زراعة أشجار تفاح نادرة للحفاظ على الحياة البرية في بريطانيا
جيرمي كولز - صحفي .
يسعى القائمون على بستان جديد في بريطانيا للحفاظ على نحو 300 نوع نادر من أشجار التفاح الذي يستخرج منه أجود أنواع الشراب، وهو ما يعني أننا قد نحصل على شراب تفاح ربما لم نتذوقه منذ مئات السنين.
يقع بستان "مونتاكيوت هاوس"، التابع لمؤسسة التراث القومي البريطانية، في قلب مقاطعة "سومرسيت". ولذلك البستان منزل ضخم مبني على طراز المباني البريطانية القديمة، وبه كذلك رياض خلابة. إنه موقع ملائم تماما لبستان بمثل هذه الأهمية.
وتعد المنطقة مثالية جدا لزراعة أشجار التفاح النادرة، التي تشكل جزءاً من مجموعة تاريخية من أنواع التفاح المخصص لصناعة الشراب، والتي تبرع بها مؤخراً "هنري مَي" لمؤسسة التراث القومي، بعد أن كان يجمع أنواعاً نادرة من تلك الأشجار منذ 25 عاماً.
يوجد من هذه الأشجار هنا 300 نوع تقريباً. بعضها نادر بشكل لا يصدق، بل ومعرض لخطر الاختفاء إلى الأبد. ومن المؤمل أن يضمن البستان الجديد المحافظة على هذه المجموعة "التراثية" من الأشجار من أجل الأجيال اللاحقة.
لذا، ستتم زراعة شجيرتين من كل نوع منها في أماكن متعددة تابعة لـ"مؤسسة التراث القومي"، وسيتم اختيار الأماكن في بريطانيا حسب مكان نشأة ذلك النوع المختار، وذلك قدر المستطاع.
يقول سايمون فورد، وهو استشاري في مجال الحفاظ على الحياة البرية والريفية لدى "مؤسسة التراث القومي" في منطقة الجنوب الغربي من بريطانيا: "إن بعضها (تلك الأشجار) قد انتهى عملياً. غير أن بعضاً آخر منها يحمل أسماءً لأنواع رائعة وتاريخية، مما يجعلها في حد ذاتها مهمة للغاية."
ويقوم متطوعون بزراعة تلك الأشجار بكل مودة وحب، ويكرثون أوقاتهم لذلك، وتراهم قد ارتدوا الملابس المناسبة للعمل في مثل هذه البيئة.
ويؤمل أن تستعمل أنواع التفاح هذه، بعد ما يقرب من سبع سنين، لاستخراج شراب تفاح لم يشربه أحد منذ بضعة مئات من السنين. إنه أفق مثير لكل من شارك ويشارك في هذه الجهود.
يقول فورد: "يتعلق الأمر بمجمله، وإلى درجة كبيرة، بتهيئة تلك الأشجار لتلائم الكائنات البرية والمناظر الطبيعية أيضاً، وخاصة ما يتعلق بالتاريخ العريق لهذه الأنواع. والأفضل من هذا كله، فإن الأمل يحدونا في نهاية المطاف لكي نحصل على شراب تفاح مميز؛ فذلك كان الغرض الأصلي منها."
ويضيف قائلاً: "غير أن ذلك ليس الدافع الرئيسي وراء تلك الجهود: فالدافع الرئيسي هنا هو الحفاظ على هذه الأنواع النادرة." لكن "فورد" يشير بوضوح إلى أن المؤكد هو ليس "زراعتها ونسيانها".
ستحظى هذه الأشجار بالرعاية اللازمة، بالإضافة إلى صيانة تلك البساتين بكل عناية، ومن الواضح أن ذلك سيكون مكلفاً. ولأن كل شجرة ستكون مسيّجة بمفردها، فمن المؤمل أن تكون هناك فرصة لرعي الأغنام أو غيرها من الماشية في تلك المنطقة.
وإضافة إلى الحفاظ على هذه الأنواع النادرة من أشجار التفاح (وعصير التفاح المميز أيضاً) من الضياع إلى الأبد، فإن الأحياء البرية والتنوع البيولوجي من بين أكثر الأمور أهمية في إطار هذا البرنامج.
وسيسعى هذا البرنامج لتوفير حياة جيدة لطيور متنوعة تعيش على هذه الأشجار، كما يوضح لنا "فورد". فهناك طيور معروف عنها العيش في مثل تلك البساتين، مثل أنواع معينة من العصافير، وأسراب طيور السُّمْنَةُ.
وهذا ليس كل ما نتوقعه عند نضوج أشجار البساتين تلك. فهناك أيضا نبات "الدبق"، هو نبات طفيلي قديم في كل من "سومرسيت"، و "هيريفوردشير"، ويعتبر نباتاً رئيسياً تعيش عليه أنواع نادرة من المخلوقات، مثل حشرة الدبق وعث الدبق، وكلاهما نادران بشكل لا يصدق.
ومع أن المؤمل في الأفق البعيد هو الحصول على شراب التفاح المميز، إلا أن هناك عشبة أخرى يأمل القائمون على ذلك المشروع جذبها لتنمو في هذه المنطقة، وهي مصدر لجذب العديد من الحشرات النادرة أيضا.
يأمل سايمون فورد، وهو استشاري في مجال الحفاظ على الحياة البرية والريفية لدى "مؤسسة التراث القومي"، أن يساهم ذلك
البستان في الحفاظ على الحياة البرية في تلك المنطقة
إنها عشبة من عائلة النباتات الخيمية (أو الجزريات)، وتنمو بشكل خاص في المراعي، وتوجد حالياً بالجوار، في حديقة "تنتنهول" التي تشرف عليها مؤسسة التراث القومي البريطانية أيضا. وتعد ظروف تلك الحديقة مشابهة بدرجة كبيرة لما في هذا البستان.
وسيحظى الموقعان بإجراء بحوث بيولوجية كاملة؛ ليس للبستان وحده، بل لكامل المنطقة الخضراء هناك. وسيتيح ذلك المجال لـ"مؤسسة التراث القومي" أن ترصد التغييرات البيئية الحاصلة، وذلك أمر مهم حقاً.
سيكون بمقدور أعضاء فرق العمل أن يروا بأنفسهم الأشجار وثمارها من التفاح، وكل هذا التنوع البيولوجي. وكما يؤكد "فورد"، ستوضع بوابة لذلك الموقع، بالإضافة إلى صيانة ممر متعرج ما بين الأشجار، حتى يتمكن الزوار من مشاهدة تلك الأشجار عن قرب بأعينهم والسير بجوارها.
المستقبل
من المشاهد النادرة للغاية في أيامنا هذه هي رؤية البساتين التقليدية؛ ففي العقود الستة الأخيرة، فقدت بريطانيا نسبة صادمة من تلك البساتين، وهي 90 في المئة.
لذا، فمن المفاجآت اللطيفة أن نرى بستاناً كامل النضوج من جديد. أضف إلى ذلك أن نراه مخفياً في منطقة تاريخية كهذه. فهنا بالضبط سيتملكك إحساس حقيقي بما يخطط له حارس ذلك البستان، "جورج هولمز"، للمستقبل. إن هذه الأشجار العتيقة تحيط بها نباتات الدبق الطفيلي، وعلى الرغم من السماء الرمادية الملبدة بالغيوم، فإننا نسمع الطيور وهي تغرد بزهوٍ، بينما يندفع طائر من طيور نقار الخشب
بخفة بين الأشجار.
وتعد هذه المنطقة موطنا لعدد أكبر من طيور نقار الخشب المرقطة، ومجموعة متنوعة من طيور البوم، وبعض الأنواع من الثدييات الصغيرة.
يقول هولمز: "ستصبح الشجيرات التي زرعناها للتو أشجاراً كاملة النضوج بعد سبعة أعوام. سنعتني بها، ونقلمها متى لزم الأمر. ونأمل، خلال بضع سنين، أن تشبه الأشجار الجديدة تلك الموجودة هنا (في هذه المنطقة)."
وإذا ما أخذنا قرب البستان الجديد من البستان الحالي، وغيرها من بساتين تلك المنطقة، فإنه ينبغي أن يكون من السهل أن تشق جميع أنواع المخلوقات البرية طريقها إلى ذلك البستان الجديد في غضون سنوات قليلة.
وتمثل البساتين التقليدية، بالنسبة للسيد "هولمز"، فسيفساء رائعة من المواطن الطبيعية: حيث يمكنك أن ترى السياج والجدران التي تحيط بها؛ والمراعي المنتشرة بين الأشجار، تشققات الأشجار وأركانها المظلمة حيث تعشعش عصافير القرقف الأزرق، ويعزف نقار الخشب إيقاعاته.
"إنها توفر مواطن حقيقية متنوعة لأطياف كاملة من أجناس وأنواع الكائنات."
في السنين اللاحقة، سنشرب شراب التفاح المستخرج من أشجار التفاح التاريخية هذه. وبينما نقوم بذلك، سيكون من دواعي السرور أن نعرف أن هذه البساتين قد جرى تهيأتها لتلائم حياة المخلوقات البرية، وأن أعضاء الفريق الذي قام بذلك كانوا متحمسين، وعلى دراية كافية، وكرسوا جهدهم لذلك.
- بي بي سي- عربي 18-2-2016
=======
تعليقات
إرسال تعليق