ويبقي فضل الفيلسوف و المخترع

                                                                         ارسطو

ويبقي فضل الفيلسوف و المخترع
صلاح الدين محسن
17-12-2012

أفكار ممتازة،، كثيرة , واختراعات عظيمة غزيرة , يمكن مع الزمن أن تتراجع أهيميتها , أو تنتهي صلاحيتها
هذا شيء طبيعي .. ولكن يبقي لأصحابها الفضل في مسيرة تطوير الحياة وفي طريق الرقي بالانسان ..
نشرت مقالاً من قبل ,علي ضؤ الانتشار الواسع للماكينة والآلة لتحل محل العامل الانساني .. بعنوان  " وداعاً بروليتاريا , مرحباً آلة-تاريا "
 لم أقصد الشماتة في فكر وجهد فيلسوف العمال والعمل " ماركس " . فالمشكلة اذا تبدل الزمان , ليست في صاحب الفكرة أو المخترع .. ولكن المشكلة فيمن تتحجر عقولهم عندها .. رغم كل مستجدات الحياة . المشكلة فيمن يتشبثوا ويقدسوا , ما تجاوزه الزمن بحكم التطور .. بينما أصحاب الأفكار والنظريات والمخترعات أنفسهم , لو كانوا أحياء , وعاشوا التطور الحياتي , وشاهدوا علي الطبيعة نتائج تطبيقات افكارهم , لسارعوا بتجاوز ما قدموه , وربما لكانوا قد قدموا جديداً سباقاً يليق بالعصر الجديد أيضاً .

بمنظور من نشأ بدول العالم الثالث المتعثر , أنظر لمقولة  ماركس " الأديان أفيون الشعوب " باعتبارها مقولة فلسفية عميقة - وهذا قلته في مقال سابق لي نشرته منذ سنوات - .. ولكن من منظور الدول التي ارتقت , ومعابدها صارت خاوية من المُصلين وتستجدي حضورالناس ليحضروا , وخاصة الدولة الأوربية التي تدرس الالحاد لتلاميذ المدارس .. فهؤلاء باتوا يرون تلك المقولة , بلا أهمية بالنسبة لهم .. فقد تجاوزوا زمن الكعبلة الدينية لشعوب ما زالت ترسف في قيود عقائدها .. لذا فقد فقدت مقولة " ماركس " بريقها بالنسبة لهم , بينما لا زالت تحتفظ بلمعانها عند شعوب أخري متقدمة - في القمة - , وسوف تفقد ذاك اللمعان في يوم ما , عندما تتحرر تلك الشعوب من قيود أديانها مثلما تحررت شعوب العالم المتقدم .
وكذلك بالنسبة للبروليتاريا - عمال العالم , الذين دعاهم ماركس للاتحاد للخلاص من الظلم والفقر . لم يعد حال أغلبهم كما كان- ولاسيما بأوروبا وأمريكا .. 
 هكذا الأفكار والفلسفات , كما المخترعات , تتراجع أمام التطور وتقدم الانسان .. ويبقي لأصحابها الفضل والاحترام علي ما قدموه بعد تعب وجهود , وعطاءاتهم التي صارت قديمة كانت ضوءاً والهاماً للتطور والتجديد .

اينشتاين
                                            الفارابي - من اعمدة الحضارة الانسانية 

لكن المشكلة - كما قلت - فيمن تتوقف عقولهم وتتحجر , ويتمسكوا بأي قديم من أي نوع . بينما الزمن لايتوقف ..

كانت الدراجة الهوائية اختراعاً ممتازاً . أسرع وأنظف من استخدام الخيل والبغال الحمير لتركبوها - كقول القرآن - 
ثم جاءت السيارة . فتراجع دور وأهمية الدراجة الهوائية
ثم جاء القطار , الذي يمكنه حمل مسافرين أضعاف مضاعفة مما يمكن أن تحمله السيارة
ثم جاءت الطائرة .. لتفوق سرعتها , أضعاف سرعة القطار ,  تراجع دور القطار في السفريات الطويلة العابرة للقارات – والباخرة أيضاً - . ثم عاد ثانية علي يد الصين وقطارها - طريق الحرير - الذي ينطلق من بكين حتي لندن !. لنقل بضائع كثيرة ..
ولكن لن يستغني الانسان تماماً عن أي من تلك الوسائل – بدرجات متفاوتة - .. ابتداءً بالدراجة الهوائية , والبخارية والسيارة والترامواي . والسفن الكبيرة .
كذلك الحال بالنسبة للأفكار والفلسفات والمخترعات والمكتشفات بأنواعها - والمذاهب وعقائدها الميتافيزيقية, والنظريات السياسية والاقتصادية..

عن ماركس والماركسية . قرأنا مقالاً بديع الأسلوب والحبكة , ولكن صاحبة يعبر عن شماتته وسخريته من كارل ماكس .. أتفق معه في بعض ما قاله , لكنني تأسفت لسخريته وشماتته ..
   نريد تاكيد احترامنا لمخترع الدراجة الهوائية والبخارية . ولكل أصحاب الأفكار والفلسفات . الذين جدّوا واجتهدوا وقدموها للانسانية ثم صارت موجة ضمن موجات التطور والتقدم الانساني , تذهب وتأتي غيرها  .. 
( والعزاء لمن تتوقف عقولهم عن مسايرة تطور الحياة ) 
وهذا نموذج لأصحاب العقول المتحجرة , الذين يسيئوون للاختراع ولانفسهم وللمخترع .. أتذكر منذ عملت باحدي الشركات - كنت شاباً صغيراً , والمدير دخل في حوار عاتب غاضب , وبرفق , لاكثر من مرة , لكون أحد الموظفين الذي كان عمره وقتذاك يقترب من الخمسين عاماً . يصرعلي عدم استخدام ورق الكربون في تحرير المستندات التي كانت تستلزم عمل صورتين بالكربون - لم يكن وقتها يوجد كمبيوتر , واستخدام الآلات الكاتبة محدود وكان لابد لمستخدمها أيضاً من استخدام ورق الكربون عند اقتضاء الأمر . وذاك الموظف - رأسه والف سيف ( كما يقول المصريون عن الانسان المتعنت ) .. ألا يستخدم الكربون .. ! ويقول "  الكتابة باليد أفضل .. " ! يعني يكتب 3 مرات للمستند بدلاً من مرة واحدة .. ! .. والمدير يعود ليقول له " يعني الرجل الذي اخترع الكربون , رجل حمار .. ؟! " .. 

كيف نسخر من جهود وأتعاب مخترع الكاميرا العادية , بعدما استغنينا عنها بكاميرا الموبايل - التصوير الالكتروني ... ؟ 
كلا .. انه رجل عظيم , وكان حلقة شديدة الأهمية في سلسلة تطور وسائل التصوير .. 
وكيف نسخر من جهد وتعب مخترع الآلة الكاتبة , بعدما لم تعد لدينا حاجة اليها , باختراع الكمبيوتر ؟؟
لا يجوز .. فهو رجل عظيم , أختراعه كان أيضاً حلقة هامة في تطور وسائل الطبع ..
ومخترعات كثيرة أخري انتهت الحاجة اليها , ومخترعات أخري في طريقها لأن يتجاوزها التطور وستنتهي الحاجة اليها .. ولكن يبقي فضل وقيمة من اخترعوها ونفعوا بها البشرية لسنوات تقدر ربما بالمئات أو بالعشرات ..

الأفكار كذلك والفلسفات .. أرسطو - المعلم الأول - الكثير من أفكاره تراجعت أمام تقدم العلم .. ولكن يبقي لأرسطو احترامه , وهو المعلم الأول .. ومن جاءوا بعده وتجاوزوه عظماء بأفكارهم وبفلسفاتهم ,  ومن الطبيعي ان يتجاوزوا الأستاذ والمعلم الأول .. 

من استخدموا ورق الكربون , و النسخ علي الآلة الكاتبة . وعاشوا حتي استخدموا الكمبيوتر , واستخدموا التليفون المنزلي القديم , وحتي استخدام الموبايل الذكي . الذي يجمع وطائف عدة أدوات في وقت واحد - تليفون وكاميرا , وأجندة , وساعة لمعرفة الوقت يمكن الاستغناء بها عن ساعة اليد .. من مر بالاستخدام علي كل تلك الأشياء - كما هو حالي أنا شخصياً - سيعرف كم كانت قيمة كل اختراع , وكم كان المخترع عظيماً .. ويستحق ان يدخل التاريخ , علي جهوده وتضحياته   في سبيل الخروج بمخترعه الذي افاد به العالم لسنوات كثيرة , طوالها كان الناس يحتاجونه ولا يستغنون عنه , وان لم نعد نحتاج اليه نحن الآن  . 
وعلي أساس أو بالهام من كل مخترع قديم .. قام كل اختراع حديث .. 
ونفس الشيء بالنسبة للفكر وللفلسفة .
------
الفيلسوف ومطاردوه

الشرق الاوسط    17 ديسمبر 2017 مـ
سمير عطا الله
كان الهاجس الأهم عند كارل ماركس تحسين أوضاع العمال، أو بالأحرى، إنقاذهم من العبودية والاستغلال. مسألة عاطفية ووجدانية وضع لها أبحاثاً ودراسات علمية وكتابه الشهير «رأس المال». وفي نظره كانت قيمة أي سلعة تساوي قيمة العمل الذي استغرقته: إذا استغرقت خياطة قميص نصف ساعة عمل، فهذه هي قيمتها. كان عمال العالم الذين ناداهم ماركس إلى الاتحاد أناساً متعبين، وفي حالات كثيرة، مظلومين.
هل القاعدة التي وضعها لا تزال قائمة؟ 
قرأت قبل حين خبرين منفصلين عن موضوعين شديدي الاختلاف، فذهب فكري فوراً إلى العمال. الخبر الأول، يقول إن شركة «أديداس» الألمانية لصناعة الأحذية سوف تسلم كل نتاجها إلى «الروبوت»، الرجل الصناعي، أي أنها سوف تكون في غنى عن جميع عمالها. وفي «الفايننشال تايمز» قرأت تحقيقاً عن أول مصنع للجبنة في بريطانيا، لا عمل فيه لبشري. «الروبوتات» وحدها تنتج كل يوم 6 آلاف قالب من جبنة «التشدر» التي «لا تستطيع منافستها أي جبنة فرنسية».
كل فترة نقرأ عن اختراع، أو علم جديد يؤدي إلى إلغاء حِرفٍ وأعمال بأكملها في نهاية المطاف. منذ الآن يجربون في أميركا «السائق الآلي»، الذي سوف يحل بعد حين محل سائق الشاحنة، أو سائق التاكسي. تصعد إلى السيارة وتطبع «لها» العنوان الذي تقصده، وتتولى هي كل شيء آخر، بما فيه التوقف عند الضوء الأحمر، وإعطاء إشارة الاستدارة نحو اليمين، أو اليسار. وربما في المستقبل قد تؤدي عنك التحية إلى ركاب السيارة المحاذية.
أمضى ماركس عمراً حزيناً يدرس كيف يمكن رفع الغبن عن العمال. عمل الليل والنهار بلا كلل. وكان البقالون يطالبونه باستمرار بتسديد ديونه المترتبة. وكان أبناؤه وزوجته يعانون من المرض على الدوام. وعندما توفيت ابنته، اقترض جنيهين من جاره لكي يشتري نعشاً لها. وكان يمضي وقته في المتحف البريطاني باحثاً في الكتب التي تساعده على إثبات نظرياته، ثم يعود إلى المنزل ومعه ما دوَّن من ملاحظات ليمضي الليل يعمل عليها، مدخناً السيجار تلو الآخر، معانياً على الدوام من الدمامل في أصابعه بسبب كثرة الكتابة. وبعد عشرين عاماً، أكمل الجزء الأول من كتابه وهو واقف بسبب الالتهاب في مقعدته.
يبدو كل شيء عبثاً اليوم: العمال الذين كرس لهم ماركس حياته، إما هم في الظلم، وإما هم في منافسة مع آلة لم يكن يتصور أحد أنها سوف تحل محل الأيدي العاملة: تقطف الزيتون والعنب، وتصنع الأحذية، وتنتج أفضل الأجبان، وتقود السيارات في قلب نيويورك. 

«البورجوازية» اللعينة لا تكف عن مطاردة الفيلسوف.
======


تعليقات