التنبؤ العلمي ومستقبل الانسان

صلاح الدين محسن
 28-8-2024
منشور بموقع الحوار المتمدن اليوم 28-8 بالرابط :
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=840520
عنوان مقالنا اليوم .. مأخوذ من عنوان كتاب قرأته في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي "  التنبؤ العلمي ومستقبل الإنسان " من سلسلة عالم المعرفة، الكويت/ ديسمبر 1981م. -
المؤلف : الدكتور عبد المحسن صالح (  1928 : 1986  مصر )  له أبحاث علمية متخصصة في الكائنات الدقيقة ومعظمها خاص بالتلوث البيئي-

في ذاك الكتاب تنبأ المؤلف بأن الانسان سوف يغير غذاءه ,, ويقلع عن تناول اللحوم . ويكتفي بأكل الخضروات ( وبالفعل .. الانسان في طريقه لفعل ذلك , في بعض دول أوروبا , بدأوا في إنهاء مزارع الأبقار ) 
كما توقع تغير لون الانسان نتيجة لذلك - الانسان الاخضر -.
لكنني اعتقد أن تناول الخضروات فقط لن يغير لون الانسان - فملايين الهنود الهندوس لا يأكلون اللحوم . ولونهم عادي كما لون ابناء موقعهم الجغرافي .
الكتاب - سالف الذِكر -  ثري وجدير بالقراءة .

انا سكنت - مع أسرتي في سن 12 سنة بقرب طريق لقطار - كان من النوع الذي يسير بالفحم والماء - قطار بخاري - في قرية مصرية . في اليوم الأول للسكني . كان صفير القطار في وقت مبكر , يوقظنا من النوم 
لكن بعد بضعة أيام لم نعد نسمعه ونحن نيام ! 
لا أتصور لكون السمع قد تطور .. بل لأن المخ يقوم بغربلة الأصوات ويبعد غير المرغوب فيها .

ومرة أخري سكنت في شارع غير واسع . وعلي مقربة شديدة كان يوجد مسجد , يزعق بميكروفون . فيوقظني فجراً !
لكن بعد قليل من الأيام . لم اعد أسمع صوت الأذان . ليس لتطور السمع - الأُذنين - في تقديري - بل لكون المخ نفسه يقوم بغربلة , أو فرز الأصوات و ارسالها Junk - كما الكمبيوتر - وربما يعمل لها حظر -. دون ارسالها لل inbox ... 
وكما نعرف .. الكمبيوتر من تلقاء نفسه يحذف بعد أيام , ما في Junk .. فلا نعرف عنها شيء , ما لم ندخل ذاك الصندوق للاطلاع علي ما فيه .
المخ الانساني كثيراً ما يتحدي الكمبيوتر , ويتفوق عليه في العاب ذكاء كالشطرنج - أو في حل معادلت أو مسائل رياضياتية صعبة..

توجد حواس .. طالما كان الكائن الحي قريباً جداً من الطبيعة .. تكون  قوية جداً .. وعندما يبتعد عن الحياة في الطبيعة  تضعف حواسه .. فالانسان عندما كان يعيش في الغابات والكهوف والصحاري .. كانت كل حواسه قوية جداً . نظرا للمخاطر الكثيرة التي تحيق به من كل الجوانب .. و يحتاج ليقظة حواسه لتكون في أعلي درجة من النشاط 

عندما سكن الانسان في البيوت - وسط حوائد وجدران تجعله ينام في أمان تام .. لم تعد حواسه بنفس القوة .. ضعفت , لانها تراخت , بحكم الترف ..
الكائنات الصغيرة - او الأضعف - المهددة حياتها باستمرار , تكون حواسها هي الأقوي لبقائها في استنفار دائم . أو شبه دائم ..

في البلاد الحارة التي تكثر فيها الحشرت . ومنها النمل . مهما كان بيتك نظيفا تماما من النمل . اذا سقط منك في المطبخ  - بالخطأ - حبات قليلة من السكر .. وعدت اليها بعد دقائق . سيصيبك الذهول ,, وتتساءل : من أين جاء النمل .. الذي تكاثر حول حبات السكر ؟!! ان شقتنا نظيفة من النمل .. ! فكيف جاء ؟
لعله جاء علي الرائحة .. وليس بالنظر ولا بالسمع 
اننا لا نشم رائحة للسكر الأبيض !
 ولكن النمل يشم له رائحة ... !!
الكائنات الحية كلما صغرت .. وكلما كانت ملتصقة بالطبيعة .. كلما كانت حواسها قوية للغاية .. ولا سيما الشم والسمع .. وبعدها تأتي حواس البصر واللمس والتذوق .
و توجد كائنات كبيرة كالافيال تتخاطب عن بعد أميال , بالموجات فوق الصوتية - لا نسمعها نحن البشر !

عندما تكلمت من قبل في كتابي  " مستقبلك مع الجيناتك "  - وقبله في سلسلة مقالات عن - علم هندسة الوراثة " وذكرت امكانية الوصول للانسان السوبر .. لم اكن أقصد انه سيستغني عن الغذاء التقليدي - الطعام والشراب ..  بعدما يستطيع التحكم في الطاقة وفي توظيفها .. 
كلا .. فلو حدث ذلك لتغير الانسان ولما صار انسان . بل سيتحول بالتدريج الي كائن آخر شفاف - لا يري أو يكاد .. شبح أو روح / لو صح وجود " أشباح وأرواح " - و هي عنوان  كتاب للراحل انيس منصور . وقبلها كانت سلسلة مقالات بإحدي أكبر الصحف المصرية . في ستينيات أو سبعينيات القرن الماضي " أشباح وأرواح " .....

والذي قصدته بانسان سوبر هو .. انسان خالي من النوازع والنزعات والنزوات والاطماع والأحقاد  الشريرة ( ذوات الجينات الموروثة . أو المكتسبة ) التي تجلب العداء والصراع بين أفراد البشر - من ناحية ..  وبين الشعوب والدول من ناحية أخري .. وباستبعاد أو استبدال تلك الجينات بعكسها .. يظهر الأنسان : سوبر .. / وبتعبير أكثر دقة وصواباً " إنسان أقرب الي السوبر" .. لتجنب الاطلاق . اذ أن كل شيء نسبي ..
طعامه وشرابه وهيئته لا تتغير كثيراً . ولكن جوهره الانساني - يتغير نحو الأرقي ونحو الأكمل . هذا ما قصدته ..

في روايتي " مسامرة السماء " مطبوعة عام 1998 تنبات بان الانسان سوف يمكنه تغيير طبيعتة لأخري أكمل وأجمل . بأخذ جين بعض الكائنات التي ليست لها مخلفات أو فضلات تبقي من الطعام او الشراب - لا بول ولا براز ولا عرق ولا مخاط ولا دموع . وفي يومٍ ما - سيتمكن الجسم الانساني , من اخراج زوائده , بتحويلها - ذاتيا / فسيولوجيا - الي زفير يخرج من الأنف مع التنفس . وبروائح الزهور . ورد , فل , ياسمين , بنفسج . تمر حنة   ..  الخ .
ما زلت اري امكانية تحقيق ذلك . وما قلته لا أراه  شطحات شعراء ..
عندما أسجل خيالي- أو تصوراتي - العلمي . أحرص علي أن يكون قابلاً للتحقيق
وليس مجرد فانتازيا .. كما فانتازيا لطيفة في قول الشاعر الرائع جبران خ جبران : 
 ( هل تَحمَمتَ بعطرٍ  وتنشفت بنور 
وشَرِبتَ الفجر خمراً في كؤوس من أُثير )
تلك التساؤلات هي تخيلات لطيفة . نستمتع بقراءتها و نستمتع اكثر بسماعها ملحنة - مع الموسيقي - ومغناة بصوت فيروز . لكنها لن تتحقق

و قَدّرت إمكانية إيجاد الانسان السوبر , قياسا علي حال بعض الكائنات الحية التي لا تحتاج - بطبيعتها - لشرب الماء , بل جسمها يصنع بنفسه , ذاتياً - فسيولوجيا - حاجته من الماء. بأخذ الأكسوجين والنتروجين ( المكونين للماء ) من الهواء الجوي , بالتنفس .. كحيوان " الكنغر" في استراليا , ونوع من الفئران بإحدي صحاري الولايات المتحدة الأمريكية .

( وأكرر ان ما كنت أقصده بالانسان السوبر , في معرض حديثي عن هندسة الوراثة - الجيناتك في مقالات سابقة - أو كتابي ج 1 من " مستقبلك مع الجيناتك "- هو السوبر من ناحية الجوهر - سلوكيات وأخلاقيات سوبر ، أو أقرب للسوبر - بمعني أدق - .. )

( بالمناسبة : بهذه الرواية المشار اليها " الصعود للسماء " حصلت علي عضوية إتحاد كُتاب مصر عام 1999 - كعضو عامل - قبلها بعام كنت قد حصلت علي : عضو منتسب . بعدما قدمت عملين آخرين من مؤلفاتي .
 أي حصلت علي العضوية العاملة, علي مرحلتين - وقتما كان رئيس إتحاد الكُتّاب هو  : الكاتب الكبير الراحل " سعد الدين وهبة " - .. ثم خلفه الشاعر الكبير الراحل فاروق شوشة - طاب مثواهما ) ذكريات قديمة خطرت ببالي .

عندما تساعدني الظروف علي إكمال الجزء 2 من كتابي " مستقبلك مع الجيناتك " .. سوف أشرح فيه بتفصيلات كافية . كيف يمكن التوصل للانسان السوبر 
( الانسان السوبر - كتعبير مجازي .. أو لنقل : الإنسان الأقرب لتلك الصفة .. ) .
========
____________________________

تعليقات