رحيل كاسترو  الزعيم الشيوعي 2 ـ 2

                   
    (( ما زلت عند رغبتي في عدم النشر بالانترنت , ولكن توجد أحداث تفرض نفسها . كتبت مقالين حول رحيل الزعيم  فيدال كاسترو . سأكتفي بنشر واحد فقط ))    

رحيل كاسترو  الزعيم الشيوعي 2 ـ 2

28-11-2016

صلاح الدين محسن 

كما فهمنا من كاسترو ، بعد قرابة ستين عاما ، الاشتراكية هي : ألا يشاركه أحد في الحكم

وان يشترك أبناء الشعب مع بعضهم ، في انخفاض مستوي المعيشة ، بالنسبة لشعوب اخري . وفي الزهد في حقوقيات إنسانية كثيرة ، تتمتع بها شعوب أخري . وفي العفاف عن اشتهاء الديموقراطية وتداول السلطة . والقناعة  بما يقرره له وعليه ، الحاكم الدي تعب وجازف بحياته ، ليستولي علي الحكم . وأن يفهم الشعب الكوبي , ان نار ذاك الحاكم ، أفضل من جنة من سبقه .
وأن الحاكم ليس مسؤولاً ، لو تعرضت بلاده لحصار اقتصادي يعزلها عن مستجدات الحضارة الحديثة ويحرمها منها ، والمسؤولية تقع فقط علي كاهل من فرضوا عليه الحصار .. !

لأنه لا يوجد ابداً فن وحكمة سياسية تمكن الحاكم من الإبقاء علي جسور علاقات بالأنظمة المختلفة ، للاستفادة من حداثة صناعاتها ، مع اجتناب عيوبها وعدم الدخول معها في صدامات قاتلة أو مدمية ..

وعلمنا من تاريخ حكم كاسترو لكوبا ، أن الحاكم الدائم الذي لا يتغير ، ويصمد ويتمسك بأفكاره وسياسته ، يكون له المجد ، في عرف الكثيرين من المؤرخين ، أما الثمن والفاتورة ، فالسداد علي الشعوب , من قوتها ومن دماء وحياة أبنائها ومن الحاضر والمستقبل ،وأحياناً من ماضي تاريخها ، عندما تتعرض للدمار ، أعز ما تملك من الآثار  ... وتدفع كذلك ، من حقها في حياة عصرية راقية وكريمة .  كل ذلك ثمناً لإصرار الزعيم علي آرائه ،وصموده الشخصي ..
أصر عبد الناصر بقرار من رأسه ، علي خوض حروب مؤكدة الهزائم ، وصمد في إصراره ، ودفع الشعب  الفواتير : أرواح ودماء وأموال .. ودفع الوطن من لحمه ..

القرار والإصرار والصمود الكارثي الأول لعبد الناصر . كان في حرب 1956 .. التي كانت مؤكدة الهزيمة والدمار والخراب ( مع انتصار اعلامي دعائي ناصري كاذب ) 

كاسترو وصل للسلطة بعد ذلك ب 3 سنوات - عام 1959 – يبدو انه قد تعلم من عبد الناصر ، ودفع شعب كوبا الفاتورة : فقراً ، وعزلة ، وحرماناً من مستجدات الحضارة الحديثة ..

 ديجول ، قائد تحرير فرنسا من النازي ، في آخر عهده بالسلطة ، أعد برنامجاً وطنياً واجه اعتراضاً .. أحتكم للشعب بالاستفتاء الشعبي ، وخرج عندما خسر الاستفتاء 

                     انها الديموقراطية ..

 أشد النكات السياسية إثارة للغيظ ، النكتة التي أطلقها الزعيم الاشتراكي البعثي السوري " حافظ الأسد " :

( الديموقراطية الغربية ، لا تصلح لمجتمعاتنا العربية ) .

يبدو أن " كاسترو "  قد أعجبته تلك النكتة .. فلم يقبل ديموقراطية ديجول ، ولو أخذ بها ، لعمل استفتاء للشعب – بعد 20 سنة من الحكم :

هل يريد الشعب الكوبي ، استمرار النظام الاشتراكي ؟

..... فهل فعلها كاسترو   !؟

من المستحيل ان يقدر حاكم علي البقاء في السلطة لمدة طويلة جداً ، مالم يمتلك قدرات أخطبوطية الديكتاتورية ـ أياً كان نوع نظام الحكم ـ  .. فيقطع ألسنة مخالفيه ، ويقتل معارضيه ، ويملأ بهم السجون والمعتقلات .

نظام التعليم في كوبا – كاسترو – هو من مفاخر شيوعيي الكثير من دول العالم .

وبعد اكثر من نصف قرن ، عندما تعب كاسترو بفعل كبر السن ، وسأم من طول مدة الجلوس فوق كرسي الحكم ، وأراد ترك السلطة لغيره ، فتش فيمن تلقوا التعليم في ظل حكمه ، فلم يجد فيهم واحداً يصلح لقيادة البلاد خلفاً له .. !.

فاضطر لتسليم السلطة لشقيقه راؤول ، الذي تلقي تعليمه في ظل حكم " باتستا "  !!

وتسلم  راؤول ، السلطة من كاسترو ، بطريقة ودية ، لأنها مسالة أخوية بين الشقيقين ـ ولا شأن لغيرهما فيها .... الموضوع سياسي ، والشعب لم يتخرج منه أحد يفهم في السياسة ، يمكنه القيام بالمهمة .. ..

 العيب كان في نظام تعليم ؟ .. أم ديكتاتورية ؟

 التعليم  في ظل حكم كاسترو قضي علي الأمية – أمية الحرف – وهذا شيء عظيم تتضاءل قيمته عندما نعرف ان غالبية مشاكل العالم تأتي علي أيادي ناس أتموا أعلي درجات التعليم وحصلوا علي أرفع الدرجات العلمية

 وكيف استفادت كوبا , ممن استطاع كاسترو أن يمحي أميتهم ؟

هل تمكنوا من اقناع الزعيم بعدم الانفراد وحده بكرسي الحكم حتي النهاية , أو جبروه علي احترام مبدأ تداول السلطة !؟

أم ان كاسترو قد علمهم ، علي الطريقة العربية : من علمني حرفاً ، صرت له عبداً    !

 ولكن من حق الشيوعيين بالدول الأخري ، ان يفخروا بنظام التعليم الكوبي في ظل كاسترو ، الزعيم الشيوعي الخالد العظيم .هذا حقهم ..

اهتم " كاسترو"  جدا بالصحة والطب ، لكون ذلك في صالحه ، خشية موت الشعب بفعل الفقر والعزلة عن العالم .. وهو الزعيم الحائز علي لقب اكثر زعماء الدنيا حباً لممارسة توجيه الخطب المطولة للغاية .. وبالتالي يهمه الإبقاء علي الشعب حياً وإطالة متوسط الأعمار .. بالارتقاء بمستوي الأطباء والطبابة .. ليسمع الشعب الخطابات ، ويستمتع الزعيم ..

 الحياة ليست فقط تعليم جيد وأطباء مهرة وحسب .. كلا بل في مقدمة مظاهر ولوازم الحياة : الحريات والسياسة الحكيمة , والإسكان الآدمي اللائق . الزراعة والصناعة, والفنون والآداب . والتاريخ والآثار والسياحة . والبيئة.. الخ .

الشيوعيون بالدول الناطقة بالعربية , سرعة دفاعهم – عن كاسترو و ستالين – وغيرهما من زعماء الشيوعية الذين التصقوا بكراسي الحكم حتي الموت , وقمعوا وأجاعوا شعوبهم . لا ينافسهم في تلك السرعة , سوي مواطنيهم الإسلاميين , عندما يدافعون – ويبررون – بنفس السرعة عن عمر بن الخطاب ، ـ ومحمد ,  وأبي بكر ـ والامام علي , و خالد بن الوليد , وحتي الدفاع عن : سيدهم : معاوية بن أبي سفيان – الذي رضي الله عنه وأرضاه .. - .. - !.

منذ 3 سنوات , أحد معارفي الكنديين . ممن اعتادوا الذهاب لقضاء إجازة استجمام في كوبا , في الشتاء , حيث الجو دافيء , وشواطيء بالغة الروعة . سألني : ألا تريد شيئاً من كوبا ؟

 فقلت له : شكرا ، وطمنا علي سلامة وصولكم . بالايميل .

فأجاب : لا يوجد بالفندق كمبيوتر وانترنت ...

اندهشت .. فافقر دول العالم صار بها انترنت وكومبيوتر .. ( لا يهم .. المهم هو أن يبقي الزعيم صامداً .. وعلي الشعب أن يصمد مع الزعيم . ويجدوا ناس بعيدين جداً يصفقون لصمود الزعيم .. شيوعيين وناصريين وبعثيين، من دول بعيدة .. ) .

قلت : لكن يقولون الطب في كوبا متقدم ..

قال : ولكن الأطباء يتلقفون فرصة العمل جرسونات بالفنادق , لكون أجر الطبيب ضئيل للغاية .. 

سألته : والحياة بداخل كوبا .. كيف حالها وحال الناس ؟

قال : السلطات تحرص علي ألا يختلط السياح الأجانب بالشعب .. ونقضي كل وقتنا بين الفندق والشاطيء .. – ثم كرر سؤاله التقليدي : ألا تريد شيئاً من كوبا ؟ -

ضحك عندما أجبته : سلم لي علي جميع الكوبيين , فيما عدا كاسترو ..
أما جاري العجوز – رحل منذ حوالي 5 سنوات – الذي كان يحمل الجنسية الكوبية , ويعرف كاسترو شخصياً , قبل الثورة – أو الانقلاب – وله ولأبيه حكاية معه ، ليس هنا مجال سردها . وعمل سفيرا لكوبا ، في شبابه  وزامل شقيق كاسترو – الرئيس الحالي " راؤول – في الدراسة الجامعية ... حدثني كثيراً عن سؤ أحوال الشعب .. له أقارب كثيرون هناك لا يقدرون علي الهروب من كوبا , وكل مدة يسافر لزيارتهم , حاملاً معه صدقات , عبارة عن ملابس وأحذية , وأشياء بسيطة هي عندهم ثمينة وغير متاحة ! .

في مدينة فانكوفر الكندية ـ بأقصي الغرب الكندي ـ ، خرج مائة من الشيوعيين ـ رغم سؤ الأحوال الجوية ـ يحملون الشموع والزهور , تأبينا لكاسترو , بمناسبة رحيله ..

لعل تسابق وتزاحم الأخوة الشيوعيين في تأبين وتعظيم كاسترو , عقب اعلان خبر وفاته . يؤكد أن الأصولية والسلفية ليست وحسب عند أصحاب العقائد والمذاهب الميتافيزيقية , وأن التعاضدية والحميمية القبلية ليست وحسب عند قبائل الصحاري وقبائل غابات أواسط افريقيا .

مما خفف عني الوطأة ، أن صديقة عراقية ، من عائلة شيوعية . لأعرف رأيها ، قلت لها : اعزيك في رحيل رفيقكم  كاسترو

فأجابت : من يستمر في الحكم لمدة طويلة هو ديكتاتور ، مثله مثل صدام حسين ..

-- كلامها معقول جداً .

وعني .. لا يعنيني أن يكون نظام الحكم رأسمالياً أم شيوعياً لأن طبيعة مساوئ الانسان واحدة ، لذا لا أنتظر أن يثبت أحد النظامين انه الأفضل ، بل يهمني جداً من يثبت انه الأقل سوءاً .. وجميع تجارب تطبيق الاشتراكية , لم تتمكن من إثبات انها أقل سوءاً من النظام الرأسمالي .

 كل تجارب الشيوعية ، أثبتت ان الشيوعيين ، عليهم ألا يتطلعوا للسلطة ، بل ينتظروا حتي تتغير طبيعة الانسان .. التي لم يضعها فلاسفة الاشتراكية في حساباتهم ، عندما سجلوا نظريتهم .

في وقت من الأوقات ، كنت أعتبر نفسي شيوعياً ، رغم عدم انتسابي لأي من الأحزاب ، وأغلب معارفي من المثقفين ـ للآن ـ هم شيوعيون ، فهم الأرقي ثقافة ووعياً .. منهم من أصابهم الجمود العقائدي.. والأحرار منهم تحولوا الي الليبرالية ، رفضاً للتكلس بالقوالب .. ويحافظوا علي المودة والصداقة مع الشيوعيين ..

أحببت الشيوعية وقتما كنت شاباً ، أحلم مع الشعراء ، بحياة مساواة وعدل ( ربما تتحقق بعدما يتمكن العلم من تغيير طبيعة البشر ،  ربما .. فهذا محتمل .. كما سنبين عندما نكمل ما سبق  أن نشرناه عن مستقبل الانسان ، مع علم الجينات ) .

وهذا بعض مما أعجبني لشعراء كانوا يحلمون بحياة يسودها العدل والمساواة , منهم الشاعر جبران خليل جيران .
نقتطف من أقواله  عن الحلم بمجتمع  مثالي  - من قصيدة المواكب . هذه الأبيات :   

ليس في الغابات عزمٌ.. لا ولا فيها الضعيفْ

فإذا ما الأُسدُ صاحت.. لم تقلْ هذا المخيفْ


ليس في الغابات علمٌ.. لا ولا فيها الجهولْ

فإذا الأغصانُ مالتْ.. لم تقلْ هذا الجليلْ

ليس في الغابات حرٌّ.. لا ولا العبد الدميمْ

إنما الأمجادُ سخفٌ.. وفقاقيعٌ تعومْ

فإذا ما اللوز ألقى.. زهره فوق الهشيمْ

لم يقلْ هذا حقيرٌ.. وأنا المولى الكريمْ

فغصونُ البان تعلو.. في جوار السنديانْ

وإذا الطاووسُ أُعطي.. حلةً كالأرجوان

فهوَ لا يدري أحسنْ.. فيهِ أم فيهِ افتتان

أعطني الناي وغنِّ.. فالغنا لطفُ الوديعْ

وأنين الناي أبقى.. من ضعيفٍ وضليعْ

.. الخ

--- هكذا تصورت امكانية خلق حياة مثالية , وسلام ووئام بين البشر وبين الكائنات ..

ولكنني تأكدت ، وأكدت لي التجارب السياسية الدولية ـ انه قبل أن يتمكن العلم من تغيير طبيعة الانسان  فلن يستطيع ألف كاسترو , أو الف لينين , و ماوتسي تونج , و تروتسكي , بناء مجتمع شيوعي . كما يحلم ويتصور الشعراء , ومعهم انجلز وكارل ماركس . وكما حلمت أنا وإياهم في بعض الأوقات .
                                    --- 
--- مقال ذو صلة منشور عام 2007  لصلاح الدين محسن :

أنبياء الاشتراكية : لماذا يتقيصروا ويتأبطروا ويتدكتروا ؟

http://salah48freedom.blogspot.ca/2016/12/blog-post_63.html


-----  هذا المقال نشر بموقع الحوار المتمدن 2016 / 12 / 3         
         
     

===========

                        


تعليقات