تعابير وسلوكيات مستجدة - جيوسياسية
صلاح الدين محسن
4 - 11 - 2022
منذ مغادرتي مصر لآخر مرة - سبتمبر / أيلول عام 2004 .. لاحظت الآن وجود سلوكيات وأقوال وتعابير , لم نعرفها من قبل ..
اليكم بعض الأمثلة - مما رصدناها :
1 - تكرار غير معقول لكلمات " سيادتك , و حضرتك , وسعادتك " :
لم اعرف من قبل طوال ما أنفقته من عمري في مصر - اكثر من 50 سنة .. أن مواطن أو مسؤول صغير يتكلم مع مسؤول كبير - وزير أو رئيس الجمهورية .. فيكرر بشكل غير معقول أبداً , كلمات : سعادتك , سيادتك , حضرتك .. كل جملة وربما نصف جملة يبداها أو ينهيها وربما يوسطنها أيضاً ب : حضرتك , أو سيادتك , أو سعادتك !!
( يبدو انها قد صارت دراعاً , لصد الأذي الذي قد يحل بالمواطن دون أن يخطر علي البال أو الخاطر ! خاصة عندما يتعامل مع من يتولي منصباً مدنياً رفيعاً , وهو في الأصل عسكرجي أو أمنجي أو شرطجي - لو أخطأ المواطن في التعبير في لفظ , وبدون قصد . أو لو ان - الباشا - هو الذي أساء فهم مقصده . فمن الصعب علي المواطن التكهن بما قد يحدث له من الأذي ! )
هل يمكنك احصاء عدد لفظ : حضرتك و سيادتك ، في كلمة قصيرة مدتها دقيقة واحدة ونصف الدقيقة .. قالها عضو بالبرلمان المصري !؟ : حضرتك , سعادتك .. فهكذا صار حال الشعب كله عندما يتكلم مع مسؤول كبير أو عندما يتكلم مسؤول مع مسؤول أكبر .. ! انا أحصيتها فكانت : 14 مرة . في دقيقة ونصف الدقيقة .. !
شيء غير معقول نهائياً لم يعرفه المصريُّون من قبل , هذا مجرد مثال شاهدته بالصدفة - :
شاهد واستمع لعضو البرلمان الأستاذ محمد عبد العليم داود يتحدث مخاطباً رئيس البرلمان , في الفيديو علي اللينك التالي , يوم 1 -11-2022 . وحاول أن تحصي عدد تلك الكلمات بنفسك :
https://fb.watch/gAZM6OR0n0/
-----
2 - كلمات مثل : طحن وفشخ .. لم يعرفها الانسان المصري من قبل , وظهرت بعدما قام الجيش الباسل في ثورة 25 يناير 2011 . بميدان التحرير بالعاصمة .. بطحن وقتل كثيرين من خيرة شباب البلاد , و" تعرِيّة , وفشخ " فتيات , من خيرة بنات الوطن ..
ومن هنا ظهر تعبير شعبي لم نسمعه من قبل أبداً , للتدليل علي شدَّة او قوُّة الشيء , فانه يوصف ب : طحن .. فشخ .. و: الفشيخ ... !
أما تعبير " خزق " أو فقء .. فلم يكن له نصيب في الانتشار . بعد خزق عيون ما بين 2000 / 3000 من شباب الثوار في 25 يناير 2011 . علي يد قناصة الجيش ! - حسبما ذكر الاعلامي محمود سعد . بحلقة من برنامجه . ابان احداث الثورة .
3 - توجد أفلام , ومسلسلات مصرية , مما صدرت بعد عام 2004 - وخاصة ما صدر بعد عام 2011 ( عام الثورة علي نظام حسني مبارك ) , حاولت مشاهدتها ولكنني لم أحتمل .. لما فيها من صخب و زعيق وعنف غير معتاد سماعه .. !
4 - عامل ايه ؟ ... (!)
أن يتصل أحد تليفونياً أو بالانترنت - أو يقابل والده او والدته أو جده أو أحد أقاربه الأكبر منه , بعد غيبه , فيبادره بالقول : عامل ايه ؟ أو : عاملة ايه ؟ ..... (!)
هذا لم يكن يحدث . وإلا يعتبر قلة أدب .. يعني ايه عامل ايه ؟؟؟؟
حتي ولو قيلت الكلمة بمودة وبلطف ... فهي قلة ادب .. لو قيلت زمان - قبل التحولات الاجتماعية الغريبة التي لحقت بالناس ..
ما هكذا كان التعامل بين الناس ولا حتي بين من هم في أعمار واحدة : عامل ايه ؟؟ - بعد غياب .. ! لم نعهد ذلك ابداً
اليوم .. قد يتصل بك حفيدك - الطفل - فيبدأ حديثه معك بالقول : عامل ايه .. ( ليس قلة أدب منه ولا سؤ تربية .. بل هذا صار عرفاً لا غبار عليه ! ولم تعرفه من قبل أجيال ما قبل تفرغ الجيش الباسل لمحاربة الشعب وافقاره وقهره واذلاله .. ليعوض هزائمه في جميع الحروب بلا استثناء )
قبل ذلك, كان اللقاء - او الحديث التليفوني - مثلاً - يبدأ ب : إزيّك يا أبي , يا أمي . يا جدي . يا عمي , يا خالي , يا أخي .. وللقريب أو للصديق .. أو الصديقة للصديقة
لكن عامل ايه ؟ او عاملة ايه ؟! بداية حديث بعد غياب وفراق ! ... هذا ما لم نعرفه كمصريين من قبل ..
( ربما يقصدون : عامل ايه في قسوة الأيام السودا التي يعيشها كل الناس ؟!
أو : عامل ايه في الزمن العجيب اللي كل الشعب موش عارف يعملوا معاه إيه !؟ ولا عارف له حيلة ولا طريقة للخلاص ! )
5 - لم نعرف من قبل استخدام كلمة ( جداً ) عند اللزوم - سوي مرة واحدة فقط ..
أما الآن فتتملكني الدهشة عندما أجد كل من يستخدم تلك الكلمة يخر سيلاً من : جداً
جداً جداً جداً .... ! . لم أعد أسمع أحد بالسوشيال ميديا بطولها وعرضها , او بغيرها .. يستخدمها لمرة واحدة أبداً .. بل يستخدمونها بالجملة : جداً جداً جداً
وكذلك يمكن أن تسمع تكراراً زائداً لم يعرف من قبل , لكلمات مثل :
الحمد لله الحمد لله الحمد لله
أو : انشاء الله انشاء الله انشاء الله
أو باذن الله باذن الله باذن الله
!!! لم تكن تقال سوي مرة واحدة لا أكثر .
6 - من قبل كان المصري يقول علي ما لا يلزم : مالوش لزمة .. / بس
أما الآن فيقولون : " مالوش أي ستين لزمة " .. ... !!
7 - كلمات مثل " أوفر " للشيء الزائد .. و " فلان : إتعلِّم عليه " - تم بطحه أو اصابته في وجهه في مشاجرة عنيفة .
(( ربما غالبية المصريين - بالداخل - لا يشعرون بتلك المستجدات .. لأنهم يعيشونها منذ بدئها وحتي تفشيها وتحوّلها لعُرفٍ عادي ! اما من يعيشون بالخارج فلعلهم أقدر علي رصدها و الاحساس بها .. )) .
هذا بعض ما رصدناه مما استجد في فترة ما بعد 25 يناير 2011 , ولاسيما السنوات الثماني الاخيرة ..
----
بعد الانفتاح الاقتصادي الاعتباطي , للرئيس المؤمن " أنور السادات ".. حدثت أيضاً تحولات نظنها أكثر غرابة بكثير , وأبعد وأخطر تأثيراً.. .. عبرت عن بعضها من قبل , في مجموعة قصصية عنوانها " زمن البيب والزبيب " التي طبعتها بمصر , في الثمانينيات من القرن الماضي - خاصة قصة قصيرة عنوانها " أتوبيس كارتر " ..
من بين تلك التحولات الغريبة :
آخر عام 1979 عدت لمصر بعد عامين وشهور قليلة . من البحث عن الرزق باحدي دول المنطقة التي تمتطيها العروبة , ويلجمها الاسلام بلجام ..
في صباح اليوم التالي من عودتي لمصر , خرجت لقضاء بعض مصالحي , وقفت قرب محطة أتوبيس . حتي جاء تاكسي , فصحت : تاكسي
فاذا بالسائق وبدون توقف , ينظر نحوي وهو يمد أذنه .. ثم يستمر في سيره دون توقف !
ثم جاء تاكسي آخر وثالث ورابع .. وحدث نفس الشيء , دون توقف التاكسي !
فاذا برجل يقف في انتظار الأتوبيس , يسألني باستغراب : ايه يا أستاذ ! موش تتكلم !
قلت ببراءة واندهاش : أتكلم أقول ايه ؟ السائق لم يتوقف !
فضحك وقال : آآآه .. انت عاوزه يقف لك !؟ انت موش من هنا .. موش مصري ..؟
فقلت : بل أنا مصري , لكنني كنت بالخارج من أكثر من سنتين , ويبدو ان الأمور قد تغيرت ..
فقال وهو يهز رأسه برفق وبابتسامة : طيب أنا سأوقف لك تاكسي .. الي أين أنت ذاهب ؟
قلت : العتبة
قال : طيب
ثم اقتربت أول سيارة تاكسي . فاذا بذاك الرجل الطيب , يصيح بأعلا صوته لكي يسمعه السائق : عتبة .. عتبة
فتوقف التاكسي ..
شكرته وأسرعت للمضي
وفي الطريق : صاح أحد الواقفين : عتبة
فوقف له السائق ! وصعد
( لم أعترض .. وقلت لنفسي , يبدو أن تغييراً آخر قد حدث .. ففي السابق - لم يكن لم يكن سائق التاكسي يقف لأحد بخلاف الشخص الذي استوقفه )
وبعد قليل من السير , صاح شخص آخر بالطريق : عتبة عتبة ..
فوقف له السائق . وصرنا ثلاثة .. ! وهذا شيء لم أعهده من قبل .. كان من يستقل التاكسي , يكون له بمفرده
ثم اتضح ان الأجرة لم تعد حسب العداد الذي يحسب المسافة التي عليها تتحدد الأجرة . بل يحددها السائق من عنده !
فماذا حدث ؟! ماذا جري ؟!
ما حدث هو ان الانفتاح الاقتصادي الاعتباطي الذي قرره الرئيس المؤمن البكباشي أنور السادات , .. وظهرت نتائج الاعتباط , وكانت تلك واحدة فقط من النتائج ..
وسنكتفي بذكر حالتين أخريين :
من نتائج ذاك الانفتاح .. ان كل موظف بمصلحة حكومية أو شركة قطاع عام , له علاقة بعموم الناس , صار يدير موقعه في الوظيفة لصالحه الخاص ! ( عيني عينك - كما يقول المصريون - ! )
ذهبت لشركة كبري قطاع عام ( لن أذكر الاسم ) لشراء شيء احتجت اليه من الفرع الرئيسي , كان قريباً نسبياً , من محل سكني .. وكنت من قبل اذا دخلت ادارة تلك الشركة أشعر كأنني في أمريكا .. رقيّ في كل شيء
أما في هذه المرة - بعد الانفتاح - سألت الموظف عن طلبي . فنادي لزميلة له بأسلوب عجيب لم أعهده من قبل . اذ قال لها :
يا مدام .. جاي لك الزبون , شوفي طلبه وريّحيه
قلت في نفسي : ايه !؟ الزبون !؟ شوفي طلبه !؟ وريّحيه ..!؟
هذه لهجة غريبة .. ! يعني ايه ... ؟ ربما افتتحوا خدمة عمل تدليك ومساج للعملاء - أو غير ذلك !؟ .. والا فما معني انها تريّح الزبون !؟
ثم اتضح انهم قد أطلقوا الأسعار حسب تقديرهم الشخصي , ولمصلحتهم الشخصية .. مثل سائق التاكسي الذي لم يعد يلتزم بعداد المسافات , ويقدر الأجرة هو من نفسه
وهكذا صار كل موظف يفعل .. يدير موقعه لحسابه هو أو هو والمجموعة التي معه
وصار معلوماً وعادياً جداً . لو اضطررت لمنح رشوة لموظف أو جاويش أو مخبر . أو أمين شرطة . ووجد المبلغ غير مجزي . انه يقول لك بكل بساطة : نحن ثلاثة - أو اربعة - : هو وزملاؤه ( حيث يقتسمون معاً العائد اليومي ) !
مثال أخير .. ونكتفي به , فالأمثلة كثيرة وعجيبة :
في أوائل الثمانينيات - من القرن الماضي - عند ميلاد ابني الأصغر, ذهبت لاستخراج وثيقة قيد ميلاد ( وهي تمنح مجاناً للمرة الأولي .. وهكذا كنت قد حصلت عليها لابني الأكبر من نفس المكان : مجاناً ) .
.. بعدما أكمل الموظف تحرير الوثيقة قدمها لي , نظرت اليها لمراجعة البيانات - تمام - ولا يزال مكتوباً عليها " تمنح مجاناً للمرة الأولي " .. شكرته واستدرت للانصراف , فاذا به يقول لي بحزم وبثبات : الدمغة يا سيد
ففهمت ان المقصود من " الدمغة " يعني عاوز رشوة ..
لو رفضت .. أو علا صوتي .. فأنا أعرف البيروقراطية المصرية , كل زملائه سيقفون في صفه , ورئيسه في العمل , أيضاً سيقف في صفه .. وأكيد هم كلهم يقتسمون الحصيلة معاً في نهاية اليوم , والا لما طلب الرشوة بمثل ذاك الحزم والقوة والثبات ..
ولو أصريت علي التمسك بحقي في عدم دفع ثمن لوثيقة مكتوب عليها بوضوح : تمنح مجاناً .. فسوف يتركونني أنصرف بسلام . ثم يكون الانتقام الذي لن أشعر به الا فيما بعد .. فمن الممكن أن يقوم الموظف باضافة نقطة واحدة فوق أو تحت حرف من اسم المولود ( أو اضافة حرف هاء مربوطة , أو تاء مربوطة : ة .. للاسم ,عنده بالدفتر .. مما يتسبب للولد فيما بعد عندما يكبر ( أو يسبب لي شخصياً ) عند الاحتياج لنسخة أو بدل فاقد لهذه الوثيقة , ويفاجأ بأن الاسم مختلف تماماً .. وقد يجده اسماً معيباً لا يمكن قبوله .. !
( - حرف واحد بس . أو نقطة لا غير ! وتبقي مشكلة كبيرة ! ) اسمه " ناصر " فماذا لو أضاف نقطة واحدة فوق حرف ن - ليكون الاسم : تاصر !؟ أو نقطة واحدة فوق حرف ص - فيكون الاسم : ناضر - أو نقطة واحدة فوق حرف ر - ليكون الاسم : ناصز ! أو تاء مربوطة ة في آخر الاسم ليكون : ناصرة ..! )
وفييييين بقي ومنيييين و حِلّني , حتي يمكن لابني - أو يمكنني - حل تلك المشكلة ... ! اجراءات ووقت وتكاليف وحرق دمّ .. و السبب : الامتناع عن دفع جنيه واحد رشوة للموظف !
فكان عليّ أن أحكِم عقلي , وأسارع بدفع مبلغ جنيه مصري - وهو وقتذاك مبلغ ليس بالقليل - .. وأمضي في طريق السلامة ... ! .
---
مقال آخر بعنوان " مشاغبات وتحرشات عقائدية " لمن يرغب في الاطلاع عليه بالرابط التالي : https://salah48freedom.blogspot.com/2022/11/blog-post_13.html
----------------------------
تعليقات
إرسال تعليق