تأملات ورؤي فنية غنائية

 
نقلها لكم من الفيسبوك - صلاح الدين محسن  22-4-2022

كتبها : محمد عبد المجيد  - صحفي مصري / نرويجي - أوسلو

فريد الأطرش وضع صوت شقيقته في كل حنجرة! الحزنُ الغامر الذي ملأ قلبَ فريد الأطرش علىَ وفاة شقيقته أسمهان أعطاه قدرة عجيبة على تصويرها في معظم المطربات اللائي لحـَّـنَ لهن . ظل يُلحن ويدلف إلى الحنجرة ويصنع منها ألياف صوت أخته أو على الأقل يستخرج البــَــحــَّــة الأسمهانية كأنه يُحيي النغمَ الراحل فيعيد تركيبه من جديد. استمع إلى نازك في (كل دقة في قلبي بتسلم عليك) وستعانق أذناك صوت أسمهان، فإذا انتقلتَ إلى (متقولش كنا وكان، ياريت ده كله ما كان، ياريت ما شفتك ولا عرفتك، ولا كان جمعنا مكان). هنا إذا أغلقت عينيك ظننت أنك تستمع إلى الأميرة السورية التي حملت رياحُ الجبل تردداتها لطبلة أذنيك. نور الهدى تغني بدلال ورقـّـة صباح( إن جيت للحق أنا زعلانة واخدة على خاطري وغضبانة)، فتختفي صورة الشحرورة وتحل محلها صورة أسمهان مع وقار أقل من صاحبة (فرّق ما بينا ليه الزمان دا العمر كله بعدك هوان). قدرة أمير النغم تجعلك تؤمن أن أوتار العود لا تنصت فقط للملحن، إنما تأمر المُغني فتحاكي ما يدور في ذهن واضع اللحن. انتبه جيدا إلى أغنية ( يا ساعة بالوقت اجري، خلـّـي الحبيب ييجي بدري ) فستعثر أيضا على صوت أسمهان في حنجرة نور الهدى، أما لو انتقلت إلى ( بقىَ عايز تنساني، وتزود حرماني) التي غناها فريد بنفسه، وغنتها سعاد محمد، واغمضت عينيك فستتخيل خياما تترنح من الهواء في احدى ضيعات عائلة الأطرش. الغريب أن فريد لم يستطع لصق حنجرة أسمهان على فايزة أحمد ابنة بلدها سوريا، فغنت (يا حلاوتك يا جمالك) بعيدًا عن تأثير أسمهان. أما (روحي وروحك حبايب) لوردة فهي محاولة جادة لربط الثلاثي، الجزائري والمصري والسوري، فيأتي خليط عجيب كأنه رَطـَـب سقط من نخلتين في العلالي. كانت أسمهان توحي لأكثر من جئن بعدها، ولو نفين الصلةَ الصوتية، لكن عود شقيقها الدمشقي المزركش كان يستبدل بالحبال الصوتية أوتارًا يتولى هو تسميتها فيما بعد. عبقرية فريد الأطرش كانت أحيانا في جعل كلمات عادية جداً تدخل نسيج الوطن، وتلتصق بالتراث، وتحمل جينات وراثية، وتنتقل في كل المناسبات كأنها صُــنعت خصيصاً لكل مناسبة. دقوا المزاهر أغنية غريبة فقد تمكنت من إزاحة كل أغاني الأفراح منذ عام 1952 وحتى الآن ، وربما كتبها فتحي قورة ولم يدر بذهنه أنها ستعيش جيلين يمتدان إلى ما شاء الله. أغنية لو استمعت إليها وأنت حزين فهي قادرة على اصطحابك إلى أقرب عُرس دون أن تبرح مكانك، وفيها انتصار الحب ( إحنا الليلة ده، كيدنا الأعادي ) ، وفيها الخوف الدائم في أغاني فريد من ( العــُــزال، الحسود،) وفيها الدعاء كأنها أغنية دينية. دقوا المزاهر أغنية لا تموت فكل يوم، وكل ساعة هناك عُرس تنتظره كلمات سهلة وبسيطة ويمكن لأي آلة موسيقية أن تعزفها، من معزوفات الزار إلى رقة العود مروراً بخلخال غجري كأنه سقط من تمر حنة. فريد الأطرش عبقرية غنائية تكتشفها في كل زمن، ثم تعيد اكتشافه كأنه غنــّــىَ البارحة. فريد الأطرش قام بتمصير العروبة، وتعريب المصرية في تناغم عجيب يسمح لكل عربي سوري أو عراقي أو لبناني أو مصري أو تونسي أو خليجي أن ينسبه إلى بلده على الرغم من أن الفنان الرائع كان فعلا أميراً شاميا ودرزياً لم يفصح عن إمارته، وربما وضع سرَّها في عوده الدمشقي المزخرف. محمد عبد المجيد عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين أوسلو النرويج
____________________________

تعليقات