من تاريخ ما قبل التاريخ / الدندراوي الصغير
منقول ...
Aboualhassan Bakry
حكايات ما قبل تاريخية
4- حكاية "الدندراوي الصغير"
حكاية اليوم هي حكاية تمس كل واحد مننا، لأنها حكاية واحد من أجدادنا، أيوه اجدادنا المباشرين، اللي عاشوا على أرضنا، أرض الكنانة، كان عايش في الصعيد، وعلى الرغم من صغر سنه لكن حكايته تستاهل إننا نهتم بيها وننشرها عشان كل المصريين يعرفوا قصة "الدندراوي الصغير". عشان قليل جدا جدا من يعرفه أصلاً، اتفضل يا أستاذ "دندراوي":
"بدأت حكايتي يجي كده من 60 ألف سنة، والفترة دي حالياً علماء ما قبل التاريخ يسمونها العصر الحجري القديم الأوسط، كان الجو في مصرنا الحبيبة يتميز بالرطوبة، وأرضنا كانت تشبه مناطق السافانا الحالية، فيها نباتات وحشائش وأعشاب وأشجار في الوديان والمنخفضات عند البرك والبحيرات ونهيرات صغيرة كانت بتجري في اتجاه وادي النيل. وكنا بنعيش في الصحراء الغربية (عند البحيرات القديمة طبعاً)، وعند مصبات هذه النهيرات بالقرب من الوادي، ومنطقة البحر الأحمر بالقرب من القصير، ومناطق تانية طبعاً. ومن الحيوانات التي كانت بتعيش جنبنا في مصر الغزال، الثيران، الزراف، الحمار الوحشي، الجاموس البري، الجنزير وأسماك تشبه الأسماك النيلية الحالية. للأسف أماكن المعيشة مفضلش منها حاجة تقريباً. بس أهم حاجة تركناها بعدنا كانت محاجر وورش لاستخراج وتصنيع الأنواع الجيدة من الظران (الظلط) عشان تكون أدوات تساعدنا في الحياة (نعمل منها سكاكين، رؤوس حراب، مكاشط، مخارز، شفرات وغيره). المحاجر والورش دي كانت منتشرة على طول نهر النيل من وادي حلفا (الشلال الثاني) وحتى قنا. المهم بدأت الحكاية من أحد هذه المحاجر من مكان اسمه تل الترامسة بالقرب من قنا في صعيد مصر في منطقة منعزلة على بعد اتنين كليومتر ونص من معبد دندرة الشهير (اعتقد كده فهمتو ليه د. ابوالحسن أطلق عليا "الدندراوي"). انا اتولدت تقريباً من 55 ألف سنة وبعد ان بلغت من السن الست سنوات كنت أذهب إلى تل الترامسة لاستخراج الحصى الجيد (خاصة حصى الظران يعني بالبلدي كده الظلط) كنت بروح هناك مع والدي وبقية أفراد العيلة. كنا بتشتغل ازاي بقى؟ كنا بنروح عند الرواسب النيلية ونزيل الطبقة الرملية الطفلية ونحفر خنادق أو آبار بعمق متر أو أكثر عشان نوصل لأنواع الظلط الجيد، المهم كنا بنحفر حفر بطول 5 متر وعرض 4 متر وعمقها تفريباً متر او يزيد شويه، المهم لما كنا بنلاقي ظلط جيد كنا ممكن نختبره عن طريق ضربه مرة أو اتنين بحجر تاني عشان لو وحش وهش بنسيبه ونشوف غيره واحيانا كنا بنسخن الظلط عشان نختبره، المهم لو الظلط جيد كنا يا إما بناخده كده أو بنصنعه كأدوات او بنجهزه في المحجر نفسه، وكل ده بناخده أماكن المعيشة آخر اليوم. كنت اساعد في المحجر في جمع الحصى، او الأدوات، كنت أمرح مع بقية الصبية كانت أيام جميلة.
ظل الوضع هكذا حتى بلغت سن الثامنة من عمري وفي يوم من الأيام قبل خروجي من المسكن وذهابي إلى محجر تل الترامسة أحسست بإعياء شديد، ولكني آثرت الذهاب وعند الوصول أدى الاعياء إلى فقداني الوعي، حاول الوالد واقرانه في المحجر انقاذي ولكن دون جدوى، فهم لا يعرفون ما السبب، حتى فارقت الحياة .... حزن الأب والجميع على وفاتي ... وما كان بهم إلا ودفنوني في نفس الحفرة التي كانوا يعملون بها ... دفنوني راقداً إلى الوراء في وضع الجلوس ومتجهاً ناحية الشرق، وجعلوا وجهي متجهاً إلى أعلى إلى السماء وكنت متكئاً على سرير أو مسند من الرمال (سمكه 10 سم) رجليا كانوا متنيين ناحية اليسار في وضع متقرفص (منكمش)، دراعي الشمال وضعوه مثنياً على منطقة الحوض ودراعي اليمين شدوه تحت الظهر. ثم احاطوني ببقايا اعمال التحجير من الرمال والحصى المختلطة ببعض الأدوات الحجرية ثم أهالوا عليا التراب والرمال وتركوني وغادروا ... منذ تلك اللحظة منذ 55 ألف سنة وانا لم أرى الشمس.... وفي مخيلتي امي التي تركتها بالمسكن وأبي ورفاقي وبلادي الجميلة .... ظللت هناك أعاني الوحدة حتى عام 1989 عندما بدأت اعمال التنقيب بالموقع من بعثة بلجيكية، سمعت أصواتهم وهم يقتربون تارة ويبتعدون تارة أخرى حتى اقتربت أعمال الحفر من الحفرة التي ارقد بها عام 1991، إلا أنهم أوقفوا الموسم عندما وصلوا إلى منتصف الحفرة ولم يروني ... حزنت كثيراً ... ولكن بعد مرور ثلاث سنوات أثناء قيام البعثة بعمل المسح الأثري في مارس 1994 للبحث عن الحفر التي كانت تستخدم لاستخراج الظران تم العثور على جمجمتي اللي كانت في حالة سيئة جداً وهشة، فرحت كثيراً بأنني رأيت الشمس مرة أخرى، قررت البعثة استكمال التنقيب حتى لا يتم تدمير وضياع الجمجمة، قررت البعثة تقوية وتدعيم الرواسب الرملية حولي (عن طريق الغرا)، وبكده تمكنوا من حفظ الجمجمة وعدة أسنان. للأسف لم تتمكن البعثة من فصل عظام الترقوة والكتف والعمود الفقري بسبب حالتهم الهشة جداً. وكان ضلوع صدري ضاعت ومقدرتش البعثة تطلعها سليمة. ولم يتم العثور على عظام من الحوض أو من اليدين أو القدمين. المهم بعد كده تم تخزين جمجمتي والبقايا القليلة الهشة المتبقية مني في صندوق في مخزن آثار مدينة قفط لحد سنة 2007 دون دراسة لحد ما طلب أحد الآثاريين المحترمين المتخصصين في عصور ما قبل التاريخ (د. اشرف أبواليزيد Ashraf Abol-Yazeed له مني تحية وسلام) نقلي إلى متحف الحضارة لاستكمال دراستي ولكن حتى الآن لم يحدث شيء ولم تكتمل الدراسات حولي نظراً للوضع السيء اللي انا فيه... وأنا حالياً ارقد في صندوق في المتحف القومي للحضارة بالفسطاط بمصر القديمة ... ولن يتم عرضي بالمتحف ايضاً بسبب حالتي السيئة ... تخيلوا يا أصدقائي على الرغم من إني أقدم بقايا بشرية تم اكتشافها في وادي النيل على الاطلاق لم ألفى اهتمام كما ينبغي ... محتاج ترميم .... محتاج دراسة ... محتاج معامل متخصصة ... محتاج تحليل الحمض النووي ... محتاج اهتمام، اهتمام، ثم اهتمام .... خاصة ان الكشف عني هام جداً لدراسة هجرة الانسان العاقل من افريقيا إلى آسيا وأوروبا ...الكشف عني وضع مصر على خريطة هجرة الانسان العاقل خارج افريقيا ووضع وادي النيل أحد اهم الطرق المحتملة للخروج من افريقيا عبر وادي النيل ثم سيناء ثم آسيا .... محتاج دراسة مستفيضة، محتاج حد يعملي إعادة تخيل لشكلي زي بقية البقايا العظمية حول العالم .... يا ناس ساعدوني عشان أوصل صوتي .... في الكتب العلمية اسمي: طفل الترامسة 1 أو Taramsa 1 Child .... وانا انتمي لنوع اسمه الإنسان العاقل القديم
archaic homo sapiens
ابحثوا عني .... اقروا عني احكوا لولادكم واحفادكم عني، وشكرا"
امضاء: جدكم الكبير قوي قوي "الدندرواي الصغير"
وبكده يكون قصة اليوم عن جدنا "الدندراوي الصغير" انتهت والهدف منها تعريفكم بتاريخ بلدكم ... هيكل طفل من أكثر من 55 ألف سنة بل التأريخ الحديث يتحدث عن 68 ألف سنة. رجاء توصيل قصته لكل المصريين كبار وصغار .. يا ريت تشيروا البوست ده لأنه يخصنا جميعا.
#طفل_الترامسة #Taramsa1_child
مرفق: صور الموقع، الهيكل العظمي أثناء الكشف، الجمجمة، خريطة الخروج من افريقيا وخريطة الموقع نفسه. وكمان هتلاقو مقالتين في التعليقات
إلى لقاء فس قصة ما قبل تاريخية جديدة دمتم في حفظ الله
تعليقات
إرسال تعليق