كتابات مختارة


ظاهرة الأمير محمد بن سلمان

محمود يوسف بكير
الحوار المتمدن  2017 / 12 / 21  


من خلال تحليل سلوك وطريقة كلام الامير محمد بن سلمان يمكن القول بأن الأمير الشاب يتمتع بنسبة ذكاء معقولة وأن طموحه لا حدود له ولكنه أيضا مندفع ومتهور. والارجح أن طريقة صعوده إلى سدة الحكم على جثتي أثنين من ولاة العهد "الامير مقرن بن عبد العزيز والأمير محمد بن نايف" بمساعدة أبيه الملك سلمان، سوف تجعله دائما هدفا مستباحا ومفتقدا للشرعية بين غالبية السعوديين وأفراد العائلة المالكة.
والأمير على علم بكل هذا ولذلك فهو في سباق مع الزمن لتأسيس قاعدة شعبية له وسط الشباب من خلال قيادة عملية انفتاح المملكة داخليا وخارجيا وتهميش دور المؤسسة الدينية المكروهة من الأغلبية والتنكيل بذراعها القوي المسمى بجماعة "الامر بالمنكر والنهي عن المعروف"، بالإضافة إلى تزعم سياسة انتقائية لمحاربة الفساد الذي يرتع في ربوع المملكة منذ زمن بعيد بلا حياء أو حذر.
وواضح أن الأمير يدرك أن أمام المملكة تحديات اقتصادية كبيرة من أهمها نسبة البطالة المرتفعة بين الشباب وفشل المملكة في تجاوز مرحلة الاقتصاد الريعي من حيث اعتمادها على النفط وحده كمصدر أساسي للدخل القومي. ولذلك فقد تقدم برؤيته الإصلاحية المسماة 2030 لعلاج هذه الاختلالات الاقتصادية من ناحية واكتساب المشروعية المحلية والدولية التي هو في أمس الحاجة لها من ناحية أخرى.
والبرنامج الاقتصادي الذي يسعى الأمير لتنفيذه يقوم على أساس خصخصة بعض الشركات والاصول المملوكة للدولة وطرح أسهمها في البورصات المحلية والدولية. ويتوقع أن تدر عمليات الخصخصة هذه حوالي 300 بليون دولار لخزينة الدولة وهو ما سيمكن الأمير من تطوير قطاع السياحة الداخلي وبنيته الفوقية والتحتية بحيث يكون مصدرا للدخل الدائم والمستقر للمملكة، كما أن جزءا كبيرا من مبلغ ال300 بليون دولا سوف يوظف لاقتناء أصول وحصص في شركات عالمية منتقاة لتحقيق عائد مجز على الأموال المستثمرة.
ومن أهم الشركات التي ستطرح أسهمها لمستثمرين خواص شركة أرامكو النفطية العملاقة "5% فقط " وبعض شركات المياه والكهرباء وصوامع الغلال وبعض المستشفيات العامة.
وقد بدأ الأمير في الترويج لبرنامجه الاقتصادي 2030 منذ حوالي عامين وبالرغم من هذا لم يحدث أي تقدم ملموس طوال هذه المدة بسبب عوائق كثيرة لم يتوقعها الأمير ولا مستشاروه كما سوف نوضح حالا. وللتغطية على هذا التأخير بدأ الأمير في شغل الرأي العام المحلي والدولي ببعض الإصلاحات الاجتماعية السهلة في الشكل والكبيرة في المضمون بالنسبة لتركيبة المجتمع السعودي وعاداته وتقاليده مثل السماح للمرأة بقيادة السيارة في العام القادم والسماح لها بحضور مباريات الكرة في الملاعب وبناء دور للسينما وتركيب كاميرات في المساجد لمراقبة الأئمة وخطباء الجمعة حتى لا يحيدون عن الخطب التي تعدها لهم الوزارة.
كما قام الأمير بحملة انتقائية على الفساد اعتقل فيها العشرات من إخوانه الامراء وعدد كبير من المسؤولين السابقين ورجال الاعمال في واحد من أفخم فنادق العالم في مدينة الرياض وذلك بغرض تحصيل رسوم فساد منهم لتغطية جزء من نفقات حرب الأمير في اليمن وصفقات الاسلحة الضخمة التي باعها له السمسار ترامب. وبالطبع فإن الاموال التي سيتم تحصيلها من المعتقلين سوف تمكن الأمير من تغطية مصاريفه لحين البدء في برنامجه الاقتصادي المتعثر.
أما عن اسباب تعثر البرنامج الاقتصادي للأمير وتقدمه ببطء شديد من واقع خبرتي السابقة بالمملكة فهي ترجع بالأساس إلى فشل مستشاريه خاصة الأجانب منهم في فهم تركيبة البيروقراطية السعودية العتيدة المتشبثة بنفس الانماط الإدارية والتنظيمية السائدة منذ أيام الملك عبد العزيز مؤسس المملكة، كما أن الأمير فوجيء بانه لا يوجد بالمملكة كوادر مالية واقتصادية وقانونية كافية لتقييم وإدارة برنامج الخصخصة الضخم وهذا من ضمن الأسباب الرئيسية لتأخر تنفيذ برنامجه لأنه من غير المتصور أن تمنح هذه المسؤولية الكبيرة حصرا للأمريكان وحدهم كما يريد ترامب.
والارجح انه مع البدء في عمليات الخصخصة وتسليم إدارة الشركات العامة للقطاع الخاص والمستثمرين الاجانب وفي ظل حظر العمل النقابي في المملكة وتأخرها في مجال التشريعات القانونية الخاصة بتنظيم العلاقة بين أصحاب الأعمال والمستخدمين وفض المنازعات بينهما وفقا لتوصيات المنظمات الدولية، فإن ميزان القوة سوف يميل لصالح أصحاب الأعمال وهو ما يعني أن الايام القادمة سوف تكون صعبة على العمالة السعودية.
ولحين الانتهاء من عملية البحث عن خبراء إضافيين لتفعيل خطة 2030 قرر الامير إطلاق حملة لمكافحة الفساد تم بموجبها اعتقال المئات من الأثرياء الذين يتم التفاوض معهم الآن للتنازل عن جزء معتبر من ثرواتهم مقابل الافراج عنهم.
والغريب في هذه الحملة انها تتم دون أي إجراءات قانونية ودون محاكمات شفافة، كما أن المعتقلين معزولون عن العالم بشكل تام والأمير يتجاهل أنه بهذا يؤخر خطته 2030 ويحولها الى خطة 3020 دون أن يدري لان هذه الاعتقالات العشوائية أرسلت بالضرورة إشارات خاطئة إلى المستثمرين في الداخل والخارج بأنهم عرضة لنفس الشيء في غياب سلطة قضائية مستقلة، فلماذا المخاطرة ووجع الدماغ.
ولزيادة الطين بلة فقد أدت عملية شراء أحد الأمراء السعوديين المقربين من الأمير محمد بن سلمان للوحة "مخلص العالم" لليوناردو دافنشي ب450 مليون دولار إلى تعقيد مهمته وتشتيت انتباهه حيث ذكرت جريدة النيويورك تايمز اوسع الجرائد نفوذا في العالم بأن الأمير صاحب 2030 ومحارب الفساد هو المشتري الأصلي للوحة التي يقال إنها مزورة وليست من أعمال دافنشي.
وبغض النظر عما ذكرته النيويورك تايمز فإنه يمكننا القول بأنه لا يوجد آمير سعودي في هذه الأيام الصعبة في المملكة يمكنه سداد هذا المبلغ في لوحة حتى ولو كانت اصلية دون موافقة الأمير.
والأكثر من هذا فإن هناك انطباع نستشعره في أوروبا بأن أي عقار أو أصل تجاري اوفني يشتريه أي عربي من دول الخليج لا يساوي نصف ما يدفع فيه بدعوى أن أموالهم سهلة وغير مدققة. ولك أن تتخيل عزيزي القارئ أن الأمير صاحب اللوحة أيا كان شخصه قام بعرضها للبيع مرة أخرى، هل سيستطيع أن يبيعها ب 450 دولار كما اشتراها؟
وآخر الشائعات تتحدث عن أن الأمير أشترى قصر لويس 14 في فرنسا ب300 مليون دولار. إن من شأن هذه الاخبار والتصرفات الطعن بسكين غائر في مصداقية الأمير وحاشيته وتشتيت انتباههم وبالنتيجة تأخير كل خطط الاصلاح الاقتصادي المتعثرة اصلا.
الأمير المتعجل ظهر فجأة وصعد إلى قمة السلطة في السعودية على جثث الكثيرين ولا يوجد من يجرؤ على أن يسأله عما يفعل وسط هذه الأجواء المخيفة في المملكة، فهل سيستمر الأمير في مواصلة إبحاره بالمملكة إلى جهة لا يعلمها سواه؟

نقول إن الشعب السعودي يستحق أفضل من هذا ويستحق أن يكون مشاركا في القرارات المصيرية التي يتخذها الامير بناءا على نصائح مستشارين يبدوا انهم إما غير مؤهلين أو أنهم من فئة سمعا وطاعا.
وربنا يهدي الأمير إلى سواء السبيل ويحفظ المملكة.

محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي
=============   
                                  

تعليقات