غرائب بغدادية



منقول -

عصير "زبالة" بغدادي أصيل... للبورجوازيين والرؤساء ودوماً الفقراء

 كيف ستردون عليّ إذا قُلت لكم "عازمكم على عصير زبالة"؟
هل ستضحكون أم تتفاجأون، أم تشتمونني؟ وهل سمعتم في يوم بعصير اسمه "زبالة"؟ تبدو القِصة مُقززة نوعاً ما.
تخيلوا شكل العصير وطعمه. لا تشمئزوا، ولا تحكموا على "المكتوب من عنوانه"، فهذا العصير هو أحد أشهر المشروبات في بغداد، وما الاسم إلا للمكان الذي لا يشبه المحتوى أو طعمه.
من المعروف أن رؤساء الدول، بخاصة في منطقتنا العربية يُحاولون "إكرام" ضيوفهم من زعماء الدول الأخرى بكل ما أوتوا من طائيةٍ (كرم حاتم الطائي)، فتُقدم الهدايا ببذخ. لكن لا أحد يتوقع أن يُقدم رئيس دولة لنظيره عصير "زبالة".
هذا ما فعله صدام حين زاره مبارك.
في واحدة من زياراته العراق في عهد الرئيس صدام حسين 1979 – 2003، اصطحب الأخير نظيره المصري حُسني مبارك بجولة في شوارع بغداد، ثُم دعاه إلى شرب العصير في أحد أشهر محال العصير العراقية: عصائر الحاج زبالة، نسبة إلى اسم العائلة التي ملكته لسنوات.
على أغاني أم كلثوم وناظم الغزالي، يقف حجي محمد عبدالغفور زبالة بسدرته الفيصلية ومسبحته البغدادية المعروفة، في مقدم محل عصير الحاج زبالة في شارع الرشيد الشهير وسط العاصمة العراقية بغداد، مستذكراً الأيام الأولى التي أسس فيه محل جده.
يقول حجي محمد الذي ورث المحل عن جده لرصيف22: "رؤساء عدة زاروا محلنا، وملوك أيضاً، وأبرز قصة هي زيارة حسني مُبارك مع صدام حسين، والذي تفاجأ بوجوده أمام محل عصير زبالة، وسأل صدام عن ذلك ضاحكاً".

لماذا سُمي عصير "زبالة"

يُنسب اسم المحل إلى مؤسسه الحاج محمد زبالة، والذي ينتمي إلى عائلة عراقية قديمة تسكن بغداد.  
وتعود تلك التسمية وغيرها إلى خوف العوائل على أولادها من الحسد، لذا كانت تُسميهم "زبالة" و "كَلب" وغيرهما من الأسماء التي يُمكنها أن "تَطرد" العيون.
يختص هذا المحل الذي يقع في شارع الرشيد جانب الرصافة من بغداد، بييع عصير الزبيب فقط. وتزداد مبيعاته في شهر رمضان من كل عام، حيث يأتيه الناس من كل مكان في العاصمة العراقية، وحتى من محافظات أخرى.
افتتح محمد عبدالغفور في عام 1900، محلاً صغيراً لبيع عصير الزبيب في منطقة باب السيف وسط بغداد، وانتقل بعد ذلك بأربع سنوات إلى شارع المُتنبي الشهير بمكتباته.
بقي المحل هناك لثماني سنوات، ثم استقر به الأمر منذ عام 1912 في منطقة الحيدرخانة بشارع الرشيد وسط بغداد.
صار هذا المحل من أيقونات العاصمة العراقية، ومكاناً بارزاً للاستدلال على أي مكان آخر، إضافة إلى ذلك فإنه ما زال مُحافظاً على الروح البغدادية القديمة في أركان محله والأغاني التي تصدح فيه.
يقول حجي محمد: "نُحاول قدر الإمكان الحفاظ على تُراثنا وروح بغداد القديمة وأيام زمان التي كانت فيها الحياة أفضل من الآن بكثير".

رؤساء وزعماء ومشاهير شربوا عصير "زبالة"

في محل الحاج زبالة لافتة مكتوب عليها "عصير الحاج زبالة للرؤساء والفقراء"، في إشارة إلى أن المحل يجذب إليه أصحاب المناصب العُليا في الدولة العراقية والفقراء من الناس.
يقول الحاج محمد: "يحرص الناس على زيارتنا بشكل مستمر، وهُناك زبن من محافظات أخرى لا يمرون ببغداد دون المرور بنا".
تنتشرُ في المحل عشرات الصور لزيارات رؤساء وزعماء وملوك المحل، وأخرى فيها لأدباء وفنانين ورياضيين تذوقوا في يوم عصير الحاج زبالة الشهير.
من بين الشخصيات التي شربت من عصير الحاج زبالة، الملك غازي الأول، ثاني ملوك العراق، والملك فيصل آخر ملوكه، ونوري السعيد آخر رئيس وزراء في الحكم الملكي العراقي، وعبدالكريم قاسم مؤسس الجمهورية العراقية وقائد الانقلاب ضد الملك فيصل الثاني، وعبدالسلام عارف رئيس جمهورية العراق الأسبق، وأحمد حسن البكر رئيس جمهورية العراق الأسبق وصدام حسين أكثر رئيس جمهورية حكم العراق (1979 - 2003).

أقدم من الدولة العراقية الحديثة

من تُراث العاصمة العراقية محل عصير زبالة الذي ما زال يتمتع بالروح البغدادية القديمة. فصاحب المحل ما زال يرتدي السدرة (القبعة) المعروفة بالفيصلية نسبة إلى الملك فيصل، وهي رمزية بغدادية شهيرة.
وعلى الرغم من أن عُمر الدولة العراقية الحديثة يصل إلى المئة عام بعد أربع سنوات، إلا أن عصير الحاج زبالة أقدمُ منها بواحد وعشرين عاماً، فتأريخ تأسيسه عام 1900، والدولة العراقية عام 1921.
صارت الدولة العراقية الملكية التي استمرت 37 سنة، جمهورية منذ عام 1958، وبقي عصير الحاج زبالة كما هو.

لا يُمكن أن نقول أن عصير الحاج زبالة عاصر ملوك العراق ورؤساءه، بل هُم مَن عاصروه.
ثلاثة ملوك وثمانية رؤساء جمهورية حكموا العراق خلال 94 سنة، وبقي عصير الحاج زبالة كما هو.
من 11 ملكاً ورئيس جمهورية حكموا العراق منذ عام 1921 وحتى الآن، ستة منهم زاروا محل الحاج زبالة وشربوا من عصيره، ومن يدري، ربما يكون الخمسة الآخرون وغيرهم شربوا منه لكنهم لم يزوروه.
لكن الغريب أن الصور المُعلقة على جدران المحل لا تتضمن وجود أي مسؤول أو زعيم عراقي بعد عام 2003، ولا أحد يعرف السبب "
== منقول من مجلة رصيف 22 " سعدون مصطفي " 29-11-2017

تعليقات