بيت جِدّي وبيت الأمير . وبيت جِدّ العندليب عبد الحليم . وبيت فنان الشعب سيد درويش

  بيت جدي وبيت الأمير 

صلاح الدين محسن

فبراير 2021

لقطات مجمعة من قصر الأمير محمد علي توفيق - ابن الخديوي توفيق - بحي منيل الروضة بالقاهرة - منقولة من الفيسبوك - ...

ليست لديّ صورة لمنزل جدي الفلاح , الذي نشأت فيه من عمر 4 سنوات وحتي 10 سنوات .. ولكنه مثل واحد من البيوت الفلاحية المصرية التالية - تقريباً - والتي تمثل بيوت غالبية شعب مصر  في العصر الملكي - كدولة زراعية - و قبل العصر العسكري , وبعد سنوات كثيرة من الحكم العسكري ..  كان بيت جدي علي غرار التالي :
كانت جدتي وأمي , تعنيان بتربية الطيور والحيوانات بالبيت الفلاحي ذاك . فكنا نحن والأرانب والحمام والدجاج , والبط , نعيش بالطابق العلوي في مساحة حوالي 50 متر مربع .. 
الرجا القاء نظرة مرة أخري علي بيت الأمير - بأعلي الصفحة - 
أما الطابق الأرضي فقد كان يبدأ علي اليسار ب زير,  ومزيرة ماء - قاعدة للزير-  مبنية بطوب وأسمنت  . وعلي بعد خطوات توجد قاعة شبه معتمة , ليس لها سوي طاقة صغيرة تدخل بصيصاً من النور . وفيها فرن . أحياناً يستخدم للخبيز , وفي الليالي الشتوية . بعد الخبيز . كنا ننام أنا وأخوتي مع جدتي , فوق سطح الفرن  حيث الدفء ..
وباقي الدور الأرضي . ممشي . كثيراً ما كنا نجلس فيه , نتناول الطعام . وفي آخر توجد حظيرة لحيوانات الحقل التي يستخدمها جدي قبل وفاته - جاموسة وحمار - والحظيرة ( الزريبة ) كانت دوماً معتمة لا تُدخل الا بصحبة لمبة جاز للانارة . حيث لا شباك لها وجدارنها مشتركة مع جدران بيوت الجيران . وبعد وفاة جدي تم بيع الجاموسة والحمار . وبقيت الحظيرة المعتمة . لا تُستخدم في شيء . الا كآداة عند جدتي تخيف بها من يتشاقي منا نحن أحفادها ..
بالطبع بيت صغير وضيق هكذا لا يمكن أن يكون صحياً وهو ليس أقل حالاً من غيره من بيوت الجيران بحارة ضيقة  .. أغلبهم فلاحون واثنان غنامين - رعاة غنم . يخرجون بأغنامهم للرعي في الصباح . ولا يعودون بها الا وقت غروب الشمس . وبيت يعيش فيه رجل كبير السن وزوجته , وابناه وزوجتاهما وأولادهما وبناتهما ..  يعملون كلهم في بيع الخضار - باعة جائلون - رجال ونساء . وبيت يعيش فيه 3 أخوة كبار  - كلهم حلاقون - مع زوجاتهم وبناتهم واولادهم . وأمهم وشقيقة غير متزوجة , وشقيقة متزوجة مع زوجها وطفلتها .. موزعين علي غُرَف ... ومنزل يعيش فيه حلاق الصحة وزوجته الداية - تقوم بمساعدة النساء علي الولادة - وزوجها يعالج المرضي - الأشياء البسيطة - , ويقوم بختان الأطفال الذكور والاناث . ومعه في نفس البيت يسكن بالطابق العلوي ابنه المُدرِس بالمدرسة . وزوجته وأولاده في مثل عمري أنا وأخوتي - تقريباً ..
وبيت لاسكافي وزوجته - لهما ابن وحيد يعيش في القاهرة - وبيت كبير لعائلة - غرف  مقسمة  علي الأم و3 رجال - أبنائها , وزوجاتهم وأولادهم .
لذلك كنا وباقي الجيران - الأطفال بالذات - كثيراً ما نصاب بأمراض . لم نصب بها أنا أو أخوتي عندما رجعنا للعيش بالمدينة . ومن أغرب تلك الأمراض , ما كنا نصحو في الصباح فنجد أعيننا مقفلة بمادة شبه صمغية - افرازات من العين - وكان علاجها بودرة اسمها شِشم . كانت تؤلم العينين . ولأن بيوت كل القرية تقريباً - باستثناء قلّة من الأغنياء . غير مبلّطة وحواريها وشوارعها كلها متربة وضيقة . لذا كانت تنتشر البراغيث . التي كنا نعاني من لدغاتها ليلاً ونهاراً . 
البراغيث حتي نهاية الخمسينيات وربما بعد ذلك - كانت جزءاً من حياة الفلاحين - غالبية أهل مصر . ودخل البرغوث في الامثال الشعبية " كل برغوث علي قد دمه " ! - ولحشرة البق . كان لها نصيباً أيضاً .. أما الذباب فكان يمكن ان نقابله في أي مكان .

بالطبع لو كان النظام الملكي - أو ما يسمي بالنظام الجمهوري - تهِمَّه حياة الفلاحين . لساعدوا علي اقامة بيوت ريفية آدمية نموذجية . لا أقول قصوراً للفلاحين كما الأمراء والكبراء - ولا فيلات كما الوزراء والأثرياء واللواءات . بل لا يكون التفاوت هكذا مروعاً ! ( ولكن بالطبع كانت العائلة المالكة تعتبر مصر كلها بما فيها ومن عليها مجرد أملاك لعائلة محمد علي باشا .. لهم الرفاة .. وباقي الشعب مجرد كائنات تحيا للخدمة في الحقول أو المصانع أو الخدمة ... في قصور السادة الأمراء والحاشية وكبار الملاك , وهؤلاء يمثلون مجرد ( نصف بالمائة ) من تعداد مصر .. 

لكن لو كان الفلاحون يشغلون بال الحكام . لبنوا لهم بالصحراء ( وهي 96% من مساحة مصر ) بيوتا نموذجية علي مسلحة 300 متر مربع - مائة متر للسكن , وخمسون متراً لحيوانات الفلاح , 50 متراً للدواجن , مائة متر  لزراعة ما يحتاجة البيت وما ينشر اللون الأخضر بالمنرل .. وتكون كل أماكن البيوت تدخلها الشمس .. 
والوصول للحقول بعربات نقل جماعية .. 
علمت بوجود مشروع في عهد الملك فاروق لتنمية الملكيات الصغيرة - قرية كفر سعد - ولكن أظنها كانت نوع من البروباجندا . لا تعبر عن سياسة عامة وشاملة لرفع مستوي حياة الفلاحين - الذين هم غالبية الشعب - ..
--- أما مولدي .. فكان بمبني ضيق بحارة من هذه الحارات الضيقة بحي الخليفة بالقاهرة - وهو حي شعبي - :
--- 
وهذا قصر لأحد الأثرياء الأجانب - بُنِي في حي " جاردن سيتي" بالقاهرة  عام 1900 : 1910. قبل أن تطوله يد الاهمال - الصورة منقولة من الفيسبوك - . 

---------- والصورة التالية هي لبيت جِدّ العندليب عبد الحليم حافظ - وهو البيت الذي ولِد فيه عبد الحليم :

------------
وبيت مولد فنان الشعب سيد درويش :


---------


تعليقات