من كتابات ما قبل الرحيل - 2

صلاح أ محسن
 15-9-2025
 

فيما بين عامي 1993/1992 , زرت قرية مصرية بالصعيد . تضم آثارا من مختلف عصور التاريخ المصري . وكان " اخناتون " قد اتخذها عاصمة - بديلة - .
 القرية تتبع مركز ملوي - محافظة المنيا - وهي : قرية " الشيخ عبادة " التي تقع شرق النيل . وتبعد عن القاهرة بحوالي 260 كم جنوباً ..
الرجل الكريم , الذي كان وقتذاك , يشغل منصب " عُمدة القرية - المختار - "  قال لي :
 " توجد بعثة آثارية إيطالية تحضر للقرية كل عام . لتجري بحوثا وتنقيبات . وكلما عثروا ولو علي قصاصة ورق بردي صغيرة . تحوي كتابة مصرية قديمة , اهتموا بها وحافظوا عليها ! ليترجِموا ما فيها من الكتابة للاستفادة منها "
!!!

ألا يجب علي المصريين تعلم كتابة وقراءة  لغتهم القديمة , التي كُتبت بها غالبية آثار حضارة بلادهم ؟ للاستفادة من علوم أجدادهم . مثلما يتعلمها الايطاليون - وغيرهم - ويعبروا البحر المتوسط , ويحضروا لقرية نائية في مصر . تقع بين الصحراء الشرقية والجبل ونهر النيل .. وينفقوا ملايين الدولارات .. ليعلَموا ويستفيدوا من كل ما هو مكتوب منذ آلاف السنين في حضارة قدماء المصريين , ولو من قصاصة ورق بردي صغيرة ؟

والبعثات الآثارية المختلفة تأتي من أعظم دول العالم للتنقيب واستخراج عجائب من آثارها . وفي كل يوم وآخر تظهر معجزات جديدة . وهم ينفقون الملايين , لأنهم يستفيدون من علوم وفنون وآداب ومخترعات ( قديمة جديدة  , خالدة  وملهمة  ) .. 

فلماذا لا يتم تدريس اللغة ( ولاسيما الكتابة - لغة وكتابة . وليست اللغة فقط  . في حالة وجود عدة كتابات للغة الواحدة , تُختَار الكتابة التي بها دونت غالبية آثار حضارة الأمة وتاريخها  .. وباقي الكتابات تقل أهميتها حسب قلة ما تم تدوينه بها  - وينحصر تعلمها علي الأكاديميين الباحثين - ) ؟ 

للاستفادة منها .. ولو كما يستفيد الأجانب ؟!؟  وباعتبار كتابة اللغة القديمة - التي دونت بها غالبية الآثار  =  مفتاح كنوز من أسرار  و آثار تلك الحضارة  
 مقال له صلة / انظر : هامش * 1:

الشعوب المغلوبة علي أمرها .. يمكن زرع أو خلع اية هوية جديدة أو قديمة - فيها أو منها

 أية لغة ولو كانت ميتة - خارج الخدمة - اذا  قَرّرتها علي تلاميذ المدارس الابتدائي , وحتى المرحلة الثانوية , كلغة أولى  . لمدة عشر سنوات ,  ثم عشر سنوات أخري ..  مع منح جوائز ثمينة  للمتفوقين فيها ( بدلا من جوائز تحفيظ ما لا يفيد ولا يسر  ) .. ستجد أغلب الشعب قد صار يتقن تلك اللغة ,, أية لغة .. ( انظر هامش *2 - في نهاية المقال )

بمعنى : أية أمة استطاع مستعمر أجنبي همجي , ردم تاريخها وهويتها الحقيقية وقوميتها منذ مئات السنين أو آلاف السنين .. من السهل إعادة كل شيء لما كان عليه , - وبما يتواكب مع مستجدات العصر الحديث , وبما يفيد تلك المستجدات ويفيد الانسانية - ..
لا شيء مستحيل 

أية لغة , صارت في ذمة المتاحف والتاريخ
احياؤها لا يحتاج الي معجزة ..

المعجزة فقط في ظهور ذوي العزم من الرجال الساسة
لا شيء محال اذا امسكت مقاليد الامور صفوة  من ذوي العزائم 
وقديما قال الشاعر  :
وتَصغُر في عين العظيم العظائمُ
وتَعظُمُ في عين الصغير : الصغائرُ !
--
لست متعصبا للغة ما .. وما زلت علي ما قلته في مقال سابق " المجد للمبدعين لا للغات التي عَبّروا بها "
لكن .. .. :
 لكن اذا وجدنا لغة حضارة قديمة من حضارات العالم الزاهرة ،  الملهمة ( سواء كانت مصرية قديمة , أو عراقية سومرية بابلية آشورية , أو حِمْيَرِيّة يمنية , سورية , لبنانية , نوبية , أمازيغية , نبطية - هؤلاء من دول المنطقة -  أو  أو  أو .. الخ.. ) أوليس من حق شعبها أن يتعلمها ويتقنها ؟! إنه واجب حضاري انساني . ( طبعا : بالاضافة للغة أممية انسانية عامة ) - .
--- 
لا يعوق احياء لغة وكتابة قديمة للانتفاع بكنوز حضارتها سوي :
اما دين استعماري فرش ظلامه علي كل نواحي الحياة وهو متلاحم مع لغته .. ويرفض بديل للغته أو شريك لها !
أو دين له أبجدية مستعمر غابر .. فصلت الوطن كله عن لغة حضارته الزاهرة ! وتلاحمت الأبجدية والكتابة الجديدة مع دين أجنبي آخر ! جاء ايضاً من خارج البلاد ..  !  
مشكلة هي .. ما جاء من الخارج - قديما - .. سواء لغة أو دين .. هما ضد الحضارة القديمة الخالدة الزاهرة الملهمة ..  وكل منهما يراها : مجرد عبادة أوثان !! .. وكذلك ضد غالبية ما أتت به الحضارة الحديثة . كل منهما يراها : محض مجون وإلحاد ! !! 

المهمة صعبة ولكن لا شيء مستحيل . اذا توفر عزم ساسة يقدرون علي تصحيح  سير التاريخ . وإعادته لمجراه الطبيعي والاصلح 

 و مازلنا علي رأينا فيما قلناه في كتابنا " مستقبل اللغات "
من ان العالم في حاجة الي لغة جديدة موحدة  - بعدما صارت الدنيا كما قرية صغيرة   . - لغة خالية من العيوب الموجودة في كل اللغات الحية وغيرها - بحكم شدة قِدَمِها - .  /  
ولكن .. تستثني لغات - وأبجدياتها , وكتاباتها -  طالما كانت هي لغة حضارة خالدة ومتجددة العجائب .وهذا موجود بأكثر من دولة - في العراق كما في مصر / وغيرهما - تبقي لغة حضارتها القديمة .حيّة ناشطة  في بلادها وعند شعبها / علي الأقل -  بجانب اللغة العولمية التي يجب أن تلتف حولها كل شعوب الأرض 

وان كان الذكاء الاصطناعي  قد يَسّر اجراء محادثات بين أي اثنين من اي لغتين مختلفتين مع الترجمة في الحال
بخلاف ما سيستجد ( وما استُجد بالفعل ) من العلم والتكنولوجيا لتسهيل التحدث والترجمة بين أية لغتين من لغات العالم ! وكذلك ترجمة الكتابة المصورة - بي دي اف - بلغة ما ، لاية لغة أخري ...
!!!!
 الغد .. سيكون أجمل من اليوم - هكذا نأمل - ..  فطوبي للأجيال الجديدة التي سوف تري وسوف تعيش ذاك الغد الجميل .
--
هوامش :
 مقال له صلة - هامش *1
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=758721#google_vignette

 هامش * 2 :
https://www.facebook.com/reel/782786214126212
======

____________________________

تعليقات