كتابات مختارة - عن استقلال كردستان العراق

 نعم لاستقلال كردستان، لا للتنازلات لبارزاني

للكاتب العراقي  دكتور عبد الخالق حسين 

منقول من موقعه الخاص - 28-9-2017 - الصور  أضفناها من اختيارنا - 
                                        صورة من مدينة كركوك
نص المقال : 
وأخيراً تمًّ استفتاء الشعب الكردستاني فيما إذا يريد البقاء مع العراق بصيغة الفيدرالية، أو الانفصال والاستقلال، رغم كل الاعتراضات المحلية والإقليمية والدولية. والمعترضون ينقسمون إلى قسمين: الأول، ضد الاستفتاء والانفصال لأنهم يرون أنه يتعارض مع الدستور الذي صوت عليه الشعب الكردستاني عام 2005، وأنه يسبب مشاكل وعدم استقرار دول المنطقة، ويعرض المكتسبات الكبيرة التي حققها الشعب الكردستاني عبر نضاله العسير لعشرات السنين إلى الخطر، بما فيها احتمال اندلاع حروب لا تبقي ولا تذر. أما القسم الثاني من المعارضين فيرون أن الاستفتاء رغم كونه حق مشروع، ولكن الوقت غير ملائم، وآلياته خاطئة، وإلا فهم مع الاستفتاء والاستقلال وحق تقرير المصير، وأغلب هؤلاء هم من الكرد المعارضين للسيد مسعود بارزاني رئيس الإقليم المنتهية ولايته. وقد شرحنا ذلك بشيء من التفصيل في مقالات سابقة (1 و2 و3). 
 شئنا أم أبينا، فالاستفتاء قد تم إجراءه، وبنسبة عالية من المشاركة، نحو (72%) حسب النتائج الأولية(4)، التي تشير إلى أن نسبة الذين صوتوا بنعم 92%. أما 7.2% الذين صوتوا بـ(لا)، فأغلبهم ليسوا ضد الاستقلال، بل يرون أن الوقت غير ملائم. لذلك فكما قال الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا: (ما لا يمكن منعه فهو مباح).
وعليه فهذا الاستفتاء كشف الحقيقة المعروفة، والتي يحاول البعض إنكارها، وهي أن الغالبية العظمى من الشعب الكردي مع الانفصال والاستقلال. والديمقراطية تحتم على الجميع احترام رأي الأغلبية. فما قيمة الوحدة القسرية التي أثبت التاريخ فشلها؟ فإذا أُرغم الشعب الكردي على التخلي عن حلمه في تأسيس دولته، والبقاء ضمن الدولة العراقية رغم أنفه، فإن الشعور بالمرارة يزداد لدا الكرد، ويتحول إلى عداء وكراهية وحقد عنصري ضد الشعب العراقي بجميع مكوناته وبالأخص العرب، وخاصة العرب الشيعة باعتبارهم يشكلون الأغلبية في الشعب، والبرلمان والحكومة. وقد بدأتْ معالم هذا العداء تطفح على السطح في مواقع التواصل الاجتماعي على شكل شتائم  ضد العرب (سنة وشيعة)، وحرق العلم العراقي، والإساءة حتى إلى الرموز الدينية.
و كما توقعنا، فإن ردود الأفعال العراقية والدولية كانت شديدة إزاء الاستفتاء ونتائجه، ما عدا إسرائيل المرحبة باستقلال كردستان لأسباب معروفة، أشارت إليها باحثة إماراتية في مقالها الموسوم (لماذا تدعم إسرائيل إنفصال كردستان؟)(5). كذلك السعودية، ورغم موقفها الرسمي المعلن ضد الاستفتاء والإنفصال، إلا إن الإعلام السعودي كان مع الاستفتاء، ولا يمكن أن يخالف الإعلام الموقف الحكومي. فللسعودية مصلحة اقتصادية بانفصال كردستان(6). أما أمريكا فهي الأخرى معارضة للإنفصال في العلن، ولكن هناك دلائل تشير إلى تأييدها له في السر. إذ لا يمكن للسيد مسعود بارزاني أن يتمرد على السيد الأمريكي ويحقق ما يريد بدون موافقة ودعم أمريكا. وهذا واضح من تصريح الناطقة الرسمية باسم البيت الأبيض التي وضعت إيران وداعش في سلة واحدة بقولها: (من المهم الحفاظ على وحدة العراق لصد داعش وايران)(7). كما لا يمكن أن تتخذ أمريكا موقفاً مخالفاً لموقف إسرائيل من هذه القضية، خاصة وأنها تريد أن تستخدم كردستان لإنشاء قواعد عسكرية لمواجهة إيران. لذلك نعتقد أن أمريكا هي الأخرى تعارض استقلال كردستان في العلن وتؤيده في السر، وكذلك معظم الدول الخليجية.
لا شك أن كل مواطن عراقي غيور يتمنى أن تبقى الدولة العراقية موحدة في نظام ديمقراطي فيدرالي حقيقي كما أقره الدستور الدائم لعام 2005، وهو بالمناسبة أفضل دستور في تاريخ العراق رغم ثغراته الكثيرة، ولكنه يمثل المعدل الممكن من الحد الأدنى لإرضاء جميع الأطراف المتصارعة التي شاركت في كتابته، وصوتت عليه غالبية الشعب العراقي من جميع مكوناته. ولهذا السبب تعتبر الحكومة المركزية وعلى لسان رئيسها الدكتور حيدر العبادي، أن الاستفتاء غير شرعي لأنه مخالف للدستور،  واتخاذ إجراءات بحق الإقليم. خاصة وهناك "... وجود التزام دولي بالتعامل مع الحكومة الاتحادية لاسيما على صعيد المنافذ الحدودية وكذلك تصدير النفط، أكد أن ملاحقة ستحصل لأرصدة المسؤولين عن بيع نفط آبار الإقليم ومحافظة كركوك خلافاً للسياقات القانونية من أجل استرجاع مبالغ تلك العمليات."(8)
حقائق لا بد من ذكرها
ولكن هناك بعض الحقائق يجب الاعتراف بها، والعمل وفقها إذا ما أردنا تجنيب شعبنا المزيد من المآسي بسبب الوحدة القسرية، وهي:
الحقيقة الأولى، أن الأمة الكردية نالها الظلم بسبب اتفاقية سايكس- بيكو عام 1916، ومعاهدة لوزان عام 1923، حول التعامل مع تركة الدولة العثمانية بعد سقوطها إثر الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، حيث أقرت الاتفاقيتان تأسيس دول لجميع القوميات التي كانت خاضعة للحكم العثماني المنهار، إلا الشعب الكردستاني الذي ناله الحيف والظلم حيث تم تقسيمه على أربع دول وهي تركيا، إيران، سوريا والعراق. لذلك بقي هذا الظلم يلعب دوره في إثارة الشعور بالمرارة لدى الكُرد، مما دعاه إلى النضال من أجل إزالة هذا الظلم، وظل حلم تأسيس دولته القومية يراوده ولا يمكن إزالته بالقسر، ونال الشعب العراقي القسط الأوفر من هذه الكوارث خلال ما يقارب القرن من الزمان.
الحقيقة الثانية، أن الكُرد في العراق ليسوا مستعمَرين من قبل العرب كما يتصور البعض من القوميين الكُرد، بل هو خيار فرضته بريطانيا المحتلة على مؤسسي الدولة العراقية عام 1921، وكان لزعماء الكرد دور في التأسيس، شاركوا في جميع الحكومات العراقية المتعاقبة،
الحقيقة الثالثة، أن أكراد العراق حققوا مكتسبات حقوقية لم يتمتع بها أشقاءهم في الدول الثلاث الأخرى (إيران وتركيا وسوريا)، وخاصة ما بعد 2003، حيث صاروا شركاء حقيقيين في إدارة الدولة والثروة والنفوذ. ولكن رغم ذلك ظل الكرد يراودهم الحلم بتأسيس دولتهم الخاصة بهم أسوة بالقوميات الأخرى.
الحقيقة الرابعة، وبناءً على كل ما سبق من حقائق، ومهما كنا حريصين على وحدة الدولة العراقية، إلا إن التاريخ خلال المائة سنة الماضية قد أثبت أن الوحدة القسرية بين الكُرد والعراق كانت سبباً لعدم استقرار العراق وتقدمه، والمزيد من الدماء والدموع، والتضحية بمئات الألوف من شبابه، وكان للكرد حضور واضح في جميع حروب العراق الداخلية والخارجية. راجع مقالنا(لا للوحدة القسرية)(9)
أيهما أفضل للكرد دولة قومية أم فيدرالية؟
ولكن رغم أنه من حق الكُرد تأسيس دولتهم القومية، إلا إن السؤال المطروح هو: هل الظروف ملائمة لولادة الدولة الكردية، حيث جميع الدول الإقليمية المحيطة بها وقفت ضدها، وهددت بفرض الحصار الاقتصادي عليها؟ وبالتالي يمكن أن تخسر جميع المكتسبات التي حققها الشعب الكردي بعد 2003؟
فأيهما أفضل، دولة كردية مستقلة ولكنها محارَبة من جميع الجهات، خاصة وقد هدد إردوغان "صديق" مسعود بارزاني، إيقاف تصدير نفط كردستان عبر الأراضي التركية، أو البقاء مع الدولة العراقية الديمقراطية الفيدرالية يعامل فيها الكرد أسوة ببقية أبناء الشعب العراقي؟
المنطق يجيب أن بقاء كردستان ضمن الدولة العراقية الفيدرالية هو أفضل و أأمن للجميع، ولكن نتائج الاستفتاء تؤكد إرادة الشعب الكردستاني وحماسه في الاستقلال، وهذه الإرادة يجب أن تُحترم من قبل الجميع.
لذلك نعتقد جازمين، وبعد عشرات السنين من المآسي والصراعات الدموية، أن استقلال كردستان هو لصالح العراق والكُرد معاً.
أما إذا كان غرض بارزاني من الاستفتاء هو ليس الاستقلال بل لتقوية موقفه في التفاوض مع الحكومة المركزية وابتزازها لكسب المزيد من التنازلات على حساب الشعب العراقي، فهذا مرفوض جملة وتفصيلاً، وأي تنازل له خارج إطار الدستور هو خيانة وطنية كبرى يجب تجنبها في جميع الأحوال ومهما كان الثمن.
ماذا يريد بارزاني من تنازلات؟
مطالب بارزاني غير واقعية وبلا حدود، ومجحفة بحق الشعب العراقي. فدولة المواطنة والنظام الديمقراطي الفيدرالي يحتمان المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص، وأن الحكومة المركزية مسؤولة عن إدارة جميع الثروات والواردات النفطية وغيرها، وحماية الحدود وإدارة منافذها واستلام مواردها، والحكومة المركزية هي المسؤولة عن السياسة الخارجية والقوات العسكرية المسلحة. بينما ما يطالب به السيد مسعود بارزاني هو ما يلي:
1- نفط كردستان لكردستان، إضافة إلى حصته 17% من الموازنة العراقية.
2- أن تدفع الحكومة المركزية رواتب البيشمركة، وتكاليف تسليحها كما لو كان جزءً من الجيش الفيدرالي، مع إبقاء ولاء البيشمركة لرئيس الإقليم، علماً بأن البيشمركة هي ميليشيات حزبية، ولاء كل منها لزعيم الحزب وليس للقائد العام للقوات المسلحة في الحكومة المركزية.
3- أن تتصرف حكومة الإقليم كدولة مستقلة في إدارة شؤونها الداخلية والخارجية والعسكرية، لذلك فللإقليم وزارة للدفاع و أخرى للخارجية، و وزارة للموارد الطبيعية. وهذا لا يحصل إلا في الدولة المستقلة والكونفيدرالية.
إضافة إلى أن السيد بارزاني يتصرف كدكتاتور، وليس في نظام ديمقراطي. وفي هذا الخصوص تقول الباحثة البريطانية من أصول كردية، د. شومان هاردي: (أُنتخب بارزاني رئيساً لكردستان في العام 2005. وبعد ان ادى دورتين رئاسيتين اعيد تمديد الفترة له لسنتين اضافيتين في العام 2013 مع شرط عدم ترشيح نفسه للرئاسة بعدها. ولكن بارزاني رفض التخلي عن المنصب عندما انتهت فترة التمديد تلك في 20 آب 2015.) 

وتضيف: (إن إصرار بارزاني على اتخاذ الخطوات من جانب واحد نحو الاستقلال يضع الشعب الكردي في موقف صعب. فأولئك الذين صوتوا بـ "لا”، او الذين رفضوا التصويت، سيبدون بمظهر الخونة للقضية الكردية، أما من صوتوا بـ "نعم” فسوف يتحملون مسؤولية ما سيقع)(10).
والجدير بالذكر أن إصرار السيد مسعود بارزاني على إجراء الاستفتاء من جانب واحد، وتوظيف المشاعر القومية، هو لبناء أمجاد شخصية له ولعائلته، وليدخل التاريخ كمؤسس الدولة الكردية. فراح يثير مشاعر عداء الكرد ضد العراق،
والحكومة المركزية بالإدعاء بقيام الحكومة بحجب 17 بالمائة من الميزانية الفدرالية عن الاقليم  لتجويع الشعب الكردستاني!. بينما الواقع هو اجراء جاء اصلاً للرد على قيام الاقليم بتصدير النفط لحسابه. فكما قال الدكتور حيدر العبادي أن حكومة اٌقليم تصدر نحو 900 ألف برميل يومياً، فأين تذهب واردات هذا النفط. وعليه فبارزاني هو السبب الرئيسي لعدم دفع رواتب العاملين في الإقليم وليست الحكومة المركزية.
----    --------------      -------------------   -----------------------
هل سيتسبب البرزاني , للأكراد , في كارثة " حلابجة " جديدة , بشكل او بآخر . كما حدث في عهد صدام حسين -
                             مقبرة تضم رفات الضحايا من أهالي حلبجة نتيجة الهجوم الكيمياوي في 1988  
                                    كاريكاتير يسخر من نفي صدام لمسؤوليته عن كارثة حلبجة               
-----------------------------------------------------------------
ما العمل؟
إن ردود الأفعال المتشنجة ضد الاستفتاء ونتائجه، بفرض الحصار الاقتصادي وعزل الإقليم عن العالم، غير صحيحة، إذ  تجعل من الشعب الكردستاني يشعر أنه محاصر، وبالتالي تصب في خدمة مسعود بارزاني و تزيد من شعبيته. 
في عام 2009 نشرت مقالاً بعنوان (الخيار الكردي، بين الاستقلال والفيدرالية)(11)، قلت فيه ما يناسب موضوعنا اليوم:
(... أقترح على رئيس الحكومة المركزية، أن يطرح على القيادة الكردستانية أن يختاروا واحداً من إثنين: إما أن يختاروا دولة كردية مستقلة، وبالسرعة الممكنة وبأقل خسائر، و بحدودها في 8 نيسان 2003 مع بعض التعديلات التي يفرضها الواقع السكاني في أية بلدة من البلدات الحدودية المتنازع عليها، باستفتاء سكانها فيما بعد تحت رقابة دولية. فإذا أصبح العيش المشترك بين العراق وكردستان مستحيلاً، عندئذ، فـ"أبغض الحلال عند الله الطلاق"... أو القبول بالحكم الذاتي، ضمن الفيدرالية العراقية الديمقراطية على غرار الفيدراليات في العالم، مع حق الحكومة المركزية في إدارة المالية والثروات الطبيعية، و شؤون العلاقات الخارجية، والدفاع عن الحدود، والجيش العراقي الموحد بما فيه قوات البيشمركه التي يجب أن تكون خاضعة لقيادة المركز..الخ)
ولكن بما أن الشعب الكردي قد أعرب أخيراً عن رغبته في الاستقلال، فيجب أن يكون الاستقلال هو الحل الصحيح.
أما فرض الضغوط على الحكومة المركزية من قبل بعض الدول الصديقة والإقليمية، بتقديم المزيد من التنازلات لبارزاني على حساب الشعب العراقي، بذريعة درء خطر الحروب من قبل الدول الاقليمية الرافضة لاستقلال كردستان مثل إيران وتركيا وسوريا، فهذا يجب أن لا يكون على حساب الشعب العراقي. لأن هذه التنازلات ستؤدي إلى ردود أفعال سلبية لدى الشعب العراقي ضد حكومته، وبالتالي إلى المزيد من الاضطرابات وعدم الاستقرار.
لذلك نؤكد مرة أخرى أنه يجب على الحكومة المركزية، الاستجابة لاستقلال كردستان والانتقال السلس، و على حكومة الإقليم أن تتحمل تبعات عملها في مواجهة إيران وتركيا. أما إذا غير السيد بارزاني رأيه بتأثير الضغوط الدولية عليه، فيجب قبول بقاء الإقليم ضمن الدولة العراقية وفق النظام الفيدرالي الحقيقي الذي أقره الدستور وبدون أية تنازلات.
28/9/2017
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
 ــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د.عبدالخالق حسين: إستفتاء كردستان العراق، حق تقرير المصير أم ابتزاز؟
3- د.عبدالخالق حسين: الكُرد أول ضحايا الاستفتاء
9- د. عبدالخالق حسين: لا للوحدة الوطنية القسرية 
11- عبدالخالق حسين: الخيار الكردي، بين الاستقلال والفيدرالية  ===============

تعليقات