وينزلوا بها إلى شاطئ البحر.. وقاسى الناس فى سحبها غاية المشقة وحصل لهم بهدلة من الضرب والسك وخطف العمائم.. وصاروا يربطون الرجال بالحبال فى رقابهم ويسوقونهم بالضرب الشديد على ظهورهم».
هكذا عامل العثمانيون، المصريين، ولم يكتف الأمر بذلك بل قام العثمانيون بأعمال نهب وسلب وتخريب، لا تكفى هذه المساحة ذكرها، لتضيق الأقوات على الشعب المصرى وتحل به المجاعة، وكما يورد ابن إياس فإنه «شحت الغلال من القاهرة وسبب هذا أن العثمانية لما دخلوا القاهرة نهبوا المغل الذى كان فى الشون وأطعموه لخيولهم»، وفى موضع آخر «أنهم سرقوا دجاج الفلاحين وأغنامهم وأوزهم، ثم دخلوا إلى الطواحين وأخذوا ما فيها من البغال والأكاديش وأخذوا عدة جمال من جمال السقايين، وصارت العثمانية تنهب ما يلوح لهم من القماش وغير ذلك، واستمر النهب عمالا فى ذلك اليوم إلى بعد المغرب، وتوجهوا الى شون القمح التى فى مصر وبولاق ونهبوها».
ويروى ابن إياس فى موضع آخر أن «جماعة من العثمانية صاروا يمسكون أولاد الناس من الطرقات ويقولون لهن أنتم جراكسة فيشهدون عندهم الناس أنهم ما هم من المماليك فيقولون لهم: اشتروا أنفسكم من القتل فيأخذون منهم حسبما يختارون من المبلغ، وصار أهل مصر تحت أسرهم.. فانفتحت للعثمانية كنوز الأرض بمصر من نهب وقماش وسلاح وخيول وبغال وجوارى وعبيد وغير ذلك من كل شىء فاخر».
ووصل الحال بالعثمانية لفرض غرامات على الزواج والطلاق «فصار الذى يتزوج أو يطلق تقع غرامته نحو أربعة أشرفية، فامتنع الزواج والطلاق فى تلك الأيام، وبطلت سنة النكاح والأمر لله فى ذلك».
ويورد ابن إياس رواية أخرى «أنه أشيع أن ابن عثمان خرج من مصر وبصبحته ألف جمل محملة ما بين ذهب وفضة، هذا خارج عن ما غنمه من التحف والسلاح والصينى والنحاس والخيول والبغال والحمير وغير ذلك حتى نقل منها الرخام الفاخر وأخذ منها من كل شىء أحسن، ما لا فرح به آباؤه ولا أجداده من قبل أبدا، وكذلك ما غنمه وزراؤه من الأموال وكذلك عسكره، فإنه غنم من النهب مالا يحصر».
هكذا كانت حال المصريين، بينما كان سليم الأول السلطان العثمانى فى القلعة محتجبا عن الناس، يقول ابن إياس: «إن ابن عثمان احتجب عن الناس ولم يظهر لأحد وحكم بين الناس، ينصف الظالم من المظلوم، بل كان يحدث منه ومن وزرائه كل يوم مظلمة من قتل وأخذ أموال الناس بغير حق، ولأنه كان يشاع العدل الزائد عن ولاد ابن عثمان وهم فى بلادهم قبل أن يدخل سليم شاه لمصر، فلم يظهر لهذا الكلام نتيجة»، وفى موضع آخر يروى ابن إياس أن سليم «كان مشغولا بلذته وسكره وإقامته بين الصبيان والمرد.. وما كان له أمان إذا أعطاه لأحد من الناس وليس له قول ولا فعل وكلامه ناقص ومنقوض ولا يثبت على قول واحد كالعادة».
وعلى المستوى الحضارى، كانت القاهرة عامرة بأبنيتها الفخمة وتراثها المعمارى الذى حرض حكامها السابقون من الفاطميين والمماليك على المباهاة بها، وظل منها ما ظل ولم تطله يد الحرق أو النهب والهدم على يد الأتراك الذين هدموا المساجد ذات الطرازت المميزة، مثل جامع شيخو، ولا عجب فقد وصف ابن إياس «العثمانية» بأنهم «قوم همج»، وحسب روايته فـ«لم يكن له (سليم) نظام يعرف لا هو ولا وزراؤه ولا أمراؤه ولا عسكره، بل كانوا همجا لا يعرف الغلام من الأستاذ ولما أقام ابن عثمان فى القلعة ربط الخيول من الحوش إلى باب الجامع، وصار زبل الخيل هناك بالكيمان على الأرض» ـ وعن عسكره يصفهم ابن إياس بأنهم «كانوا جيعانين العين نفسهم قذرة يأكلون الأكل وهم راكبون على خيولهم فى الأسواق وعندم عفاشة فى أنفسهم..».
ونقل سليم الأول، أمهر الأعمال وأرباب الحرف فى مصر إلى اسطنبول ما سبب الخراب وتوقف الصناعات التى اشتهر بها مصر، حتى انقرضت 50 حرفة، يقول ابن إياس إن العثمانيين «ما رحلوا عن الديار المصرية إلا والناس فى غاية البلية وفى مدة إقامة ابن عثمان فى القاهرة حصل لأهلها الضرر الشامل. "أجبروا أمهر العمال المصريين على السفر لاسطنبول حتى توقفت 50 حرفة فى مصر وسرقوا رخام القلعة والمدارس ”.

تعليقات