زمن القمامة الجميل


كتابات مختارة

      فيينا

سمير عطا الله   الشرق الأوسط  7 - 8 - 2017



سافرت إلى فيينا مرتين. الأولى، كنت في نحو التاسعة والعشرين من العمر، ولم تكن أهمية المدينة التاريخية بين الأولويات. والثانية منذ نحو عشر سنين، وكان دليلي إلى المدينة سفير لبنان، الأستاذ سمير شما، وهو عاشق الثقافات التي انتهل منها حيثما تنقل في منصبه الدبلوماسي من أميركا الشمالية إلى الجنوبية إلى اليابان إلى النمسا.
لم يكن ممكنا لي أن أعثر على خبير أفضل في شؤون النمسا، أو في جماليات فيينا، مع أن الزيارة كانت أشبه «بالجولات المنظمة» التي تعدها المتاحف. ومن الممكن، إذا شئت، أن تقسم فيينا إلى 50 متحفا، أجملها المدينة نفسها، العلاقة النادرة للهندسة بين المعمار والحديقة ونهر الدانوب.
كانت فيينا عاصمة إمبراطورية لنحو ألف عام. أشهرت كبار الموسيقيين مثل موتسارت وبتهوفن وكبار الكتاب والعلماء. ومنها خرج أدولف هتلر الذي أراد أن يوحدها مع ألمانيا بسبب اللغة، فكان أن حولها من عاصمة إمبراطورية فائقة الرقي إلى مدينة عادية لم يبق لها من ألق التاريخ سوى ذكريات الألق.
يجمعني بالسفير شما في لبنان، نوع من الندوة، أو المنتدى الأسبوعي الذي تأسس منذ نحو عقدين، ملتقى يناقش القضايا العامة ويبدي فيها الرأي من دون الانخراط المباشر في العمل السياسي، مع أنه يضم عددا من السياسيين والضباط والقضاة المتقاعدين.
عندما غرق لبنان ببحيرات وتلال القمامة، تحولت المسألة إلى قضية يناقشها كل لبناني، وهو يحاول أن يسد أنفه، ولم تعد فقط موضوعا يناقشه السياسيون أو الصحف أو المنتديات. وأطلعنا السفير شما مرة على أنه حمل من الحكومة اليابانية إلى الحكومة اللبنانية عرضا رسميا لإقامة أحدث أنواع المصانع التي تحول القمامة إلى طاقة أو أسمدة أو مواد صناعية أخرى.
الكلفة صفر. مصير العرض؟ سلة مهملات في مكتب ما، يمكن تحويلها إلى زبالة يغرق بها البلد. لماذا؟ لأن المشروع الذي لا يكلف شيئا لا يصلح لبلد مثل لبنان. ولأن نسبة العمولة، أو العمولات، من الصفر سوف تكون صفرا. فتشوا، إذا سمحتم، عن مشروع آخر، تكون أصفاره كثيرة، وإلى اليمين.

في جلسة ثانية، جاء السفير شما إلى المنتدى ومعه صورة بالألوان لمبنى جميل، وطلب منا أن نحذر ما هو. بعضنا قال إنه دار أوبرا. وآخرون قالوا إنه متحف فني. والبعض قال إنه معرض للتحف الزجاجية. كانت تلك صورة لمركز تحويل القم
امة في فيينا.
------       

تعليقات