المعتدلون و الوسطيون
صلاح الدين محسن
16-1-1023
من المثقفين وحتي المفكرين من اذا انحشرت في رؤوسهم فكرة أو رأي , فمن الصعب مهما استخدمت معهم من الحوار ومن الحجج والمنطق أن تقنعهم باستخراجها .. اذ تكون قد عششت وتكلست وتوحدت مع المخيخ ولا سبيل لاخراجها ..
أكثر من قاريء صديق ( أو كاتب ).. اختلفنا في بعض الأمور , وتناقشنا فيها مرات .. ويبقي كلٌ منا علي رأيه ..
ليس بالضرورة أن يكون العيب عندهم . فقد يكون في مخي - أو مخيخي - انا .. وعادة كل واحد يري ان الصواب معه هو ..
والآن لنضرب مثال :
هو قاريء عزيز , يعيش في كندا , يتابع مقالاتي منذ بدأت النشر, في يونيو 2005 .. وكان قد اعتاد علي ان يرسل لي أو ينشر تعليقاته علي مقالاتي بالانجليزية - لم يكن لديه كيبورد عربي ..
وللآن لا يزال علي اتصال بي تليفونياً , وأحياناً بالايميل . و من وقت لآخر , نناقش أموراً شتي ..
أكثر من مرة يحدثني عن اقتناعه بوجود اناس - لاسيما بالعقيدة الصلعمية السمحاء الغراء .. ! - معتدلين , وسطيين .. وهؤلاء يمكن أن يعوَّل عليهم عند قيام نظام علماني بأيٍ من الدول المصلعمة .. عندما ينص القانون والدستور علي حرية العقيدة , وفصل الأديان عن الدولة .. ولا نتفق في كل مرة ! لا أحد أقنع الآخر ! .
فرأيي : المعتدلون والوسطيون - كما يسمَّون - في ساعة الجد تجدهم في صف الدواعش .. !
شيخ الأزهر السابق , عقب سقوط نظام صدام حسين وحزب البعث , وتوافد الدواعش علي العراق , للتفجير في الأماكن العامة وسرادقات العزاء وحفلات العرس ! بزعم مقاومة المحتل الأمريكي الأجنبي ! خرج اسلاميون من مصر للانضمام متطوعين الي الدواعش ..
وسأل الاعلام شيخ الازهر الراحل " محمد سيد طنطاوي " عن رأيه فيمن يذهبون من مصر للحرب في العراق ؟
فقال الرجل الوسطي المعتدل - شيخ الأزهر - مؤيداً ذلك : أقول لهم مع السلامة . مع السلامة . مع السلامة
ولليوم .. بعد ارتكاب الدواعش للفظائع في سوريا والعراق وسيناء وغيرها .. فان شيخ الازهر الحالي - الوسطي المعتدل - " الشيخ أحمد الطيب " رفض تكفير داعش , قائلاً : انهم أهل قِبلة , و لا يجوز تكفيرهم " !
أنا لا أقتنع بحكاية متدينين معتدلين و وسطيين يعول عليهم عند الشروع في اقامة نظام علماني للدولة .
فطالما وُجِدت وبقيت نصوص ارهاب صريح .. وظلت تلك النصوص غير محرمة ولا مجرمة . ومقدسة في كتب مقدسة .. فحكاية مؤمنين معتدلين و وسطيين تلك مجرد عملية ومحاولة استئناس لأديان عقورة , ضواري وحشية ..
والوحوش مهما استأنستها ودربتها علي ألعاب للسيرك .. المسلية والمبهرة , ففجأة يغلب الطبع علي التطبيع والتطبع , وأثناء العرض ينقض النمر علي المُروِّض المُدرِّب - زميله - في اللعبة , وينشب مخالبه في جسده فيرديه قتيلاً ..
استئناس العقائد ذوات النصوص الوحشية يشبه الهدنة التي كانت تقوم بيننا , ونحن أطفال صغار وبين حصان - أو عروس - الحلوي الحمراء الجميلة - التي كنا نتلقاها من أبوينا في إحدي المناسبات السنوية ( حلاوة الموُلِد ).. نفرح بها .. وكل يوم , نفرح بها , كما لو كانت حصاناً حقيقياً .. ولكن لأننا نعرف انها حلوي تؤكل .. فبعد أيام قليلة نقتطع منها قطعة ونلتهمها , ثم قطعة بعد قطعة . حتي نجهز عليها تماماً . يعدما فرحنا بها وحملناها بين أيادينا بحب وصداقة !. مثلما يفعل النمر مع مدربه وصديقه .. بعدما يقدم معه أروع العروض , ينشب أنيابه في جسده ويجهز عليه ليأكله .. فالمدرب بالنسبة له : طعام .. اللحوم طعامه , لحوم آدمية أو غيرها .. !
كذلك الطوائف المسماة معتدلة و وسطية , المنتمية للعقائد ذوات النصوص الوحشية , لا تانس لها تماماً , فسيأتي عليها يوم تشارك الدواعش في التهامك - ولكل عقيدة دواعشها - .
هناك من المثقفين والمفكرين الشرقيين من ينسون أن العلمانية - بمعني فصل الدين عن الدولة - القائمة في أمريكا وكندا وأوروبا واستراليا , كان أساسها الثورة الفرنسية التي لم تقتحم فقط قصر الامبراطور وحده , بل واقتحمت قصر المؤسسة الدينية ..
ونصبت المقصلة وقطعت رقاب الامبراطور والامبراطورة .. ففهم كهنوت المؤسسة الدينية أن رقابهم قد يضعها الثوار أيضاً تحت المقصلة , فحبسوا ألسنتهم بداخل الأفواه , وأحكموا عليها الغلق .
خرست المؤسسة الدينية . و فرضت الثورة , القوانين العلمانية .. ..
إلا أن النصوص الدينية المعادية والمخالفة للعلمانية لا تزال موجودة , ومتاح قراءتها وحفظُها لكل من يريد .. ! لا هي محرمة , ولا مجرم حيازتها أو طباعتها أو تدريسها والترويج لها
ومهما تراجعت تعاليمها , ومهما هجر المصلُون المعابد , ومهما عُرضت الكثير من تلك المعابد للبيع .... فدائما ستبقي بذور وجذور النصوص الارهابية ..لأنها لا مُحرَّمة ولا مُجرَّمة
أي يبقي الجمر تحت الرماد ..
ما ان ترتخي قبضة العلمانية لسبب أو لآخر - دورة حياة , شيخوخة , .. الخ - حتي تطِل من جديد قرون تلك المؤسسة الدينية .. وتطول مخالبها وأنيابها وشرور الدجل والخزعبلات , وتعاود الانتشار .. فتقام محاكم التفتيش في أوروبا - وأمريكا - مرة أخري ..! .. هذا قالته أستاذة جامعية أمريكية لزميلتها دكتورة نوال السعداوي - عندما كانت الأخيرة تحاضر في إحدي الجامعات الأمريكية -. و نشرته د . نوال , في مقال .. قالت فيه , انها عندما أشادت بالعلمانية في أمريكا - فصل الدين عن الدولة - , وكيف تراجع وجود ونفوذ المؤسسة الدينية - عَلّقت زميلتها البروفيسورة الأمريكية .. بل بذور وجذور التعاليم الدينية موجودة , وبمجرد اصابة العلمانية بالشيخوخة , ستعود المؤسسة الدينية وتعيد محاكم التفتيش مرة أخري , كما كانت في العصور الوسطي في أوروبا ..
الجمر تحت الرماد
بعض قرارات رؤساء أمريكا الآن - أو الكونجرس - , مثل اقرار أو منع حق الاجهاض للمرأة .. يكون مرجع الرؤساء أو السياسيين : دينياً .. ! - في دولة علمانية - وعلي أساس الحلال والحرام في الدين .. ! . وان لم يعلن ذلك صراحة . ( تكلسات نصوص ومواعظ دينية لا تزال حرة طليقة . ونفاق ديني , طمعاً في الحصول علي أصوات المتدينين . وقت الانتخابات ) .
رغم امتثال كل الدول الاسلامية - وغيرها - للقانون الدولي الذي قضي بتحريم الرق ومنع تجارة العبيد والجواري - .. لكن لأن النصوص الاسلامية لا تزال موجودة وطليقة , لا محرمة ولا مجرمة .. لذا فعندما تمكن الدواعش - الاسلاميون السلفيون الملتزمون - وقبضوا علي السلطة في بعض مدن العراق وسوريا , سرعان ما أقاموا سوقاً لبيع النساء الجواري السبايا ... !! بلهفة منهم وبشوق كبير لمجيء هذا اليوم !
الجمر تحت الرماد ..
الجمر تحت الرماد ..
( بعد 20 عاماً من نفوق شيخ صلعمي دجال نصاب ممثل بهلوان , المصريون اليوم بالسوشيال ميديا , منقسمون علي أنفسهم , وفي شجار حاد .. ما بين كارهين له , وبين محبين متعصبين يقدسونه .. وراحوا يتعاركون ويتشاتمون وتركوا قضايا الجوع والفقر وشبح الافلاس الذي يخيم علي بلادهم !! والسبب انه بعد وطوال العشرين سنة , منذ وفة ذاك الدجال , علي المستوي الرسمي ظل اعلام الدولة يبث تخاريفه و كل أحاديث دجله , باجلال وباكبار يرقي لمستوي القداسة !! فقدسته الغالبية من الشعب ! ) .
ونضيف .. من وقتنا الحالي : محمد بن سلمان , قبل أن يتدرج في علمنة الحياة ببلده - السعودية - لم يجمع رجال المؤسسة الدينية ليستشيرهم , أو ليستأذنهم في عمل ذلك , بل جمعهم ليقول لهم : إخرسوا .. وإلا فالسجون والمشانق موجودة ..
وهم يعلمون انهم أمام حاكم مَلِك , هو القاضي والجلاد وحامل المشنقة . والحكم بكلمة واحدة منه , لا نقض لها ولا استئناف .. فخرسوا
خرسوا ..
وراح " بن سلمان " يتدرج في اجراءات علمنة مجتمع بلاده بعدما ألجم ألسنة أعداء الحياة العلمانية وأغلق أفواههم ...
ولأن " محمد بن سلمان " - ربما لأنه لم يكمل بعد خطته للعلمنة التامة - ولا تزال نصوص الارهاب وكِتابُها ( الكريم ! ) .. طليقة , مقدسة , متاحة أمام كل من يريد حفظها .. لذا فانه بمجرد أن يتمكن أحد من قتله أو عزله أو بموته ميتة طبيعية .. سوف يعود كل شيء كما كان ,, فالأرجح انه سوف تعود جماعة الأمر بالمتلوف والحض علي المنكر - عفواً .. لا أتذكر اسم تلك الجماعة بالضبط - .. وسيعود أصحاب فتاوي الخزي والجهل العار : فقه شرب بول البعير والحجامة والنخامة وقواعد نكاح الدابة والعجوز , وحديث الذبابة .. الخ !..
كل شيء سوف يعود كما كان قبل مجيء محمد بن سلمان . فيما لو حدث لحياته ثمة مكروه ... و ما لم يسارع بقطع رأس الثعبان وذيله أيضاً ( ما لم يقم بتطبيق ما جاء في سيناريو .. :
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=83311
--------
ان الانسان بعد ما حققه من تقدم علمي مذهل , يتبادل مع الاديان تكذيب بعضها البعض ( العلم الحديث يكذب ويفند ويحرج الأديان , والاديان لا تؤمن به وتعتبره كُفر وتطاول علي السماء وعلي المبجل : ساكنها ومالكها والجالس فوق كرسيِّ عرشه الذي يحمله له ثمانية .. ! ..)
ومن هنا يجب اتخاذ موقف غير تقليدي في زمن غير تقليدي . تجاه العقائد الدينية العتيقة بمجملها .. ولا نتركها تواصل عرقلة مسيرة الانسان وعرقلة حياته بتعاليمها المتخلفة التليدة البليدة ..
وقد عبرت عن ذلك في أكثر من مقال . منها مقال " Looking for peace نحو البحث عن السلام " في 18-9-2016
https://salah48freedom.blogspot.com/2016/09/looking-for-peace.html
وأعيد نشره بعد عام - في 2017 - بموقع الحوار المتمدن :
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=559084
----------
تعليقات
إرسال تعليق